الوحدة نيوز:
2025-07-02@11:06:16 GMT

مَنْ أنا بعد موت غزّة؟ | شهادة

تاريخ النشر: 7th, March 2024 GMT

مَنْ أنا بعد موت غزّة؟ | شهادة

مؤمن موسى

– مَنْ أنا بعد موت غزّة إلى الأبد؟

قلت لها: لا بدّ من حلّ لهذا اللغز، سنسأل عن النجاة والحياة والسماء.

فقدت غزّة حقّها في الكلام، مصادفةً انطفأت شمعتها الّتي كانت تحرّر العالم، الشمعة الوحيدة في الظلام. الموت في هذا البلد تكرار للذكرى، وإفراط في تحويل النهار إلى عتمة على صدور أطفالها. نحن أبناء غزّة مصابون بوباء جماعيّ في حبّ بلد ونحن لسنا فيه، كيف أولئك الّذين فيه؟

مصادفةً نجا مَنْ نجا من المدينة.

الصدفة وحدها مَنْ تحكم هذا المشهد في غزّة، فأنا مثلًا هيّأت حقيبة السفر، وآخر ما تبقّى من لحم أصدقائي وسافرت، مصادفة تأخّرت عن موعد قتل غزّة بخمس دقائق، أخطأني الموت ونجا صاحب حقيبة السفر، مصادفة أمسكت هاتفي في محاولة اطمئنان عبثيّة على صديقتي، مصادفة لم تصلني الأسطوانة المعتادة في هذه الحرب – فقدت الاتّصال بغزّة الحبيبة، نتيجة العدوان عليها.

بعد انقطاع اتّصال بها لأكثر من عشرة أيّام، استطعت الاتّصال بصديقتي الشقيّة، طالت المكالمة لنحو نصف ساعة، قالت لي ما لن أنساه: “والله أنا هيّني بكلّمك من البلكونة، وبشرب قهوة، والوضع رايق، والحرب هتخلص وهنلتقي خاوة في المطار”. سمعت صوت دموعها تتساقط في كأس القهوة.

سألتها: “إنت منيحة؟”

قالت بعد صمت طويل: “أنا تمام بسّ عندي زكام، معلش”.

لم يمرّ أقلّ من نصف ساعة إلى أن وصلني خبر استهداف العمارة الّتي تقطن فيها بأكملها وسط المخيّم، يا إلهي! كدت أفقد عقلي؛ بل فقدت عقلي وقلبي، لمّا يمرّ الوقت بعد، يداي ترتجفان، والدمعة تفرّ من عيني، خرّ من قلبي الدم.

الكلام هنا ضرب من عبث، لا شيء يمكنه وصف هول المصيبة والصدمة، تواصلت مع أحد الأصدقاء أتأكّد من الخبر، بعد مرور أكثر من ساعة انتظار تعجّ بالموت، كنت قد عرفت أنّها الناجية الوحيدة، وكلّ مَنْ في العمارة السكنيّة تحت الأنقاض.

هذا الجنون يعتري جسدي، والصمت يأكل روحي، لا شيء أفعله سوى تدخين السجائر الحقيرة واحدة تلو الأخرى، أصرخ في وجه السماء، وكلّ شيء حولي ينمّ عن غضب في كلّ مكان. في الانتظار البعيد يموت الإنسان، ويقتله العجز، حينذاك أنا على وشك السقوط في مقبرة الانتظار اللعينة.

بعد مرور يوم تقريبًا، توصّلت إليها وهي أسيرة المستشفى.

– منيح إنّك كلّمتني يا مؤمن قبل القصف، سكّرت معك المكالمة لقيت صاروخ بنزل عليّ في البلكونة؛ يعني لو ما رنّيت عليّ وطلعت في البلكونة أكلّمك عشان شبكة الجوّال منيحة، كان أنا هلّأ تحت الردم، كيف صار هيك؟ بسّ ماما وخواتي تحت الأنقاض، طيّب أنا هلّأ كيف بدّي أكمّل حياتي من غير ماما، خلص إسرائيل أخذت ماما منّي؟ أخذتها للأبد؟

يمشي الموت في غزّة واثقًا بخطاه. كانت هذه العائلة فريسة شهيّة له، هي الصدفة تختار لك شكل الموت وتوقيته، كلّ شيء خارج السياق والفكرة والعقل. الصدفة وحدها مَنْ تحكم هذا المشهد وكأنّ شيئًا ما عبثيّ الشكل يلاعبنا، أو يلعب بنا، أو حتّى يرسم موتنا بقسوة، لكنّ الغريب أنّ سماء غزّة تجبرنا على التصفيق مع نهاية كلّ مشهد.

