عين ليبيا:
2024-06-16@12:50:24 GMT

رمضان شهر العفو والتسامح

تاريخ النشر: 16th, March 2024 GMT

ما أجمل خلق ” العفو والمسامحة ” وما أعظم أثره في حياة الأفراد والمجتمعات، ولعل هذا الخلق أسمى ما يكون في صورته الإسلامية التي حض عليها القرآن الكريم وتجسدت في خلق وسيرة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، فقد ورد توجيه المؤمنين وأمرهم بالعفو عن الناس والصفح وقبول الأعذار في الكثير من مواضع القرآن الكريم، وذلك مقتضى الإيمان بأحد أسماء الله الحسنى “العفو”، فالله عز وجل هو الذي يحب العفو ويعفو عن الناس ويغفر السيئات ويتجاوز عن المعاصي، قال الله تعالى: ﴿فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [النساء: 99]، وقال عز وجل: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30]، بل إن الله تعالى جعل عفو العباد عن بعضهم مقروناً بعفوه سبحانه عن عباده، فمن أراد أن يعفو الله عنه ويغفر له فليغفر لعباد الله ويعفو عنهم، قال تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النور: 22]، وقال سبحانه: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [ سورة الشورى: 40]، وقال عز وجل في موضع آخر من سورة آل عمران: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ** الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 133-134].

وقد أمر الله تعالى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بالتحلي بهذا الخلق العظيم فقال تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ** وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [ فصلت: 34-35]. وكان صلى الله عليه وسلم خير من يمتثل لهذا الأمر وخير قدوة للمسلمين من بعده في العفو والصفح عن الناس، ومواقف سيرته تشهد على ذلك، ومنها ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “” كُنْتُ أَمْشِي مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعليه بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فأدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حتَّى نَظَرْتُ إلى صَفْحَةِ عَاتِقِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أَثَّرَتْ به حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِن شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قالَ: مُرْ لي مِن مَالِ اللَّهِ الذي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ له بعَطَاءٍ “”. قال الإمام النووي رحمه الله معلقاً: ” فيه احتمال الجاهلين والإعراض عن مقابلتهم، ودفع السيئة بالحسنة، وإعطاء من يتألف قلبه .. وفيه كمال خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلمه وصفحه “. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “ما ضَرَبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ شيئًا قَطُّ بيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا؛ إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبيلِ اللهِ، وَما نِيلَ منه شَيءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِن صَاحِبِهِ؛ إلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيءٌ مِن مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ”.

ولأن رمضان شهر العفو وموسم المغفرة الذي يمنّ الله تعالى به على عباده كل عام، فيضاعف فيه حسناتهم ويغفر فيه ما تقدم من ذنبهم إذا صاموه إيماناً واحتساباً، فعباد الله المؤمنين أحرى الناس بأن يعفوا عن الناس ويتجاوزوا عمن أساء إليهم وأخطأ بحقهم في هذا الشهر الفضيل، حتى ينالوا بذلك عفو الله تعالى ومغفرته ومرضاته. فيجب أن يكون رمضان موسماً للعفو والتسامح بين المسلمين أنفسهم ومع غير المسلمين أيضاً، حيث تتآلف القلوب وتختفي الضغائن والأحقاد ويتصالح المتخاصمون، والحقيقة أن التحلي بهذا الخلق ليس سهلاً، فلا يمارسه ويطبقه إلا من كمل إيمانه وإحسانه، وهذا ما دل عليه قوله تعالى:  ﴿وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ** وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت: 34-35].

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم الله تعالى عن الناس اه ا إ ل

إقرأ أيضاً:

حكم ذبح دم الفدية خارج الحرم

قالت دار الإفتاء المصرية، إنه يجوز شرعًا لمَن وجب عليه دم الفدية بسبب ارتكاب محظور من محظورات الإحرام، أو ترك واجب من واجبات الحج؛ أن يذبح الهدي خارج الحرم؛ سواء في بلده أو غيره.

