مع قرب انتهاء الشهر الفضيل، هل سألنا أنفسنا، ما الغاية من الفريضة الرابعة من أركان الإسلام التي جعلها الله قبل فريضة الحج؟ وما الغاية من عبادة الله والتقرب إليه  بالجوع والعطش والامتناع عن الجماع من الفجر للمغرب؟ الغاية ليست مؤقتة أثناء رمضان فحسب بتطهير النفوس من الذنوب، وإحيائها بالذكر والقيام وقراءة القرآن والصدقات وإطعام الطعام، ولكن الغاية بعيدة المدى التي تبدأ بعد رمضان هي الأهم.

وهذه الغايات ثلاث: 
1_ أن تخاف الله من أذية خلقه؛ فلا تعسر عليهم، ولا تظلمهم، ولا تمكر بهم، ولا تغشهم في البيع والشراء، ولا تسيء الظن بهم، ولا تغتابهم، ولا تحقد عليهم.

بل تجاهد بتطهير قلبك من البغض والغيرة منهم، وتتمنى الخير لهم، ولا تضمر لهم شرا ولا عسرا، ولا تستكثر عليهم نعمة أو فضلا،  ولا تفتري عليهم، أو تتجبر عليهم، أو تتكبر عليهم، أو تخلع عليهم ما ليس فيهم،ولا تشمت فيهم  إن أصابهم مكروها، ولا تستهزئ بهم لعثر أو فشل،  و لا تقلل من شأنهم ضعفا ونقصا، ولا تعيب عليهم عيبهم، ولا تفرح في بلائهم أو ابتلائهم،  ولا تكشف سترهم، أو تكتم فضلهم، أو تخفي ميزتهم، أو تهضم حقهم.

ثم بعد ذلك لا تقصر في حق نفسك، أو حظك، أنت وأهلك، ولا تقصر في حق من ترعى وتعول، وكن وفيا مع زوجك وشيخك ومعلمك وأصحاب الفضل عليك.

والقصد هنا أن ترتقي درجة مما كنت عليه قبل رمضان، فيزداد إيمانك وتزداد تقواك، فهما الدليل العملي للعبادة الصحيحة  والعقيدة السليمة، فلا يصح أن يكون صومك ثلاثين يوما، وفريضتك التي تؤديها سنويا معدومة الأثر، تنتهي بانتهاء رمضان.


2_  أما الغاية الثانية فهي صحتك النفسية، التي تتحسن تلقائيا بفعل التقوى والخوف من الله، فتزداد درجة رضاك، وتقوى طاقتك الايجابية، ويزيد إحساسك بالسعادة الحقيقية، وتتخلص من همومك وأحزانك، وتسلم أمرك كله لله..،  فإن هذه الأمور كلها نتيجة طبيعية لما قبلها من التقوى كغاية نهائية للصيام،ولا تنسى أن العبادة كلها شفاء، الدعاء شفاء، والاستغفار شفاء، وكل أشكال الذكر شفاء، والقرآن شفاء،  وربنا عز وجل في محكم آياته يقول: وشفاء لما في الصدور، ويقول أيضا:
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا،حتى أن العلماء اختلفوا في نوع الشفاء ما إذا كان قاصرا على الشفاء النفسي أم الشفاء الشامل مع الأخذ بالأسباب، ورمضان شهر الشفاء من كافة الأوجاع والأحزان كونه شهر تكثيف العبادة والقرآن .


3_ أما الغاية الثالثة فتنعكس على صحتك الجسدية، فتتحسن وتقوى وتتخلص من السموم والبكتريا الضارة، وتتجدد الأجهزة،  وتستريح الأعضاء، وتتطهر  المعدة بيت الداء..ولهذا فإن الجهل بحكمة الصيام الصحية وعلاقتها بعبادة الصيام، هو الذي قادنا إلى الإسراف في الطعام والحلويات، وربما نخرج من رمضان ولم نحقق كثيرا من فضائله الصحية والتي قصدها الإسلام بلا شك حرصا على سلامة الانسان وعافيته التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالقدرة على العبادة والعمل والجهاد في الحياة عامة، فضلا عن أن التقوى وتحسين الصحة النفسية يؤديان بلا شك إلى تحقيق الصحة الجسدية.

ولأن العلاقة بين الغايات الثلاث التقوى والصحة النفسية والصحة الجسدية مترابطة معا، فنجد أن الصائم ربما يفقد صحته النفسية بسبب أخطاء في النظام الغذائي، وقد تسوء حالته النفسية بسبب إهماله وتقصيره في التقوى والخوف من الله، وهكذا ..

