الاعتداءات الجنسيّة تلاحق مايكل جاكسون في قبره
تاريخ النشر: 28th, July 2023 GMT
واشنطن- متابعات- يعود ملفّ الاعتداءات الجنسية التي رافقت المغني الراحل مايكل جاكسون الى الواجهة، بعد ان قررت محكمة استئناف كاليفورنيا اعادة النظر يوم الأربعاء بفتح قضيّتي دعوى اعتداء جنسي قام بهما المغني العالمي وصُرف النظر عنهما بعد وفاته، تعود الأولى الى وايد روبنسون في العام ٢٠١٣، والثانية لجيمس سايفهاك تقدّم بها بعد عام.
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
التفجيرات النووية الفرنسية في الجزائر.. جريمة استعمارية تاريخية تلاحق باريس
صبيحة يوم 13 فبراير/شباط 1960، وبمجرّد صعود سحابة شبيهة بحبة الفطر السوداء في سماء منطقة رقّان بالجنوب الغربي للجزائر، أرسل الجنرال الفرنسي شارل ديغول برقية على الساعة 7:46 إلى مركز العمليات برقان كتب فيها "مرحى لفرنسا! لقد أصبحت منذ هذا الصباح أقوى وأكثر فخرا".
كان ذلك بعد نجاح تجربة أول قنبلة نووية فرنسية تحمل اسم "اليربوع الأزرق" أجراها الجيش الفرنسي في منطقة رقان في الجزائر، وكان ذلك العنوان العريض لصحيفة "باريس برس لانترونسيجون" (PARIS Presse L’Intransigeant) في تغطيتها لدخول فرنسا نادي الدول النووية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2اكتشاف أثري تحت الركام.. ما مصير القرى الأثرية بعد سقوط نظام الأسد؟list 2 of 2من غرناطة إلى تستور.. كيف أعاد الموريسكيون بناء حياتهم في شمال أفريقيا؟end of listبعد سويعات قليلة توسّطت صورة الانفجار النووي ثلثي الصفحة الأولى لصحيفة "لوجورنال دو ديمونش" الفرنسية التي كتبت بفخر "هذه أولى الصور والرواية الأولى للقنبلة النووية الفرنسية".
في تلك الفترة نقلت وسائل الإعلام الفرنسية وجها واحد للحقيقة، وهو أن باريس دخلت رسميا نادي مالكي القنبلة النووية، وأخفت حقيقة أخرى قاتمة وبشعة، تناثرت فيها أشلاء الجزائريين وأريقت فيها دماؤهم وتسمم فيها هواؤهم وأرضهم، في واحدة من أبشع جرائم فرنسا التي تريد طمسها إلى يوم الناس هذا.
حين أجرت فرنسا أولى تجاربها النووية، كانت الجزائر في أوج معركة استقلالها ضد الاستعمار الفرنسي. وعلى مدى 6 سنوات كاملة، كانت الصحراء الجزائرية مسرحا لإجراء 17 تجربة نووية فرنسية، ظلّت تفاصيلها وآثارها مخفية طيلة عقود تحت طابع الأسرار العسكرية.
إعلانفي أوج العار الإنساني الذي خلّفه قصف هيروشيما وناغازاكي بالقنابل الذرية، دخلت فرنسا السباق المحموم نحو امتلاك ذلك السلاح، وبدأت تجاربها في أرض كانت تراها مستباحة.
كان حلم فرنسا بامتلاك قنبلة نووية يعود إلى ما قبل ذلك، حين خسرت جل مستعمراتها وبدا أن أسطورة الإمبراطورية الفرنسية قد تلاشت بعد دخول القوات النازية إلى عقر دارها إبان الحرب العالمية الثانية.
وفي سياق التجربة النووية للاتحاد السوفياتي في عملية البرق عام 1949، وبريطانيا في عملية الإعصار عام 1952، وفي ظل خوفها من الأصدقاء والأعداء، أنشأت فرنسا في العام 1945، هيئة الطاقة الذرية بمبادرة من شارل ديغول، وحشدت كل الموارد الفنية والبشرية لها.