حكم التوكيل في رمي الجمرات في الحج.. الإفتاء توضح حكم ذبح ولد الأضحية.. الإفتاء توضح أسباب وجوب الفدية على الحاج

أوضحت الإفتاء، أن الحج من شعائر الله تعالى المشتملة على العديد مِن المناسك والقربات، المتنوعة في مقاديرها وصفاتها وطرق أدائها، ولَمَّا كانت أحوال الحجاج في أدائها تختلف باختلاف قدراتهم على تحمل مشقتها، ونظرًا لكثرة ما يكتنفها من الأحكام والأعمال، وتحديدِ كلِّ شعيرةٍ بوقتٍ وصفةٍ ومكانٍ؛ فإن الحاج قد يَعرض له ما يمنعه من إتمام بعضها، أو يقع في شيء من محظوراتها؛ ولذا أَوْجَبَ اللهُ تعالى الفديةَ جبرانًا للنقص وجزاءً لارتكاب المحظور.

وتختلف هذه الفديةُ باختلاف سبب وجوبها:

- فمنها: ما يجب بسبب ارتكاب أحد محظورات الإحرام: كحلق شعر الرأس، وقص الأظافر؛ سواء كان ذلك لعذر، أو لغير عذر؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: 196]. والنسك: الفدية بدم.

وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرَّ به زمنَ الحديبية، فقال: «قَدْ آذَاكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟» قال: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «احْلِقْ، ثُمَّ اذْبَحْ شَاةً نُسُكًا، أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ» أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح"، وأبو داود في "السنن"، والطبراني في "الكبير"، وابن حبان في "الصحيح".

وأجمع العلماء على أن الفدية واجبة على مَن أتى بموجبها؛ قال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد": [وأجمعوا أن الفدية واجبة على مَن حلق رأسه مِن عذر وضرورة، وأنه مخيَّر فيما نص الله ورسوله عليه مما ذكرنا].

وقال علاء الدين المرداوي في "تصحيح الفروع": [أجمع أهل العلم على أنَّ الْمُحْرِمَ ممنوعٌ مِن أخذ أظفاره، وعليه الفدية بأخذها].

وإذا كانت الفديةُ واجبةً على المعذور في ارتكاب المحظور؛ فَلَأَنْ تكونَ واجبةً على غير المعذور في ارتكابه مِن باب أَوْلَى.

- ومنها: ما يجب بسبب التعدي على الصيد: وهو الجزاء؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [المائدة: 95].

- ومنها: ما يجب بسبب الإحصار: وهو تعذر الوصول لمكة لأداء النسك بعد الإحرام به بسبب العذر؛ مِن نحو مرض أو صعوبة طريق؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196].

- ومنها: أنَّ مَن ترك واجبًا من واجبات الحج فلا يجزئه -عند القائل بأن المتروك واجبٌ- إلا الدم؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا، أَوْ تَرَكَهُ؛ فَلْيُهْرِقْ دَمًا" أخرجه الإمام مالك في "الموطأ"، وابن وهب في "الجامع"، والبيهقي في "السنن" و"معرفة الآثار" واللفظ له.

مقالات مشابهة

  • "المعيقلي": يجب التركيز على صفاء العبادة والشعائر دون التشتت بالشؤون السياسية..نص خطبة عرفة كاملًا
  • حكم ذبح دم الفدية خارج الحرم
  • المعيقلي في خطبة عرفة: الحج ليس مكانا للشعارات السياسية ولا التحزبات.. مما يوجب الالتزام بالأنظمة والتعليمات
  • خطيب عرفة: الحج إظهار للشعيرة وإخلاص في العبادة
  • الشيخ المعيقلي بخطبة عرفة: جاءت الشريعة المباركة بتحصيل المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد أو تقليلها
  • الشيخ ماهر المعيقلي: الحج إظهار للشعيرة وإخلاص في العبادة
  • خطيب المسجد الحرام: الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد .. فيديو
  • ما هي أفضل الأعمال في يوم عرفة؟
  • فضل يوم عرفة
  • «يوم عرفة».. رحلة إيمانية وفرصة مغفرة عظيمة