لجريدة عمان:
2025-05-28@13:57:47 GMT

صورة العربي في سرديات الواقعية السحرية

تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT

يبدو عنوان المقال مغريا بل مثيرا للفضول لمعرفة صورة العربي في واحدة من أهم السرديات الأدبية في العالم، ولكن قبل ذلك لا بد من الاعتراف بأن هذا العنوان مقتبس من كتاب «صورة العربي في سرديات أمريكا اللاتينية» للكاتب الكوبي ريجوبيرتو إرنانديث باريديس (1963) الصادر عن دار كلمة بترجمة المترجم المصري المبدع أحمد عبداللطيف (1978).

والكاتب الكوبي -حسب النبذة المكتوبة عنه في الكتاب- باحث وأكاديمي تولى إدارة «متحف بيت العرب» التابع لإدارة مؤرخ هافانا، وعني منذ بداية مساره البحثي بالكثير من جوانب الثقافة العربية ومسارها وتفاعلها في كوبا. نشر العديد من الأبحاث حول الموضوع نفسه منها كتاب بعنوان «العرب في كوبا» نشر في عام 2007م.

غنيّ عن التذكير بأن الأسباب التي دفعت بالعرب في بلاد الشام إلى الهجرة إلى قارات العالم الجديد تعود لأسباب سياسية واقتصادية، أما السياسية فنتيجة لاضطهاد العثمانيين للعرب وتجنيدهم الإجباري في الجيش لخوض صراعات الأتراك الخاسرة، وأما الأسباب الاقتصادية فنظرا للمجاعة الكبرى التي وقعت في عام 1915م، وحسبما يورد باريديس في كتابه فقد بدأت هجرات فردية عربية إلى الأمريكيتين «منذ بدايات النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ففي سنة 1854 وصل إلى بوسطن بالولايات المتحدة، طالب اللاهوت أنطونيو فريحة البشحلاني، وفي سنة 1859 وصل إلى البرازيل اللبناني يوسف موسى، ثم دخلت هجرات عربية جماعية كانت وجهتهم الأولى الولايات المتحدة والبرازيل والأرجنتين والمكسيك وتشيلي، أما الوجهة الثانية فكانت فنزويلا وكولومبيا والإكوادور».

ويذكر باريديس في مقدمة كتابه أنه «استطاع كُتّاب أمريكيا اللاتينية عبر الأدب، أن يستعيدوا صورا خاصة بهم، صورا عايشوها وعادة ما ظهر فيها بائع جوال سُمي (عربي) أو طبيب بلقب عربي. ليس غريبا إذن أن نجد في العالم السردي شخصيات، مثل سانتياجو نصار، ابن رجل عربي، أو ناثيب سعد سوري يحمل الجنسية البرازيلية، ولعل جابرييل جارثيا ماركيز (1927-2014)، وجورجي أمادو (1912-2001)، مثار فخر الآداب الأمريكية اللاتينية، كانا شاهدين في عالمهما الواقعي على الحضور المستمر للمهاجر القادم من المشرق أو لنسله».

استعرض الكاتب نماذج من صور المهاجر العربي الذي يسمى مرة بالتركي ومرة بالسوري، وكان العربي في هيئة بائع متجول كما هو مدوّن في السرد الكوبي، أو متعدد المهام والمهن في روايات الكولومبي ماركيز «ساعة نحس»، و«الكولونيل لا يجد من يكاتبه»، و«مئة عام من العزلة»، و«سرد أحداث موت معلن».

أما الكاتب البرازيلي جورجي أمادو -فهو كما يصفه المؤلف الكوبي- الكاتب الأمريكي اللاتيني الذي تناول العربي في رواياته بشكل أوسع، خاصة عمليه «جابرييلا والمسمار والقرفة» و«عن كيف اكتشف العرب أمريكا» وفيهما منح البطولة لصورة المهاجر العربي.

