ألقت الحرب الدموية الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة بظلالها على الانتخابات المحلية التركية منذ إطلاق الأحزاب السياسية حملاتها الانتخابية وإلى غاية فرز صناديق الاقتراع الأحد الماضي، التي أسفرت عن خسارة غير مسبوقة لحزب "العدالة والتنمية" بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان الحاكم أمام المعارضة.

وتصدرت قضية تواصل التجارة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي رغم العدوان المستمر على قطاع غزة، أجندة العديد من الأحزاب المعارضة، خصوصا المحافظة منها، وتصاعدت حدة الانتقادات الموجهة للحكومة التركية التي شددت على أن التجارة مع "إسرائيل" مرتبطة بشركات القطاع الخاص.



وكانت الشركات التركية تصدرت قائمة الدول التي استمرت في تصدير الخضار والفواكه إلى دولة الاحتلال خلال الفترة التي تلت العدوان على قطاع غزة، بحسب بيانات رسمية من وزارة زراعة الاحتلال الإسرائيلي.

وفي شهر كانون الأول/ ديسمبر 2023، كشفت بيانات صادرة عن جمعية المصدرين الأتراك عن زيادة في المواد الغذائية المصدرة من تركيا إلى دولة الاحتلال.

وكان حزبي "المستقبل" بزعامة رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو، و"الرفاه من جديد" الذي يترأسه فاتح أربكان، من أشد المنتقدين لسياسات الحكومة التركية تجاه القضية الفلسطينية والمذبحة المتواصلة بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

وفي حين تعهد داود أوغلو بـ"إقامة الدنيا" عقب الانتخابات بسبب تواصل التجارة مع الاحتلال بعد كشف بيانات هيئة الإحصاء التركية، عن تضمن الصادرات التركية ذخيرة ومواد متفجرة إلى دولة "إسرائيل" (نفت الحكومة ذلك)، اعتبر أربكان الذي حقق انتصار غير مسبوق لحزبه أن نتيجة الانتخابات المحلية "حددتها ردود الفعل على مواقف أولئك الذين يواصلون بشكل صارخ التجارة مع إسرائيل والقتلة الصهاينة".


جاء حديث أربكان في "خطاب النصر" الذي ألقاه الأحد أمام أنصاره بالعاصمة أنقرة عقب تمكن حزبه من انتزاع رئاسة 67 بلدية في عموم البلاد، بينها بلدية شانلي أورفا الكبرى ويووزغات، ليصبح ثالث أكبر حزب سياسي في البلاد من حيث الأصوات بنسبة تجاوزت الـ6 بالمئة من أصوات الناخبين.

وأشار مراقبون إلى أن موقف الحكومة التركية من التجارة مع الاحتلال تسبب في استياء لدى بعض التيارات المحافظة، التي تشكل ركيزة كتلة ناخبي "العدالة والتنمية"، الذي خسر 8 مليون صوت مقارنة بعدد الأصوات التي حصل عليها في انتخابات عام 2019، ما تسبب في فقدانه رئاسة بلديات 21 ولاية في عموم البلاد لصالح أحزاب "الشعب الجمهوري" اليساري، و"الرفاه من جديد" المحافظ، و"الجيد" القومي، و"المساواة والديمقراطية (ديم)" الكردي.

والثلاثاء، أقر أردوغان خلال اجتماع مع أعضاء حزبه في جلسة تقييمية لنتائج الانتخابات المحلية، بأن أداء حكومته تجاه الأوضاع في قطاع غزة لم يُرض أطيافا من المجتمع التركي، قائلا: "سنقوم بتقييم أدائنا تجاه أزمة غزة والذي لم ننجح للأسف أن نقنع به أطيافا عدة".



"خيبة أمل"
وقال الكاتب التركي محمد ذولكوف يل، إن الحكومة أظهرت أداء فاشلا للغاية فيما يتعلق بقضية غزة، الأمر الذي تسبب في خيبة أمل كثير من ناخبيه"، موضحا أنه  "لم يجر اتخاذ أي خطوات مهمة لوقف الإبادة الجماعية للعصابة الإرهابية الإسرائيلية. ولم يتم اتخاذ سوى خطوات استعراضية دون المخاطرة"، حسب تعبيره.

وأضاف في مقال نشره عبر حسابه على منصة "إكس" (تويتر سابقا)، أن "هذا الأداء الضعيف تسبب في حدوث قطيعة كبيرة بين الناخبين الذين صوتوا لحزب العدالة والتنمية في جميع الظروف".