تذكر دراسة بعنوان "لماذا كانت التجارب النووية في الجزائر؟" أجرتها سيزين توبجو، أن فرنسا أطلقت في العام 1952 خطتها الخماسية الأولى للطاقة الذرية بهدف إنتاج ما لا يقل عن 50 كلغ من البلوتونيوم، وهي كمية كافية لصنع ما بين 6 إلى 8 قنابل. من هناك أصبح المشروع النووي الفرنسي رسميا في ظل الجمهورية الخامسة، وتم اختيار موقع رقان بالجزائر من أجل إجراء التجارب النووية الأولى.
وتذكر سيزين توبجو في دراستها أن فرنسا واجهت انتقادات لاذعة بسبب التجربة، حيث وصف دعاة السلام والسكانُ المحليون في الجزائر تلك القنبلة "بالقذرة" و"الاستعمارية" التي تهدف إلى إبادة شعب الجزائر. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1959، قدمت نحو 20 دولة أفريقية وآسيوية مشروع قرار إلى الأمم المتحدة ضد تجربة القنبلة النووية الفرنسية بالجزائر، وفي نهاية يناير/كانون الثاني 1960، أي قبل أيام من أول تجربة نووية لفرنسا، تظاهر الآلاف أمام السفارة الفرنسية في تونس تنديدا بالتجربة.
لم تثن كل الجهود المناهضة لمشروع امتلاك قنبلة نووية الجنرال الفرنسي شارل ديغول عن المضيّ بسرعة غير مدروسة نحو تحقيق حلمه، وقد أطلق عليه وثائقي استقصائي بُثّ عام 1999، بعنوان "السحرة المتدربون" (Les Apprentis Sorciers) للصحفية بريجيت روسينيو، وصف "العجوز المهووس" الذي يريد دخول نادي الدول التي تمتلك القنبلة النووية، بطريقة لا رجعة فيها، وغذّى هذا الهوس لقاؤه بالزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف.
إعلان الأفعى السامة تبحث لها عن عشبعد إنشاء هيئة الطاقة الذرية في العام 1945، بدأت فرنسا إجراء الأبحاث من أجل العثور على موقع للتجارب النووية، ووضعت قائمة بالأماكن المحتملة للتجربة ضمت جزر كيرغولين، وهي أرخبيل فرنسي في المحيط الهندي، وجزيرة كليبرتون، وأرخبيل تواموتو، لكن تم التخلي عن تلك القائمة.
وبعد عملية استكشافية جديدة في العام 1957، تم الاتفاق على الصحراء الجزائرية بسبب قربها الجغرافي من فرنسا ومساحاتها الصحراوية الشاسعة ذات الكثافة السكانية المنخفضة.
وحسب ما أوردته دراسة بعنوان "نفايات التجارب النووية الفرنسية في الجزائر.. تحت الرمال نشاط إشعاعي.. قراءة على ضوء معاهدة حظر الأسلحة النووية" لجان ماري كولين وباتريس بوفيريه، برر المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة، جول موش، ذلك الخيار في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1959.
وقال موش "إن سكان جميع الدول المجاورة للصحراء، المغرب وتونس وليبيا، سيكونون أقل خطرا من سكان كاليفورنيا وسيبيريا. وتتناسب الصحراء بشكل أفضل من أي منطقة أخرى مع هذه التجربة، لأن الموقع المختار صحراوي وأقرب بكثير من الجزر المرجانية التابعة لفرنسا.
استقرّ رأي الفرنسيين على منطقتي رقان وعين أكر لتكونا مواقع لهذه التجارب، واستُخدمت منطقة ثالثة وهي كولومب بشار لإجراء التجارب الكيميائية. ومن هناك بدأت فرنسا التحضير لتجربتها المسمومة الأولى.