فلا يصح أن يكون صيامك، ورمضانك، وجوعك وعطشك معدوم الأثر منتهيا بانتهاء الشهر الفضيل، خاصة وأن الفرصة لا تزال قائمة، والعبرة بالنهايات، وإنما الأعمال بخواتيمها.

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

غزة.. الآية التي يتجلى فيها الوعد الإلهي

يمانيون|| كتابات:

ليست كل المعارك تخاض بالسلاح وليست كل الآيات تتلى من كتاب. هناك في غزة المحاصرة حيث لا مكان للترف ولا متسع للتراجع تنبعث من تحت الركام أعظم الشواهد على حضور الله في واقع البشر. غزة التي اختارها الله لتكون ساحة التجلي لا تكتب سطورها بالحبر بل تحفرها بالدم وتوشّيها بصبر شعب يرفض أن ينكسر.
في هذا العالم التي تزداد فيه العتمة وتتكالب فيه قوى الطغيان على الشعوب المستضعفةتتوهج غزة كنجم لا يخبو لا لأنها تملك من العتاد ما يُرهب العدو بل لأنها تحمل في قلبها يقينا لا يتزعزع وتقاتل بثبات الجبال وإيمان الأنبياء. منذ ما يزيد عن ستمئة يوم متواصل يشهد العالم بأبصاره وقلوبه فصول ملحمة لا نظير لهاملحمة سُطّرت على تراب غزة بالدماء والصبر بالدمع والدعاء وبعزيمة رجال كأنهم خرجوا من كتب القداسة.
ليست غزة مجرد مدينة محاصرة بل هي مسرح لحدث إلهي مستمر حيث يتجسد الإيمان في أبهى صوره وحيث تصطف قلوب المجاهدين مع السماء في عقد لا ينفصم. هناك في كل زقاق وركن وركام تتنزل المعاني الربانية وتتكشف الحقائق الكبرى. رجالها ليسوا فقط أصحاب سلاح بل حملة رسالة يواجهون النار والموت باليقين والخذلان الأممي بثبات الموقنين. لم تفتّ في عضدهم المجازر، ولم تزعزعهم المجاعات، ولم تجرح كبرياءهم خيانة القريب والبعيد.
نرى في عيونهم تجلي الصبر المحبوب من الله ونلمح في جراحهم بشائر النصر الآتي. التاريخ – الذي عادة ما يكتبه المنتصرون – سيتوقف عندهم طويلاً لا ليُحصي فقط أسماء الشهداء بل ليكتب كيف يصبح الألم معراجا وكيف يتحول الحصار إلى ميثاق إيمان وكيف يُعاد تعريف الكرامة من خلال غزة.
ما يجري هناك ليس حدثا عابرا بل هو برهان لا يُدحض وإشارة كونية لا تُخطئ على أن الطريق إلى الله قد يكون مفروشا بالدم والركام لكنه موصل لا محالة إلى النصر الذي وعد به الصادقون. وعلى هذه الأرض وفي هذا الركن الصغير من العالم تتجلى أعظم آيات العصر… آية عنوانها: “غزة لا تنكسر”.

 

بقلم/عبدالمؤمن جحاف*

غزة.. الآية التي يتجلى فيها الوعد الإلهي

مقالات مشابهة

  • إطلاق برنامج “شفاء سوريا 2” في تموز القادم
  • المهندس عبدالحكيم محمود الهندي يكتب : في يوم الاستقلال .. رسالة أردنية عنوانها “الإصرار
  • وفاة حاجة من اقليم كوردستان بعد أداء الفريضة
  • أيام التشريق .. مستجابة الدعوات لا تحرم نفسك ردد أفضل 200 دعاء جامع الخيرات
  • الطاهر ساتي يكتب .. هلوسات الصيّاد
  • هل سألت نفسك كم يبلغ حجم سوق أمواس وماكينات الحلاقة بالمملكة؟
  • غزة.. الآية التي يتجلى فيها الوعد الإلهي
  • برج الحوت حظك اليوم السبت 6 يونيو 2025.. احمِ طاقتك النفسية
  • “الشؤون الإسلامية” تُنظّم محاضرتين توعويتين في مسجد الخيف
  • يوسف عبدالمنان يكتب: رجال وراء “الصياد”