قصة آية قرآنية في قلب نهاد أبو القمصان: «أمر إلهي للوفاء بالعهد»
تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT
فى حياة كل منا سر مع الله قد يكون فى آية قرآنية يضعها دستوراً لحياته، أو قد تكون دعاءً أو ذكراً أو أى شىء آخر، وإذا كانت آية قرآنية يحفظها ويرددها ويؤمن بأنها تهدى نفسه وتهذب قلبه، بحسب ما أكدت نهاد أبو القمصان، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، إذ إن الآية القرآنية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) هى دستورها فى الحياة.
«الآية دى من أعظم آيات القرآن الكريم، وقد حفظتها منذ الصغر ووضعتها نصب عينى، أتذكرها فى كل شئون حياتى وأعمل بها فى كل التزاماتى، ويجب على كل شخص أن يحفظها جيداً، بدءاً من الالتزامات الأسرية، طالما هناك اتفاق على صيانة العهد والأسرار والاحترام والدعم فى الأزمات: «ما ينفعش الناس ما توفيش بالالتزامات، لإن ده بيخلق الثقة والأمان فى العلاقات وبيخلّى الناس تقف بين بعض، وعلى مستوى علاقات العمل، لازم أوفى بالعهد والالتزام، ما ينفعش أتفق على شغل وبعدين أقول إن فلوسه قليلة، طيب ما أنت اتفقت يبقى لازم تلتزم بالاتفاق وتوفى بالعهد».
تشعر «أبو القمصان» براحة شديدة عند قراءة هذه الآية القرآنية التى تعتبرها دستوراً لحياتها، بحسب تعبيرها: «الآية تتضمن أمراً إلهياً للوفاء بالعهود التى يقطعها الإنسان على نفسه، وهى من أعظم آيات القرآن، لأن طاعة الله تقتصر على الصلاة والحج والعمرة، وإنما الوفاء بالعهد سواء فى العمل أو المنزل أو حتى الصداقة».
علاقة عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان بالقرآن الكريم، شخصية جداً بحسب وصفها: «من زمان علاقتى بالقرآن، علاقة حب شديد ولا أقرأ القرآن بطريقة إنى ماسكة آلة حاسبة وربنا هيدينى كام حسنة، بل إن علاقتى وأنا طفلة كنت بقعد جنب بابا ونحكى، ممكن نمسك آية نقعد فيها طول اليوم، مش متسرعين ولا محكومين بإننا نخلص فى رمضان كل يوم جزء، لا أنا ممكن أقرأ آية أتأمل فيها أسبوع، وتأملى فى القرآن جعلنى فى حالة عشق للتسامح وللقيم الأخلاقية واحترام الديانات الأخرى».
تعلم نهاد أبو القمصان للقرآنعلمها والدها قراءة القرآن وأن تكون هناك آية تؤمن بها منذ الصغر: «والدى حببنى فى قراءة القرآن ولدىّ شروحات للقرآن عمرها أكثر من 80 سنة، مكتوب عليها اسم والدى لطفى سيد أبو القمصان، وهذه الكتب القرآنية تهدينى إلى شىء يريحنى، فلا أقبل التناقض ولا المنطق الأعوج ولا التمييز بين البشر، ودايماً أوفى بعهودى».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: نهاد أبو القمصان المجلس القومي لحقوق الإنسان نهاد أبو القمصان آیة قرآنیة
إقرأ أيضاً:
قراءة في الغياب العربي بين جولة ترامب وقمة بغداد
شهد الأسبوع الماضي مشهدين متوازيين في خارطة الأحداث الشرق أوسطية. الأول تمثّل في جولة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى ثلاث دول خليجية، خرج منها باتفاقيات استثمارية وصناعية وعسكرية وُصفت بأنها «تاريخية»، تتجاوز قيمتها تريليونات الدولارات. والثاني في قمة عربية عقدت ببغداد، أعادت تكرار المواقف المبدئية تجاه القضية الفلسطينية، من دون أن تُحرّك هذا المبدأ في اتجاه أي أثر عملي، أو مقاربة ملموسة لما يحدث في غزة.
وبين هذين الحدثين، كانت المجازر في قطاع غزة تتواصل على نحو يصعب حتى على داعمي إسرائيل في الغرب الدفاع عنه، أو إيجاد تبرير له، في ظل انعدام كامل لأي مكسب سياسي يمكن أن يكون غطاء لهذه الإبادة الوحشية. ومع هذه الدموية، لم تكن غزة، بكل موتها وتجويعها ودمارها، حاضرة في جدول الصفقات المليارية، ولا حتى على هامشها، ولو على مستوى الإدانات الرمزية التي تقتضيها المجاملة السياسية. وتلك المفارقة وحدها تكشف بجلاء حجم التراجع الذي باتت تشهده مكانة القضية الفلسطينية، حتى في أكثر المحافل ارتباطا بالمنطقة وأمنها واستقرارها.
استراتيجية «الصفقات أولا» ليست جديدة على السياسة الأمريكية، لكنها باتت أكثر تجليا وحدّة في عهد ترامب، الذي يربط بين السياسة والمال بوضوح لا يقبل التأويل. وما أن دُشّنت جولته الخارجية بزيارات لثلاث عواصم خليجية، حتى أُعلن عن سلسلة من العقود الاستثمارية الضخمة في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والدفاع، بما يعيد رسم صورة العلاقة التقليدية بين الولايات المتحدة والمنطقة على أسس «رأسمالية سياسية» واضحة.