يقول الباحثان جان ماري كولين وباتريس بوفيريه إنه "ليس من قبيل المصادفة أن فرنسا اختبرت أول سلاح نووي لها في الجزائر التي كانت لا تزال مستعمرة فرنسية في عام 1960. وفي الواقع، اتبعت فرنسا سيناريو التجارب النووية بنفس النمط، وقرار إجراء الاختبارات تم اتخاذه في مراكز قوة العالم الصناعي، في واشنطن أو موسكو أو باريس أو لندن، في حين تم إجراء الاختبارات بعد ذلك في مكان ما في المحيط، أو في مناطق السكان الأصليين حيث يعيش المعذبون في الأرض".
إعلانكان الهدف من تجربة "اليربوع الأزرق" هو التحقق من فاعلية القنبلة وتفاعل المواد المستخدمة ومدى الجاهزية للتعامل مع تأثيرات الانفجار، لذلك وزع الجيش الفرنسي معدات في منطقة الاختبار، شملت دبابات وعربات مدرعة ومدافع، وطائرات جاهزة للإقلاع خلف أكوام الغبار. وقد ذكر تقرير سري لوزارة الدفاع الفرنسية عام 1996 قائمة المعدات التي وُضعت للتعرض للإشعاع النووي.
بلغ وزن القنبلة في عملية "اليربوع الأزرق" 70 كيلو طن، وفاقت قوة تفجيرها 4 مرات قوة القنبلة التي ألقيت على هيروشيما، وفق تحقيق بعنوان "فئران تجارب الصحراء.. بعد 50 عاما، شهادات لأشخاص تعرضوا للإشعاع" نشرته مجلة "زاد" عام 2010.
وكان ذلك كافيا لتقدير حجم الرعب الذي عاشه الجزائريون القاطنون قرب مركز التجارب النووية، خاصة أن فرنسا تجاهلت سلامتهم حين قامت بأولى تجاربها فوق سطح الأرض، حيث تم تفجير القنبلة فوق برج حديدي بارتفاع 100 متر، دون الأخذ بعين الاعتبار تأثير ذلك على البشر والزرع والأرض.
لم يمر شهران على تجربة "اليربوع الأزرق"، حتى بدأت فرنسا تجربتها الثانية في 1 أبريل/ نيسان 1960، باسم "اليربوع الأبيض"، وبدا أن هوس الجنرال ديغول بتجسيد حلمه النووي سيحرق الأخضر واليابس في صحراء الجزائر، إذ تسببت تلك التجربة في حدوث تلوث كبير حسب شهادة الجنرال تشارلز إيليري، التي أوردها جان ماري كولين وباتريس بوفيريه في دراستهما.
وجاء في شهادته أنه "تم وضع القنبلة على قاعدة خرسانية، وتسبب ذلك في تلوث كبير للغاية بسبب تساقط الجزيئات الثقيلة من مكان الانفجار"، كما ذكر الجنرال إيليري أن الاختبار الثالث الذي أطلقت عليه فرنسا اسم "اليربوع الأحمر" في 27 ديسمبر/كانون الأول 1960، شهد استعمال 1000 فأر وجرذ، بالإضافة إلى عدد من الماعز وُضعت في مكان الانفجار لقياس التأثير النووي عليها.
لم تثن الانتقادات فرنسا عن المضي في تجربة نووية سطحية رابعة، وأجرت يوم 25 أبريل/نيسان 1961، تجربة "اليربوع الأخضر" التي ستكون آخر تجربة نووية سطحية في الصحراء الجزائرية، وبدا أنها لم تكن مستعدة جيدا لذلك الاختبار، حيث اعترف التقرير رقم 207 لمجلس البرلمان الفرنسي المقدم في 6 فبراير/شباط 2002، أن التجربة الرابعة تميزت بظروف جوية غير مناسبة للاستخدام السليم للبيانات، وأن فرنسا قررت اللجوء إلى الاختبارات النووية تحت الأرض ردا على الانتقادات المتعلقة بتداعيات التجارب النووية في الهواء الطلق.
