تشو شيوان

يوافق 15 مارس الذكرى السنوية الأولى لطرح "مبادرة الحضارة العالمية"، وهي المبادرة الثالثة التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ، بعد مبادرة التنمية العالمية عام 2021، ومبادرة الأمن العالمي عام 2022، ولو تعمقنا في جميع هذه المبادرات الثلاثة لوجدنا أنها تُقدِّم الحكمة والرؤية الصينية لمواجهة التحديات والصعوبات التي تواجهها العالم في الوقت الحالي؛ الأمر الذي يضخ طاقة إيجابية قوية لبناء مجتمع المصير المشترك للبشرية وهو الهدف الأكبر والأشمل الذي تسعى له الصين من خلال مبادراتها ونهجها الدبلوماسي نحو العالم.

تتمتع مبادرة الحضارة العالمية بأربع ركائز مهمة؛ أولًا: تكشف مبادرة الحضارة العالمية بعمق عن الخصائص المهمة للحضارة الإنسانية. ثانيًا: تكشف مبادرة الحضارة العالمية عن العلاقة الوثيقة بين الحضارة الإنسانية والقيم المشتركة للبشرية جمعاء. ثالثًا: تكشف مبادرة الحضارة العالمية عن العلاقة الوثيقة بين الحضارة الإنسانية وعملية التحديث والتنمية. رابعًا: تظهر مبادرة الحضارة العالمية القوة لدمج النظرية مع الممارسة، وهذه نقطة مهمة جدًا؛ حيث إن ما يُميِّز المبادرات الصينية أنها مبادرات نظرية قابلة للتطبيق والممارسة. وخلال العام الماضي ومع التعزيز القوي للتبادل والتعاون الثقافي الدولي كنقطة انطلاق تم تنفيذ مبادرة الحضارة العالمية بشكل مستمر، مما أدى بشكل فعال إلى تعزيز التبادل والتعلم المتبادل بين الحضارات المختلفة.

حظيت مبادرة الحضارة العالمية ترحيبًا كبيرًا من قبل المجتمع الدولي، وخاصة الدول العربية، وقد أكدت الأوساط العربية المختلفة أن هذه المبادرة تواكب اتجاه التطور التاريخي وتحشد توافق المجتمع الدولي وتجسد الرغبة الصادقة للتعاون مع كافة الأطراف في بناء عالم أجمل، وتقدم مساهمة تاريخية جديدة للدفع بتقدم البشرية. إضافة إلى أن المبادرة عبرت عن الرغبة المشتركة لشعوب العالم في بناء عالم جديد لمواجهة الصراعات والنزاعات ويعيش فيه الجميع بالمساواة والسلام. وفي هذا الصدد أعتقد أن التواصل بين الحضارتين الصينية والعربية مهمة جدًا لحفظ السلام والتنمية والاستقرار في العالم.

وإذا نظرنا للحضارة الصينية والعربية، سنجد أنهما تتقاسمان العديد من المفاهيم المشتركة، وخاصة الدعوة إلى التواصل والتسامح الحضاري، ورفض "نظرية صراع الحضارات" و"نظرية التفوق الحضاري"، وهذه المفاهيم المشتركة التي ترفضها الحضارة الصينية هي نفسها ما ترفضها الحضارة العربية. وقد ذكرتُ مرارًا من خلال هذا الطرح أن العلاقات بين الصين والدول العربية قد شهدت تطورًا مستمرًا وكبيرًا خلال السنوات الماضية وخاصة بعد انعقاد القمة الصينية العربية الأولى في الرياض، كما نجحت الصين في تحقيق الوساطة بين السعودية وإيران، مما أطلق "موجة المصالحة بين الدول المختلفة" في الشرق الأوسط، ولا شك أن مبادرة الحضارة العالمية ترسي أساسًا مهمًا لوقف الحروب وإطلاق حوار السلام، وتدل بقوة على أن حل الخلافات عبر الحوار والتشاور أمر يتفق مع تطلعات الشعوب ويتفق مع تيار العصر ومصالح الدول كافة، وهذا أيضًا ما تتشارك به الصين والدول العربية.

