زيارة موقع الأخدود الأثري بنجران تجربة لا تُنسي، تعيد السياح لتاريخ يمتد لمئات السنين، وتمنحهم فرصة للتعرف على التاريخ، والتأمل والاستكشاف، بل وابتكار أعمال فنية وأدبية، مستوحاة مما يحتويه المكان من صخور وتشكيلات عجيبة تحمل نقوشاً ورسومات تبرز أسرار وكنوز حضارات قديمة وتراثاً ثقافياً استوطن المكان.
هذا الموقع، كانت تقف عليه مدينة نجران القديمة التي ورد ذكرها في نقوش جنوب الجزيرة العربية بحروف (ن ج ر ن)، كنموذج للمدن المميزة للحضارة في الجزيرة العربية، ومن أهم المحطات التجارية على طريق التجارة القديم.


ويتمثل الموقع في مدينة مركزية يحيط بها سور بطول 235م، وعرض 220م، وفق نظام تحصين كان معمولاً به في مدن جنوب الجزيرة، ويحتوي على نتوءات وتجاويف عشوائية وغير منتظمة بمساحات متفاوتة.
المباني في مدينة الأخدود الأثرية، أساساتها من الأحجار المنحوتة بارتفاعات من 2 إلى 4 أمتار، ويشكل الحصن العنصر الأبرز في الموقع، إذ يعود تاريخه إلى الفترة الممتدة من منتصف القرن الأول قبل الميلاد وحتى منتصف الألف الأول الميلادي، وهي فترة الاستيطان الرئيسية للموقع.
وفي داخل الحصن تنتشر مجموعة كبيرة من المباني التي تتفاوت حالاتها من حيث درجة تأثير عوامل التعرية والزمن عليها، وبنيت أجزاؤها السفلية من كتل حجرية منحوتة على شكل واجهات مستطيلة أو مربعة بأحجام متفاوتة يبلغ طول واجهات بعضها نحو 350 سم، أما الأجزاء العلوية من هذه المباني على الأرجح، فكانت مبنية من الطين اللبن أو الطوب واللبن، وفي خارج السور تنتشر تلال أثرية تحتوي على أساسات مبانٍ من الحجر والطين.
ويحظى موقع الأخدود الأثري كغيره من المواقع الأثرية بالمملكة، باهتمام وحرص من قبل المسؤولين بالإدارة العامة للآثار في هيئة التراث بوزارة الثقافة، عبر إظهار القيمة التاريخية والأثرية للموقع من خلال إجراء أعمال المسح والتنقيب الأثري، التي انطلقت منذ عام 1399هـ/1979م، وكانت بدايتها بإجراء مسح أثري، ثم تلته مواسم التنقيب الأثري، لتتحقق نتائج ملموسة من أهمها الكشف عن عدد من الوحدات المعمارية المختلفة في أسلوب بنائها.
وكشفت أعمال التنقيب الأثري في الجهة الشمالية الشرقية من الموقع عن أقدم مسجد في منطقة نجران، كما تم العثور على جرة فخارية مليئة بالعملات الفضية “كنز نجران”، وتبين من خلال تنظيف بعضها أنها تعود إلى الملك القتباني (يدع أبينف) الذي حكم في النصف الثاني من القرن الأول الميلادي، وعثر في الموقع على أوانٍ فخارية عبارة عن جرار وأطباق وطاسات وأباريق، كما عثر على أجزاء من أوانٍ صنعت من الفخار.
كما أثمرت أعمال المسح والتنقيب الأثري بالموقع عن العثور على أوانٍ نحتت من الحجر الصابوني والرملي مثل المباخر والأحواض، وأجزاء من التماثيل لحيوانات صنعت من المعادن، وألواح معدنية عليها كتابات بارزة بحروف المسند الجنوبي تتضمن نصوصاً دينية تعبدية، ومسلات من الأحجار كتبت بالقلم المسند، وتتحدث عن تشريعات دينية، إضافة إلى العثور على خواتم من الذهب لأول مرة تظهر في موقع الأخدود، لكل خاتم منها فصّ ذهبي على شكل فراشة وله قفل صغير لربط طرفه.
وذكر أستاذ التاريخ المشارك بجامعة نجران عوض بن عبدالله العسيري، أن أكثر من مؤرخ وبلداني مثل الهمداني والبكري، ذكروا أن موقع مدينة الأخدود لم يكن سوى مدينة نجران القديمة وسوقها التجاري الواقع على طريق القوافل التجارية القديمة، قبل أن تندثر في القرن الرابع الهجري وتنتقل إلى مكان آخر قريب، حيث وردت أول إشارة لذكر هذه المدينة قديماً في النقوش الأثرية بـ”ن ج ر ن” عام 680 ق.م.
وأضاف العسيري: ورد اسم نجران مرة أخرى في نقش آخر يعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد، حيث يشار إليها كاسم لقبيلة تسكن أرض نجران، ثم يرد في نقش ثالث من القرن الثاني الميلادي كاسم لـ”مدينة ظربان وواديها نجران”، وفي نقش “النمارة” الشهير بجنوب دمشق، ترد إشارة مهمة إلى نجران عام 328م.
ولفت إلى أن ذكر نجران لم يقتصر على النقوش، فقد أشار إليها عدد من المؤرخين والجغرافيين الكلاسيكيين مثل “سترابون”، و”وبليني”، وبطليموس في كتابه “الجغرافيا” أثناء استعراضه لأهم المدن الواقعة على طريق البخور القديم إلى بلاد العربية السعيدة، أي جنوب الجزيرة العربية، وفي التاريخ الحديث، حظيت منطقة الأخدود الأثرية باهتمام عدد من الرحالة الأوربيين الذين زاروها ووثقوا بعض نقوشها ونقبوا في آثارها ووثقوها في أعمال ترجم بعضها إلى اللغة العربية ومنهم على سبيل المثال لا الحصر “جوزيف هاليفي”، و “جون فيلبي”، و”فيلبيب ليبينز”.
بدوره أكد الرئيس التنفيذي لجمعية الآثار والتاريخ بنجران نايف بن حمد مسلم، أن مدينة نجران التي تقع في الجزء الجنوبي الغربي من المملكة العربية السعودية على الأطراف الشرقية من الدرع العربي؛ تعد أحد أقدم المناطق الحضارية على مستوى الجزيرة العربية، كمركز تجاري مهم، نظراً لوقوعها على مفترق الطرق القادمة من الجنوب والمتجهة نحو الشمال والشرق.
وأضاف: تمتد أصول حضارة نجران حسب آخر الاكتشافات الأثرية إلى العصر الحجري القديم الأعلى، كإحدى المدن التجارية المهمة التي ازدهرت في بداية الألف الأول قبل الميلاد، وشهدت فترات استيطان طويلة، وتشتهر بالعديد من المواقع الأثرية كمنطقة حمى الثقافية، وموقع الأخدود الأثري، كعوامل جذب سياحية وثقافية للمنطقة ومحفزة للإبداع والتطوير للإسهام في النمو السياحي والثقافي والاقتصادي لتحقيق رؤية 2030.