إعلانكما يذكر تقرير المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة الأول من نوفمبر 1954 بعنوان "التجارب النووية الفرنسية في الجزائر.. دراسات وشهادات وبحوث"، أن فرنسا استعملت خلال تجربة "اليربوع الأخضر" 195 جنديا فرنسيا بسرية تامة ودون علمهم، وكانوا بمثابة فئران تجارب.
بعد تجارب اليرابيع الأربعة فوق سطح الأرض، واجهت فرنسا انتقادات بسبب خطورة التلوّث الكبير الذي تسببت فيه التجارب السطحية، لذلك توجهت نحو التجارب الباطنية التي تُزرع فيها القنابل تحت سطح الأرض، وكانت منطقة الهُقّار مركز تلك التجارب.
يذكر تقرير "رابطة قدماء المحاربين الفرنسيين وعائلاتهم في التجارب النووية"، أن فرنسا أجرت 17 تجربة نووية في الجزائر بين عامي 1960 و1966، أربعة منها فوق سطح الأرض في رقان، والأخرى باطنية في منطقة الهقار، وأنه حصلت أربعة تسرّبات في جبل عين أكر.
وكان التسرب الأول خلال تجربة اسمها "بيريل" يوم 1 مايو/أيار 1962، والثاني خلال تجربة "أميثيست" في 30 مارس/آذار 1963، والثالث في تجربة "روبي" يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول 1963، والرابع خلال تجربة "جاد" في 30 مايو/أيار 1965.
ويذكر تقرير البرلمان الفرنسي أن 4 تجارب من أصل 13 اختبارا نوويا تحت الأرض، لم يتم احتواؤها بالكامل، وهي تجارب "بيريل" و"أميثيست" و"روبي" و"جاد". ويقول التقرير إن عمليتي "بيريل" و"أميثيست" أسفرتا عن إطلاق الحمم المشعة، أما تجربتا "روبي" و"جاد" فقد تسربت خلالهما عناصر مشعة غازية أو متطايرة. ورغم خطورة تلك التسرّبات فقد قدّر التقرير أن تلك الحوادث لم تسبب تعرضا إشعاعيا كبيرا للأشخاص.
لم تكن تفاصيل ما يحدث في عمق الصحراء، والتي أحاطتها فرنسا بسرية كاملة، لتخرج إلى الضوء لولا شهود عيان على البعض منها، وقد سعى باحثون إلى توثيق تلك الشهادات أمام صمت فرنسي رسمي.
إعلانتصف شهادات وثقتها دراسة "نفايات التجارب النووية الفرنسية" لجان ماري كولين وباتريس بوفيريه، حادثة تجربة "بيريل" التي وقعت في 1 مايو/أيار 1962، بأنها من أهم الحوادث الملوثة للتربة والأفراد بالمواد المشعة. ويورد التقرير شهادة لأحد الجنود يقول فيها "حوالي الساعة 12:30 ظهرا، سمعنا دويًا هائلا أمامنا. في البداية، كان المشهد جميلا جدا، فقد تغيّر لون الجبل وأصبح شفافا، ولكن بعد لحظات، وبالقرب منا على اليمين، شاهدنا سقف فتحة الجبل ينفصل، وانبعث دخان أسود قاتم".
خرج في تلك التجربة ما بين 5 إلى 10% من النشاط الإشعاعي عبر الحفرة التي تَسبب بها الانفجار في شكل حمم ومواد منصهرة، وبلغ حجم المواد المتسربة 700 متر مكعب.
يُجمع شهود عيان على أن الحوادث الأربع التي شهدتها التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية، والتي كان أخطرها حادثة "بيريل"، كانت بسبب عدم جاهزية فرنسا لمثل هذه التجارب.
