لجريدة عمان:
2025-07-06@09:04:26 GMT

«كثيرة جدا هذه اليابسة» لعبدالله حبيب

تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT

«كثيرة جدا هذه اليابسة» لعبدالله حبيب

يندرج كتاب «كثيرةٌ جدًا هذه اليابسة» للكاتب والسينمائي العماني عبدالله حبيب -الصادر حديثا عن دار روايات بالشارقة- تحت مظلة (أدب الشذرات) أو (الكتابة الشذرية)، لكن هل هي فعلًا مجرّد شذرات؟ لا يبدو الأمر هكذا على إطلاقه؛ فالكاتب نفسه لم يكن ليحسم الأمر بهذه البساطة وإلا لم يكن ليضعها تحت ثلاثة أجناس مختلفة هي «شذرات، تأمُّلات، نصوص» في العنوان الفرعي الذي يلي العنوان الرئيس.

في الحوار الذي أجرته الكاتبة والإعلامية أمل السعيدية مع عبدالله حبيب في برنامج (الفهرس) سعى الكاتب إلى تفكيك مصطلح (الشذرة Fragment) الذي يختلف تماما -من وجهة نظره- عن مفهوم آخر قد يتداخل معه ألا وهو (الحكمة aphorism)، ومن ثَمَّ اقترح عبدالله حبيب مصطلح (شَظَرَة) -كعادته في صَكَّ كلمات جديدة واجتراح مصطلحات منحوتة أخرى- لتُعبّر عن تشظّي الشكل والمضمون معًا وتشذُّرهما؛ لينتج ذلك النص المُكَثّف دلاليًا والمُختَزَل نصيًّا والعميق شعريًا وفلسفيًا، وهو قد مارس هذا النوع من الكتابة باحترافٍ عالٍ في كتبه الأخرى.

لِنَعُد مرة أخرى إلى العنوان -باعتباره شفرة الكتاب وعتبته الأولى- لنجد أنه يحيلنا إلى اليابسة، بل وإلى الكثير منها لكننا حين نعيد البصر كرتين لن نجد في الغلاف الخارجي ما يشير إليها (أي إلى اليابسة) أو يومئ إلى أيٍّ من علاماتها، على العكس من ذلك سنجد أن الغلاف يحتوي على صورة محارة كبيرة تضم أصدافا بحرية، وبلغة السيميائيين فإن صورة المحارة هي أيقونة دالة على البحر، والبحر نقيض اليابسة، وعلى هذا الأساس فإن عنوان الكتاب المخاتل ليس كما يبدو لنا على ظاهره، وإنما يتضمن معنى دلاليا محتجبا عن القارئ. فأين يتوارى ذلك المعنى؟

سنحتاج للإجابة عن هذا السؤال إلى الانتقالَ إلى العتبة الثانية للكتاب وهي هنا (فهرس المحتويات) لنجد أن الكاتب قد عنونه بـ«خريطة اليابسة»، وإذن فلن يجد القارئ في هذا الكتاب سوى اليابسة، والدليل على ذلك أن المؤلف وضع ثلاث عتبات أخرى مُتَضَمّنة في هذه الخريطة؛ ليُدلّل بها على التنويعات النصية التي يشتمل عليها الكتاب، وهي التي كانت على غلاف الكتاب عنوانا فرعيا، وقد قسَّمها كالآتي: «شذرة أولى، تأمُّل ثانٍ، نصُّ ثالث»؛ ليعطي ملمحًا عمّا يمكن أن يشي بأمثلة لها، (مع ملاحظة أن مصطلح «نصوص» ينفتح على أجناس أدبية مختلفة فهي قد تشمل «القصيدة النثرية، والهايكو، والومضة، وق.ق.ج... إلخ»). هذه الأقسام الثلاثة تحتلُّ ثلاث ورقات من الكتاب -في فهرس خريطة اليابسة- ثم لا شيء آخر سوى (اليابسة) التي تحتلُّ الكتاب بأكمله -«فهرسيا» على الأقل- ابتداء من الصفحة (13)، وانتهاء بالصفحة (186) التي يُختَم بها الكتاب.

وإذن فما علاقة البحر بأصدافه في كتاب ينفتح على اليابسة في جميع صفحاته؟ قد لا يتمكن القارئ من الحصول على إجابة لهذا السؤال الذي سيظلُّ يشغل باله وهو يقرأ الكتاب بأناةٍ وتأمُّل ومتعةٍ إلى حين يعثر على الشذرة التي اقتُطِعَ منها عنوان الكتاب، وهي الشذرة رقم (318) في صفحة (130)، يقول فيها عبدالله حبيب: «كثيرةٌ جدًا هذه اليابسة على القواقع وسكان المياه»، وهنا تماما تنحلُّ إحدى عُقَد العنوان، فاليابسة من زاوية الرؤية هذه كثيرة جدا بالنسبة إلى أهل البحر وسكّانه، أما بالمعنى الطبوغرافي فهي ليست كبيرة إذ لا تشكل سوى 29% من مساحة الأرض، ومع ذلك فهي خواء وخلاء ويابسة حقا- بالمعنى اللغوي والفلسفي- لمن يعشق البحر ويراه كونيا ويجد فيه خلاصه وامتداده الأنطولوجي.

