"مبادرة الحضارة العالمية".. انعكاس عميق للحضارة الإنسانية
تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT
تشو شيوان
يوافق 15 مارس الذكرى السنوية الأولى لطرح "مبادرة الحضارة العالمية"، وهي المبادرة الثالثة التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ، بعد مبادرة التنمية العالمية عام 2021، ومبادرة الأمن العالمي عام 2022، ولو تعمقنا في جميع هذه المبادرات الثلاثة لوجدنا أنها تُقدِّم الحكمة والرؤية الصينية لمواجهة التحديات والصعوبات التي تواجهها العالم في الوقت الحالي؛ الأمر الذي يضخ طاقة إيجابية قوية لبناء مجتمع المصير المشترك للبشرية وهو الهدف الأكبر والأشمل الذي تسعى له الصين من خلال مبادراتها ونهجها الدبلوماسي نحو العالم.
تتمتع مبادرة الحضارة العالمية بأربع ركائز مهمة؛ أولًا: تكشف مبادرة الحضارة العالمية بعمق عن الخصائص المهمة للحضارة الإنسانية. ثانيًا: تكشف مبادرة الحضارة العالمية عن العلاقة الوثيقة بين الحضارة الإنسانية والقيم المشتركة للبشرية جمعاء. ثالثًا: تكشف مبادرة الحضارة العالمية عن العلاقة الوثيقة بين الحضارة الإنسانية وعملية التحديث والتنمية. رابعًا: تظهر مبادرة الحضارة العالمية القوة لدمج النظرية مع الممارسة، وهذه نقطة مهمة جدًا؛ حيث إن ما يُميِّز المبادرات الصينية أنها مبادرات نظرية قابلة للتطبيق والممارسة. وخلال العام الماضي ومع التعزيز القوي للتبادل والتعاون الثقافي الدولي كنقطة انطلاق تم تنفيذ مبادرة الحضارة العالمية بشكل مستمر، مما أدى بشكل فعال إلى تعزيز التبادل والتعلم المتبادل بين الحضارات المختلفة.
حظيت مبادرة الحضارة العالمية ترحيبًا كبيرًا من قبل المجتمع الدولي، وخاصة الدول العربية، وقد أكدت الأوساط العربية المختلفة أن هذه المبادرة تواكب اتجاه التطور التاريخي وتحشد توافق المجتمع الدولي وتجسد الرغبة الصادقة للتعاون مع كافة الأطراف في بناء عالم أجمل، وتقدم مساهمة تاريخية جديدة للدفع بتقدم البشرية. إضافة إلى أن المبادرة عبرت عن الرغبة المشتركة لشعوب العالم في بناء عالم جديد لمواجهة الصراعات والنزاعات ويعيش فيه الجميع بالمساواة والسلام. وفي هذا الصدد أعتقد أن التواصل بين الحضارتين الصينية والعربية مهمة جدًا لحفظ السلام والتنمية والاستقرار في العالم.
وإذا نظرنا للحضارة الصينية والعربية، سنجد أنهما تتقاسمان العديد من المفاهيم المشتركة، وخاصة الدعوة إلى التواصل والتسامح الحضاري، ورفض "نظرية صراع الحضارات" و"نظرية التفوق الحضاري"، وهذه المفاهيم المشتركة التي ترفضها الحضارة الصينية هي نفسها ما ترفضها الحضارة العربية. وقد ذكرتُ مرارًا من خلال هذا الطرح أن العلاقات بين الصين والدول العربية قد شهدت تطورًا مستمرًا وكبيرًا خلال السنوات الماضية وخاصة بعد انعقاد القمة الصينية العربية الأولى في الرياض، كما نجحت الصين في تحقيق الوساطة بين السعودية وإيران، مما أطلق "موجة المصالحة بين الدول المختلفة" في الشرق الأوسط، ولا شك أن مبادرة الحضارة العالمية ترسي أساسًا مهمًا لوقف الحروب وإطلاق حوار السلام، وتدل بقوة على أن حل الخلافات عبر الحوار والتشاور أمر يتفق مع تطلعات الشعوب ويتفق مع تيار العصر ومصالح الدول كافة، وهذا أيضًا ما تتشارك به الصين والدول العربية.
خلال السنوات الأخيرة شهدت الصين والدول العربية تطورًا كبيرا للتواصل الشعبي وحماسة متزايدة لتعلم لغة وثقافة الجانب الآخر، وفي الجانب الصيني نجد أن هناك عشرات الجامعات الصينية التي تُدرس تخصص اللغة العربية أوتُقدِّم دورات في اللغة العربية. وفي المقابل، هناك أكثر من 230 مؤسسة تعليمية عربية تقدِّم دورات في اللغة الصينية، إضافة إلى ذلك، قد أدرجت السعودية والإمارات و4 دول عربية أخرى اللغة الصينية في المناهج الدراسية الوطنية. وخلال الفترة الماضية عقد الجانبان الصيني والعربي 9 دورات من ندوة الحوار بين الحضارتين الصينية والعربية؛ الأمر الذي يدفع الجانبين بقوة لتعزيز التواصل الحضاري وتعميق الصداقة، وكل هذا إن دل فيدل أن مبادرة الحضارة العالمية أخذة في توسيع التلاقي الحضاري بين الصين ودول العالم وبالأخص الدول العربية.