وأكد البروفيسور إيف روكار الذي كان في منطقة رقان بصفته خبيرا في ذلك الوقت، أن التجارب الأربع أُطلقت في ظروف غير مواتية وكانت ملوِّثة للغاية، وأن فرنسا لم تتخذ أي احتياطات أساسية تتعلق بالأرصاد الجوية، أو حتى لضمان النجاح التقني للقياسات.
ويضيف في شهادة ذكرتها دراسة "الانفجارات الذرية الفرنسية في الصحراء" لإسماعيل بوفرورة، أنه "وقع حادث في إحدى التجارب بسبب خطأ في ضبط القنبلة.. لقد حدث خطأ ما، انكسرت الأبواب وأطلق أنبوب القياس سحابة رهيبة من الدخان الأسود الذي حمل الحطام المشع من الحفرة المجوفة داخل الجبل في عين أكر، ومرت سحابة شديدة الحرارة فوق مصبّ للإطارات القديمة فاشتعلت النيران فيها على الفور".
كما اعترف وزير الدفاع الفرنسي بيار ميسمر، الذي كان في موقع الحادثة خلال تجربة "بيريل"، أنه كان من المستحيل تقدير حجم الإشعاعات التي تعرض لها الموجودون في موقع التجربة، لكن من المؤكد أن الجرعة تجاوزت المستوى العادي.
لم تستطع فرنسا إخفاء حادثة "بيريل"، وتسرب الخبر إلى الصحافة التي انتقدت تعامل القادة المشرفين على موقع التجربة، حيث يقول فابيان غروهير من صحيفة "لونوفال أوبسرفاتور" إنه "بدل احتواء الانفجار، انفتح جبل تان أفيلا أمام أعين المتفرجين الذين لم يصدقوا ما وقع.. انطلقت سحابة سوداء ضخمة وبدأت تظلم السماء فوق حشد المتفرجين. فرّ القادة أولا، وتم نسيان الجنود لساعات تحت السحابة المشعة. أما بالنسبة للعمال المساعدين من الطوارق -من سكان الصحراء الجزائرية- الذين كانوا يؤدون المهام الشاقة، فقد تم التخلي عنهم تماما."
إعلان فرنسا تلقي الجميع في محرقتها النوويةعلى مدى سنوات، تَبيَّن أن فرنسا لم تصبح أكثر فخرا بعد امتلاكها القنبلة النووية كما زعم الجنرال شارل ديغول، بل العكس من ذلك، فقد طوّقتها الاتهامات بارتكاب جرائم في حق الجزائريين بسبب ترِكتِها المسمومة، وبسبب استخدامها جنودا فرنسيين ألقت بهم في محرقة الجنرال ديغول.
يذكر عباس عروة، أستاذ الفيزياء الطبية في برنامج "بلا حدود" الذي بثته قناة الجزيرة، أن الجيش الفرنسي اقتاد 150 أسيرا جزائريا، وصلَبهم في ميدان التجربة، وذلك لقياس تأثير الإشعاعات عليهم، مضيفا أن فرنسا استعملت قرابة 40 ألف جزائري خلال تجاربها النووية، حيث استدرجت السكان من أجل الحفر في الجبل بالقول إنهم ينقبون عن الذهب.
لم تستعمل فرنسا الجزائريين فحسب خلال تجاربها، فقد استغلت أيضا جنودا فرنسيين دون تدريبهم على العمل في الحقول النووية، وهو ما يرويه جندي سابق يدعى مارسيل كوشو قدم شهادته في الفيلم الوثائقي "السحرة المتدربون"، حيث قال "لم أكن مستعدا لذلك.. ما الذي كان بإمكاني تعلمه في ثمانية أيام، أو بالأحرى أربعة! لم أرتد المدرسة العسكرية للأسلحة الخاصة، بل ذهبت إلى مدرسة التخصص في المدفعية المضادة للطائرات.. لقد تعلمت كيفية رمي القنابل اليدوية، ولكن لم أتلق أي تدريب عن إلقاء القنابل الذرية! ما الهدف من ذلك؟".
