الخزانة الأميركية تهدد طاقة التصنيع الفائضة بالصين: لا شيء مستبعد
تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT
الاقتصاد نيوز - متابعة
قالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين إن الولايات المتحدة لن تستبعد "أي شيء من على الطاولة" رداً على القدرة التصنيعية للصين، بما في ذلك احتمال فرض تعريفات جمركية إضافية لوقف ما وصفته بطوفان من السلع الرخيصة إلى السوق الأميركية.
وأضافت جانيت يلين في برنامج فريد زكريا على شبكة "CNN": "نحن قلقون بشأن احتمال زيادة الصادرات الصينية إلى أسواقنا في المناطق التي لديهم فيها قدر كبير من الطاقة الفائضة".
زارت يلين الصين الأسبوع الماضي، حيث انتقدت البلاد على "الممارسات الاقتصادية غير العادلة"، بما في ذلك سوء المعاملة المزعوم للشركات الأميركية وغيرها من الشركات الأجنبية العاملة في الصين وتشويه الأسواق العالمية من خلال دعم الإنتاج الزائد في قطاعات معينة، بحسب ما ذكرته "بلومبرغ".
وردا على سؤال عما إذا كان من الممكن فرض رسوم جمركية أميركية إضافية، قالت يلين لشبكة "CNN": "لن أستبعد أي شيء من على الطاولة كرد محتمل. لكننا نريد فعلياً إدارة هذه العلاقة بشكل مسؤول".
ويضخ القادة الصينيون الأموال في التصنيع، مع التركيز على الصناعات الجديدة مثل السيارات الكهربائية والبطاريات والطاقة المتجددة، حيث تبحث الصين عن مصادر جديدة للنمو لاقتصادها المتباطئ.
شددت إدارة الرئيس جو بايدن الإجراءات الأميركية لحرمان الصين من التكنولوجيا المتقدمة وأشارت إلى أنها تستكشف زيادة الرسوم الجمركية على المركبات الكهربائية الصينية. أطلق الاتحاد الأوروبي تحقيقا في دعم السيارات الكهربائية المصنعة في الصين.
تأثير التضخمودافعت يلين عن جهود الإدارة لتعزيز التصنيع المحلي لتجنب الاعتماد على السلع الصينية الرخيصة، قائلة إن الجهود لن يكون لها سوى "تأثير متواضع للغاية على التضخم".
وقالت إن ارتفاع الواردات الصينية منذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية هو السبب جزئياً في الصناعة التي "تم تفريغها" في أجزاء من الولايات المتحدة. وأضافت: "نريد الانخراط في تجارة تعود بالنفع على الطرفين".
وحذرت يلين الصين خلال جولتها من دعم روسيا في حربها على أوكرانيا. وقالت إن الشركات التي تقدم الدعم المادي للحرب الروسية، بما في ذلك البنوك التي تسهل المعاملات التي تنقل البضائع العسكرية إلى موسكو، ستكون معرضة لخطر العقوبات الأميركية.
وذكرت بلومبرغ أن المسؤولين الأميركيين حذروا من أن الصين تزود روسيا بكميات كبيرة من الأجزاء لبناء طائرات بدون طيار وصواريخ لتعزيز مواردها في الصراع. كما حذرت الولايات المتحدة حلفائها من أن الصين قدمت معلومات استخباراتية جغرافية مكانية لتعزيز جهود الكرملين، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.
المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز
كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار
إقرأ أيضاً:
على العالم التخلي عن وهم التصنيع
حول العالم الساسةُ مهووسون بالمصانع؛ فالرئيس دونالد ترامب يريد إعادة كل شيء إلى الولايات المتحدة من صناعة الصلب إلى إنتاج الأدوية. وهو ينصب الحواجز الجمركية لكي يفعل ذلك. وبريطانيا تفكر في دعم فواتير الطاقة لمُصنِّعيها. وناريندرا مودي رئيس وزراء الهند يعرض حوافز لشركات صناعة السيارات الكهربائية مضيفا بذلك المزيد لبرنامج خاص بدعم الصناعات ظل قائما منذ فترة طويلة. والحكومات من ألمانيا إلى إندونيسيا فكرت في تقديم حوافز لشركات تصنيع الرقائق الإلكترونية والبطاريات. لكن الاندفاع العالمي نحو التصنيع لن ينجح. في الحقيقة من المرجح أن يضر بأكثر مما ينفع.