من منظور العلاقات الدولية، هذه العلاقات تعيد إنتاج معادلة «الأمن مقابل الرأسمال»، إذ تُمنح واشنطن مساحة واسعة لتعزيز نفوذها الاقتصادي والتكنولوجي، مقابل استمرار التزاماتها الأمنية تجاه حلفائها. لكن مثل هذه المعادلة، برغم استقرارها الظاهري، تُخفي في جوهرها اختلالا في موازين التأثير، إذ يبقى هامش القرار السياسي الإقليمي مرتهنا برضا المظلة الأمنية، ولو كان الثمن هو السكوت عن مأساة إنسانية من طراز ما يحدث في غزة.
أما القمة العربية التي عقدت في بغداد، فقد جاءت بوصفها اختبارا لمفهوم «التضامن العربي» في لحظة لا تحتمل الترف اللغوي الذي يشتهر به العرب خاصة في مثل هذه المناسبات الخطابية. لكن البيان الختامي الصادر عنها لم يختلف كثيرا عمّا سبقها من بيانات: لغة خطابية مألوفة، ومطالب موجهة إلى المجتمع الدولي، دون أن يتضمن البيان آليات واضحة للتحرك، أو التزامات مالية أو سياسية قابلة للقياس. وبذلك فشلت القمة في تقديم الحد الأدنى من الرد العملي على حجم الكارثة المتواصلة في غزة، والتي تجاوزت بمراحل حدود الحرب، إلى ما يصفه الحقوقيون وبعض مؤسسات المجتمع الدولي «بالإبادة الممنهجة».
المعضلة هنا تتجاوز فقر البيان السياسي الصادر عن القمة، إلى خلل أعمق في قدرة النظام العربي الرسمي على تحويل الشعارات إلى أدوات فعل: فالانقسامات البينية، والتباينات في الأولويات، ومحدودية الإرادة المشتركة، كلّها جعلت من القمم محطات رمزية أكثر منها منصات فاعلة. في حين أن الواقع على الأرض يتطلب أدوات ضاغطة تتجاوز الشكل إلى جوهر الفعل.
في موازاة هذه الصور الرسمية، كان المشهد في غزة يتفاقم. القصف لا يهدأ، المجاعة تتسع، والماء والدواء مفقودان، فيما يتراكم في سجلات الأمم المتحدة رقم تلو رقم في عدّاد القتلى والجرحى والمفقودين. وحتى اللحظة، لا يبدو أن إسرائيل تسعى إلى تحقيق أي هدف سياسي واضح من هذه الحرب. بل يبدو أن القتل أصبح هدفا بحد ذاته، مبررا فقط بمنطق أمن استيطاني يرى في كل الفلسطينيين تهديدا، حتى الأطفال منهم.
المثير للقلق أن هذا القتل لا يجد من يوقفه أو حتى ينتقده بشكل محرج لإسرائيل. فالمجتمع الدولي منشغل، والمنظمات الحقوقية غير قادرة على تفعيل أدوات ردع مؤسسية، والمحكمة الجنائية الدولية عاجزة أمام استخدام «الفيتو» المتكرر. الأسوأ من ذلك أن القيم التي بُنيت عليها الديمقراطيات الغربية ـ حرية الإنسان، وكرامته، وحقه في الحياة ـتُختبر أمام أعين الجميع، وتسقط حين يتعلق الأمر بفلسطينيّ محاصر، أو طفل تحت الركام، أو حتى حين يرى العالم آباءً يُودّعون أشلاء أطفالهم بأيد خاوية، في مشهد مؤلم يختزل فشل السياسة وانهيار الإنسانية.
وما لم يُطرح السؤال الكبير حول جدوى كل هذه القمم والصفقات إذا كانت لا تتسع حتى لذكر غزة، فإن الفجوة بين الشعوب العربية وحكوماتهم ستتسع كثيرا، ويتهدد الخطاب السياسي العربي بفقدان آخر ما تبقى له من مصداقية. إذ كيف يمكن الحديث عن «الالتزام بقيم العدالة» بينما تغيب هذه القيم تماما عن أولويات العلاقات الدولية؟ وكيف يمكن إقناع الرأي العام العربي بأن هناك فعلا «قضية مركزية»، بينما لا تستخدم هذه الدول قوة صفقاتها ورساميلها الضخمة في الضغط من أجل وقف الإبادة في غزة أو على أقل تقدير إدخال قطرة ماء وكسرة خبز لأطفال يموتونا جوعا!!
إن ترك القضية الفلسطينية لمصيرها ليس فقط تخليا أخلاقيا، ولكنه خطأ استراتيجي. فكل تراجع في الحضور السياسي للقضية سيُملأ مع الوقت بخطابات أكثر حدة، وربما بأدوات ميدانية لا تُبقي ولا تذر. وكل صفقة تُوقَّع دون شرط سياسي واضح، تُشكل رصيدا إضافيا في بنك الإبادة الصامتة، وتؤسس لواقع أخطر مما يبدو على الشاشات.
لقد كشفت أحداث الأسبوع الماضي أن المنطقة تعيد تعريف أولوياتها على نحو لا يتسق مع ميثاقها الأخلاقي. فبينما تُضخ المليارات في عقود الصناعة والدفاع، لا تملك القمم سوى لغة البيانات. وبينما تُوقع التفاهمات على «شراكات المستقبل»، يُترك أطفال غزة ليدفنوا جوعا تحت ركام المستشفيات.
وإذا كان من درس يجب أن يُفهم من هذه اللحظة التاريخية، فهو أن استقرار المنطقة لا يمكن أن يُبنى على موت أهلها، ولا يمكن لازدهار حقيقي أن يزدهر فوق ركام الدم.
عاصم الشيدي رئيس تحرير جريدة «عمان»