يحضر العربي، وتحديدا الدرزي، في واحدة من أجمل القصص البوليسية التي ابتدعها الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخس ( 1899-1986) في كتاب «ست مشكلات تواجه السيد إيسيدرو بارودي». أما في تشيلي فتأتي أعمال الكاتبة إيزابيل الليندي (1942) التي تتخذ من شخصية رياض الحلبي تميمة في أعمالها الروائية والقصصية، سواء في رواية «بيت الأرواح»، أو قصص أيفا لونا «ذهب توماس بارجس» و«ضيف المدرسة». وعن التشيلي أيضا يقول الباحث الكوبي: «إنها أكثر بلدان أمريكا اللاتينية في عدد المؤلفين من أصول عربية -فلسطينيون بالأساس- الذين عالجوا في أعمالهم السردية موضوع الهجرة العربية، وأشهرهم والتر غريب (1933)».

يختم باريديس كتابه برواية «حفلة التيس» للكاتب البيروفي ماريو بارغاس يوسا (1936)، ويتحدث فيها عن الوجود العربي في الدومينيكان. ذكر يوسا في الرواية التي تتحدث عن ديكتاتورية رافائيل توروخيو (1891-1961) رئيس جمهورية الدومينكان، شخصية تركية/ لبنانية هو سلفادور إسترييا سعد الله «الذي يحلم من آن إلى آخر باليوم الذي فيه يزور جبل لبنان، يزور هذه المدينة وربما القرية المسماة باسكينته، مسقط رأس عائلة سعد الله التي انحدر منها أسلافه من جهة أمه».

يوسا أيضا ذكر العرب في باريس ومدريد ودبي، في روايته «شيطنات الطفلة الخبيثة» التي ترجمها المرحوم صالح علماني (1949-2019)، والصادرة عن منشورات الجمل في عام 2021م، وقبلها صدرت عن دار المدى للمترجم ذاته في عام 2014م. في هذه الرواية يتحدث البطل ريكارديتو سوموكوريثو عن زيارته لمدينة الإسكندرية، إذ يقول: «قمت بجولة في المدينة القديمة التي أسسها الإسكندر، وزرت متحفها الذي يضم آثارا رومانية، وبقايا مدرجها الروماني، وقمت بنزهة طويلة على كورنيشها البحري الجميل الممتلئ بالمقاهي، والمطاعم، والفنادق، ومتاجر السياح، حيث تمور حشود صاخبة وكوزموبوليتية، وبينما أنا جالس في أحد مقاهي الرصيف تلك جعلتني أفكر في الشاعر كافاني -لم يكن بالإمكان زيارة بيته في الحي اليوناني المختفي والمتعرب الآن- فهناك لافتة بالإنجليزية تشير إلى أن البيت يخضع للترميم من قبل القنصلية اليونانية».

تبقى صورة الإنسان العربي المنفلتة من التأطير النمطي كأي إنسان آخر في الكون لا يُقدس ولا يُدنس، بل إنسان له سلوكيات وأفعال يتخذها وفق قناعات ورغبات معينة، ولكن سعينا إلى الإنصاف يجعلنا نبحث عمن يكتب عن الشخصية العربية دون زيف مثلما هي بألقها وكبريائها وهزائمها وخيباتها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العربی فی فی عام

إقرأ أيضاً:

