الوحدة نيوز:
2024-06-12@03:14:23 GMT

مَنْ أنا بعد موت غزّة؟ | شهادة

تاريخ النشر: 7th, March 2024 GMT

مَنْ أنا بعد موت غزّة؟ | شهادة

مؤمن موسى

– مَنْ أنا بعد موت غزّة إلى الأبد؟

قلت لها: لا بدّ من حلّ لهذا اللغز، سنسأل عن النجاة والحياة والسماء.

فقدت غزّة حقّها في الكلام، مصادفةً انطفأت شمعتها الّتي كانت تحرّر العالم، الشمعة الوحيدة في الظلام. الموت في هذا البلد تكرار للذكرى، وإفراط في تحويل النهار إلى عتمة على صدور أطفالها. نحن أبناء غزّة مصابون بوباء جماعيّ في حبّ بلد ونحن لسنا فيه، كيف أولئك الّذين فيه؟

مصادفةً نجا مَنْ نجا من المدينة.

الصدفة وحدها مَنْ تحكم هذا المشهد في غزّة، فأنا مثلًا هيّأت حقيبة السفر، وآخر ما تبقّى من لحم أصدقائي وسافرت، مصادفة تأخّرت عن موعد قتل غزّة بخمس دقائق، أخطأني الموت ونجا صاحب حقيبة السفر، مصادفة أمسكت هاتفي في محاولة اطمئنان عبثيّة على صديقتي، مصادفة لم تصلني الأسطوانة المعتادة في هذه الحرب – فقدت الاتّصال بغزّة الحبيبة، نتيجة العدوان عليها.

بعد انقطاع اتّصال بها لأكثر من عشرة أيّام، استطعت الاتّصال بصديقتي الشقيّة، طالت المكالمة لنحو نصف ساعة، قالت لي ما لن أنساه: “والله أنا هيّني بكلّمك من البلكونة، وبشرب قهوة، والوضع رايق، والحرب هتخلص وهنلتقي خاوة في المطار”. سمعت صوت دموعها تتساقط في كأس القهوة.

سألتها: “إنت منيحة؟”

قالت بعد صمت طويل: “أنا تمام بسّ عندي زكام، معلش”.

لم يمرّ أقلّ من نصف ساعة إلى أن وصلني خبر استهداف العمارة الّتي تقطن فيها بأكملها وسط المخيّم، يا إلهي! كدت أفقد عقلي؛ بل فقدت عقلي وقلبي، لمّا يمرّ الوقت بعد، يداي ترتجفان، والدمعة تفرّ من عيني، خرّ من قلبي الدم.

الكلام هنا ضرب من عبث، لا شيء يمكنه وصف هول المصيبة والصدمة، تواصلت مع أحد الأصدقاء أتأكّد من الخبر، بعد مرور أكثر من ساعة انتظار تعجّ بالموت، كنت قد عرفت أنّها الناجية الوحيدة، وكلّ مَنْ في العمارة السكنيّة تحت الأنقاض.

هذا الجنون يعتري جسدي، والصمت يأكل روحي، لا شيء أفعله سوى تدخين السجائر الحقيرة واحدة تلو الأخرى، أصرخ في وجه السماء، وكلّ شيء حولي ينمّ عن غضب في كلّ مكان. في الانتظار البعيد يموت الإنسان، ويقتله العجز، حينذاك أنا على وشك السقوط في مقبرة الانتظار اللعينة.

بعد مرور يوم تقريبًا، توصّلت إليها وهي أسيرة المستشفى.

– منيح إنّك كلّمتني يا مؤمن قبل القصف، سكّرت معك المكالمة لقيت صاروخ بنزل عليّ في البلكونة؛ يعني لو ما رنّيت عليّ وطلعت في البلكونة أكلّمك عشان شبكة الجوّال منيحة، كان أنا هلّأ تحت الردم، كيف صار هيك؟ بسّ ماما وخواتي تحت الأنقاض، طيّب أنا هلّأ كيف بدّي أكمّل حياتي من غير ماما، خلص إسرائيل أخذت ماما منّي؟ أخذتها للأبد؟

يمشي الموت في غزّة واثقًا بخطاه. كانت هذه العائلة فريسة شهيّة له، هي الصدفة تختار لك شكل الموت وتوقيته، كلّ شيء خارج السياق والفكرة والعقل. الصدفة وحدها مَنْ تحكم هذا المشهد وكأنّ شيئًا ما عبثيّ الشكل يلاعبنا، أو يلعب بنا، أو حتّى يرسم موتنا بقسوة، لكنّ الغريب أنّ سماء غزّة تجبرنا على التصفيق مع نهاية كلّ مشهد.

