شهر القراءة.. مبادرات تعزز استدامة المعرفة
تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT
أبوظبي (وام)
عزز شهر القراءة من جهود دولة الإمارات في غرس المعرفة وثقافة القراءة واستدامتها لدى أجيال المستقبل. واحتفت الدولة على مدار شهر مارس الحالي بـ «شهر القراءة» الذي شهد تنظيم مئات الفعاليات والنشاطات في جميع مدن ومناطق الدولة بمشاركة مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة والمؤسسات التعليمية والثقافية، عبر مبادرات وبرامج تسهم في بناء مجتمع قارئ متسلح بالعلم والمعرفة وقادر على قيادة مسيرة التنمية في الدولة.
وحققت الفعاليات الوطنية للقراءة بنجاح نتائج إيجابية لتحسين مهارة الطلاقة في القراءة الذي يستهدف رفع مستوى الطلاقة القرائية لدى المشاركين من الطلبة بمعدل لا يقل عن 50%، وتعزيز القراءة بالأنشطة المتنوعة بأن تكون القراءة أسلوب حياة في المجتمع الإماراتي بحلول عام 2026.
برامج ثقافية متنوعة
وضعت وزارة الثقافة، خلال هذا الشهر بالتعاون مع مختلف الجهات والمؤسسات المحلية، برامج ثقافية متنوعة تضم مجموعة متكاملة من الفعاليات والأنشطة الثقافية والمعرفية التي تستهدف مختلف فئات المجتمع، بما يظهر دعمها واهتمامها بتعزيز الحراك المعرفي والثقافي، والمضي قدماً في تقديم كلّ ما يسهم في بناء الإنسان على العلم والفكر السليم. كما قدمت «مكتبة» التابعة لقطاع الثقافة بدائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، خلال شهر القراءة وشهر رمضان المبارك أكثر من 150 فعالية وورشة ثقافية متنوعة تشمل برامج وندوات وورش قرائية وورش عمل موجهة لمختلف فئات المجتمع في أبوظبي، بمن فيهم الأطفال والطلبة واليافعون والبالغون وأصحاب الهمم، بالإضافة إلى مجموعة من الأمسيات الأدبية التي تتزامن مع شهر رمضان المبارك وإطلاق مبادرتي «31 نص في 31 يوم» و«بازار مكتبة».
من بين الفعاليات المتنوعة التي قدمتها «مكتبة» خلال شهر القراءة، أسبوع الخط العربي، تنظيم ورش عمل ودورات احترافية في أنواع الخط العربي، بالإضافة إلى ورشة «الذكاء الاصطناعي والقراءة»، حيث تسعى «مكتبة» إلى ترسيخ ثقافة القراءة والمساهمة في بناء مجتمع قارئ متسلح بالعلم والمعرفة.
شمل برنامج شهر رمضان المبارك تنظيم مسابقات تثقيفية أسبوعية للأطفال حول الشهر الفضيل كما تناولت الورش القرائية قصص للأطفال وقصص الأنبياء عليهم السلام، بالإضافة إلى تنظيم «مجلس مكتبة الرمضاني»، الذي اشتمل على ورش تفاعلية وأنشطة ثقافية وترفيهية ومسابقات رمضانية وغيرها العديد من الفعاليات خلال الشهر الفضيل.
فعاليات متنوعة
نفذ مركز أبوظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي فعاليات عديدة خلال شهر القراءة ضمن مبادرة «خزانة الكتب» ووفر أكثر من 350 عنواناً تتناول شتى المجالات، من كتب للأطفال والناشئة، وأدب الرحلات والتراث والتاريخ والجغرافيا، وكتب السيرة والأدب والفنون، والألعاب الرياضية، والعلوم الطبيعية، إلى جانب كتب العلوم الاجتماعية والفلسفة وعلم النفس والمعارف العامة.
