مشروع إصلاح مدونة الأسرة في المغرب.. هل يُحقق التوافق المجتمعي؟
تاريخ النشر: 1st, April 2024 GMT
انتهت المهلة التي حددها العاهل المغربي لإعادة النظر في مدونة الأسرة، وتقديم اقتراحات في غضون ستة أشهر ، أي المدة الفاصلة ما بين 26 أيلول/ سبتمبر 2023 و26 آذار/ مارس 2024. ومن الملاحظ أن اللجنة التي كُلفت بصياغة المشروع، المكونة من رئيس الحكومة وعضوية كل من رئيس النيابة العامة ورئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ووزير العدل قد، انتهت، بعد سلسلة من المشاورات مع كافة الجهات والمؤسسات ذات العلاقة، لتقديم تقريرها لرئيس الحكومة، بُغيه تسليمه بدوره للعاهل المغربي، كي يستكمل، بعد ذلك، إجراءاته القانونية والتشريعية.
شهد المغرب منذ استقلاله عام 1956 محطتين أساسيتين في تطور موضوع الأسرة والقوانين الناظمة لشؤونها: سنة 1958 تاريخ وضع ما سُمي "قانون الأحوال الشخصية"، وعام 2004، لحظة تغيير هذا القانون ليُصبح "قانون الأحول الشخصية"، والمحطتان معا تمتا تحت الاشراف الملكي، وبواسطة لجنتين ملكيتين شُكلتا لهذا الغرض، أي اصلاح قانون الأسرة. ومنذ نصف سنة يعيش المغرب على وقع نقاش شبع عمومي للانتقال إلى محطة ثالثة بع مرور أكثر من عشرين سنة على دخول قانون الأسرة حيز التنفيذ (2004 ـ 2023). والحال أن ثمة خيطا رابطا بين المحطات الثلاث، قوامه السعي إلى تحقيق قدر من المواءمة بين القانون والتطورات الحاصلة في المجتمع المغربي، التي تُعد الأسرة نواته الأولى واحد الوحدات الجوهرية في بنائه العام.
نلمس هذا المسعى التوافقي في الرسالة الملكية الموجهة لعمل لجنة اصلاح مدونة قانون الاسرة، حيث شددت في توجيهاتها على "الحاجة لتكييف مدونة الاسرة مع تطور المجتمع المغربي واحتياجات التنمية المستدامة". وأساسا على التوفيق بين مبادئ الشريعة الإسلامية ومقاصدها من جهة، ومظاهر التطور الحديثة التي عرفتها البل من جهة أخرى، فالإصلاح الجديد لمدونة الأسرة، بمقتضى توجيهات لرسالة الملكية، يجب أن "تلتزم بمقاصد الشريعة الإسلامية وخصوصيات المجتمع المغربي" وفي الآن معا الالتزام بضرورة "استخدام الاجتهاد البناء لضمان التوافق بين المرجعية الإسلامية والمستجدات الحقوقية العالمية".
