شعب من الجان أم ذرية قاتل؟ أساطير مدهشة صنعت هوية الغجر
تاريخ النشر: 9th, December 2025 GMT
على حافة الأسطورة، حيث تتقاطع الطرق بين الحقيقي والمتخيل، وتختلط أصداء القدماء بوقع خطوات جماعات رحّالة لا تزال تهزم الجغرافيا حتى اليوم، يقف الغجر كإحدى أكثر الشعوب إثارة للدهشة والجدل، شعبٌ لم يترك أثرًا مكتوبًا يروي حكايته، بل ترك إرثًا شفاهيًا تتحرك تفاصيله مثل خيول جامحة عبر الزمن، تاركًا خلفه أسئلة لا تنتهي حول الأصل والهوية والمصير.
في كتاب «الأزياء الشعبية عند الغجر» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، يقترب الباحثون من هذا العالم المتشابك، عالم تصنعه الخرافة بقدر ما يصنعه التاريخ، وتختلط فيه الحقيقة بالسرد الشعبي، لينسج في النهاية صورة كاملة عن جماعةٍ لا تزال تعيش خارج الأطر المعتادة للمجتمعات المستقرة.
أساطير الميلاد الأول.. حين وُلد الغجر من جريمة غامضة
يبدأ الكتاب باستعراض واحدة من أقدم المرويات الغجرية حول أصلهم، وهي الأسطورة التي تزعم أن البشرية نشأت من ثلاثة رجال:
أحدهم أسود خرج من نسله الأفارقة، والآخر أبيض هو أصل الأوروبيين، وثالث يُدعى «كين»، وهو الجدّ الأول للغجر، وبحسب الحكاية، ارتكب «كين» جريمة قتل أخيه، فأغضب الآلهة، وعوقبت ذريته بالتشرد الأبدي، وأن يُحرموا من الاستقرار في أي مكان.
هذه الأسطورة لا تكشف فقط عن تصور غجري للخلق، بل تفسّر بطريقة شعرية قسوة الترحال في حياتهم، وتشير إلى «الأحية»؛ ذلك الرابط العاطفي الحاد بينهم، حيث يتعاملون كعائلة واحدة، تجمعهم مشاعر الحب والود والتعاطف في أعلى درجاتها.
أساطير أوروبا: من صنع المسمار إلى أبناء الجان
يتناول الكتاب أيضًا سلسلة من الأساطير التي نسجتها الشعوب الأوروبية حول الغجر، وهي روايات ساهمت عبر الزمن في تكريس صور نمطية مشحونة بالعداء.
واحدة من أشهر الأساطير تقول إن الجد الغجري كان مخمورًا ولم يستطع الدفاع عن السيد المسيح، وأخرى تزعم أنه صنع المسمار الذي دقه الرومان عند صلبه، جميع هذه الروايات لعبت دورًا كبيرًا في تشويه صورتهم داخل أوروبا لقرون طويلة، وحرمانهم من حقوقهم، ودفعهم إلى ممارسة الاحتيال والخداع أحيانًا للبقاء على قيد الحياة.
أما الأساطير الأكثر غرابة، فترى أن الغجر «أقوام من ملة الجان»، أو أنهم «أبناء حواء من جماعها مع آدم بعد موته»، أو أنهم «من نسل فتى وفتاة نجَوا من جيوش فرعون الغارقة»، ليصبحا بمثابة آدم وحواء لهذا الشعب.
هذه المشاهد المتداخلة بين الأسطورة والعقاب الإلهي واللعنة الخالدة جعلت الغجر حاضرين في المخيلة الأوروبية كشعبِ غريب وغامض، يثير الخوف أكثر مما يثير التعاطف.
الغجر وصناعة الأسطورة.. ذاكرة شفوية تحرس الهوية
على الجانب الآخر، يمتلك الغجر أنفسهم إرثًا غنيًا من القصص الشفاهية التي توارثوها عبر الأجيال، وهي روايات تزخر بالعفاريت والجان وأرواح الطبيعة والكائنات التي تسبح في عالم ما بعد المادة.
هذه الأساطير، كما يوضح الكتاب، ليست مجرد روايات ترفيهية، بل هي «قواعد حياة» تحفظ توازن الطبيعة في وعيهم، وتعبّر عن علاقة روحية عميقة بين الإنسان والعناصر المحيطة به: النار، التراب، الهواء، والماء.
وقد لعب هذا الإرث الشفاهي دورًا جوهريًا في حماية هوية الغجر، خصوصًا أنهم لم يمتلكوا يومًا تراثًا مكتوبًا يُدوّن قصصهم، فكانت الحكايات هي الوعاء الذي يخزن ذاكرتهم الثقافية، ويمنحهم القدرة على البقاء رغم النزاعات والاضطهاد والتهجير.
الأسطورة كآلية دفاع.. لماذا التصقت بهم الخرافة؟
يشير الكتاب إلى أن أوروبا نفسها كانت عاملاً رئيسيًا في انتشار الخرافات حول الغجر، فمع قدومهم إلى القارة قبل مئات السنين، لم تجدهم المجتمعات الأوروبية سوى «غرباء بلا وطن»، لا يشبهون أهل البلاد في الملامح أو السلوك أو نمط العيش، ومن هنا، بدأت تتشكل أساطير تربطهم بالسحر والتجسس والاختطاف، وهي روايات لا أساس لها من الواقع، لكنها خدمت رغبة المجتمع في تحميلهم تبعات خوفه من المجهول.
ومع تضييق الخناق عليهم، اضطر الغجر إلى ممارسة بعض الحيل الحياتية الضرورية للبقاء- كالعرافة، والتنجيم، وقراءة الكف- وهي ممارسات موجّهة أساسًا لكسب الرزق في مجتمعات رفضتهم، لكنها تحولت مع مرور الوقت إلى جزء من صورتهم الاجتماعية، وصارت مادة إضافية تُغذي الميثولوجيا التي التصقت بهم.