وتم تنفيذ المبادرة في مناطق عديدة بمختلف أنحاء الدولة حيث انطلقت فعاليات «خزانة الكتب» من مدينة العين، وتحديداً في «هيلي مول» ووفرت أكثر من 225 عنواناً من مشروعي كلمة وإصدارات وانتقلت بعد ذلك للمرة الأولى أيضا إلى «معرض جامعة العين للكتاب» للترويج لإصدارات المركز، حيث قدّمت ما يزيد على 150 عنواناً.
كما تواجدت أيضاً «خزانة الكتب» في الوقت الحالي في «سيتي لايف مول» بإمارة عجمان ووفرت 250 عنواناً من كتب وإصدارات المركز أمام الزوار، إلى جانب تواجدها في «مكاني مول» بإمارة أبوظبي عارضة أكثر من 175 عنواناً من جميع المجالات وفي «مركز النقل المتكامل» في أبوظبي لأول مرة عارضة أكثر من 200 عنوان.
ونظم الأرشيف والمكتبة الوطنية عدداً من الفعاليات المهمة في شهر القراءة، مثل برنامج عظماء المفكرين وبرنامج «الموسم الثقافي» وبرنامج «مساحة معرفة» بالإضافة إلى برنامجه مع القطاع التعليمي الذي احتوى على الماراثون القرائي الخاص بالطلبة، وبرنامج هيا معاً الذي ركز على القراءة وهو موجّه للأطفال، وبرنامج مبدعون الذي يُعنى بمجال الكتابة وبرنامج وطني الإمارات، وهو مجموعة ورش تفاعلية للأطفال مستمدة من الكتيب التعليمي. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: شهر القراءة شهر القراءة الوطني مركز أبوظبي للغة العربية الأرشيف والمكتبة الوطنية فعاليات بالإضافة إلى شهر القراءة فی أبوظبی أکثر من
إقرأ أيضاً:
رحيل فيلسوف أسلمة المعرفة والعلوم (بورتريه)
أحد أبرز رموز الفكر الإسلامي المعاصر، يوصف بأنه مفكر وعامل وعابد وزاهد بوجه بشوش وابتسامة عريضة.
جمع بين الأصالة الشرعية والتمكن الفلسفي، ودرّس في عدد من الجامعات والمراكز البحثية في السودان والسعودية وأمريكا، وأسهم في نشر الفكر الإسلامي الوسطي في المحافل الدولية.
من أوائل من كتبوا في موضوع "أسلمة العلوم" وقدم أوراقا بحثية مهمة وتتلمذ على يديه عدد كبير من الطلاب والباحثين الذين يحملون فكره اليوم في أنحاء العالم.
ولد جعفر شيخ إدريس في عام 1931، بمدينة بورتسودان الميناء البحري الرئيس للبلاد، شمال شرقي السودان.
ينحدر أصله من بلدة "كريمة" في شمالي السودان التي تقع على ضفاف النيل، وأسرته من قبائل الشايقية إحدى أكبر القبائل الثلاث ذات النفوذ في شمالي السودان، وهي قبيلة عربية عباسية النسب.
نشأ في أسرة تلتزم الطريقة الختمية الميرغنية، كشأن كثير من أبناء قبائل الشايقية، وهي طريقة صوفية أسسها محمد عثمان الميرغني الختم في عام 1817.
غير أن جعفر شيخ إدريس تأثَّر ببعض قرابته المتبعين للكتاب والسنة، فنأى بنفسه عن الطريقة الختمية الميرغنية في فترة مبكرة جدا من حياته، وانضم في سن الحادية عشرة إلى جماعة أنصار السنة الناشئة.
واصل دراسته النظامية في المرحلة المتوسطة في المدرسة، مع الإقبال على بعض الشيوخ بمنطقة بورتسودان، فدرس عليهم "الأربعين النووية" وبعض كتب المذهب المالكي، وبعض كتب النحو، وكان يحضر مع والده دروس الشيخ أبي طاهر بالمسجد الكبير، فسمع قدرا كبيرا من كتب السنة وفي صحيح البخاري، ودرس عليه بعض مختصرات أخرى في الحديث والبلاغة والآداب.
