أكد الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم العشماوي أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر الشريف أن هناك محاولات إبراز الأزهر الشريف، بأنه لم يعرف سوى الفكر الصوفي فقط على مدار التاريخ، تُجافي الحقيقة التاريخية، وذلك لأن الأزهر كان مليئا بأفكار وفسلسفات أخرى.

وأضاف باستثناء الفترة الأولى في تاريخ الأزهر الشريف، وهي التي كان الأزهر يتبنى فيها الفكر الشيعي، بحكم كونه خاضعا لسلطان الدولة الفاطمية العبيدية، فإن الأزهر منذ أن تحوَّل إلى المذهب السُّنِّي في عهد السلطان الصالح صلاح الدين الأيوبي، وهو يدين بالفكر الأشعري اعتقادا، والمذهبي فقها، والصوفي سلوكات، فصلاح الدين نفسه كان أشعريا شافعيا صوفيا، على طريقة سيدي عبد القادر الجيلاني، والحق أن صلاح الدين الأيوبي، بعد أن قضى على الدولة الفاطمية، أغلق الجامع الأزهر أكثر من قرن من الزمان، طول مدة الدولة الأيوبية، ومنع الخطبة والصلاة فيه، وأزال مراسم الشيعة منه، واستبدله بمدارس أخرى في القاهرة، على المنهج السني الأشعري المذهبي الصوفي.

وتابع أعيد افتتاح الأزهر للدراسة على المنهج ذاته أيام دولة المماليك، على يد السلطان الظاهر بيبرس البندقداري، وأعيدت رواتب المدرسين، وعاد الأزهر مدرسة للسنة، والفقه، التصوف، ثم جاءت الدولة العثمانية، فسارت بالأزهر على المنهج ذاته، حتى دخل التصوف النظري، بوصفه مقررا أساسيا ضمن المقررات التي يدرسها طالب الأزهر في المرحلة الجامعية وما بعدها، على يد شيخ الإسلام والمسلمين العارف بالله تعالى الدكتور عبد الحليم محمود رضي الله عنه، وظل الحال هكذا كل شيوخ الأزهر وطلابه على المنهج الأشعري اعتقادا، المذهبي فقها، الصوفي سلوكات، حتى ظهرت الجماعات الدينية السياسية، وأقدمها منذ نحو مئتي سنة، وهي الحركة الوهابية، وآخرها جماعة الإخوان، فحاولت تغيير منهج الأزهر إلى مناهجها، لكنها لم تفلح، وبالرغم من هذا فقد احتالت بالقوة الناعمة، لتغيير منهج الأزهر، وذلك عن طريق إدخال أبنائهم الأزهر للتشويش عليه، واستقطاب بعض أبناء الأزهر، وإغرائهم بالمال، ومع هذا ظل الأزهر صامدا متمسكا بهذا المنهج، الذي أثبت أنه أكثر المناهج ثراء وأمنا وتسامحا وتوازنا وتمثيلا لجوهر الإسلام، بدليل أنه كان ولا يزال المعهد العلمي الوحيد الذي تتوجه إليه أنظار العالم الإسلامي، وتثق فيه الدول، حتى الدول التي تدين بمناهج أخرى.

وأضاف.. لا نعلم شيخا تولى مشيخة الأزهر، أو درَس فيه أو درَّس، إلا وهو صوفي، ومن لم يكن منهم متصوفا فلم يكن ذلك عداء منه للمنهج، بل لأن طبيعته لا تميل إلى التصوف، وربما كان متصوفا تصوفا عمليا، من غير انتماء إلى طريقة، حتى جماعة الإخوان التي انتشرت خلاياها في الأزهر في فترة من الفترات، كان مؤسسها رجلا صوفيا، وكان أفرادها يمارسون التصوف بطريقة عملية، وإن لم ينتسبوا إلى طريقة صوفية، هذا استعراض تاريخي موجز لعلاقة الأزهر بالتصوف، فأين الأفكار الأخرى التي زاحمت فكرة التصوف؟.

وقال على أن التصوف الصحيح ليس فكرة ولا فلسفة قابلة للنقاش، ولكنه من الدين نفسه، بل أعلى مراتب الدين، وذروة سَنامه، فهو مرتبة الإحسان من الدين، على ما قرره أئمة التصوف، وفقا لما ورد في حديث جبريل، فجَعْلُ التصوف فكرة، ومقارنتها بغيرها من الأفكار، لا يستقيم في المنهج العلمي، ولا يخطرن ببالك أن تصوف الأزهر هو هذا المسخ من التصوف المشوه والمشبوه الذي تراه اليوم من أكثر الطُّرُقية، بل تصوف الأزهر هو تصوف السلف الصالح، بدءا من الصحابة، ومرورا بالتابعين، فمن بعدهم على ما قرره أبو نُعيم في (حِلية الأولياء وطبقات الأصفياء) وابن الجوزي في (صفة الصفوة) وهو اختصار لكتاب أبي نُعيم، والشعراني في (الطبقات) وغيرهم - وانتهاء بنحو عبد الحليم محمود، وصالح الجعفري، ومحمد زكي إبراهيم، ومحمد خليل الخطيب، وغيرهم من السادة الأئمة الأعلام، الذين ملؤوا الدنيا بأنوار أهل الله، المستمدة من أنوار الكتاب والسنة.