بين الحقيقة والأسطورة.. شعب يرفض الانقراض
يطرح الكتاب تساؤلًا مهمًا: لماذا بقيت الأسطورة أقرب تفسير لوجود الغجر بعد قرون من الدراسات الإنسانية؟، الإجابة تكمن في أن الغجر شعبٌ لا يقيم وزنًا كبيرًا للحدود، ولا يهتم بتوثيق تاريخه كتابةً، بل يكتفي بأن يعيش ويواصل رحلته، وهذه العادة، التي تبدو للآخرين غموضًا أو تمردًا، هي في الحقيقة جزء أساسي من فلسفتهم في الحياة: الحرية قبل الاستقرار، والحكاية قبل الوثيقة.
وهكذا، تتكامل الأساطير - سواء ما نسجه الغجر أو ما صنعه الآخرون- لتشكّل صورة جماعة تشبه «الظل المتحرك»، حاضرة دائمًا لكنها عصيّة على الإمساك، تُرى بوضوح لكن لا تُفهم تمامًا.
إنهم شعبٌ استطاع بمهارة أن يعيش داخل الأسطورة دون أن يفقد واقعيته، وأن يحوّل الأسئلة المعلّقة حول أصله إلى جزء من سحره الخاص.
الغجر.. من أسرار الأرض إلى قصص البشر
في النهاية، يبدو الغجر كما يصوّرهم الكتاب: شعبٌ أسطوري بالضرورة، تاريخي بالصدفة، وإنساني في كل مراحل حكايته، إنهم جماعة صنعتها الحكاية قبل أن يصنعها التاريخ، ولا تزال قصصهم أقرب إلى الشعر منها إلى الوقائع الجافة، وهو ما يجعلهم أحد آخر الشعوب التي ما زالت الأسطورة تلعب دورًا في تشكيل هويتها حتى اللحظة.
بهذه الرؤية، يصبح كل شيء مفهومًا: ترحالهم، حساسيتهم، عزلتهم، وحضورهم الطاغي في المخيلة الإنسانية، لقد عاش الغجر في المسافة بين الواقع والأسطورة، وربما كانوا آخر من يسكن تلك المساحة الرحبة التي لا يصل إليها سوى من يملك قلبًا خفيفًا وأجنحة لا تُرى.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الأسطورة الهيئة المصرية العامة للكتاب الجغرافيا الأوروبيين
إقرأ أيضاً:
مدير معرض الكتاب يكشف تفاصيل الاستعداد لدورة نجيب محفوظ
قال الدكتور أحمد مجاهد، المدير التنفيذي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، إن الشعار الرسمي للدورة الجديدة تم استلهامه من مقولة موثقة للكاتب العالمي نجيب محفوظ حول أهمية القراءة ودورها الفعال في تقدم الشعوب.
وأشار خلال برنامج "الساعة 6"،المذاع على قناة "الحياة "، إلى أن إدارة المعرض واجهت تحديات كبيرة في التحقق من صحة المقولات المنسوبة لمحفوظ قبل الاستقرار على العبارة المختارة.
وأوضح مجاهد، أن شعار الدورة الحالية وهو "دعوة مفتوحة للقراءة" لا يمثل محورًا فكريًا محددًا للندوات والمناقشات، على عكس الدورات السابقة، بل يحمل رسالة عامة وهي دعوة مفتوحة للتمسك بالكتاب ومواجهة تراجع معدلات القراءة.
وأكد أن القضايا الثقافية الكبرى ستظل حاضرة بقوة ضمن أجندة الفعاليات، وسيتم الكشف عن أبرز الملفات الفكرية والثقافية خلال مؤتمر صحفي سيعقد في الأسبوعين المقبلين.
وذكر أن اختيار هذا الشعار لم يكن مجرد انتقاء لجملة لافتة، بل هو قرار ثقافي مدروس يستند إلى الإرث العظيم لنجيب محفوظ، الذي تحل الذكرى العشرون لوفاته هذا العام.
ونوه إلى أن هذا التوقيت هو ما دفع إدارة المعرض لاختياره شخصية المعرض تكريمًا لإسهاماته التي أثرت في الوعي العربي والعالمي. وأشار أيضًا إلى أن الإمكانيات المتوفرة حاليًا في أرض المعارض توازي أكبر الإمكانات العالمية، بل وقد تفوقها في بعض الجوانب.
وتابع قائلا: "في دماغي سكة مختلفة شوية، في دماغي أننا نروح للجيل الأصغر الذي لم ينل حظه من الاهتمام في المعارض السابقة، خاصة وأن 80% من زوار المعرض في العام الماضي كانوا من الشباب".
وأضاف أن المعرض سيتضمن هذا العام سلسلة ندوات يومية تحت عنوان "جيل يكتب العالم بطريقته".
كما أشار إلى أن استهداف الأطفال من خلال تنفيذ ندوات خاصة بهم، إلى جانب مسابقة لرسم أغلفة شخصية المعرض هذا العام، وهي شخصية نجيب محفوظ.
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
مدير معرض الكتاب دورة نجيب محفوظ الدكتور أحمد مجاهفيديو قد يعجبك
محتوى مدفوع
أحدث الموضوعاتإعلان
أخبار
المزيدإعلان
مدير معرض الكتاب يكشف تفاصيل الاستعداد لدورة "نجيب محفوظ"
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
من نحن اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
26 18 الرطوبة: 17% الرياح: جنوب غرب المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي من نحن إتصل بنا إحجز إعلانك سياسة الخصوصية