سلطان العميمي: الكاتب الإماراتي شريك في المشروع الحضاري للوطن

سعد عبد الراضي
بمناسبة يوم الكاتب الإماراتي، صرّح الدكتور سلطان العميمي، رئيس مجلس إدارة اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، بأن هذه المناسبة الوطنية تجسّد تقديراً حقيقياً للدور المحوري الذي يضطلع به الكُتّاب في صياغة وعي المجتمع وبناء هويته الثقافية، مؤكداً أن الكلمة الإماراتية لم تكن يوماً على هامش المشروع التنموي، بل في صلبه.
وقال العميمي: «نحتفي اليوم بالإبداع الإماراتي، بوصفه ذاكرة وطنية، وصوتاً حضارياً مؤثراً، ومحطة حقيقية نُجدد من خلالها العهد بأن تبقى الكتابة شريكة في كل مسيرة بناء، ورمزاً لكل مرحلة وعي، ومنارة لكل سعي نحو المستقبل».  
وأوضح العميمي أن الاتحاد عمل، خلال السنوات الماضية، على توسيع شراكاته الثقافية، من خلال التعاون مع جهات وطنية بارزة، مثل وزارة الثقافة، وهيئة الشارقة للكتاب، ومؤسسة أبوظبي للفنون، ومؤسسة سلطان العويس، إضافة إلى جامعات ومؤسسات إعلامية وأكاديمية داخل الدولة.
وقد أثمرت هذه الشراكات عن برامج ومبادرات نوعية، شملت مشاركات أدبية داخلية وخارجية، وإصدار سلاسل نشر دورية وتنظيم ملتقيات فكرية ونقدية، وتوثيق السير الإبداعية لرموز الثقافة الإماراتية، وإطلاق جوائز ومسابقات للكُتّاب الشباب وأصحاب المواهب من الفئات العمرية الصغيرة.
وأكد رئيس الاتحاد أن المؤسسة، من خلال فروعها وتعاوناتها مع صروح ثقافية في الداخل والخارج، تسعى جاهدة إلى تحقيق تكامل حقيقي بين أجيال الكُتّاب، من الرواد إلى الشباب والمواهب الجديدة، مشيراً إلى أن اللقاءات الأدبية والورش المتخصصة تساهم بشكل كبير في نقل الخبرات، وتوفير بيئة حوارية تُسهم في تواصل الإبداع وتراكمه.
وأضاف: «نؤمن بأن الإبداع لا ينشأ وحيداً يتيماً في موطنه، بل يُكتشف ويُحفّز ويُحتضن ويُدعم، لذلك نسعى لأن يكون اتحاد الكتّاب حاضنة جامعة لكل صوت حقيقي، ولكل تجربة صادقة، ولكل موهبة تبحث عن منبر يُنصت لها ويدفعها نحو الأفق».
وتابع العميمي: «في الذكرى الواحدة والأربعين لتأسيس الاتحاد، الذي بدأ مسيرته في مثل هذا اليوم من عام 1984، نعتز بأن الكاتب الإماراتي بات حاضراً في المحافل الإقليمية والدولية، من خلال مشاركات فاعلة، وترجمات متزايدة، وتعاون مع دور نشر عالمية. وما ذلك إلا ثمرة حقيقية لما يحظى به من دعم من القيادة الرشيدة، التي تُدرك أن الثقافة ليست ترفاً بل جزء لا يتجزأ من مشروع الدولة».
وأكد العميمي أن الكلمة مسؤولية، حيث قال: «لسنا في اتحاد الكتّاب مجرد مؤسسة معنية بالنشر والتوثيق، بل نحن شركاء في صياغة المشهد الثقافي للدولة، وداعمون لكل من يحمل الكلمة مسؤولية. سنواصل العمل من أجل بيئة إبداعية محفّزة، تُكرّم الإرث وتُطلق الطاقات، لأننا نؤمن بأن الثقافة هي شريان الوطن، وبأن الكتابة هي الضوء الذي يدلّنا على الطريق، كما أن إيماننا الحقيقي بقوة الكلمة يفرض علينا التعامل مع الكتابة كفعل مسؤول، له أثره في الوجدان والواقع معاً. ولذلك، سنظل نعمل على توفير مناخ محفّز على العطاء والإبداع الثقافي ويُطلق الطاقات الكتابية الكامنة في الأفراد».

أخبار ذات صلة «دبي للثقافة» تثمن دور الكاتب الإماراتي رئيس هيئة أبوظبي للتراث يزور معرض أبوظبي الدولي للكتاب

مقالات مشابهة

  • الواقعية السياسية وقوة التأثير الإقتصادي.. المغرب يكسب دعم 38 دولة أفريقية لقضية الصحراء
  • الكاتب الإنسان.. ما سر التعاطف الواسع مع صنع الله إبراهيم في مرضه؟
  • رغم القيود.. المستخدمون يسيئون استخدام أداة توليد مقاطع الفيديو الواقعية من غوغل
  • سرديات المقاومة.. رحلة طاهر النور من تشاد إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة
  • الكتابة بالأحرف اللاتينية موروث استعماري متجذر لدى الفيتناميين
  • وفاة الكاتب الصحفي صالح شرف الدين والجنازة في مصطفي محمود
  • مبدعون: الكاتب الإماراتي.. صوت الوطن وروح الهوية
  • سلطان العميمي: الكاتب الإماراتي شريك في المشروع الحضاري للوطن
  • «دبي للثقافة» تثمن دور الكاتب الإماراتي
  • مقدمة لدراسة صورة الشيخ العربي في السينما الأمريكية «23»