لِنَعُد مرة أخرى إلى العنوان، ماذا أراد الكاتب أن يقول حين اقتطع من هذه الشذرة عنوانًا كبيرًا لكتابه، ووسم به فهرس محتوياته؟ إن قراءة فاحصة ومتمعّنة في مضامين الكتاب وميكانزماته الظاهرة والخفية بكل ما فيها من أفكار ورؤى ودلالات، وعمق فلسفي، وإيقاع وصدى موسيقي، واقتباسات وتعالقات نصية...إلخ يشعر بها القارئ كلما تقدّم في قراءته، ويحسُّ بها وهي تهزّ وجدانه شعريا، بل وتزلزل مسلّماته وقناعاته، وتفتح ذهنه ووعيه على قضايا مختلفة كل ذلك -يقول الكاتب دون أن ينطق به لسانه- مجرد يابسة (لا ماء فيها ولا رواء بالمعنى اللغوي لليباس). وإذن فأين هو الماء؟ وأين هو البحر مع كل هذا العمق الدلالي الذي تكتنز به شذرات الكتاب وتأمُّلاته ونصوصه؟ يردّ الكاتب دون أن ينبس: هو هناك خارج جلدتي الكتاب، هو ذاك البحر بأصدافه وقواقعه وأرواحه وعمقه اللانهائي، هناك خارج حدود هذا الكتاب يقع الكون اللامحدود بكل اتساعه وغموضه واكتناز مدلولاته، فما يقع خارج هذه اليابسة هو أجدى نفعًا وأعمق أثرا؛ لأنه ينفتح على الحياة بأسرها.

في الحوار الذي أجراه الكاتب والإعلامي سليمان المعمري معه بمناسبة حصوله على جائزة الإنجاز الثقافي البارز في عمان لعام 2011، والمُضَمَّن في كتاب «ليس من زماننا، عبدالله حبيب» يسأل سليمان صديقه عبدالله حبيب عن علاقته بالبحر، فيجيب عبدالله: «كلا. أخشى أنني لا أستطيع ذلك. قد يمكن الحديث عن البحر حين أكون فيه وحدي. أنت تسألني هذا السؤال ونحن على اليابسة. حين أكون وحدي في البحر فإن سؤالك ملغى من الأساس. أرجوك سامحني. لا تسألني عن البحر».

وإذا كان كل ما سبق هو تأمُّلٌ في عتبة العنوان، ونحن نحاول أن نَلِجَ إلى عوالم عبدالله حبيب الرحبة والمنفتحة على فضاءاتٍ ورؤىً في شتى الموضوعات والقضايا والمواقف التي يحتشد بها الكتاب فما بالنا إذا توقفنا عند كل شذرة أو تأمُّل أو نصٍّ بالفهم والتحليل، لا بد لنا والحال كذلك إلى دراسة مُعَمَّقة مُطوَّلة لصيد اللقى الدلالية والفلسفية التي يزخر بها الكتاب، وقد قال تزفتان تودورف يوما: «إن النص الأدبي يجب أن يُنتج زلزالا دلاليا»، فما بالنا بنص تتفجر براكينه الدلالية في كل (شظرة)، وإذن فالقارئ على موعد مع وجبة ذهنية وثقافية وروحية دسمة تحتاج إلى التشمير عن ساعد الذهن للغوص في أعماق هذه اليابسة الكثيرة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عبدالله حبیب هذه الیابسة

إقرأ أيضاً:

د.حماد عبدالله يكتب: مصر التى فى خاطري !!



