مقدمة لدراسة صورة الشيخ العربي في السينما الأمريكية «23»
تاريخ النشر: 25th, May 2025 GMT
لما تقدم فـي الحلقات السابقة من هذا المبحث، فإن على دراسة صورة الشَّيخ العربي فـي السِّينما الأمريكيَّة أن تذهب إلى ما هو واقع وراء نطاق التحليل النَّصي البسيط (أو التَّبسيطي)، أو الدِّراسة المُجَوهَرَة (essentialized)، أو تلك المبنيَّة على ثنائيَّة قُطبيَّة (binarized) للصورة «النَّمطيَّة» و«المُساء تمثيلها».
وفـي هذا الإطار، إذًا، سيكون مفـيدًا لدراسة صورة الشَّيخ العربي فـي السينما الأمريكية توسيع ومَشْكَلَة مقولة هومي بابا Homi Bhabha حول الصورة النمطيَّة غير الثَّابتة باعتبارها ناتجة عن استجابات ذات طبيعة نفسيَّة مُقلقَلة ومُقلقِلة يجري تبادلها بين ذات وموضوع التَّمثيل (representation)، المستعمِر والمستعمَر (3). كما يمكن الانتفاع من كتاب مايكل بِكرنغ Michael Pickering حيث إني معني بجهوده الدقيقة فـي موازاة مقولة الصورة المنمَّطة بفكرة الآخر لكن فـي محاججة جديدة: تعتمد الهويَّة على الاختلاف الذي ينتج الغيريَّة على عمليَّة «طَرْدٍ رمزي» (4). وبالمقدار نفسه، ينبغي تطوير ما يقوله بِكرنغ عن الزمان والمكان فـي صنع الغيريَّة (otherness)، إذ أني أرى مُحتَمَلًا كبيرًا فـي إضاءة وتطوير ما يسميه «زَمْنَنَة الاختلاف» (temporalisation of difference)، وذلك فـي سياق فهم الانزياحات العديدة لتمثيلات شخصيَّة الشّيخ العربي فـي السِّينما الأمريكيَّة (5). حقًا، يمكن للمرء اعتبار أن «أفلام الشَّيخ» التي أنتجتها السِّينما الأمريكيَّة يمكن أن تكون «رحلات غربيَّة»، متخيَّلة وفعليَّة، فـي أوقات «مختلفة»، ولهذا فإنه تنبغي مجاورة مفهوم بِكرنغ عن «زَمْنَنَة الاختلاف» مع مفهوم بهداد عن «التَّأخريَّة»، والذي سبقت الإشارة إليه.
إنني أقترح فكرة أسميها «السرديَّات الشيخيَّة» لِثَيمَتَةِ وزَمْنَنَةِ تمثيلات الشَّيخ الهوليوودي العربي، وتلكم السرديَّات، فـي نظري، أربعٌ وهي كالتالي: «سرديَّات الرّومانس، والرَّغبة (الأخرى)، والهويَّة»، وهذه هي سرديَّات العشرينيَّات من القرن العشرين. و«سرديَّات الأَسر، والاستعباد، والمواجهة»، وهذه هي سرديَّات الثلاثينيَّات والأربعينيَّات من القرن ذاته. و«سرديَّات الحرب الباردة، والنفط، وفلسطين»، وهذه هي سرديَّات الخمسينيَّات والستينيَّات من القرن الفائت». و«سرديات الانحراف، والإفراط، و«إنَّهم يشتروننا»، والإخفاق، والهلاك»، وهذه هي سرديَّات السبعينيَّات والثمانينيَّات من نفس القرن.
وهذه المقاربة ثيماتيَّة، وكرونولوجيَّة، وعَبرَ كرونولوجيَّة، وذلك بالنَّظر إلى الطَّبيعة غير المستقرَّة لتمثيلات شخصيَّة الشَّيخ العربي. بكلمات أخرى، بينما توجد «سرديَّات» دالَّة على تمثيلات الشَّيخ العربي فـي عقود زمنيَّة معيَّنة ومتطابقة معها بصورة كاملة، فإن «سرديَّات» أخرى ليست كذلك بتلك الصورة المُحكَمَة والحصريَّة.