ولم يكتف الأزهر بتدريس التصوف في كتب التصوف، بل درَّسه في كتب العقيدة، وأوجب اتباعه، حتى قال الشيخ اللَّقَانِيُّ في نظم (جوهرة التوحيد) وهو من الكتب المعتمدة للدراسة في الأزهر الشريف:

ومالكٌ وسائرُ الأئمةْ

كذا أبو القاسمْ هُداةُ الأمةْ!

فواجبٌ تقليدُ حَبْرٍ منهمو

كذا حكى القومُ بلفظٍ يُفْهَمُ!

ومعنى البيتين: أنه يجب اتباع أحد أئمة الشريعة، كمالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد، وغيرهم، ممن دُوِّنت مذاهبهم وحُرِّرَت وضُبطت، وكذا يجب اتباع طريقة أبي القاسم الجُنيد في التصوف، لأنها موافقة للسنة، وعليها وقع الإجماع، حتى من ابن تيمية، الذي أثنى على طريقة الإمام الجنيد، ورفع من شأنه جدا، كما أثنى على طريقة سيدي عبد القادر الجِيلاني، وكان شديد التعظيم له.

وقال شيخنا الخطيب في عقيدته المسماة ب (الجُنَّة في عقيدة أهل الجَنَّة):

والأشعريَّ في العقائدِ اتْبَعِ

وللجُنيدِ في التصوفِ اسْمَعِ!

واختتم حديثة هكذا وضع الأزهر لأبنائه منهجا منضبطا رشيدا يسيرون عليه، معتمدا على الجمع بين الشريعة والحقيقة والطريقة على وجه التناغم والانسجام، ليشبع الكيان الإنساني كله، فهو روح الإسلام وجوهره، الذي جاء لإصلاح الإنسان، جسدا وعقلا وروحا، ودينا ودنيا وآخرة، وبهذا تفرد الأزهر، وسبق غيره من المدارس، ونرجو أن يبقى كذلك، وأن يهيء الله له من يصون الأمانة، حتى يؤديها كما هي للأجيال القادمة، من غير تغيير ولا تبديل ولا إخلال، وما ذلك على الله بعزيز.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الأزهر استاذ بجامعة الأزهر الإنسانية الوسطية الفكرية السماحة الإعتدال الأزهر الشریف على المنهج

إقرأ أيضاً:

الجامع الأزهر يواصل عقد حلقة جديدة من ملتقى الطفل

يواصل الجامع الأزهر الشريف السبت المقبل، عقد حلقة جديدة من ملتقى الطفل، والذي يأتي تحت عنوان: " الطفل الخلوق - النظيف - الفصيح"، وذلك تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وبمتابعة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، وإشراف الدكتور عبدالمنعم فؤاد، المشرف العام على الأنشطة العلمية للرواق الأزهري بالجامع الأزهر، والدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر الشريف.

الجامع الأزهر يواصل إجراء المقابلات الشخصية لحملة الماجستير والدكتوراه للمشاركة في برامج الأروقة الجامع الأزهر يجري مقابلات شخصية لحملة الماجستير والدكتوراه للمشاركة في برامج الأروقة

يأتي ملتقى الطفل الذي يعقد السبت من كل أسبوع بالجامع الأزهر، في إطار مواصلة الجامع الأزهر والرواق الأزهري، جهودهما في توعية النشء بالآداب الإسلامية والأخلاقيات السليمة النابعة من صحيح الدين.

ويحاضر في الملتقى الدكتور أحمد عبد اللّه، الباحث بوحدة العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر، مبيناً "الأعمال المستحبة في العشر الأول من ذي الحجة"، بينما يستعرض الدكتور ياسر عجوة، الباحث بوحدة العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر الشريف شرح "الحرف المشدد".