كشف مرور عقدين من الزمن على صدور مدونة الأسرة لعام 2004 عن وجود اختلالات وفجوات كثيرة، و أكد الحاجة إلى إعادة النظر في أحكام المدونة في ضوء نتائج وخلاصات الممارسة القانونية والقضائية، وما تكون للمجتمع من صور ورؤى عن المدونة، وما عرفت مكوناته من تغيرات جوهرية خلال سنوات الألفية الجديدة. نحن إذن أمام إطار مرجعي واضح ومحدد على الإصلاح المرتقب لمدونة الأسرة في المغرب أن يظل مقيدا به، وسائرا على هديه، أي التوفيق بين المرجعية الدينية، لارتباط الأسرة وموضوعاتها ذات صلة وثيقة بها، والالتزامات القانونية والحقوقية العصرية التي ارتبط بها المغرب منذ عقود، بخصوص موضوع الاسرة وما يرتبط بها من قضايا وإشكاليات. والحقيقة أن محطة وضع قانون الأحوال الشخصية لأول مرة عام 1958، أو عند الانتقال إلى قانون مدونة الأسرة سنة 2004، ظل النفس التوافقي والتوفيقي في الآن معا حاضرا وموجها للإصلاحين معا. ففي 1958 اتسم قانون الأحوال الشخصية بميسم المحافظة والتقليد، ووردت مكانة المرأة في احكامه ومقتضياته بصورة محدودة ومتواضعة في العديد من الجوانب في علاقتها بالرجل، وقد جهد قانون الأسرة لعام 2004، من أجل الارتقاء بالأسرة إلى وضعية متقدمة، حيث تضمن أحكاما ومقتضيات جديدة، مكنت المرأة من الكثير من الحقوق والوسائل لم تكن في متناولها من قبل، في موضوعات بالغة الأهمية والحساسية، من قبيل: انحلال الرابطة الزوجية (الطلاق والتطليق)، والحضانة، والنفقة، والولاية، والذمة المالية، والجنسية، وثبوت النسب، واثبات الزوجية، والميراث، وتعدد الزوجات، وغيرها من الموضوعات المرتبطة بالأسرة وبمكانة المرأة في منظومتها.
كشف مرور عقدين من الزمن على صدور مدونة الأسرة لعام 2004 عن وجود اختلالات وفجوات كثيرة، و أكد الحاجة إلى إعادة النظر في أحكام المدونة في ضوء نتائج وخلاصات الممارسة القانونية والقضائية، وما تكون للمجتمع من صور ورؤى عن المدونة، وما عرفت مكوناته من تغيرات جوهرية خلال سنوات الألفية الجديدة.
فمن جهة القانون الناظم لمدونة الأسرة، أفرزت الممارسة عددا من الفجوات والاختلالات، إما بسبب وجود نقائص في القانون، تحتاج إلى تطوير بالتعديل والتتميم، أو لسوء فهم القيمين على التطبيق، وفي مقدمتهم مؤسسة القضاء لنصوص المدونة، والتأويل غير المتوازن لأحكامها، أو عدم احترام قطعية النصوص وطابعها الصريح الذي لا يحتاج التفسير والاجتهاد. والحال أن الأمثلة كثيرة عن هذا الشكل الأول من الاختلالات الملحوظة في التطبيق، وقد تضمنت متون التقارير المعدة بهذا الخصوص عينات وأدلة عن حصول فجوات في الممارسة القانونية والقضائية، من قبيل احترام سن الزواج (18 سنة كقاعدة عامة)، حضانة الأطفال بعد الطلاق، وحالات سقوطها بالنسبة للمرأة، ومدى احقية المرأة المغربية المتزوجة بأجنبي في منح جنسيتها لزوجها الأجنبي، حيث ما زال هناك نوع من التردد في حسم هذه القضية، علاوة على الإشكاليات التي تُثيرها القضايا الاجتماعية ومدى وجود مساواة بين الجنسين في إطارها.
لذلك، وعلى الرغم من أن قانون مدونة الأسرة المغربي لسنة 2004، والذي يُنتظر صدور إصلاح له قريبا، قد بدا وقتئذ القانون الأكثر تطورا في منطقة المينا MENA ، أي شمال أفريقيا والشرق الأوسط، فقد كشفت الممارسة عن الحاجة الماسة إلى تطوير الوعاء الثقافي للمجتمع المغربي كي تُنتج نصوص المدونة الآثار الإيجابية المنتظرة منها. فالمغرب في حاجة ماسة لجرعة جديدة في وعي المرأة حقوقها بحرية ومسؤولية كاملتين، كما أنه في حاجة إلى نفس اجتهادي متنور من قبل القيمين على تطبيق القانون ونفاذ العدالة، والطريق إلى تحقيق ذلك يبدأ من امتلاك القضاء لقدر من الشجاعة في حسن تأويل النصوص وتكييفها لفهم الوقائع كما يفرزها الواقع المغربي بانتظام.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المغربي مدونة الأسرة المغرب اصلاحات رأي أسرة مدونة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مدونة الأسرة
إقرأ أيضاً:
صابري: تعديل مدونة الشغل يحتاج إلى إشراك جميع الفاعلين
زنقة 20 | متابعة
أكد هشام صابري، كاتب الدولة المكلف بالشغل لدى وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، على ضرورة مواكبة مدونة الشغل للتحولات السريعة التي يعرفها سوق الشغل، خصوصاً مع بروز تقنيات الذكاء الاصطناعي.