على سبيل المثال، الفـيلم التَّأسيسي الذي أُنتج فـي عشرينيَّات القرن العشرين، والذي شكَّل «سرديَّات الرّومانس، والرَّغبة (الأخرى)، والهويَّة»، هو «الشَّيخ» كان كذلك ليس لأنه بدأ فـي بناء إرث شخصيَّة الشَّيخ العربي فحسب، ولكن كذلك لأن العشرينيَّات من ذلك القرن كانت عقد الشَّيخ العربي «مختلف الهويَّة، والرُّومانسي، والمرغوب فـيه». وبعد ذلك العقد من الزمن اتخذت شخصيَّة الشَّيخ أدوارًا أخرى (وهذا لا يعني، على نحو بارادوكسيٍّ، أن «الشَّيخ العربي الرُومانسي اختفى تمامًا فـي عقد الثلاثينيَّات وما بعد ذلك بالنَّظر إلى وفرة تعدد معاني الشخصيَّة). وبصورة مشابهة فإن فـيلم «إلسا: حارسة حريم شيوخ النفط» (دون إدمُندز Don Edmonds، 1976)، والذي يتضمن شخصيَّة مُقَنَّعة قليلًا لهنري كِسنغر Henry Kissinger، وزير الخارجيَّة الأمريكي إبان الأزمة النفطيَّة فـي سبعينيَّات القرن الماضي، إضافة إلى إشارات وعلامات تدلُّ على المملكة العربيَّة السعوديَّة على نحوٍ أقل تَقَنُّعَا، والذي -أي الفـيلم- تنبغي إضاءته، مبدئيًّا، فـي «سرديات الانحراف، والإفراط، و«إنَّهم يشتروننا»، والإخفاق، والهلاك» التي سادت ذلك العقد، لا يمكن أن يكون قد صُنع فـي الثلاثينيَّات، مثلًا، وذلك لأسباب هي أوضح من أن تُذكر. وفـي الجانب الآخر فإن «سرديَّات الأَسر والعبوديَّة» لم تكن محصورة على أفلام الشَّيخ العربي التي أُنتجت فـي الثلاثينيَّات، ما دام شيوخ هوليوود العرب الأشرار قد مارسوا أسر، واختطاف، واستعباد الرجال والنِّساء، بيضًا وسودًا وصُفرًا. ومع أن فـيلم «فتاة الحريم»[Harem Girl] (إدوَرد برندز Edward Bernds، 1952) يشكِّل فـيلمًا مثاليًّا لدراسته فـي «سرديَّات الحرب الباردة، والنفط، وفلسطين»، التي شاعت فـي الخمسينيَّات والستينيَّات من القرن المنصرم، إلا أنني أراه حالة مثاليَّة لتفكيكه ضمن قراءة «سرديَّات الرّومانس، والرَّغبة (الأخرى)، والهويَّة» التي كانت علامة العشرينيَّات من نفس القرن. بكلمات أخرى، ليس العقد الزَّمني هو ما يحدد الثيمة السينمائيَّة بصورة دقيقة، وجامعة مانعة. ولكن يمكن القول إن الثيمة مثال على «نزعة معيَّنة» (استعارة لعبارة فرانسوا تروفو Francios Truffaut الشهيرة التي قالها فـي سياق آخر) أكثر وضوحًا من غيرها فـي أفلام الشَّيخ العربي خلال فترة زمنيَّة محدَّدة فـي استجابة لما هو سياسي وثقافـي فـي الحياة الأمريكيَّة نفسها خلال ذات الفترة (6).
لأسباب كنتُ قد أوضحتُها، وربما كرَّرتُها، فإن أي دراسة ذات معنى، ويُحفل لها حقًّا، لدراسة صورة الشَّيخ العربي فـي السِّينما الأمريكيَّة يجب أن تبدأ بالفـيلم التأسيسي «الشَّيخ». وبينما يتوافر الآن جسم يُعتَدُّ به من الإضاءات النقديَّة والبحث الأكاديمي حول الفـيلم ونجمه الأسطوري فالنتينو Valentino (وهو جسم من الأدبيَّات الملهِمة والمثيرة للاهتمام)، فإن هناك الكثير مما يمكن أن يقال، بل وينبغي قوله. على سبيل المثال، لم تُثَر لغاية الآن مسألة ما أسميه «دينيَوَِّة الرَّغبة» (religiousity of desire) الرَّغبة فـي الفـيلم، والتي أرى انه ينبغي أن توضع فـي الواجهة.
