3 شعراء في أمسية «بيت الشعر» بالشارقة
تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT
الشارقة (الاتحاد)
أخبار ذات صلةضمن برنامجه الرمضاني، وفي أجواء روحانية، أقام بيت الشعر بدائرة الثقافة في الشارقة، أمسية شعرية، مساء الثلاثاء 2 أبريل 2024، في إطار فعاليات منتدى الثلاثاء، الذي يحتفي في كل فعالية بمجموعة من الشعراء الإماراتيين والمقيمين والقادمين من كل أنحاء العالم العربي.
شارك في الأمسية الشاعر السوري مازن العليوي، والشاعرة الجزائرية نجوى عبيدات، والشاعر المصري محمد وسيم، وقدمها الإعلامي فوّاز الشعّار، وحضرها الشاعر محمد عبدالله البريكي، مدير بيت الشعر، وحشد من الجمهور من محبي الشّعر ومن الشعراء والأكاديميين والنقاد، الذين تفاعلوا بشكل كبير مع النصوص وأجواء المكان الرمضانية.
بدأت الأمسية بكلمة الإعلامي فوّاز الشعار، الذي قدم أسمى آيات الشكر والعرفان إلى راعي الثقافة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على دعمه للشعر والثقافة والفنون. كذلك وجه الشكر لدائرة الثقافة بالشارقة، وبيت الشعر ومديره الشاعر محمد عبدالله البريكي على جهوده المستمرة في خدمة الشعر العربي.
ثم بدأ الشعراء بالقراءة، ليسافروا بالحضور على أجنحة الإبداع والجمال، إذ افتتحت القراءات بالشاعر مازن العليوي، الذي نوّع في أسلوب قراءاته، وتطرق إلى فنون شعرية عرفها الشعر العربي مثل المخمّسات، واستهل بقصيدة «أخاف المنابر» عبّر فيها عن قيمة المنبر بالنسبة للشعر، وما يمثله من حضور يبرز أو يسقط الشاعر. ثم قرأ قصيدة «من أسرار لامية العرب» قسمها إلى مشاهد وأسرار، كشفها عبر سرده الجميل.
أما ابنة الجزائر الشاعرة نجوى عبيدات، فقد قرأت نصوصاً أنيقة اللغة، سابحة في بحر الخيال لاقتناص الصور والمضامين، واستهلت بقصيدة «شاعرةٌ من بياض». ثمّ قرأت «شمسٌ مؤجلة» عَبَرت فيها بحور القصيدة، وخاطبت الموج بشفافية، وهي تسبح في روحانية تطوف المدى. واختتم القراءات الشاعر المصري محمد وسيم، الذي تسكنه الصحراء، فيهيم في رمالها، وهو يحدّق في فضاء مفتوح، ليشكل من هذا الفضاء نصاً زاخراً بالمعاني في إحدى قصائده، ثم يعود من الصحراء إلى القرى والحارات والطرقات، باثّاً وجده لها، وكاشفاً عن أسرار سفره.
وفي ختام الأمسية، كرّم الشاعر محمد البريكي، الشعراء ومقدم الأمسية، وقدم لهم شهادات التكريم.
المصدر: صحيفة الاتحاد
إقرأ أيضاً:
د.محمد عسكر يكتب: العقل العربي بين سطوة الخوارزميات وتآكل الوعي النقدي
لم يعد المشهد الإعلامي والتفاعلى في العالم العربي محكوماً بمعايير المعرفة التقليدية أو بمنطق التلقي المنظم، بل أصبح أسيراً لفضاء رقمي متسارع تفرضه خوارزميات معقدة، لا تُظهر للمستخدم ما يبحث عنه بقدر ما تُظهر ما تريده هي أن يتلقاه. وتحت وطأة هذا الواقع الجديد وجد العقل العربي نفسه في مواجهة تحدٍ غير مسبوق، حيث باتت أدوات تشكيل الوعي ليست في يد المؤسسات التعليمية والثقافية وحدها، وإنما إمتدت إلى شركات التكنولوجيا العملاقة التي تصوغ الذوق العام وتحدد أولويات الإهتمام وتوجّه أنماط التفكير بشكل غير مرئي. وفي ظل هذا التغير العميق في منظومة التواصل المعاصرة، بدأ الوعي النقدي الذي يشكّل أساس التفكير السليم ومقدمة كل قراءة رشيدة للواقع، يتراجع تدريجياً أمام سطوة المحتوى السريع الموجّه، فحل الإنفعال محلّ التأمل، وحلّ التلقي محلّ التساؤل، وحلّ الإنجراف وراء المألوف محلّ البحث عن الحقيقة.
لقد أدت الخوارزميات، التي تعتمد على تحليل السلوك الرقمي لكل مستخدم، إلى خلق عوالم منفصلة يعيش كل فرد داخلها بمعزل عن الآخر، حيث يُقدَّم له محتوى مصمم ليثير إنتباهه لا ليوسّع أفقه، وليرضي رغباته اللحظية لا ليمنحه معرفة موضوعية. وهكذا يتشكل وعي غير متوازن، يعتمد على ما تُسوّقه المنصات من أولويات، لا على ما يقتضيه الواقع من فهم وتحليل. وحين يتحول الإنسان من باحث عن المعلومة إلى مُستقبِل لما يُختار له، يصبح وعيه نفسه عرضة للتوجيه، وتغدو آراؤه إمتداداً لآليات الخوارزميات لا لملكات التفكير لديه. وفي هذا السياق يتعرض العقل العربي لضغط مضاعف، إذ يتفاعل في بيئة إجتماعية وثقافية شديدة الحساسية، تتشابك فيها السياسة بالدين بالهُوية، ما يجعل تأثير المحتوى الرقمي أعمق وأسرع وأكثر قدرة على تشكيل المواقف العامة.