هذه الجملة التى جائت فى أوائل الخمسينيات مع بداية صحوة للشعب المصرى على أمل زهو وطنى – قاده مجموعة شباب ضباط مصر من القوات المسلحة – فجائت الكلمات من شدو أم كلثوم " مصر التى فى خاطري وفى فمى أحبها من كل روح ودم ".
جاءت هذه الأغنية معبره عن شعور كل مصري على أرض مصر أو خارجها – ومازالت مصر التى فى خاطر أم كلثوم – هى مصر التي فى خاطر كل وطنى اليوم – إلا عدد كبير جدًا من المصريين – لم تعد مصر فى خاطرهم أو فى " حلمهم " – أصبحنا اليوم شتات من المصريين – لم تعد مصر فى خاطرهم نتنازع 
و نتصارخ حينما نتناقش أو نتحاور – ونسمى كل مجموعة تصرخ فى وجه بعضها البعض – سواء كانوا على قهوة -أو فيما يسمى ندوة أو حتى على الهواء مباشرة – إنها حالة من الحوار أو النقاش أو الرأى والرأى الأخر – وأصبح كل فريق من الشتات يتربص بالأخر – ولا نعلم ما هو خفى تحت ثيابه – هل هو سكين قاطع أم سلاح قاذف – أم نية خبيثة لنشر الاشاعات 
و الإتهامات جزافًا – ومفيش مانع لأن سوق " السمع " رائج هذه الأيام فلا شيىء يشغل بال الكثيرين اليوم إلاأن يسأل أحدهم الأخر – هل سمعت عن فلان أو علان -هل قرأت ماذا كتب ( عدنان أو حزنان ) كل سواء – الكل يتحدث والكل ينقد والكل يشيع ما يراه وحسب هواه – لا محاسبة – ولا تدقيق فى المعلومات – ولا أهمية أساسًا لما يقال "الكذب منه والحقيقى" – ولا يهم أحد أن يصدق ما يقال أو يكذبه فنحن جميعًا نعيش فى سوق "عكاظ" !! حيث لا يفهم أحد ولا هو مطلوب أن نفهم    !!
كل هذا يهدم صورة مصر التى كانت فى خاطر أم كلثوم –وخاطرى –وخاطر كل المصريين ! 
مصر التى تجمعنا مواطنون على أرضها –ونحتمى بالرزق فيها –ونتقاسم الحياة بهنائها –ومرها فى أرجائها –تحتاج منا جميعًا أن نهدأ –وأن نعى –وأن نعمل جميعًا من أجل رفعة هذا المجتمع –مطلوب من المصريين أن ينبذوا الأحقاد –وأن يتخلوا عن مساوىء سلوك البشر وعن الأنانية –وترك الحرام –ونبذ الفساد –والبعد عن مكامن الشبهات –مطلوب من المصريين إدارة وشعب أن يتقوا الله فيما رزقهم وفيما حباهم به من نعمات –مطلوب من المصريين أن نستقوى بديننا "إسلام أو مسيحية " وأن نتبع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم –بأننا أمة متحابة تسعى للخير –وتنشر السلام –وتقضى على الجهل والمرض والفقر بالتعاون والتكافل بين أغنيائنا –وفقرائنا –مطلوب الإخلاص فى أدائنا لأعمالنا –مطلوب أن نضع فى إعتبارنا أن العمر قصير جدًا –وأن الحياة بكل ما فيها من لهو ومن متع –هى زائلة وأن الباقى فى هذه الدنيا هى الأعمال الصالحة والصدقة الجارية –ودعوات الأبناء الصالحين لأهاليهم ولأبائهم –لسنا مؤبدين فى الأرض –ولسنا بخالدين فيها إلا بالذكرى الطيبة –هذه هى أرض مصر التى فى خاطرى وفى خاطر كل مخلص من مواطنيها –لذا أمامنا جهاد عظيم –وهو جهادنا مع أنفسنا لكى نعمل على أن تكون مصر –ليست عالة على أمة أخرى –بمعونات أو منح –ولا يمكن أن نطلب الحسنة ونحن أسياد –فلسنا بأتراك الزمن الغابر "أعطنى حسنة وأنا سيدك"!!
           أ.د/حمــاد عبد الله حمـــاد 
  Hammad [email protected]

مقالات مشابهة

  • د.حماد عبدالله يكتب: الحب "المؤرق" !!
  • مهرجان جرش ورابطة الكتاب يطلقان جائزة غالب هلسا تكريماً “لعملاق” الإبداع الأردني
  • جامعة الفيوم تؤكد دورها المجتمعي والثقافي في ندوة بمعرض الكتاب
  • 15 عامًا في البحر.. أمريكية مسنّة تهجر اليابسة وتبدأ حياة جديدة على متن سفينة سياحية
  • أوسرير: “راموفيتش غير أشياء كثيرة في الفريق ولاعبينا تحررو بقدومه”
  • كده يعقد اجتماعاً مع رئيس وأعضاء اتحاد الكتاب العرب في سوريا
  • د.حماد عبدالله يكتب: مصر التى فى خاطري !!
  • عبدالله العبدالهادي إلى رحمة الله
  • جيش الاحتلال: فصلنا حماس عن مناطق كثيرة في غزة ونمنعها من استعادة قوتها
  • تحذير كيوساكي: الذكاء الاصطناعي سيقضي على وظائف كثيرة.. كيف تحمي مستقبلك؟