هل مستقبلًا ستكون المقاطعة قرار شعوب؟
تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT
خليفة بن عبيد المشايخي
بادئ ذي بدء يقول الحق تبارك وتعالى "أليس الله بكافٍ عبده"، لا ريب أن المؤمن يستأنس بكلام الله عز وجل إذا جاء على نحو "أليس الله بكاف عبده" وإذا جاء أيضا على سياق "فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"، والمقصود بهذه الآية الكريمة أن الله تبارك وتعالى سوف يكفي سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه هو وأصحابه، الذين قالوا لهم "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا" إلى آخر المقصد من هذه الآية الكريمة.
الله تعالى قادر أن يكفي الإنسان المسلم الضر وكل الشرور والآفات والمصائب والأخطار وحالات الغدر والخيانة والتآمر عليه، إن أراد هو وقرر، وذلك بالتيقن على ذلك؛ سواء كانت علاقته بربه سوية، ومقرا ومعترفا بربوبية الخالق ووحدانيته وقدرته وعلمه بما في السماء والأرض، إو إذا كان بعيدا عن الله تعالى، فالله تبارك في علاه قريب منَّا يسمع ويرى ويعلم، ولا يخفى عليه شيء، ويجيب المضطر إذا دعاه، حتى ولو كان مقصرا في حق مولاه وخالقه. فإذا كان حال الله جلَّ وعلا هكذا مع المُدبرين عنه، فكيف إذن مع المقبلين عليه، فيا الله يا حبيبي ما أكرمك وأرحمك. آخي الكريم يا من تقرأ هذه السطور المتواضعة تعلم بأن العالم الإسلامي برمته يسمع ويشاهد هذه الأيام، ما يجري ويدور في فلسطين وغزة وفي الهند وفي بعض البلاد، من اضطهاد المسلمين فيها وإذلالهم ومضايقتهم والتنكيل بهم وتشريدهم وقتلهم وتجويعهم ومحاربتهم. ومع ذاك لم يعد بمقدورنا فعل شيء تجاههم، إلّا الدعاء لهم ومساعدتهم ماليًا، ومدهم بالغذاء والكساء والدواء إن تيسر إيصال ذلك لهم.
وإزاء ذلك أصبح كل منَّا يدلى بدلوه في التعاطي مع هذه القضايا والأحداث والحروب، فكان هناك شجب وتنديد ورفض ومظاهرات وتضحيات ومواقف مشرفة رافضة، كالذي حدث وبدر من حكومتنا الرشيدة عامة، ومن استنكارها وسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي حفظه الله تعالى، لما حدث ويحدث في فلسطين وغزة، وما جرى ويجري للمسلمين في دول أخرى، من تهجير وتعذيب والتضييق عليهم في بلادهم، وظلمهم وممارسة أبشع الجرائم ضدهم وسلبهم حقوهم المشروعة والمسلوبة، ومنعهم من حرية العيش بكرامة وممارسة شعائرهم الدينية والإسلامية بحرية وسلامة.
لهذا فإنه في ظل ما حدث ويحدث، لم تجد الشعوب الإسلامية والعربية وغيرهم الرافضين للحرب أي كانت، وللتطبيع مع إسرائيل واستمرار الممارسات المحرمة في حقوق المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، إلا أن تقاطع المنتجات والبضائع والسلع التي تنتجها الدول الداعمة للكيان؛ سواء كانت أمريكا أو بريطانيا أو غيرهما من الدول التي تدعم الكيان الصهيوني، وتشجع الجرائم الممارسة والقائمة على المسلم أينما كان وحتى اليوم.
تلك الشعوب والآراء الرافضة للظلم عامة، تنادي بضرورة المقاطعة على نطاق واسع، في ظل استمرار الحرب والقتل والعنف والتجويع، سواء في فلسطين وغزة والهند، أو في أقطار أخرى.