التحق بمدرسة حنتوب الثانوية في عام 1950، وهي حينذاك إحدى ثلاث مدارس ثانوية في السودان، وكان لا يقبل فيها إلا الطلبة المتفوقين، وهي مدرسة داخلية، ومن زملائه في الدراسة الثانوية كان الرئيس جعفر النميري، ومحمد إبراهيم نقد فيلسوف الحزب الشيوعي السوداني، والدكتور حسن الترابي.
في هذه المرحلة انتشر الفكر الشيوعي، وبرزت الحركة الإسلامية أيضا فانضم إلى حركة إسلامية ناشئة هي حركة "التحرير الإسلامي" التي صارت فيما بعد "جماعة الإخوان المسلمين" في السودان، ولم تكن الحركة على صلة تنظيمية بحركة الإخوان المصرية حينئذ، وكان عضوا نشيطا في الحركة يقيم المحاضرات ويلقي الدروس.
تلقَّى تعليمه الجامعي في كلية الآداب قسم فلسفة الاقتصاد والسياسة بجامعة الخرطوم، وكانت تدعى "كلية غوردون التذكارية"، ثم تركها وفضل الدراسة بمصر، ولم يعجبه الحال هناك فعاد إلى جامعة الخرطوم ليتم دراسته فيها، وحصل على البكالوريوس مع مرتبة الشرف عام 1961.
وكانت الجامعة أيام دراسته تعج بالصراع الفكري بين الإسلاميين والشيوعيين والجمهوريين وغيرهم، وكان الإنجليز يتخذون إجراءات تعسفية مع الطلاب. وكان جعفر من رؤوس ذلك النشاط، حيث ترأس اتحاد طلاب الجامعة عام 1958، وهي السنة التي تسلم فيها الفريق إبراهيم عبود الحكم، وحدثت في ذلك العهد محاولات ثورة، ومحاولتا انقلاب عسكري وشكل الطلاب لجنة رأسها الطالب جعفر شيخ إدريس، وكتبوا مذكرة للمجلس العسكري تطالبه بإعادة الجيش إلى الثكنات وإعادة النظام المدني، فاعتقل النظام اللجنة التنفيذية للاتحاد، ومن جامعة الخرطوم بدأت الثورة التي أسقطت النظام العسكري عام 1964.
بعد تخرجه عين إدريس معيدا بجامعة الخرطوم، وسجل لدراسة مرحلة الماجستير، لكن الجامعة ابتعثته في العام التالي للدراسة بجامعة لندن. وبعد سقوط نظام إبراهيم عبود ترك الدراسة واستقال، ليشارك في العمل السياسي الإسلامي.
وما لبث أن عاد إلى الجامعة، وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة الخرطوم في تخصص فلسفة العلوم عام 1970، وكانت دراسته الفعلية في جامعة لندن بحسب الاتفاقية بين الجامعتين.
درس في قسم الفلسفة بجامعة الخرطوم ما بين عامي 1967 و197، ورافق ذلك مواصلة نشاطه في الحركة الإسلامية بالسودان، وصار من رؤوسها، حتى تنازع رئاسة الحركة الإسلامية عام 1969 مع الدكتور حسن الترابي، وحسم النزاعَ انقلاب جعفر نميري العسكري.
ومثَّل إدريس في تلك الحقبة مع رفاقه تيارا سنيا تربويا سياسيا شاملا داخل صفوف الحركة الإسلامية، وكان ناقدا صلبا لما يرى مخالفته للشريعة.
وواصل انتقاده الصريح الشجاع ما يراه "فكرا علمانيا متدثرا بثياب إسلامية، يروجه داخل صفوف الحركة بعض من يوصفون بالعقلانيين والتنويريين".