الحماس الذي يبدو اليوم للتصنيع المحلي لديه عدة أهداف. ففي الغرب يريد الساسة إحياء وظائف في المصانع بأجور مجزية، واستعادة المجد المفقود لمراكز صناعاته. وتريد البلدان الأكثر فقرا تعزيز التنمية، وأيضا الوظائف.
في الأثناء تكشف الحرب في أوكرانيا أهمية سلاسل التوريد المرنة خصوصا بالنسبة للأسلحة والذخائر. ويأمل الساسة في أن تتحول القدرة الصناعية بطريقة ما إلى قوة وطنية شاملة. وتُخيِّم فوق كل هذا هيمنة الصين الصناعية الهائلة التي تثير الخوف والغيرة بنفس القدر.
الوظائف، والنمو، والمرونة كلها أهداف مفيدة. لكن لسوء الحظ فكرة تعزيز التصنيع كوسيلة لتحقيق هذه الأهداف مضللة. السبب في ذلك أنها ترتكز على سلسلة من التصورات الخاطئة حول طبيعة الاقتصاد الحديث.
أحدها يتعلق بالوظائف في المصانع؛ فما يأمل فيه الساسة بتعزيز الصناعة التحويلية هو إيجاد وظائف محترمة للعاملين غير الحاصلين على شهادات جامعية، وفي البلدان النامية لأولئك الذين هاجروا من الريف. لكن العمل في المصانع أصبح «مُؤَتْمَتَا» بدرجة عالية؛ فهو عالميا يقدم 20 مليون وظيفة أو أقل بنسبة 6% عن وظائفه عام 2013 في حين زادت الإنتاجية من حيث القيمة بنسبة 5%. ومن المستحيل أن تحصل كل البلدان على نصيب أكبر من «الكعكة» المتقلصة.
العديد من الوظائف الجيدة التي توجدها خطوط الإنتاج الحالية خاصة بالفنيين والمهندسين وليس العمال البسطاء. وأقل من ثلث الوظائف الصناعية الأمريكية اليوم تتعلق بمهام إنتاجية يؤديها عمال غير حاصلين على شهادات. ووفقا لأحد التقديرات؛ إعادة العمليات التصنيعية إلى داخل الحدود للقضاء على العجز التجاري سيوجد وظائف إنتاجية جديدة تكفي لإضافة 1% فقط إلى القوة العاملة. فالتصنيع لم يعد يدفع أجورا لغير حملة الشهادات تزيد على ما يحصل عليه شاغلو وظائف مماثلة في صناعات مثل الإنشاءات. ولأن نمو الإنتاجية أقل في الصناعة التحويلية من قطاع الخدمات؛ من المرجح أن يكون نمو الأجور مخيبا للآمال أيضا.
هنالك تصور خاطئ آخر، وهو أن التصنيع ضروري للنمو الاقتصادي. الإنتاج الصناعي للهند كحصة من الناتج المحلي الإجمالي ظل أقل بحوالي 10% من الهدف الذي حدده رئيس الوزراء مودي وهو 25%. لكن ذلك لم يمنع اقتصاد الهند من النمو بمعدل مثير للإعجاب. وفي السنوات الماضية صارعت الصين لبلوغ أهداف نموها حتى مع هيمنة شركاتها الصناعية على قطاعات بأكملها مثل: الطاقة المتجددة، والسيارات الكهربائية.
