أشبه بدمار قنبلة ذرية.. الاحتلال يحوّل نصف مدينة بغزة إلى ركام
تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT
أظهرت صور أقمار صناعية -التقطت السبت الماضي- دمارا هائلا طال مربعات سكنية كاملة بمدينة حمد السكنية في خان يونس جنوبي قطاع غزة، وشبه شهود عيان المشاهد بأنه دمار "ما بعد إلقاء قنبلة ذرية".
وتكشف الصور دمارا لحق بأكثر من 32 عمارة سكنية كليا أو جزئيا في المدينة التي تتكون من 53 عمارة سكنية فقط، وأقصى ارتفاع لمبانيها هو 5 طوابق.
كما تظهر اللقطات تجريفا واسعا داخل هذه المدينة، بالإضافة إلى وجود عدد من الآليات في محيطها.
وكان مراسل صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية -الذي رافق جيش الاحتلال بخان يونس- أفاد في تقرير نشر في 14 من الشهر الجاري أنه بعد حوالي 11 يوما من القتال، يبدو أن مدينة حمد لن تكون صالحة للسكن بعد الآن، مثل معظم الأماكن التي دخلها الجيش الإسرائيلي في غزة، وفق تعبير الصحيفة.
قنبلة ذريةكما استخدمت الصحيفة في فبراير/شباط الماضي صورا جوية قبل الحرب المتواصلة على قطاع غزة وبعدها، للدلالة على حجم الدمار الهائل الذي أحدثه الجيش الإسرائيلي، واصفة مشاهد الدمار بأنها أشبه بما بعد إلقاء قنبلة ذرية.
وقالت إن السكان والمسؤولين العسكريين والصحفيين يصفون مشاهد الدمار الهائل، حيث قال أحدهم (لم تسمه) بعد زيارة شمال غزة "الأمر أشبه بما بعد إلقاء القنبلة الذرية".
وأضافت أن التقدير الدقيق للدمار يشكل مهمة صعبة بسبب تواصل الحرب، ونظرا لأن جيش الاحتلال يفرض قيودا على دخول الصحفيين، لكن من الممكن إنشاء خريطة للدمار باستخدام بيانات الأقمار الصناعية، والتي تظهر أن ما لا يقل عن نصف المباني بالقطاع من المحتمل أن تكون قد تضررت أو دمرت، وفقا لباحثين أميركيين.
يُشار إلى أن قطاع غزة يتعرض منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 لعدوان إسرائيلي متواصل، خلف دمارا كبيرا في المساكن والبنى التحتية، كما تسبب في استشهاد وإصابة عشرات آلاف المدنيين العزل، معظمهم نساء وأطفال، وفي أزمة إنسانية وصحية غير مسبوقة، وفق تقارير دولية وأممية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات قنبلة ذریة
إقرأ أيضاً:
شعب من الجان أم ذرية قاتل؟ أساطير مدهشة صنعت هوية الغجر
على حافة الأسطورة، حيث تتقاطع الطرق بين الحقيقي والمتخيل، وتختلط أصداء القدماء بوقع خطوات جماعات رحّالة لا تزال تهزم الجغرافيا حتى اليوم، يقف الغجر كإحدى أكثر الشعوب إثارة للدهشة والجدل، شعبٌ لم يترك أثرًا مكتوبًا يروي حكايته، بل ترك إرثًا شفاهيًا تتحرك تفاصيله مثل خيول جامحة عبر الزمن، تاركًا خلفه أسئلة لا تنتهي حول الأصل والهوية والمصير.
في كتاب «الأزياء الشعبية عند الغجر» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، يقترب الباحثون من هذا العالم المتشابك، عالم تصنعه الخرافة بقدر ما يصنعه التاريخ، وتختلط فيه الحقيقة بالسرد الشعبي، لينسج في النهاية صورة كاملة عن جماعةٍ لا تزال تعيش خارج الأطر المعتادة للمجتمعات المستقرة.
أساطير الميلاد الأول.. حين وُلد الغجر من جريمة غامضة
يبدأ الكتاب باستعراض واحدة من أقدم المرويات الغجرية حول أصلهم، وهي الأسطورة التي تزعم أن البشرية نشأت من ثلاثة رجال:
أحدهم أسود خرج من نسله الأفارقة، والآخر أبيض هو أصل الأوروبيين، وثالث يُدعى «كين»، وهو الجدّ الأول للغجر، وبحسب الحكاية، ارتكب «كين» جريمة قتل أخيه، فأغضب الآلهة، وعوقبت ذريته بالتشرد الأبدي، وأن يُحرموا من الاستقرار في أي مكان.
هذه الأسطورة لا تكشف فقط عن تصور غجري للخلق، بل تفسّر بطريقة شعرية قسوة الترحال في حياتهم، وتشير إلى «الأحية»؛ ذلك الرابط العاطفي الحاد بينهم، حيث يتعاملون كعائلة واحدة، تجمعهم مشاعر الحب والود والتعاطف في أعلى درجاتها.
أساطير أوروبا: من صنع المسمار إلى أبناء الجان
يتناول الكتاب أيضًا سلسلة من الأساطير التي نسجتها الشعوب الأوروبية حول الغجر، وهي روايات ساهمت عبر الزمن في تكريس صور نمطية مشحونة بالعداء.