ومنذ بدء الحرب على أولئك المسلمين في تلك البلدان مثل فلسطين وغيرها، فإن أشكال المقاطعة تنوعت وتعددت. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل هذه المقاطعة ستكون قرارًا دائماً للشعوب المسلمة والعربية وغيرهم ولها أثر على المدى البعيد؟ أم هي فترة وتنتهي؟ وهل لو دامت المقاطعة سيختلف دور وقرار الحكومات العربية مثلًا حيال ذلك؟
حقيقة من الآراء والتوجهات والأحاديث التي أعجبت بها بعد نهج حكومتنا الرشيدة وموقف سماحة الشيخ أحمد الخليلي، حديث الأستاذ حاتم الطائي رئيس تحرير جريدة الرؤية، حينما قال إننا كعمانيين خاصة لدينا القدرة على المقاطعة، فمثلاً التوقف عن الذهاب إلى أحد المقاهي المعروفة والشهيرة والموجودة في السلطنة التي تدعم الكيان الصهيوني شهرا واحدا، فإن ذلك سيكلف ذاك المقهى خسائر فادحة، سينجم عنها إفلاسه، وبالتالي سيغلق لا محالة. وقال أيضا لماذا لا ينبري الشباب العماني، بتأسيس علامة تجارية عُمانية منافسة في السوق، ستغني عن ارتياد ذاك المقهى. وهذا النهج إن تم، فسيقضي على تواجد أمثال تلك المقاهي والمطاعم وغيرها على أرضنا، وكل ما يدعم الصهاينة. من هنا أقول إن كانت لدينا الإرادة والعزيمة والقوة وتمسكنا بالله تعالى، فسيكون النصر لنا بإذن الله، وعلينا أن نتذكر "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ".
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
هل كل إنسان له قرين؟.. لديك 3 في الدنيا وأمر واحد يُضعف شيطانك
لعل السؤال عن هل كل إنسان له قرين ؟، يعد من الأسرار الواردة بالقرآن الكريم، ففيما ورد بقوله تعالى : ( مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) الآية 36 من سورة الزخرف، فرغم أن الآية الكريمة تقر حقيقة وجود قرين من الشياطين ، لكنها في الوقت ذاته لم تجب عن سؤال هل كل إنسان له قرين أم أن وجوده مشروط بالبعد عن ذكر الله عز وجل؟، ولعل أهمية هذا الاستفهام تنبع م ذلك الخوف الذي يثيره فيؤرق البعض ويثير فضول الآخرين، وذلك لارتباطها بعالم الجن الخفي والمرعب ، فمسألة وجود قرين من الجن قريب منك ويلازمك هي فكرة ليست سهلة الاستيعاب والقبول ، وهذا ما يطرح أهمية معرفة هل كل إنسان له قرين ؟.
قال الدكتور رمضان عبد الرازق، عضو اللجنة العليا للدعوة الإسلامية بمشيخة الأزهر، إن "للإنسان ثلاثة قرناء مقيدين له: الأول قرين الشيطان يوسوس للإنسان لفعل المعاصي، مستشهداً على ذلك بقوله تعالى «وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ».
وأوضح «عبدالرازق» في إجابته ن سؤال: هل كل إنسان له قرين ؟، أن القرين الثاني هو قرين من الملائكة ، لقوله تعالى «مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» ، والثالث هو قرين الدنيا وهو الصديق، مؤكداً أن ما يقوله بعض العوام من أن قرين الإنسان يكون مثله في الشكل والصفات فهذا كلام خطأ ولا أساس له من الصحة.
وروي عن عبدالله بن مسعود ، في صحيح مسلم الصفحة أو الرقم : 2814 ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال: (ما مِنكُم مِن أحَدٍ، إلَّا وقدْ وُكِّلَ به قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ، قالوا: وإيَّاكَ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: وإيَّايَ، إلَّا أنَّ اللَّهَ أعانَنِي عليه فأسْلَمَ، فلا يَأْمُرُنِي إلَّا بخَيْرٍ. [وفي رواية]: وقدْ وُكِّلَ به قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ وقَرِينُهُ مِنَ المَلائِكَةِ).
وجاء في روايةٍ أُخرى قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وَقَد وُكِّلَ به قَرينُه مِنَ الجِنِّ وقَرينُه مِنَ المَلائكةِ»، فَكما أنَّه قُيِّضَ له شَيطانٌ يُغويه ويُضِلُّه ويَأمُرُه بالشَّرِّ، كَذلك قُيِّضَ له مَلَكٌ يُسدِّدُه ويُرْشِدُه، فيكونُ آمِرًا له بالخيرِ ومُلهِمًا له في قَلبِه بالخيرِ.
وفي الحديثِ: حِرصُ الشَّيطانِ على إغواءِ بَني آدَمَ، وأنَّه لا يَنفَكُّ عنِ الإِغواءِ، وفيه: أنَّ اللهَ قَيَّضَ لِلإنسانِ مَلَكًا يُعينُه ويُرشدُه، في مُقابلَةِ إغواءِ الشَّيطانِ وفِتنَتِه، وفيه: دَليلٌ عَلى عِصمَةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أنْ يُؤثِّرَ فيه الشَّيطانُ بأَذًى في عَقلِه أو قَلبِه بضُروبِ الوَساوسِ.