في الوقت الحالي أصبح "التحديث الصيني" هو نمط التحديث المتبع في الصين والذي يدعو في جوهره لوجوب التناسق بين الحضارتين المادية والمعنوية والتعايش المنسجم بين الإنسان والطبيعة وسلك طريق التنمية السلمية، وأعتقدُ أن هذا المفهوم ينطبق على جوهر مبادرة الحضارة العالمية أيضًا، والصين دائمًا ترغب في تقاسم فكرتها وحكمتها لمواجهة الصعوبات في العالم، وتتطلع إلى بناء عالمٍ أجمل يتسم بالحضارات المتنوعة مع الدول الأخرى.
ومع دخولنا للسنة الثانية من مبادرة الحضارة العالمية فأجد بأننا مقبلون على تناغم وتشارك أكبر بين الصين والعديد من الحضارات والدول في العالم، وأجد أن هذا أمر إيجابي سيجعلنا نتعلم من بعضنا البعض، ويسد الفراغ الذي توجده القوى التي تحاول تأجيج الصراع العالم والدفع بالحمائية في العلاقات الدولية، وعلى العكس تجد مبادرات الصين تدعو للتناغم والتوافق وبناء عالمٍ ذي مصيرٍ مشتركٍ.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
استجابة لتوجيهات رئيس الدولة.. الإمارات تعلن دعماً بقيمة 550 مليون دولار لخطة الاستجابة الإنسانية العالمية للأمم المتحدة لعام 2026
بتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة «حفظه الله»، أعلنت دولة الإمارات عن تعهّد جديد بقيمة 550 مليون دولار أميركي لدعم خطة الاستجابة الإنسانية الشاملة التي أطلقتها الأمم المتحدة، والتي تهدف إلى جمع 33 مليار دولار في عام 2026 لتقديم الإغاثة لما يقارب 135 مليون شخص في 23 عملية إنسانية حول العالم، بالإضافة إلى خطط مخصصة لدعم اللاجئين والمهاجرين. وتأتي الأولوية العاجلة لإنقاذ 87 مليون شخص يحتاجون إلى دعم فوري بقيمة 23 مليار دولار.
وتأتي هذه المبادرة تأكيدًا على النهج الثابت للدولة في دعم الجهود الدولية لإنقاذ الأرواح والاستجابة للكوارث والأزمات التي تواجه الشعوب الأكثر ضعفًا في مختلف مناطق العالم.
ويعكس هذا الدعم الدور الحيوي الذي تلعبه دولة الإمارات في تعزيز العمل الإنساني متعدد الأطراف، وتعاونها الوثيق مع وكالات الأمم المتحدة، بما في ذلك مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وبرامج الإغاثة والتنمية العاملة في الميدان، لضمان وصول المساعدات إلى الفئات الأكثر احتياجًا في الوقت المناسب، بما يتوافق مع توجيهات صاحب السمو بالتركيز على الاستجابة العاجلة والفعّالة.
وقالت معالي ريم بنت إبراهيم الهاشمي، وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي، في هذا الصدد: «تواصل دولة الإمارات التزامها الراسخ بدعم الجهود الإنسانية العالمية، والعمل مع شركائنا في الأمم المتحدة لضمان وصول الإغاثة إلى الفئات الأكثر تضررًا. ويجسد هذا التعهد الجديد توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وإيماننا العميق بضرورة التضامن الدولي والاستجابة للنداءات الإنسانية العاجلة بطريقة فعّالة ومستدامة تحافظ على كرامة الإنسان وتحمي حياته».
أخبار ذات صلةورحّب توم فليتشر، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسّق الإغاثة في حالات الطوارئ في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، بالدعم الإماراتي، وقال في هذا الصدد: «نداؤنا العالمي يهدف إلى إنقاذ الأرواح في أكثر المناطق تضررًا، وتحويل الخطط إلى حماية حقيقية على الأرض. ويعكس الدعم السخي والسريع الذي قدّمته الإمارات العربية المتحدة لخطة عام 2026 رسالة قوية، تتمحور حول دعم من هم في أمس الحاجة إلى هذه الجهود. ومن واجبنا تقديم استجابة فعّالة ومبتكرة تلبي متطلبات المرحلة الراهنة».
من جانبه، قال الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية: «عادة، تظهر مؤشرات لانهيار النظم الصحية قبل وقت طويل من وقوعها، حيث تتفشى الأوبئة وسوء التغذية ويرتفع عدد الوفيات التي كان يمكن تجنبها. وعلى الرغم من هذا، فعند تكاتف الجهود بإمكاننا إعادة توفير الخدمات وإنقاذ الأرواح. أتقدم بجزيل الشكر والتقدير لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، ولدولة الإمارات على دعمهم الذي سيوفر رعاية صحية إنسانية هامة للملايين ممّن هم في أمسّ الحاجة لها».
ويأتي هذا الدعم امتدادًا للشراكة الاستراتيجية القائمة بين دولة الإمارات ومنظومة الأمم المتحدة الإنسانية، ويؤكد استمرار الدولة في لعب دور محوري في مواجهة التحديات الإنسانية الأكثر إلحاحًا، وتعزيز قدرة المجتمع الدولي على حماية الأرواح، ودعم الاستقرار في المناطق المتأثرة بالأزمات، انسجامًا مع توجيهات صاحب السمو بالحفاظ على النهج القيادي لدولة الإمارات في العمل الإنساني العالمي.