هذا الفيلم عبثيّ يضرب كلّ شيء، لا يميّز الأحلام ولا يضع أولويّة لها، يريد الضحايا أن يسألوا كيف سيختارون الموت؟ أتكون الضحيّة وحيدة أم سعيدة أم ممتلئة بالنجوم؟

تريد الضحيّة أن يخبرها الموت قبل ثوانٍ لترتّب خصلات شعرها جيّدًا، ولتعدّ النجوم لآخر مرّة. تريد من هذا الموت أن ينتظر قليلًا هناك تحت الرمال، رأس لي وفي السماء يدي. تريد أن تموت بيدين ورأس واحد وأحلام كثيرة.

هذا الموت جائع، يحمل عائلة بأكملها، ويترك الهشّ منها ليأكل حسرتهم طوال حياته؛ ليراهم في أعمدة البيت المهدّم، وعلى الورد في النوافذ. هذا الموت أحمر، سماؤه سوداء، متجذّر في الأرض، لا أريد إصبعي أن يطير ويتركني، ولا أريد أن أكون أشلاء، لن أملأ الكون بعبثيّة أصابعي. هل تعلم، أيّها المخرج، أنّني أمتلك أحد عشر إصبعًا بلا عقلة؟

***

استطاعت ديمة الخروج من مخيّمات النزوح من قطاع غزّة، بعد أن نزحت أكثر من خمس مرّات، وفقدت عائلتها وخصلات شعر أمّها، بعد أن فقدت وطنها الحقيقيّ. اتّصلت بي فور وصولها القاهرة، قالت: منذ اليوم الأوّل الّذي وصلت فيه وأنا أسمع صوت الطائرات في القاهرة، لا أنكر أنّني خائفة، هل ستقتلني سماء القاهرة كما غزّة؟ الآن، وأنا أكتب لك من القاهرة، أسمع صوتًا بعيدًا يقول: “كلّ ده كان ليه؟”، هو سؤال يشبه كيف اختفت أمّي في لحظة ما؟

منذ سبعين يومًا، لم ترَ أمانًا في وجه أيّ إنسان، ناس تضحك وتشرب الشاي بالنعناع على قارعة الطريق، زجاجات الماء الصحّيّة في كلّ مكان، حرّيّة التنقّل والحركة، حرّيّة دخول الحمّام في أيّ وقت ممكن، طعم الخبز دون انتظار 8 ساعات في طابور المهانة، وخوف من الطائرات، المشي في شوارع هادئة لا تحسب حساب قذيفة مدفعيّة من هنا أو هناك، صباح مشرق من دون صوت الزنّانات – طائرات الاستطلاع – ومن دون دخان حطب فرن الطين الّذي لجأ إليه أهالي غزّة للحصول على بعض الخبز المغمّس بالدم.

هكذا يعيش الغزّيّون صراع الوجود في مخيّمات النزوح، كلّ شيء تفكّر في الحصول عليه عليك الوقوف في طابور الانتظار: الماء، والخبز، والزيت، وشحن الهاتف، وحتّى في حصولك على خيمة عليك أن تخوض تجربة الطابور. آخر ليلة قضتها ديما قبل الخروج من غزّة كانت في خيمة، قالت لي: “والله، البرد في الخيمة بوجّع روحك، ورجفة الأطفال غصّة في القلب”.

 

هل ماتت غزّة إلى الأبد؟

يا غزّة، أنا لا أعرف حالي، أنا أندب حالي… عصافير مدينتنا بنت أعشاشها على صدور أطفالها النائمة، مشيت كثيرًا في شوارعها، أنا خلّها الدائم، بيننا لغة خاصّة؛ لغة العشّاق والروائيّين، قالت لي: بأيّ لغة سنتقابل بعد اليوم؟ وكيف ستحملنا الأرض المنسيّة؟

غيّرت المدينة من ثوبها الأزرق، وحوّلت نفسها إلى كومة من عاصفة متناثرة على أجسادنا، صارت علامة حزن أبديّ للعشّاق والمنسيّين… في غزّة تفرّ رائحة الحبّ من عيون النساء، يغنّين بصوت خفيف:

يا طالعين عين للل الجبل يا مول الموقدين النار

بين للل يامان يامان  عين للل هنا يا روح

عين للل الهنا يا روح

 

 

 

المصدر: الوحدة نيوز

كلمات دلالية: الامم المتحدة الجزائر الحديدة الدكتور عبدالعزيز المقالح السودان الصين العالم العربي العدوان العدوان على اليمن المجلس السياسي الأعلى المجلس السياسي الاعلى الوحدة نيوز الولايات المتحدة الامريكية اليمن امريكا ايران تونس روسيا سوريا شهداء تعز صنعاء عاصم السادة عبدالعزيز بن حبتور عبدالله صبري فلسطين لبنان ليفربول مجلس الشورى مجلس الوزراء مصر نائب رئيس المجلس السياسي نبيل الصوفي

إقرأ أيضاً:

إعلام إسرائيلي: ترامب تجاوز الخط الأحمر بتدخله في محاكمة نتنياهو

قال محللون إسرائيليون إن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن ضرورة وقف محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية)، تجاوزت ذلك إلى التهديد بوقف المساعدات الأميركية لإسرائيل إن استمرت المحاكمة.