وقد أدى هذا الوضع إلى نشوء حالة من الإستهلاك المعلوماتي الكثيف الذي يفتقر إلى العمق، فبدلاً من بناء المعرفة على أساس من التأمل والتحليل والتدرج، أصبحت المعرفة نتاجاً لسيل متواصل من المقاطع القصيرة والمنشورات السريعة والإنطباعات اللحظية. ومع الوقت يتراجع الوعي النقدي الذي يُفترض أن يُمكّن الفرد من طرح الأسئلة وتقويم المصادر والتمييز بين الحقيقة والإدعاء، ليحلّ محله وعي هشّ سريع التأثر، قادر على الإنفعال لكنه عاجز عن التحقق، ومنفعل بالضجيج لكنه غير قادر على النفاذ إلى جوهر القضايا. وهكذا يصبح العقل، الذي هو أداة إدراك، مجرّد مستقبل لأفكار متفرقة لا رابط بينها، فتتبخر القدرة على بناء رؤية مستقلة أو موقف متماسك.
ومما يفاقم هذه الأزمة أن جزءاً كبيراً من المحتوى الرائج في الفضاء الرقمي يعتمد على إستثارة العواطف والإنفعالات، لأن هذا النوع من المحتوى يحظى بتفاعل أكبر، وبالتالي يُكافأ من الخوارزميات، ما يجعل من التفكير الهادئ والمعرفة الرصينة منافساً ضعيفاً في ساحة تحكمها قواعد الربح والإنتباه. ومع إنتشار هذا النمط من التواصل يصبح من السهل التلاعب بالرأي العام، سواء من خلال الشائعات أو الأخبار المضللة أو الحملات المنظمة، في حين تغيب آليات التحقق التي يمكن أن تحمي المجتمع من الإنجرار خلف موجات متلاحقة من المعلومات غير الدقيقة.
ولم يقتصر أثر هذا الواقع على بنية الوعي الفردي، بل إمتد ليطال الطاقة المجتمعية نفسها، حيث تستهلك السوشيال ميديا جزءاً كبيراً من وقت الشباب وإهتمامهم، فيُستنزف الجهد في متابعة الجدل الإفتراضي بدل توجيهه نحو الإبداع والإنتاج والعمل الحقيقي. وهكذا تتشكل أجيال تمتلك القدرة على التعبير السريع لا على التفكير البطيء، وعلى الحضور الرقمي المكثف لا على المشاركة الواقعية الفاعلة، وعلى الإنخراط في سجالات لا تنتج معرفة ولا تغير واقعاً.
إن إستعادة التوازن في علاقة العقل العربي بهذا الفضاء المفتوح تتطلب مراجعة جادة لطبيعة الإستخدام، وتعزيزاً للتفكير النقدي، وترسيخاً لثقافة التحقق قبل التفاعل، وإعادة الإعتبار للمعرفة العميقة بإعتبارها السياج الأول لمقاومة الضجيج الرقمي. كما تتطلب دوراً أكثر حضوراً للمؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية في بناء وعي قادر على مواجهة سطوة الخوارزميات، ومنظومة قيم تشجع على البحث والسؤال بدل التلقي والتردد. فالعقل الذي يفقد قدرته على النقد يفقد قدرته على التمييز، ومع مجتمع لا يملك وعياً نقدياً قوياً يصبح المستقبل معرضاً لأن يُعاد تشكيله من خارج إرادة أبنائه.
بهذه الرؤية يتضح أن معركة الوعي اليوم ليست معركة ضد التكنولوجيا، بل معركة من أجل الحفاظ على إستقلال العقل في عالم تصنعه الخوارزميات، وضمان ألا يصبح الإنسان مجرد رقم في معادلة ضخمة لا تعترف إلا بمنطق الربحية والإنتباه. إنها معركة من أجل بقاء الوعي ذاته، بكل ما يحمله من قدرة على الفهم والتساؤل والرؤية، وهي مسؤولية جماعية تبدأ من الفرد وتمتد إلى المجتمع والدولة معاً.ولعل البداية تكون بإعادة الإعتبار للتفكير النقدي، وتعزيز ثقافة التثبت قبل الحكم، وتعلم الإبطاء في زمن السرعة، وإعادة تنظيم علاقتنا بالفضاء الرقمي بما يضمن أن نستخدمه دون أن نسمح له بإستخدامنا. كما أن على المؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية دوراً محورياً في بناء مناعة مجتمعية تحمي من التلاعب ومن الإستسهال، وتعيد توجيه الطاقات نحو ما يفيد ويثري ويضيف. إن السوشيال ميديا ليست شراً في ذاتها، ولكنها تتحول إلى خطر حين تغيب عنها الضوابط ويتراجع دور الوعي، وحين ننخدع ببريقها فنستبدل التفكير بالإندفاع والمعرفة بالإنطباع. ولذا فإن الحفاظ على سلامة الوعي الجمعي في مجتمعاتنا أصبح مسؤولية مشتركة، تتطلب وعياً فردياً يقظاً، ومؤسسات قوية، وقيماً راسخة تذكر الجميع بأن الحقيقة لا تُصنع من تداول، وأن الوعي لا يُبنى من سرعة، وأن مستقبل الأمم لا يمكن أن يُترك لفضاء بلا بوصلات.