صابري، و ضمن فعاليات الندوة الوطنية التي نظمتها الجامعة الشعبية المغربية (UPM) بشراكة مع الجمعية المغربية للسياسات العمومية، تحت شعار “المعرفة حق من حقوق الإنسان” ، بمكناس، تناولت موضوع “مدونة الشغل وقانون تنظيم الإضراب”، بحضور الوزير السابق جمال اغماني، وثلة من الأساتذة الجامعيين ، أوضح أن مدونة الشغل الحالية، التي مضى على اعتمادها أكثر من عشرين سنة، قد لعبت دورها في معالجة مشاكل الحقبة التي وُضعت فيها، غير أن التطورات المتسارعة تفرض تحديثها لتنسجم مع مناخ الأعمال في المغرب، وتأخذ بعين الاعتبار الثغرات القانونية التي أصبحت واضحة مع مرور الزمن.
كما أكد صابري على أهمية الترسانة القانونية الاجتماعية ببلادنا، ودورها في تحقيق الحماية الاجتماعية للأجراء والمشغلين، ودعا إلى ضرورة تعزيز هذه الترسانة بٱليات قانونية رقمية حديثة تساهم في تقريب الخدمات من الأجراء والمشغلين، من أجل تبسيط الإجراءات الإدارية ودعم الحماية الاجتماعية للأجراء الذي تنتهك حقوقهم الشغلية خصوصا عدم التصريح بهم لدى صندوق الضمان الاجتماعي، ذلك انسجاماً مع التوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، خاصة فيما يتعلق بتعميم التغطية الاجتماعية على جميع الأجراء، خصوصا من لا تزال أوضاعهم القانونية والاجتماعية غير مستقرة.
ودعا كاتب الدولة إلى إشراك كافة الفاعلين من حكومة ونقابات وخبراء في مراجعة مدونة الشغل لتتلاءم مع الاتفاقيات الدولية والدستور المغربي، مع وضع مبادئ حقوق الإنسان في صلب النقاش.
كما أشار إلى أن وزير الإدماج الاقتصادي، يونس السكوري، سبق أن أكد أن تحديث المدونة سيتم قبل نهاية السنة الجارية.
وفيما يتعلق بقانون الإضراب، أوضح هشام صابري أن الإضراب حق مشروع يضمنه الدستور، لكن يجب ممارسته وفق ضوابط قانونية تضمن استمرار عجلة الاقتصاد وعدم المساس بالقطاعات الإنتاجية الحيوية.
كما أشار إلى بعض الثغرات التي تعتري مدونة الشغل الحالية، لا سيما في ظل التغيرات السريعة في سوق العمل، مثل العمل عن بُعد والعمل عبر المنصات الرقمية، وهي أنماط لم تتناولها المدونة.
ودعا إلى التفكير في “الإضراب الإلكتروني”، الذي أصبح ظاهرة جديدة تستدعي تقنيناً يتماشى مع العصر الرقمي.
وفي ختام مداخلته، أكد كاتب الدولة على ضرورة الانخراط الجدي في النقاش حول تحديث مدونة الشغل، بما يضمن التوازن بين حماية حقوق العمال وتحفيز الاستثمار والإنتاجية في المغرب.