وكان الرئيس الأميركي طالب في وقت سابق بإلغاء محاكمة نتنياهو ولوّح بتعليق المساعدات لإسرائيل، قائلا إن "الولايات المتحدة تنفق مليارات الدولارات سنويا أكثر بكثير من أي دولة أخرى على حماية إسرائيل ودعمها. لن نتسامح مع هذا".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2موقع إيطالي: الهند وإسرائيل وستارلينك من يُدير لعبة التجسس الرقمية الكبرى؟list 2 of 2صحف عالمية: ترامب يريد إنهاء حرب غزة ويتجنب الضغط على نتنياهوend of list

وأعلنت القناة 12 الإسرائيلية مؤخرا أنه تم إلغاء جلسات محاكمة نتنياهو التي كانت مقررة خلال الأسبوع المقبل، مضيفة أن ذلك جاء بعد مشاركته في جلسة سرية بالمحكمة المركزية في القدس.

وتعليقا على تصريح ترامب، قالت مراسلة الشؤون الدولية في القناة 12، كيرن بتسلليل: إن "الدعم الأمني الذي تحصل عليه إسرائيل ويقدر بمليارات الدولارات يبدو أنه يضع شروطا، إن لم يتم إلغاء محاكمة رئيس الحكومة، فماذا سيحدث لأموال الدعم؟".

وأوضحت أن أموال الدعم التي تحصل عليها إسرائيل تشمل الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة، مشيرة إلى أنها "ليست أموال دعم لرئيس الحكومة، بل أموال دعم لدولة إسرائيل"، وقالت إن المبلغ قد زاد قبل 10 سنوات عندما وقّع الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الاتفاق النووي مع إيران.

وبينما اعتبرت أن ترامب تجاوز الخط الأحمر بتدخله في المحاكمة وفي القضاء، قالت المراسلة الإسرائيلية إنها عاجزة عن فهم الرابط بين وقف المحاكمة والمساعدات.

تجنيد جواسيس

كما تناولت تقارير صحفية ما قالت إنه تجنيد إيران لجواسيس إسرائيليين، وقالت محللة الشؤون السياسية في القناة 12، دانا فايبس إن عبوة متفجرة زرعت قرب بيت وزير الدفاع يسرائيل كاتس في "كفارخيم" على أن تنفجر لحظة مروره قربها، وأضافت تقول "تبيّن أن إيران كانت على وشك النجاح بعد أن جندت شابين إسرائيليين".

إعلان

وكشف أن الشابين هما، روعي مزارحي وصديقه ألموغ أتياس الذي قالت إنه انضم إليه مقابل الكثير من الأموال، وأشارت المراسلة  الإسرائيلية إلى أن الشابين وضعا كاميرات تجسس وعبوة ناسفة قرب بيت وزير الدفاع، وأنهما "تجادلا حول المبلغ الذي كانت ستدفعه إيران مقابل قتل أحد العلماء من معهد وازيمان".

وأكد أن العملية تم إحباطها في اللحظة الأخيرة من طرف جهاز الشاباك، في حين أن الشابين يواجهان المحاكمة الآن.

وذكرت القناة 12 أن "الشابين الإسرائيليين اعتقلا في مايو/أيار الماضي وقدمت ضدهما لائحة اتهام خطيرة بتهم التخابر مع عميل أجنبي، وأضاف الادعاء بندا آخر أكثر خطورة ضد مزارحي وهو مساعدة العدو خلال الحرب".

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تحث الصين على كبح طموحات إيران النووية
  • انقلاب سفينة في خليج السويس بمصر
  • في قلب الأولويات الوطنية.. ماذا قالت الأمم المتحدة عن خطة مصر لنظم الغذاء والتغذية؟
  • الطيران السوداني يكثف ضرباته على المالحة وعمليات النهب تجتاح المدينة
  • إعلام إسرائيلي: ترامب تجاوز الخط الأحمر بتدخله في محاكمة نتنياهو
  • ليلة جميلة.. وكسبت ابن رائع.. ماذا قالت مفيدة شيحة عن حفل زفاف ابنتها
  • «حماتي قالت عليا بتهته».. آسر ياسين يكشف تفاصيل زواجه وسر رفض حماته
  • نائبة: عقود الإيجار القديم تأسست على مبدأ الرضا بين المالك والمستأجر
  • بعد زواج 7 سنين انفصال عبير صبري عن زوجها … ماذا قالت عنه؟
  • عن الشيخ قاسم... ماذا قالت يعقوبيان؟