واحدة من أشهر الأساطير تقول إن الجد الغجري كان مخمورًا ولم يستطع الدفاع عن السيد المسيح، وأخرى تزعم أنه صنع المسمار الذي دقه الرومان عند صلبه، جميع هذه الروايات لعبت دورًا كبيرًا في تشويه صورتهم داخل أوروبا لقرون طويلة، وحرمانهم من حقوقهم، ودفعهم إلى ممارسة الاحتيال والخداع أحيانًا للبقاء على قيد الحياة.
أما الأساطير الأكثر غرابة، فترى أن الغجر «أقوام من ملة الجان»، أو أنهم «أبناء حواء من جماعها مع آدم بعد موته»، أو أنهم «من نسل فتى وفتاة نجَوا من جيوش فرعون الغارقة»، ليصبحا بمثابة آدم وحواء لهذا الشعب.
هذه المشاهد المتداخلة بين الأسطورة والعقاب الإلهي واللعنة الخالدة جعلت الغجر حاضرين في المخيلة الأوروبية كشعبِ غريب وغامض، يثير الخوف أكثر مما يثير التعاطف.
الغجر وصناعة الأسطورة.. ذاكرة شفوية تحرس الهوية
على الجانب الآخر، يمتلك الغجر أنفسهم إرثًا غنيًا من القصص الشفاهية التي توارثوها عبر الأجيال، وهي روايات تزخر بالعفاريت والجان وأرواح الطبيعة والكائنات التي تسبح في عالم ما بعد المادة.
هذه الأساطير، كما يوضح الكتاب، ليست مجرد روايات ترفيهية، بل هي «قواعد حياة» تحفظ توازن الطبيعة في وعيهم، وتعبّر عن علاقة روحية عميقة بين الإنسان والعناصر المحيطة به: النار، التراب، الهواء، والماء.
وقد لعب هذا الإرث الشفاهي دورًا جوهريًا في حماية هوية الغجر، خصوصًا أنهم لم يمتلكوا يومًا تراثًا مكتوبًا يُدوّن قصصهم، فكانت الحكايات هي الوعاء الذي يخزن ذاكرتهم الثقافية، ويمنحهم القدرة على البقاء رغم النزاعات والاضطهاد والتهجير.
الأسطورة كآلية دفاع.. لماذا التصقت بهم الخرافة؟
يشير الكتاب إلى أن أوروبا نفسها كانت عاملاً رئيسيًا في انتشار الخرافات حول الغجر، فمع قدومهم إلى القارة قبل مئات السنين، لم تجدهم المجتمعات الأوروبية سوى «غرباء بلا وطن»، لا يشبهون أهل البلاد في الملامح أو السلوك أو نمط العيش، ومن هنا، بدأت تتشكل أساطير تربطهم بالسحر والتجسس والاختطاف، وهي روايات لا أساس لها من الواقع، لكنها خدمت رغبة المجتمع في تحميلهم تبعات خوفه من المجهول.
ومع تضييق الخناق عليهم، اضطر الغجر إلى ممارسة بعض الحيل الحياتية الضرورية للبقاء- كالعرافة، والتنجيم، وقراءة الكف- وهي ممارسات موجّهة أساسًا لكسب الرزق في مجتمعات رفضتهم، لكنها تحولت مع مرور الوقت إلى جزء من صورتهم الاجتماعية، وصارت مادة إضافية تُغذي الميثولوجيا التي التصقت بهم.
بين الحقيقة والأسطورة.. شعب يرفض الانقراض
يطرح الكتاب تساؤلًا مهمًا: لماذا بقيت الأسطورة أقرب تفسير لوجود الغجر بعد قرون من الدراسات الإنسانية؟، الإجابة تكمن في أن الغجر شعبٌ لا يقيم وزنًا كبيرًا للحدود، ولا يهتم بتوثيق تاريخه كتابةً، بل يكتفي بأن يعيش ويواصل رحلته، وهذه العادة، التي تبدو للآخرين غموضًا أو تمردًا، هي في الحقيقة جزء أساسي من فلسفتهم في الحياة: الحرية قبل الاستقرار، والحكاية قبل الوثيقة.
وهكذا، تتكامل الأساطير - سواء ما نسجه الغجر أو ما صنعه الآخرون- لتشكّل صورة جماعة تشبه «الظل المتحرك»، حاضرة دائمًا لكنها عصيّة على الإمساك، تُرى بوضوح لكن لا تُفهم تمامًا.
إنهم شعبٌ استطاع بمهارة أن يعيش داخل الأسطورة دون أن يفقد واقعيته، وأن يحوّل الأسئلة المعلّقة حول أصله إلى جزء من سحره الخاص.
الغجر.. من أسرار الأرض إلى قصص البشر
في النهاية، يبدو الغجر كما يصوّرهم الكتاب: شعبٌ أسطوري بالضرورة، تاريخي بالصدفة، وإنساني في كل مراحل حكايته، إنهم جماعة صنعتها الحكاية قبل أن يصنعها التاريخ، ولا تزال قصصهم أقرب إلى الشعر منها إلى الوقائع الجافة، وهو ما يجعلهم أحد آخر الشعوب التي ما زالت الأسطورة تلعب دورًا في تشكيل هويتها حتى اللحظة.
بهذه الرؤية، يصبح كل شيء مفهومًا: ترحالهم، حساسيتهم، عزلتهم، وحضورهم الطاغي في المخيلة الإنسانية، لقد عاش الغجر في المسافة بين الواقع والأسطورة، وربما كانوا آخر من يسكن تلك المساحة الرحبة التي لا يصل إليها سوى من يملك قلبًا خفيفًا وأجنحة لا تُرى.