وبين الحديث أن الجِنُّ أجسامٌ ناريَّةٌ قابلةٌ للتَّشكُّلِ بأشكالٍ مُختلفةٍ، وهُم مَخلوقاتٌ غيرُ مَنظورةٍ لنا، وقدْ يُرِيها اللهُ مَن شاءَ مِن خَلْقِه، وهُم مُكلَّفونَ مِثلَنا، منْهم المؤمنونَ والكافرونَ والعُصاةُ، ومنهم الطَّيِّبُ والخَبيثُ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بوُجودِ الجِنِّ مِن حَولِنا، وأنَّ منهم مَن وُكِّلَ بالإنسانِ فلا يُفارِقُه، ويَكيدُ له لِيُوقِعَه في الشُّرورِ والآثامِ، وأنَّه ما مِن أحدٍ مَهما بَلغَ منَ العِبادةِ والعِلمِ ما بَلغَ، إلَّا وقدْ وُكِّلَ به قَرينُه مِنَ الجِنِّ، وهو شَيطانٌ سُلِّطَ عليه ليُغوِيَه، ويُسوِّلَ له ويُشَكِّكَه في الدِّينِ ويُوسوِسَ له؛ لِيَصرِفَه عن الطَّاعةِ، ويُوقِعَه في المعصيةِ، فيَنْبغي الحَذَرُ الشَّديدُ منه.
وقد زُرعت الأهواء والشهوات في نفوس الآدميين، وذلك ليحصلوا على ما ينفعهم، ويدفعوا عن أنفسهم الضرر بغضبهم، ورُزقوا بالعقول للعدل بين الأمور والموازنة بينها، إلا أن الشيطان يحرّض الإنسان على الإسراف فيما يُبعد عن نفسه أو يقرّب، والواجب على العاقل أنْ يحذر من الشيطان العدو منذ زمن آدم عليه السلام، كما أنّ الله تعالى حذّر العباد منه، وأمرهم باجتنابه، حيث قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).
ومن الجدير بالذكر أن كل إنسان له قرين يأمره بالتقصير في واجباته، ويدفعه إلى فعل الشر والضرر، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، حيث قال: (ما منكُم من أحدٍ إلَّا وقد وُكِّلَ بهِ قرينُهُ منَ الجنِّ . قالوا : وإيَّاكَ يا رسولَ اللَّهِ ؟ قال : وإيَّايَ إلَّا أنَّ اللَّهَ أعانَني علَيهِ فأسلَمَ فلا يأمرُني إلَّا بخيرٍ . غيرَ أنَّ في حديثِ سفيانَ . وقد وُكِّلَ بهِ قرينُهُ منَ الجنِّ ، وقرينُهُ منَ الملائكةِ).
وبناء عليه فالواجب على كلّ مسلم الحذر من إغواء الشيطان ووساوسه، فالطريق التي يسلكها القرين تتمثّل بإيقاع العبد في معصية الله تعالى، ثمّ يقيّده بها، فيمنعه من الخير والبر في الأفعال والسلوكيات، كأن يمنعه من الإمامة بالناس في الصلاة، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بحجة المعصية التي اقترفها.
وينسى العبد أنّ اجتناب المعاصي فرض عين عليه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية على المسلمين، ويجب على العبد أن يعلم أن الوقوع في المعاصي لا تعدّ مبرراً لعدم التزامه بالواجبات المفروضة عليه.
حقيقة القرين بالقرآنذُكِر القرين في القرآن الكريم في عدّة مواضع، وبيّنت هذه المواضع أنّه يضرّ الإنسان، ويزيّن له المعاصي في أغلب الحالات، ومن ذلك:
- قوله تعالى: «ومَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ»، (الزّخرف 36).
- قوله تعالى: «قال قائلٌ منهم إنّي كان لي قرين»، (الصّافات 51).
- قوله سبحانه: «حتّى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين»، (الزّخرف38).
ما هو القرينيُطلق القرين على الشيطان الموكّل بكلّ إنسان بهدف إغوائه وإضلاله، وذلك ما دلّت عليه نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهّرة، والتي بيّنت أنّ عمل القرين يتمثّل فقط بالإغواء والإضلال، دون أي عمل حسي آخر، إلا أنّ إيمان العبد له الدور الأساسي في إغواء القرين، فإن كان الإيمان قوياً فإغواء القرين يضعف أمام ذلك.