لم يكن كوشو، الجندي الوحيد الذي لم يتلق تدريبا على الحقول النووية وأُلقي به في المحرقة، إذ يذكر رولان فايل، وهو جندي فرنسي، أن مجموعته لم تتلق سوى تعليمات استعجالية، وهي الامتناع عن النظر إلى ضوء الانفجار، وإدارة ظهورهم لمكان التجربة، وإغلاق أفواههم وآذانهم حتى لا تنزف بسبب قوة التفجير. يقول رولان فايل "رغم أنني أدرت ظهري للانفجار، فإنني تمكنت من مشاهدة الضوء، وكان الأمر كما لو أنني أرى كل ما بداخل جسمي. بعد الانفجار، قيل لنا إنه يمكننا مشاهدة السحابة التي تشبه الفطر، لم يكن لدينا نظارات أو مناظير عكس الضباط السامين، وأُمرنا بعد 4 دقائق بالصعود إلى قمة الهضبة حيث مركز الانفجار.. لم يعاودوا الاتصال بي أبدا.. أعتقد أن إرسالنا إلى هناك كان مجرد لعبة حظ لا أكثر.. لقد تركونا لمصيرنا المجهول.. أنا على قيد الحياة وهذا شيء رائع، لكنني حاولت البحث عن زملائي فلم أجد سوى أراملهم".
إعلانتنقل صحيفة "المجاهد" الجزائرية في مقال بعنوان "التجارب النووية الفرنسية في الجزائر.. شهادات مؤثرة" بتاريخ 5 مايو/أيار 2021، عن مجلة "لا كرونيك" التابعة لمنظمة العفو الدولية، شهادات السكان في المناطق المتضررة من التجارب النووية الفرنسية.
يقول أحد سكان منطقة تمنراست الجزائرية "كنت أبلغ من العمر 6 سنوات في ذلك الوقت، كنت أرعى الأغنام فوق الهضبة، وجاء جنود واصطحبونا بواسطة مروحية وتركوا الحيوانات خلفنا، وعند وصولنا إلى القرية قاموا بإجلائنا بواسطة شاحنات من هناك، وفي نفس اليوم فقدت أمي وأبي وأخي فاصطحبني عمي صحبة شقيقتي".
ظلت فرنسا تستخدم تلك المواقع حتى بعد استقلال الجزائر بموجب "اتفاقيات إيفيان" التي تضمن الحفاظ على مصالح فرنسا في مجال التنقيب عن النفط في الصحراء الجزائرية. في المقابل، لم تلتزم باريس بالتفكيك الكامل للمنشآت واستعادة الحالة الطبيعية للمحيط ومراقبة صحة السكان المحليين، كما لم تقدم للجزائر خارطة تفصيلية لمقابر النفايات النووية.
تؤكد تقارير عديدة، على غرار تقرير الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية، أن شهادات صحفيين وباحثين زاروا مواقع التجارب النووية الفرنسية في الجزائر، تُجمع على وجود نفايات كثيرة، حيث تركت فرنسا بقايا معدات وأدوات وحتى مركبات ملقاة في الصحراء. والمخيف أنه من السهل دخول السكان إلى تلك المناطق الملوثة بالإشعاع النووي، واستعمال المواد الحديدية المسمومة في بناء أسقف المنازل أو حتى بيعها.
من ناحية أخرى، دفنت السلطات الفرنسية العديد من الأدوات والمعدات الميكانيكية التي تم استخدامها في تجاربها النووية والتي يمكن أن تكون ملوثة، وذلك في موقعين: الأول على بعد 10 كلم إلى الشمال الشرقي من المعسكر، والثاني على بعد 5 كلم من نقطة الصفر، أي مكان التجربة. أما النفايات الأخرى ذات النشاط الإشعاعي العالي، فيمكن أن تكون فرنسا قد وضعتها في مخابئ خرسانية.