المصدر: صحيفة الجزيرة

كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية الجزیرة العربیة

إقرأ أيضاً:

البابا تواضروس: منطقة «أبو مينا» الأثرية مقصد سياحي عالمي ووطني |صور

تفقد أمس قداسة البابا تواضروس الثاني منطقة "أبو مينا" الأثرية بالإسكندرية التي يقع في داخلها دير الشهيد مار مينا العجائبي بمريوط، بمشاركة وزير السياحة والآثار السيد شريف فتحي، والفريق أحمد خالد حسن محافظ الإسكندرية، ونوريا سانز مديرة المكتب الإقليمي لليونسكو بالقاهرة، والدكتور محمد إسماعيل الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، والدكتور جمال مصطفى رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية.

تطوير الآثار المصرية 

ويأتي هذا في سياق الاهتمام الذي توليه الدولة المصرية في عهد الرئيس السيسي، بترميم وتطوير الآثار المصرية، ومن بينها الآثار القبطية حيث توجه اهتمامها إلى مناطق الفسطاط بالقاهرة وأبوفانا بالمنيا، وأبو مينا بالإسكندرية.

من جهة منطقة "أبو مينا" تركزت جهود الدولة في الآونة الأخيرة بالاشتراك مع الدير على خفض منسوب المياه الجوفية حفاظُا عليها من خطر الاندثار، الأمر الذي أثمر دعم هيئة اليونسكو لخطط ترميم المنطقة، التي تم إدراجها ضمن مواقع التراث العالمية عام ١٩٧٩، بغية تجهيزها لتصبح أحد نقاط الحج المسيحي الهامة عالميًّا، بينما أدرجتها هيئة اليونسكو كأثر عالمي عام 2001.