وأكدَّ الدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر، أن ملتقى " الطفل الخلوق والنظيف والفصيح"، يعقد يوم السبت من كل أسبوع بالجامع الأزهر، مشيراً إلى أن الهدف منه تعليم وتربية وتوعية الأجيال القادمة بالأخلاق والآداب الإسلامية، وشرحها بطريقة سهلة وميسرة بمنهج الأزهر الوسطي المعتدل، لافتاً إلى أنه من المقرر أن يتم تنفيذه في بعض المحافظات، وذلك ليعم النفع بجميع أنحاء الوطن

الجامع الأزهر يواصل إجراء المقابلات الشخصية لحملة الماجستير والدكتوراه للمشاركة في برامج الأروقة

ويواصل الجامع الأزهر لليوم الثاني على التوالي إجراء المقابلات الشخصية - التخصصية والفكرية - لحملة الماجستير والدكتوراه من العاملين بالأزهر، للاستعانة بهم في برامج الرواق الأزهري، وذلك وفقا لتوجيهات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وتتفيذا لتعليمات الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر ، وبإشراف الدكتور عبد المنعم فؤاد المشرف العام على الرواق الأزهري ، والدكتور هاني عودة مدير عام الجامع الأزهر.

وأعلنت الإدارة العامة للجامع الأزهر، في ديسمبر الماضي عن فتح باب التقدم للمشاركة في برامج الرواق الأزهرى وأنشطته في جميع محافظات الجمهورية، وذلك من العاملين بالأزهر الشريف من حملة الماجستير والدكتوراة.

وقال الدكتور عبد المنعم فؤاد، إنه وفقا لتوجيهات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وفي إطار التوسع في أنشطة وبرامج الرواق الأزهري، يجري الجامع الأزهر الاختبارات الدورية والمقابلات المستمرة لاختيار أفضل المشاركين في مختلف التخصصات وذلك للنهوض بتجربة الرواق الأزهري، ومن المتوقع أن يتم تقييم المتقدمين في المقابلات الشخصية بناءً على مهاراتهم وخبراتهم الأكاديمية، وقدرتهم على التواصل وتبسيط المفاهيم العلمية، وقدرتهم على البحث والتحليل في مجالاتهم.

المقابلات الشخصية تأتي في إطار استراتيجية الجامع الأزهر لجذب وتعيين الكوادر الأكاديمية المتميزة

من جهته، أكد الدكتور هاني عودة مدير عام الجامع الأزهر، أن هذه المقابلات الشخصية تأتي في إطار استراتيجية الجامع الأزهر لجذب وتعيين الكوادر الأكاديمية المتميزة وتمكينها من المساهمة في تطوير التعليم والبحث العلمي بالرواق الأزهري.

وأضاف قائلاً: "نحن نسعى للاستفادة من خبرات حملة الماجستير والدكتوراه المتميزين لتعزيز جودة التدريس وتحسين المستوى التعليمي  بالرواق الأزهري. وتعد هذه الخطوة الجديدة خطوة هامة في سعي الجامع الأزهر لتعزيز مكانته وتحقيق التفوق الأكاديمي في مجال التعليم الإسلامي".

وتابع: إن المقابلات ستمتد لمدة أسبوع يتم اجراؤها في مختلف التخصصات؛ اللغة العربية، والفقه، والحديث، والدعوة، والعقيدة والتفسير وعلوم القرآن الكريم، ويستضيف الجامع الأزهر خلالها نخبة متميزة من أساتذة جامعة الأزهر في مختلف التخصصات.

يذكر أن الإدارة العامة للجامع الأزهر اشترطت أن يكون المتقدم من حملة الماجستير أو الدكتوراه المتخصصين في العلوم الشرعية أو العربية أو المجال التربوي وثيق الصلة بالعلوم الشرعية والعربية، وعلى أن يكون العمل بنظام الساعة - أجر مقابل العمل - بعد مواعيد العمل الرسمية.

مقالات مشابهة

  •  رئيس جامعة الأزهر يشارك في مؤتمر التحالف والشراكات بعين شمس
  • الجامع الأزهر يواصل عقد حلقة جديدة من ملتقى الطفل
  • مدرس يبتكر طريقة جدية لتبسيط المنهج.. «مسرح وتمثيل وشخصيات»
  • وكيل الطرق الصوفية ببني سويف: البيت المحمدي يقدم التصوف بأسلوب عصري
  • إنفوجراف.. توصيات مؤتمر الذكاء الاصطناعي والملكية الفكرية بجامعة حلوان
  • أبرز ما قدمه الأزهر لفلسطين منذ 7 من أكتوبر.. اعرف التفاصيل
  • مجلس جامعة الأزهر يدين المجازر ضد الفلسطينيين في قطاع غزة
  • عميد كلية القرآن الكريم بطنطا: سيظل الأزهر حارسا أميناَ على تراث الأمة
  • ختام فعاليات مؤتمر الذكاء الاصطناعي والملكية الفكرية بجامعة حلوان
  • الأزهر والكنيسة يدشنان كتاب الدليل الديني للتوعية الأسرية