---------------------------------
(1). Walter Lippmann, Public Opinion (New York: Harcourt, Brace, 1922).
(2). اُقتبس فـي:
Michael Pickering, Stereotyping: The Politics of Representation (New York: Palgrave, 2001), 16.
(3). Homi Bhabha, “The Other question: The Stereotype and the Other Question” in The Location of Culture (New York: Routledge, 1994).
(4). Pickering, 48.
(5). المصدر السَّابق نفسه، 57.
(6). Francois Truffat, “A Certain Tendency in the French Cinem” in Bill Nichols, 224-37.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: صورة الش
إقرأ أيضاً:
علماء يحذرون: 30 ألف وفاة سنوياً في إنكلترا وويلز بسبب الحرارة!
حذر علماء من أن موجات الحرارة الشديدة قد تؤدي إلى وفاة أكثر من 30 ألف شخص سنوياً في إنجلترا وويلز بحلول سبعينيات هذا القرن، في ظل تصاعد تأثيرات التغير المناخي التي تهدد حياة الملايين.
الدراسة الجديدة التي أجراها باحثون من كلية لندن الجامعية ومدرسة لندن لحفظ الصحة وطب المناطق الحارة، تكشف أن الوفيات المرتبطة بالحرارة قد ترتفع بنسبة مذهلة تصل إلى أكثر من خمسين ضعفاً خلال خمسين عاماً، ما يشكل تحدياً صحياً خطيراً للمجتمع البريطاني.
الباحثون قارنوا عدة سيناريوهات محتملة تشمل درجات الاحترار المختلفة، ومستويات التكيف مع أزمة المناخ، والتباينات المناخية الإقليمية، إضافة إلى احتمال حدوث انقطاعات في الطاقة.
وشمل التحليل تأثير شيخوخة السكان، إذ من المتوقع أن يتزايد عدد كبار السن الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً بشكل كبير بحلول ستينيات القرن، وهم الفئة الأكثر عرضة لمخاطر موجات الحرارة.
وسجلت إنجلترا وويلز بين عامي 1981 و2021 ما معدله 634 حالة وفاة سنوياً بسبب الحرارة. لكن في أسوأ السيناريوهات، حيث يرتفع متوسط درجات الحرارة بمقدار 4.3 درجات مئوية بحلول نهاية القرن دون اتخاذ إجراءات كافية للتكيف، قد ترتفع الوفيات المرتبطة بالحرارة إلى أكثر من 10 آلاف حالة في خمسينيات القرن، وتتجاوز 34 ألف حالة سنوياً بحلول السبعينيات، وفقاً للدراسة المنشورة في مجلة (PLOS Climate).
أما في السيناريو الأكثر تفاؤلاً، مع رفع درجة الحرارة لا تتجاوز 1.6 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، وتبني تدابير قوية للتكيف، فإن الوفيات ستظل مرتفعة بنسبة تصل إلى ستة أضعاف بحلول سبعينيات القرن.
وتأتي هذه النتائج في أعقاب صيف 2022 الحار للغاية، الذي شهد تسجيل حرارة قياسية بلغت 40.3 درجة مئوية في كنينغسبي بلينكولنشاير، وتسبب في 2985 حالة وفاة زائدة بسبب الحرارة، وهو ما وصفت الدراسة بأنه “الوضع الطبيعي الجديد” الذي قد يصبح معتاداً بدءاً من خمسينيات هذا القرن.
وفي سياق متصل، أصدرت وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة تحذيراً من المستوى الأصفر بشأن موجة حر شديدة تشمل معظم المناطق، من 10 يوليو حتى 15 يوليو 2025، مع توقع درجات حرارة تتراوح بين 27 و29 درجة مئوية في معظم أنحاء إنجلترا وويلز، وقد تصل إلى 31–33 درجة خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وتسلط الدراسة الضوء أيضاً على أن الأبحاث السابقة قللت من تقدير أعداد وفيات الحرارة بسبب عدم احتساب أثر شيخوخة السكان، ما يعزز الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات فعالة ومستدامة للتكيف مع موجات الحر التي تزداد حدةً مع تفاقم أزمة المناخ.
آخر تحديث: 11 يوليو 2025 - 19:25