وبسبب خلافه مع نظام نميري قرر مغادرة السودان وانتقل إلى المملكة العربية السعودية في قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الرياض (الملك سعود حاليا). ومركز البحوث بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. ثم قسم الدعوة، كلية الدعوة والإعلام، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
درس طلاب الدراسات العليا بالجامعة مواد العقيدة والمذاهب المعاصرة، وأشرف على كثير من رسائل الماجستير والدكتوراه.
وأصبح مديرا لقسم البحث بمعهد العلوم الإسلامية والعربية في ولاية فرجينيا بالولايات المتحدة، التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ثم عمل مستشارا للمعهد. وشغل منصب مدير قسم البحث العلمي ثم مستشارا للمعهد في التسعينيات.
ثم تقاعد من العمل بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حيث أسس الجامعة الأمريكية المفتوحة مع بعض الناشطين في واشنطن عام 1995، بهدف نشر المعرفة الإسلامية بأساليب التعليم عن بعد وأصبح رئيس مجلسها التأسيسي.
عمل مستشارا لعدد من المؤسسات والهيئات الإسلامية في أنحاء العالم، وكان عضوا في مجالس إدارة العديد منها مما يعكس مكانته الدولية كمرجع فكري وتربوي.
في المملكة العربية السعودية لازم مفتي البلاد الشيخ عبد العزيز بن باز، وبقي قريبا منه حتى وفاة ابن باز، وانتفع ببعض العلماء الكبار هناك، مما غير توجهه وباعد بينه وبين العمل الحركي التنظيمي، وأمعن في العمل السلفي السني الفكري الدعوي المؤسسي.
ألف إدريس عدة كتب بالعربية والإنجليزية منها: "الدعوة الإسلامية والغزو الفكري"، "نظرات في منهج العمل الإسلامي"، "الفيزياء ووجود الخالق: مناقشة عقلانية إسلامية لبعض الفيزيائيين والفلاسفة الغربيين"، "صراع الحضارات بين عولمة غربية وبعث إسلامي"، "الإسلام لعصرنا"، "مناهج التفكير الموصلة للحقائق الشرعية والكونية"، "الأسس الفلسفية للمذهب المادي".
وباللغة الإنجليزية، "أعمدة الإيمان"، و"أسلمة المعرفة: فلسفتها ومنهجيتها".
إضافة إلى عدد من البحوث باللغتين العربية والإنجليزية، لعل من أهمها بحوثه في "الرد على أوهام المادية الجدلية"، وهو أول من كتب في موضوع أسلمت العلوم، إذ كتب رسالتين صغيرتين في الموضوع تعد أساسا لكل من كتب بعده. وله بحوث في الرد على الفكر الغربي والمذاهب المعاصرة، وله بحوث عن التنظيمات الإسلامية المعاصرة، ومقالات كثيرة.
وقد ساعده إتقانه اللغتين العربية والإنجليزية على الربط بين الفلسفة الغربية ومفاهيم العقيدة الإسلامية بلغة عقلانية سلسة، ومخاطبة العقول الغربية بمنطقها ولغتها دون التنازل عن ثوابت العقيدة.
أصيب في عام 2011 بجلطة في الدماغ أثرت كثيرا على صحته، لم يتمكن بعدها من أنشطته المعتادة من قراءة وكتابة وإلقاء محاضرات والمشاركة في مؤتمرات كما كان سابقا.
وقد أسلمه المرض إلى ثقل الحركة وضعف الذاكرة ولزوم المنزل، توفي بمدينة الرياض في 18 تموز/ يوليو الجاري، عن عمر ناهز 95 عاما. ودفن في مقبرة البقيع.
برحيله يودع العالم العربي والإسلامي مفكرا حسن الفهم والاستيعاب للفلسفات فديمها وحديثها، بعد أن قرأ لابن تيمية والغزالي وابن خلدون واطلع على أمهات الكتب قديمها وحديثها.