ويوجد بمنطقة "أبو مينا" مذبح الكنيسة الأثري وقبر الشهيد مار مينا، والمعمودية، بالإضافة إلى بقايا معالم المدينة القديمة.

ومن المقرّر البدء في ترميمها بعد عام من الآن، عقب الانتهاء من أعمال خفض منسوب المياه الجوفية، العملية التي تشارك في إنجازها، إلى جانب وزارة السياحة والآثار، ودير "مار مينا"، وزارة الزارعة التي غيرت نظام الري في المنطقة من الري بالغمر إلى الري بالتنقيط، وكذلك تم التخلص من الحشائش المنتشرة في المنطقة التي كانت تعيق الأعمال فيها، وتم أيضًا تزويد المنطقة بمصارف للمياه في كل الاتجاهات لصرف المياه وتجنب تراكمها في المنطقة.

البابا تواضروس: منطقة "أبو مينا" الأثرية هي بقعة مقدسة يفتخر بها كل المصريينالبابا تواضروس يتفقد منطقة "أبو مينا" الأثرية بالإسكندرية | صورالبابا تواضروس: دير مارمينا صفحة من تاريخ مصروزير الثقافة يشيد بجهود الخارجية في تنسيق المشاركة المصرية الرسمية بحفل تنصيب البابا ليو

وأثنى قداسة البابا على الجهود المبذولة من الدولة بكافة قطاعاتها، للحفاظ على هذا الأثر المصري الهام، لافتًا إلى أن هذه المنطقة هي بقعة مقدسة على أرض مصر يفتخر بها كل المصريين، وشهدت آلاف المعجزات، وفي القرن السادس سميت بالمنطقة المرمرية نظرًا لأنها كانت مكسوة بالرخام، وهي تعد مقصدًا سياحيًّا عالميًّا ووطنيًّا، حيث يأتيها سائحون من كل العالم، وأيضًا زوار من المصريين، مسلمين ومسيحيين، يأتون ليتباركوا من القديس مينا، لذا فهي منطقة تمثل صفحة مضيئة في التاريخ المصري، وتقدم لنا رسالة روحية ووطنية وثقافية.

المنطقة والرهبان 

ونوه قداسته إلى أن من بين رهبان منطقة أبو مينا خرج سبعة رهبان في القرن الرابع إلى أيرلندا حيث بشروا فيها، وحاليًّا توجد كنيسة تحمل اسمهم هناك.

الأديرة القبطية 

وأوضح قداسة البابا أن الأديرة القبطية تعد طاقة مضافة للمجتمع والوطن، فالراهب بمعيشته في الدير لا ينعزل عن المجتمع، بل في نظام الرهبنة يجب على الراهب أن يوزع وقته بين العبادة والدراسة والعمل، ونتاج عمله وفكره ينتفع به المجتمع.

طباعة شارك البابا تواضروس البابا تواضروس الثاني السيسي قداسة البابا الأديرة القبطية

مقالات مشابهة

  • محافظ الإسكندرية يكشف دور الرئيس السيسي بشأن إعادة إحياء موقع أبو مينا الأثري (فيديو)
  • البابا تواضروس: منطقة «أبو مينا» الأثرية مقصد سياحي عالمي ووطني |صور
  • محافظ الإسكندرية: الرئيس السيسي له دور حاسم في إعادة إحياء موقع أبو مينا الأثري
  • البابا تواضروس يتفقد منطقة أبو مينا الأثرية بالإسكندرية | صور
  • مسؤولون أوروبيون: محادثة بوتين وترامب انتصار كبير لموسكو
  • مسئولون أوروبيون في بيان مشترك: سكان قطاع غزة يواجهون المجاعة بسبب الحصار
  • أمير نجران يتفقد مدينة الحجاج بمنفذ الوديعة بشرورة
  • قادة أوروبيون يناقشون الأزمة الأوكرانية مع ترامب قبيل محادثته مع بوتين
  • الهلال يبحث عن نقطة المشاركة في دوري النخبة الآسيوي
  • الأخدود يتوَّج بدوري الدرجة الأولى تحت 15 عامًا