خلال السنوات الأخيرة شهدت الصين والدول العربية تطورًا كبيرا للتواصل الشعبي وحماسة متزايدة لتعلم لغة وثقافة الجانب الآخر، وفي الجانب الصيني نجد أن هناك  عشرات الجامعات الصينية التي تُدرس تخصص اللغة العربية أوتُقدِّم دورات في اللغة العربية. وفي المقابل، هناك أكثر من 230 مؤسسة تعليمية عربية تقدِّم دورات في اللغة الصينية، إضافة إلى ذلك، قد أدرجت السعودية والإمارات و4 دول عربية أخرى اللغة الصينية في المناهج الدراسية الوطنية. وخلال الفترة الماضية عقد الجانبان الصيني والعربي 9 دورات من ندوة الحوار بين الحضارتين الصينية والعربية؛ الأمر الذي يدفع الجانبين بقوة لتعزيز التواصل الحضاري وتعميق الصداقة، وكل هذا إن دل فيدل أن مبادرة الحضارة العالمية أخذة في توسيع التلاقي الحضاري بين الصين ودول العالم وبالأخص الدول العربية.

في الوقت الحالي أصبح "التحديث الصيني" هو نمط التحديث المتبع في الصين والذي يدعو في جوهره لوجوب التناسق بين الحضارتين المادية والمعنوية والتعايش المنسجم بين الإنسان والطبيعة وسلك طريق التنمية السلمية، وأعتقدُ أن هذا المفهوم ينطبق على جوهر مبادرة الحضارة العالمية أيضًا، والصين دائمًا ترغب في تقاسم فكرتها وحكمتها لمواجهة الصعوبات في العالم، وتتطلع إلى بناء عالمٍ أجمل يتسم بالحضارات المتنوعة مع الدول الأخرى.

ومع دخولنا للسنة الثانية من مبادرة الحضارة العالمية فأجد بأننا مقبلون على تناغم وتشارك أكبر بين الصين والعديد من الحضارات والدول في العالم، وأجد أن هذا أمر إيجابي سيجعلنا نتعلم من بعضنا البعض، ويسد الفراغ الذي توجده القوى التي تحاول تأجيج الصراع العالم والدفع بالحمائية في العلاقات الدولية، وعلى العكس تجد مبادرات الصين تدعو للتناغم والتوافق وبناء عالمٍ ذي مصيرٍ مشتركٍ.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أغرب من طقوس المصريين القدماء.. قصة بدلة للدفن في الصين مصنوعة من أغلى أحجار العالم

في الصين القديمة، لم يكن الموت مجرد نهاية، بل كان بداية رحلة ملكية لا تقل فخامة عن الحياة، وكان أبرزها أسرار "بدلة الدفن اليشمية"، وهي تحف أسطورية التي كانت حكرًا على الأباطرة والنبلاء، والمصنوعة من آلاف القطع الصغيرة من حجر اليشم الثمين، والمربوطة بأسلاك من ذهب أو فضة.

بدلة الدفن اليشمية

بدلة الدفن من اليشم
هذه البدلة عبارة عن ثوب احتفالي مصنوع من قطع اليشم، وكان تصنيعها أمر شائع لدفن أفراد العائلة المالكة في عهد أسرة هان الصينية.

وتعرف باسم بدلة دفن اليشم، وكانت قطع اليشم من البدلات اليشمية التي عثر عليها في الغالب مربعة أو مستطيلة، وتم العثور أيضًا على لويحات على شكل مثلث وشبه منحرف ومُعين.

وتُربط اللوحات ببعضها البعض باستخدام سلك يمر عبر فتحات صغيرة بالقرب من زوايا كل قطعة. وتم العثور على عدة بدلات تم ربطها معًا إما بالذهب أو الفضة.

وكانت البدلات الأخرى، مثل بدلة الملك تشاو مو ، تُربط معًا بخيوط حريرية أو شرائط ممتدة على حواف اللوحات.

وفي بعض الحالات، تم العثور على قطع إضافية من اليشم تحت غطاء الرأس، بما في ذلك لويحات مصممة لتغطية العينين وسدادات للأذنين والأنف.

ما تكلفة بدلة الدفن اليشمية؟

بحسب كتاب "هو هانشو" من عهد أسرة هان اللاحقة، فإن نوع الأسلاك المستخدمة يعتمد على حالة الشخص المدفون.

فالخيوط الذهبية كانت تُستخدَم في صناعة أردية الدفن اليشمية للإمبراطور، والخيوط الفضية للأمراء والأميرات والدوقات والمارغريفات؛ لأبناء وبنات أولئك الذين أعطوا خيوط الفضة.

أما خيوط النحاس، كانت للأرستقراطيين، وكان يُمنع على الآخرين دفنهم بملابس الدفن المصنوعة من اليشم. 