هذا الفيلم عبثيّ يضرب كلّ شيء، لا يميّز الأحلام ولا يضع أولويّة لها، يريد الضحايا أن يسألوا كيف سيختارون الموت؟ أتكون الضحيّة وحيدة أم سعيدة أم ممتلئة بالنجوم؟

تريد الضحيّة أن يخبرها الموت قبل ثوانٍ لترتّب خصلات شعرها جيّدًا، ولتعدّ النجوم لآخر مرّة. تريد من هذا الموت أن ينتظر قليلًا هناك تحت الرمال، رأس لي وفي السماء يدي. تريد أن تموت بيدين ورأس واحد وأحلام كثيرة.

هذا الموت جائع، يحمل عائلة بأكملها، ويترك الهشّ منها ليأكل حسرتهم طوال حياته؛ ليراهم في أعمدة البيت المهدّم، وعلى الورد في النوافذ. هذا الموت أحمر، سماؤه سوداء، متجذّر في الأرض، لا أريد إصبعي أن يطير ويتركني، ولا أريد أن أكون أشلاء، لن أملأ الكون بعبثيّة أصابعي. هل تعلم، أيّها المخرج، أنّني أمتلك أحد عشر إصبعًا بلا عقلة؟

***

استطاعت ديمة الخروج من مخيّمات النزوح من قطاع غزّة، بعد أن نزحت أكثر من خمس مرّات، وفقدت عائلتها وخصلات شعر أمّها، بعد أن فقدت وطنها الحقيقيّ. اتّصلت بي فور وصولها القاهرة، قالت: منذ اليوم الأوّل الّذي وصلت فيه وأنا أسمع صوت الطائرات في القاهرة، لا أنكر أنّني خائفة، هل ستقتلني سماء القاهرة كما غزّة؟ الآن، وأنا أكتب لك من القاهرة، أسمع صوتًا بعيدًا يقول: “كلّ ده كان ليه؟”، هو سؤال يشبه كيف اختفت أمّي في لحظة ما؟

منذ سبعين يومًا، لم ترَ أمانًا في وجه أيّ إنسان، ناس تضحك وتشرب الشاي بالنعناع على قارعة الطريق، زجاجات الماء الصحّيّة في كلّ مكان، حرّيّة التنقّل والحركة، حرّيّة دخول الحمّام في أيّ وقت ممكن، طعم الخبز دون انتظار 8 ساعات في طابور المهانة، وخوف من الطائرات، المشي في شوارع هادئة لا تحسب حساب قذيفة مدفعيّة من هنا أو هناك، صباح مشرق من دون صوت الزنّانات – طائرات الاستطلاع – ومن دون دخان حطب فرن الطين الّذي لجأ إليه أهالي غزّة للحصول على بعض الخبز المغمّس بالدم.

هكذا يعيش الغزّيّون صراع الوجود في مخيّمات النزوح، كلّ شيء تفكّر في الحصول عليه عليك الوقوف في طابور الانتظار: الماء، والخبز، والزيت، وشحن الهاتف، وحتّى في حصولك على خيمة عليك أن تخوض تجربة الطابور. آخر ليلة قضتها ديما قبل الخروج من غزّة كانت في خيمة، قالت لي: “والله، البرد في الخيمة بوجّع روحك، ورجفة الأطفال غصّة في القلب”.

 

هل ماتت غزّة إلى الأبد؟

يا غزّة، أنا لا أعرف حالي، أنا أندب حالي… عصافير مدينتنا بنت أعشاشها على صدور أطفالها النائمة، مشيت كثيرًا في شوارعها، أنا خلّها الدائم، بيننا لغة خاصّة؛ لغة العشّاق والروائيّين، قالت لي: بأيّ لغة سنتقابل بعد اليوم؟ وكيف ستحملنا الأرض المنسيّة؟

غيّرت المدينة من ثوبها الأزرق، وحوّلت نفسها إلى كومة من عاصفة متناثرة على أجسادنا، صارت علامة حزن أبديّ للعشّاق والمنسيّين… في غزّة تفرّ رائحة الحبّ من عيون النساء، يغنّين بصوت خفيف:

يا طالعين عين للل الجبل يا مول الموقدين النار

بين للل يامان يامان  عين للل هنا يا روح

عين للل الهنا يا روح

 

 

 

المصدر: الوحدة نيوز

كلمات دلالية: الامم المتحدة الجزائر الحديدة الدكتور عبدالعزيز المقالح السودان الصين العالم العربي العدوان العدوان على اليمن المجلس السياسي الأعلى المجلس السياسي الاعلى الوحدة نيوز الولايات المتحدة الامريكية اليمن امريكا ايران تونس روسيا سوريا شهداء تعز صنعاء عاصم السادة عبدالعزيز بن حبتور عبدالله صبري فلسطين لبنان ليفربول مجلس الشورى مجلس الوزراء مصر نائب رئيس المجلس السياسي نبيل الصوفي

إقرأ أيضاً:

الأولى على الابتدائية الأزهرية ببني سويف: أمي لها الفضل الأكبر في تفوقي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

"شعرت أن جهدي لم يضع، وأمي كان لها الفضل الأكبر في تفوقي"؛ هكذا علقت ندى أحمد محمد عويس خلف الله، الطالبة بمعهد قرية قمبش الحمراء الابتدائي الأزهري بمحافظة بني سويف، بمناسبة حصولها على المركز الأول بالشهادة الابتدائية على مستوى المحافظة.
وحصلت الطالبة ندى أحمد على درجة 892.75 درجة، بنسبة 99.19%، لتصل إلى المركز الأولى، وسط فرحة أقاربها وجيرانها من أهالي قرية قمبش الحمراء بمركز ببا بمحافظة بني سويف.

وفي حديثها مع "البوابة نيوز"، قالت "ندى": شعرت بسعادة غامرة عند سماعي خبر تفوقي بالشهادة الابتدائية الأزهرية على المحافظة، وأحسست أن جهدي طوال لم يضع.

وعن أسباب تفوقها، عدت "ندى" مجموعة من الأسباب منها: القرب من الله وتوفيقه لي، والاجتهاد في المذاكرة ، ومساعدة أسرتي لي وتقديم الدعم لي وخاصة أمي لها مني كل الشكر، إلى جانب توزيع الوقت، كنت أضع وقتا محددا للمذاكرة، ووقتا لممارسة هواياتي، ووقتا للأنشطة الأخرى التي أريد القيام بها.

وعن الدور الأبرز في تفوقها، قالت "ندى": أمي لها الدور الأكبر في مساعدتي، في المذاكرة  وكانت تساعدني أيضا في الإلمام بالمنهج ليلة الامتحان، وبدونها لم أكن أستطيع التفوق والحصول على هذه المكانة والمرتبة الأولى.

وعن المواد المفضلة لها قالت الطالبة أنها تفضل مادتي الرياضيات والدراسات الاجتماعية. موضحة أنه لا يوجد شيء صعب مع المذاكرة والاجتهاد ولكن في البداية كنت أشعر بأن بعض المواد بها دروس صعبة لأن المنهج كان جديدا.

لفتت الطالبة المتفوقة إلى أنها تحب القراءة وأنها شاركت العام الماضي في مسابقتي المشروع الوطني للقراءة، وتحدي القراءة العربي.

وعن حلمها، اختتمت "ندى" حديثها بأنها تحلم بالمحافظة على هذا المستوى من التفوق، وأن تكون من أوائل الثانوية العامة على مستوى الجمهورية، من أجل دخول الجامعة والكلية التي أريدها.

Messenger_creation_3f2be304-1a17-4326-9484-583b0dd26a35 Messenger_creation_62d77969-27a3-443d-a69c-b492968981df

مقالات مشابهة

  • الأولى على الابتدائية الأزهرية ببني سويف: أمي لها الفضل الأكبر في تفوقي
  • نُفذت بأساليب وحشية.. إليك أغرب عقوبات الإعدام في التاريخ
  • الموت يفجع إنجي المقدم
  • ماذا قالت العرب عن الأعوام الرئاسية الخمسة لنيجيرفان بارزاني؟
  • بيان من «الأوقاف» بشأن التكبير في عيد الأضحى
  • هذا ما فعلت بنا الإنقاذ
  • منها الموت يوم الجمعة.. علامات تدل على حسن الخاتمة
  • الوصايا…شهادات مبدعين في مواجهة الموت
  • أحمد عز يروج لأحدث أعماله السينمائية الجديدة "ولاد رزق 3"
  • الموت يفجع الفنان محمد نجاتي