وأشار إلى أن جزء من هؤلاء الناخبين قرر عدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع في حين قرر جزء آخر التوجه إلى الأحزاب المحافظة، منها "الرفاه من جديد"، مشددا على أن ذلك أحد الأسباب التي ساهمت في ارتفاع الأصوات التي حصل عليها الأخير.

من جهته، رأى الكاتب في صحيفة "يني شفق" التركية، ندريت إيرسانيل، أن أثناء تحليل الوضع الذي واجهه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية، فإن أحد العوامل التي يقال إنها تؤثر على النتيجة هو أن "رد الفعل على إسرائيل لم يكن كافيا".

واستدرك إيرسانيل بالقول: "لكن في حال قمنا برسم خط  بشكل رأسي على إحدى الصفحات وقمنا بعمل قائمة بعنوان رد فعل كافٍ على اليمين و"رد فعل غير كاف" على اليسار، فيمكننا بالنظر إلى الكراهية التي أطلقها وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، القول: لقد أحرقناهم".

ويشير الكاتب هنا إلى تهنئة وزير خارجية الاحتلال لمرشحي حزب "الشعب الجمهوري" المعارض في إسطنبول وأنقرة منصور على فوزهما، في تدوينة عبر منصة "إكس" اعتبر فيها أن "هزيمة مرشحي أردوغان في الانتخابات المحلية بتركيا، هي رسالة واضحة له بأن التحريض ضد إسرائيل لم يعد يجدي".


ومع ذلك، شدد إيرسانيل على أنه بالنظر إلى إرث كلمة أردوغان المعروفة "دقيقة واحدة" في وجه الاحتلال بمؤتمر دافوس الاقتصادي عام 2009، فإن الحساسية العامة فيما يتعلق بالولاء (للقضية الفلسطينية) "لم يتم وزنها بشكل كاف".

ولفت إلى أن المشكلة تكمن في دخول العلاقات التركية الإسرائيلية في عملية التطبيع قبل حتى العدوان على غزة رغم أن "الجميع يعرف من هي إسرائيل، وأنه من غير الممكن تغيير طبيعتها"، داعيا إلى إصلاح شعار "ليس هناك عداوة دائمة ولا توجد صداقة دائمة" الذي نقشه العقل الغربي في جوهر السياسة الخارجية التركية.

تجدر الإشارة إلى أن المراقبين الذين يرون أن الحرب على غزة ألقت بظلالها على أداء "العدالة والتنمية" في الانتخابات المحلية، أنه من الخطأ النظر إلى السلوك الانتخابي للأتراك المعارضين للتجارة مع الاحتلال، على أنه العامل الوحيد في الخسارة، حيث تأتي في مقدمة العوامل التي أثرت على الحزب الحاكم، قضايا محلية عديدة، أثارت استياء ناخبيه بشكل كبير في المقام الأول، بعيدا عن القضايا الخارجية.

وكانت "عربي21" رصدت في تقرير تلك العوامل، وفي مقدمتها الأزمة الاقتصادية الخانقة وقضية المتقاعدين المنزعجين من انخفاض رواتبهم في ظل انهيار القيمة الشرائية لليرة التركية وغلاء الأسعار، فضلا عن انقسام أصوات المحافظين.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي منوعات تركية غزة أردوغان الاحتلال تركيا الفلسطينية تركيا فلسطين أردوغان غزة الاحتلال سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الانتخابات المحلیة العدالة والتنمیة التجارة مع قطاع غزة تسبب فی على أن إلى أن

إقرأ أيضاً:

الطبيبة آلاء النجار.. أيقونة الإنسانية التي أحرق الاحتلال أبناءها التسعة

الاحتلال قصف منزل الطبيبة وبداخله الزوج و10 من الأبناء

"أحياء عند ربهم يرزقون".. أول تعليق من الأم المكلومة على استشهاد أبنائها

نجاة الزوج وطفل واحد من المحرقة وهما بالعناية المركزة

شقيقة الطبيبة: لم نستطع تمييز الجثث فكلهم أشلاء ومتفحّمون

شيخ الأزهر: هذه الحادثة تستصرخ الضمير العالمي وتعري صمته المريب

 

الرؤية- غرفة الأخبار

منذ بدء العدوان الغاشم على قطاع غزة، حرصت الطبيبة الفلسطينية آلاء النجار على إنقاذ أرواح أطفال غزة، لكنها لم تكن تعلم أن صباح يوم الجمعة الماضي سيكون آخر يوم ترى فيه وجه أطفالها، قبل أن يباغتهم صاروخ إسرائيلي، يقتل منهم 9 ويصاب الزوج والابن العاشر بإصابات خطيرة.