لكن رغم أهميتها التاريخة لا تتوفر معلومات كثيرة عن هذه الملابس، خاصة المواد والتقنيات المستخدمة في صناعة ملابس الدفن المصنوعة من اليشم ، وكان إنتاج بدلة واحدة مكلفًا للغاية ولم يكن بمقدور سوى الأرستقراطيين الأثرياء تحمل تكلفة الدفن بها.

وكانت عملية صنع البدلة تتطلب الكثير من العمل، ويقدر أن صنع بدلة واحدة استغرق عدة سنوات.

على الرغم من جمالها وأهميتها الثقافية، لم تكن بدلات الدفن المصنوعة من اليشم خالية من التحديات العملية. نظرًا لأنها كانت مصنوعة بالكامل من اليشم، كانت ثقيلة، ويصعب نقلها، وكان نقلها يتطلب الكثير من القوة والجهد.

بالإضافة إلى ذلك، كانت البدلات في كثير من الأحيان صغيرة جدًا بحيث لا تتناسب مع جسد المتوفى الفعلي، وبدلاً من ذلك تم وضعها على دمية خشبية أو قالب تم وضعه في القبر مع بدلة الدفن اليشمية.

سر مخفي في بدلة الدفن

والمثير أنه لمدة سنوات عديدة، لم يكن علماء الآثار على دراية بوجود هذه الملابس الجنائزية، لكن تشير النصوص إلى صناديق اليشم أو أغطية للجثث. 

ولم يكن مفهوماً أن هذه الملابس كانت عبارة عن ستائر للجسم بالكامل أو ملابس جنائزية مصنوعة من ألواح اليشم، وأثبت اكتشاف قطعتين كاملتين من اليشم في مقبرتي ليو شنغ ودو وان في مانشينج، أن السلك المستخدم بها مصنوع من الذهب ويزن حوالي 1.25 كجم.

كانت هذه الملابس موجودة بكثرة في المدافن الصينية، خاصة في عهد أسرة هان، ولكن مع مرور السنين فُقدِت معظمها على يد لصوص القبور . وفي مدينة كوو ، تم اكتشاف مقابر لدوقات وكانت اجسادهن مغطاة بقطع صغيرة من اليشم المنسوج من الحرير.
تم اكتشاف أول مقبرة بها ملابس من اليشم في عام 1973، وتم اكتشاف قطعة دفن من اليشم تعود للأمير هواي من أسرة هان الغربية في دينجشيان بمقاطعة خبي . وتتكون من 1203 قطعة من اليشم و2580تزن اثنان كيلو ونصف جرام من خيوط الذهب. 

وفي عام 1983 ، تم العثور على قطعة دفن من اليشم في قبر الملك تشاو مو، في قوانغتشو، يُعرض الرداء في متحف ضريح ملك نانيوي من عهد أسرة هان الغربية.
وفي عام 1991 ، تم استخراج قطعة دفن من اليشم من مجموعة من المقابر الضخمة للملك تشو، في شوتشو . تم الحفاظ على هذه الملابس الرائعة بحجمها الطبيعي المصنوع من اليشم والذهب سليمة تقريبًا وبالتالي فهي ذات قيمة فنية كبيرة.

طباعة شارك بدلة الدفن اليشمية بدلة الدفن الصين المصريين القدماء تكلفة بدلة الدفن اليشمية

مقالات مشابهة

  • أغرب من طقوس المصريين القدماء.. قصة بدلة للدفن في الصين مصنوعة من أغلى أحجار العالم
  • جواهر القاسمي تشهد إطلاق مجموعة «قلب كريم» لدعم المشاريع الإنسانية حول العالم
  • مهنئاً بقمة بغداد.. الرئيس الصيني: القمة الصينية العربية الثانية ستكون معلماً مهماً لعلاقاتنا
  • قادة أوربيون في بيان مشترك: لن نصمت أمام الكارثة الإنسانية التي تحدث أمام أعيننا في غزة
  • النودلز الصينية.. وجبة سريعة بطابع شرقي ساحر
  • سر جنون اللابوبو.. دمية الوحوش التي غزت العالم وتباع بآلاف الدولارات
  • عُمان التي أسكتت طبول الحرب
  • عامها الـ7.. ما أبرز الخدمات التي تقدمها مبادرة ”طريق مكة“ للحجاج؟
  • الإنسانية السعودية في الحج: مبادرة “طريق مكة” نموذجًا رائدًا
  • رئيس جامعة بنها في الصين: نسعى لآفاق جديدة للتعاون العلمي والبحثي مع الجامعات الصينية