إعلانكانت تلك شهادة مهندس جزائري كُلف بإزالة المعدات من مكان التجربة النووية، أوردتها دراسة "نفايات التجارب النووية الفرنسية في الجزائر". وينقل ذات المصدر شهادة أخرى عن فرنسي يدعى جان بيار، كان موجودا في منطقة رقان الجزائرية خلال الفترة من 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1960 إلى 21 فبراير/شباط 1962، حيث تحدث عن دفن الأجهزة المستعملة في الرمال الجزائرية، وقال "عندما تم تعييني قمت بجرد الأجهزة وبيان حالتها.. عندما يُسقط رجل مطرقة أو مفك براغي، كان يستحيل في كثير من الأحيان العثور عليها، فكل ما فُقد تم تصنيفه على أنه مدفون في الرمال، لكن لاحظت أنه في كثير من الأحيان، يتم تصنيف الأشياء ذات الحجم الكبير، وأحيانًا الهائلة، على أنها مدفونة في الرمال أيضا.. وهكذا فهمت أن معدات تحريك التربة هي معدات ملوثة إشعاعيا، تم دفنها عمدا هناك".
يُعتبر موقع "عين أكر" أكثر ما يثير قلق الخبراء، فقد شهدت المنطقة خلال تجربة "بيريل" انفجارا لوّث 250 هكتارا بما فيها 2.5 هكتار على منحدر جبل "تان أفيلا"، بسبب هبوط الحمم والمواد المنصهرة الملوثة بعد التفجير. وقد أجرت لجنة الأبحاث والمعلومات المستقلة حول النشاط الإشعاعي تحليلا لحمم من هذا الموقع في أكتوبر/تشرين الأول 2009، وتبيّن أنها ملوثة للغاية بواسطة مواد مشعة. ونشرت اللجنة تقريرها عدد 09-113 في العام 2010، بعنوان "التحليلات الإشعاعية للمواد التي تم جمعها من موقع التجارب النووية السابق في عين أكر بالجزائر".
انتقلت الآثار الخطيرة للتجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية -التي زعمت أنها خالية من السكان- إلى الأجيال التالية، حيث يروي الباحث إسماعيل بوفرورة في دراسة "الانفجارات الذرية الفرنسية في الصحراء"، قصة محمد بن جبار، وهو جزائري كان على "اتصال وثيق" مع المواد المستخدمة في التجارب النووية لمدة 18 يوما، والذي تدهورت صحته بشكل كبير إلى أن أصبح عاجزا كليا. وفي العام 1982، حملت زوجته بطفل مصاب باستسقاء الرأس، وضمور في أطرافه العلوية، وولد طفلها الثاني في العام 1984 قبل أوانه بتشوه، حيث كان يحمل ثلاث كلى، اثنتان منهما كانتا مصابتين.
إعلانما تزال التجارب النووية 17 ومخلفاتها تلاحق فرنسا وتؤجج عواصف دبلوماسية بينها وبين الجزائر التي تصرّ على وجوب اعتراف باريس بجرائمها الاستعمارية، بما فيها تجاربها النووية في الصحراء.
التجارب النووية الفرنسية جريمة لا تسقط بالتقادمتعترف فرنسا ضمنيا بآثار تجاربها النووية على المدنيين والعسكريين، ولكن دون القيام بخطوات جادة في سبيل اعتراف رسمي يضمن للجزائريين حقهم، حيث جاء في المذكرة التفسيرية لمشروع قانون مجلس البرلمان الفرنسي في 22 يناير/كانون الثاني 2003، أنه "بالرغم من أن عدد المدنيين والعسكريين الذين شاركوا في التجارب النووية الفرنسية بين 13 فبراير/شباط 1960 و27 يناير/كانون الثاني 1996 لم يُعلن قط، فإن العديد منهم أبلغوا عن مشاكل صحية خطيرة، لا سيما السرطان، ولكن أيضاً مشاكل في العين والقلب والأوعية الدموية. وتوجد نفس المشاكل الصحية بين العسكريين والمدنيين التابعين لوكالة الطاقة الذرية والشركات الباطنية، وكذلك بين مواطنينا في بولينيزيا الفرنسية واﻷشخاص الذين كانوا يعملون بالمواقع الجزائرية في الصحراء".