تسعة من أبنائها استُشهدوا في قصف غاشم استهدف منزل العائلة، بينما كانت آلاء على رأس عملها، تؤدي واجبها المهني والإنساني، في مشهد مؤلم لا يمكن وصفه.

وروت سحر النجار، صيدلانية من قطاع غزة، وشقيقة الطبيبة المكلومة آلاء النجار، لحظة إبلاغ شقيقتها باستشهاد أبنائها قائلة: "قولتها من هول الصدمة: الأولاد راحوا يا آلاء، فتجيبني بإيمان وتسليم: هم أحياء عند ربهم يرزقون".

وأضافت: "شقيقتي تلقت نبأ مقتل أطفالها التسعة وهي تحاول إنقاذ حياة أطفال الناس بمجمع ناصر الطبي، حيث تعمل طبيبة أطفال، ظلت تركض في الشارع باتجاه المنزل كي تتمكن من إلقاء نظرة وداع عليهم، لكننا لم نستطع تمييز الجثث، كلهم أشلاء.. كلهم متفحّمون".

وقال المدير العام لوزارة الصحة في غزة الدكتور منير البرش تفاصيل المأساة: "الدكتورة آلاء لديها 10 أبناء، أكبرهم لم يتجاوز 12 عاما. في صباح المأساة، خرجت مع زوجها الدكتور حمدي النجار ليوصلها إلى عملها، وبعد دقائق فقط من عودته، سقط صاروخ إسرائيلي على منزلهم".

وأضاف عبر حسابه في منصة "إكس": "استُشهد تسعة من أطفالهما: يحيى، ركان، رسلان، جبران، إيف، ريفان، سيدين، لقمان، وسيدرا. أُصيب الطفل الوحيد المتبقي، آدم، كما أُصيب زوجها الدكتور حمدي، الذي يرقد حاليا في العناية المركزة".

وأكد البرش أن ما حدث يُجسّد الواقع المرير الذي يعيشه الكادر الطبي في غزة، قائلا: "الكلمات لا تكفي لوصف الألم. الاحتلال لا يكتفي باستهداف الأطباء، بل يُمعن في الإجرام ويستهدف عائلاتهم بأكملها".

ونعى شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب أبناء الطبيبة آلاء النجار قائلا: "مشهد الأم والطبيبة الفلسطينيَّة الشجاعة آلاء النجار، وهي تستقبل جثامين أطفالها التِّسعة المتفحِّمة، يستصرخ الضمير العالمي، ويُعرِّي صمته المُريب، وتواطؤ بعض أنظمته في دعم الكيان الصهيوني ليمضِيَ في جرائمه ومجازره، دون وازعٍ من إنسانيَّة أو خجلٍ من التاريخ".

وأكد شيخ الأزهر أن "هذه الجرائم لن تُطفئ جذوة الحق، ولن تُسقط حقوق الشعب الفلسطيني، أو تُثنيه عن تشبُّثه بأرضه، ولن تُنسي الأحرار في العالم فصول هذا الظلم الغاشم".

مقالات مشابهة

  • مراحل عربات جدعون التي أقرها نتنياهو لتهجير سكان غزة
  • سفارة المملكة في تركيا: نتواصل مع السلطات التركية حول حادث سقوط طفل سعودي في نهر هالديزان
  • للعام الثامن على التوالي.. الخطوط الجوية التركية تحافظ على لقب “أغلى علامة تجارية في تركيا”
  • هل أثرت السدود المائية على دوران الأرض؟.. خبير يجيب
  • توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل
  • عثمان غازي: مسار تركيا نحو الاكتفاء الذاتي في الطاقة
  • الحزب الحاكم في تركيا يشعل الجدل ويطالب أردوغان بالترشح لولاية جديدة
  • الطبيبة آلاء النجار.. أيقونة الإنسانية التي أحرق الاحتلال أبناءها التسعة
  • شركات الطيران الأجنبية التي ألغت أو أجلت رحلاتها إلى “إسرائيل” نتيجة الضربات الصاروخية على مطار اللد “بن غوريون”
  • نائب أردوغان للجزيرة نت: إسرائيل تحاول استثمار الفوضى بالمنطقة لمصالحها