وماذا بشأن الحجة القائلة: إن العالم الغني -نظرا إلى الحرب في أوكرانيا والتوترات مع الصين- يجب عليه «إعادة التصنيع» من أجل الأمن القومي؟ يبدو من الخطورة الاعتماد على مصانع في الخارج. كما تسببت جائحة كوفيد في ذعر يتعلق بسلامة سلاسل التوريد. وبعض حالات الاعتماد على الخارج تشكل نقاط اختناق حقا. فشبه احتكار الصين لتنقية المعادن النادرة مكّنها مؤخرا من كبح صناعة السيارات العالمية، ومنحها رافعة نفوذ في مواجهة أمريكا. كما من الحصافة أيضا بالنسبة للغرب تكوين مخزونات من الأسلحة والذخائر وتأمين البنية الأساسية الحيوية عبر الحلفاء، وتصنيع الأشياء التي تستغرق وقتا طويلا كالسفن قبل اندلاع الصراع.
لكن في عالم اليوم «فائق التخصص» لن تفعل الدعومات المالية الشاملة لإعادة التصنيع الكثير لتعزيز الجاهزية للحرب. فتصنيع صاروخ توماهوك مختلف تماما عن تصنيع سيارة تسلا. والحرب في أوكرانيا لا توحي أبدا بأن البلدان عليها في وقت السلم تطوير القدرة على إنتاج أعداد كبيرة من الطائرات المسيرة، بل تُظهِر أن الاقتصاد في وقت الحرب يمكنه الابتكار، ومضاعفة الإنتاج بسرعة لافتة.
الجزء الأخير من وهم التصنيع يتمثل في الفكرة القائلة: إن الجبروت الصناعي للصين نتاجٌ لاقتصادها الذي تقوده الدولة، وبالتالي يجب مواجهته بسياسة صناعية مماثلة وواسعة النطاق في كل مجال. الصين حقا تشوِّه أسواقَها بكل أنواع التدخل الحكومي. وفي وقت مبكر من هذا القرن صنّعَت منتجات بكميات غير عادية قياسا إلى مستواها التنموي، لكن تلك أيام مضت وانقضت.
لم تنجُ الصين من الانكماش العالمي في وظائف المصانع منذ عام 2013. وتتطابق حصة قوتها العاملة في المصانع مع حصة أمريكا عند مستوى مماثل من الازدهار وأقل عما كانت عليه في معظم البلدان الغنية الأخرى.
في الواقع نصيب الصين الذي يبلغ 29% من القيمة المضافة للصناعة التحويلية العالمية يعود إلى حجمها لا استراتيجيتها. فبعد سنوات من النمو السريع لديها الآن سوق محلية ضخمة لدعم شركاتها الصناعية.
الابتكار ينجب الابتكار؛ فاقتصاد الارتفاعات المنخفضة الذي يوظف الطائرات المسيرة والتاكسي الطائر يَعِدُ بالانطلاق عما قريب. مع ذلك وعلى الرغم من نمو صادرات الصين السلعية بنسبة 70% قياسا إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي منذ عام 2006؛ إلا أنها هبطت بحوالي النصف كحصة من الاقتصاد الصيني.
السبيل إلى منافسة الثقل الصناعي للصين ليس من خلال فك الارتباط المؤلم باقتصادها، بل بضمان تشكيل كتلة كبيرة بما يكفي لمنافستها في الحجم. وهذا يمكن أن يتحقق على أفضل وجه إذا كان في مقدور الحلفاء الغربيين العمل معا، وتبادل التجارة في اقتصاد مفتوح تقِلُّ فيه القيود والضوابط التنظيمية. فالمصانع في أمريكا وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية تضيف في مجموعها قيمة أكثر من المصانع في الصين. وسلاسل التوريد المتنوعة -كما بيَّنت الجائحة- أكثر مرونة وبقدر كبير من سلاسل التوريد الوطنية.
لكن للأسف الحكومات اليوم تمضي بالضبط في الاتجاه المعاكس. وَهمُ التصنيع يدفع البلدان إلى حماية الصناعة المحلية، والتنافس من أجل وظائف لم تعد موجودة، وهذا ليس من شأنه سوى خفض الأجور، وإضعاف الإنتاجية. كما يقضي على حافز الابتكار، وفي ذات الوقت يترك الصين بدون منافس لجبروتها الصناعي. الهوس بالتصنيع ليس خاطئا فقط، ولكنه يأتي بنتائج عكسية.