مرَّ أكثر من 60 عاما على التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية، والتي تُعدّ جريمة إنسانية ارتُكبت بحق الجزائريين، ومع ذلك، لم تستجب فرنسا لطلبات السلطات الجزائرية بالكشف بدقة عن مواقع تجاربها ومقابر نفاياتها المشعة المدفونة في الصحراء، كما لم تعترف رسميًا بهذه الجرائم أو تقدّم تعويضات لضحايا تلك التجارب.
في دراسة بعنوان "التجارب النووية والمحيط "، يقول الباحث الفرنسي المتخصص في الأسلحة النووية، برونو باريلو، "إن الافتقار إلى المعلومات الرسمية بشأن إدارة النفايات المشعة الناتجة عن هذه التجارب، يعتبر تعديا صارخا على حقوق الجزائريين.
إعلانلذلك، يتعين على وزارة الدفاع الفرنسية أن تنشر معلومات دقيقة عن طبيعة هذه النفايات ونشاطها الإشعاعي وحجمها وموقع تخزينها. وبموجب مبدأ المساواة، وبما أن السلطات الفرنسية قدمت في عام 2006 مثل هذه المعلومات بشأن النفايات الملوثة أو المواد المشعة في موروروا وهاو، فلا يوجد سبب يمنع تقديم هذا النوع من المعلومات إلى السلطات الجزائرية".
وفي سياق احتدام الخلافات الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، أكد رئيس البرلمان الجزائري إبراهيم بوغالي في 13 فبراير/شباط 2025، خلال كلمته لدى افتتاح اليوم الدراسي حول التفجيرات النووية الفرنسية في الجزائر، أن هذه الجريمة الإنسانية لا تزال جراحها مفتوحة، مشدّدًا على ضرورة تحمّل فرنسا لمسؤولياتها التاريخية والقانونية، كما جاء في بيان البرلمان.
وأشار بوغالي، إلى أن آثار التفجيرات النووية الكارثية لا تزال مستمرة على الإنسان والبيئة، حيث يعاني السكان من أمراض سرطانية وتشوهات خلقية ناجمة عن الإشعاعات، مطالبا فرنسا بالاعتراف الرسمي بمسؤوليتها عن هذه الجرائم النووية، وإنصاف وتعويض الضحايا وعائلاتهم بما يتناسب مع حجم الكارثة. كما دعاها إلى تحمل مسؤولية تطهير الأراضي الملوثة بالإشعاعات النووية، وتسليم الأرشيف الكامل لمواقع التجارب النووية للسلطات الجزائرية.
كما تذكر صحيفة "لوبوان" الفرنسية في يناير/كانون الثاني 2025 أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، قال في رده على الجدل الدائر داخل فرنسا حول مراجعة اتفاقيات 1968، "إذا أردتم الحديث عن قضايا خطيرة، تعالوا ونظفوا المواقع التي أجريتم فيها التجارب النووية.. الناس ما زالوا يموتون وقد تضرر آخرون.. لقد أصبحتم قوة نووية، وتركتم لنا الأمراض.. تعالوا ونظفوا واد الناموس حيث طورتم أسلحتكم الكيميائية.. إلى يومنا هذا تموت أغنامنا من أكل العشب الملوث.. هذه هي المشكلة الحقيقية".
إعلانمنذ منتصف العام الماضي، تصاعدت الخلافات بين الجزائر وفرنسا بشكل ملحوظ، وأصبحت قضية التجارب النووية الفرنسية إحدى أولويات السلطة الجزائرية التي ترى أنها تستوجب الاعتراف والاعتذار والتعويض قبل الحديث عن تطبيع كامل للعلاقات.