كييف– "هي حرب بالنسبة للبعض، وأم عزيزة بالنسبة لآخرين" مقولة يرددها الأوكرانيون كثيرا منذ بداية الأعمال العسكرية في بلادهم سنة 2014، وتعززت في خضم الحرب الروسية الراهنة المستمرة منذ 24 فبراير2022. المقصود بها أن الحرب تحمل تداعيات ثقيلة مؤلمة، لكنها بالمقابل قد تشكل فرصا كبيرة للبعض لتحقيق مكاسب كبيرة.

 

ولعل هذه المقولة تنطبق فعلا على اقتصاد أوكرانيا، الذي تراجع ناتجه المحلي بنسبة 29.1% عام 2022. ورغم استمرار الحرب، عاد ليحقق نموا نسبته 5% عام 2023، مع توقعات بتحقيق نمو يبلغ 4.6% هذا العام بحسب وزارة الاقتصاد.

288 ألف طفل منتفع من مبادرة فحص الغدة الدرقية بالدقهلية محمد عبدالعليم داود: يطالب بإجراء حوار مجتمعي على قانون التأمين الموحد

الأمن والاستثمار المغري

سر النمو لا يكمن فقط في عودة "الأمن النسبي" إلى كييف وعدة مقاطعات أوكرانية أخرى، الذي أعاد حركة الأعمال ونشاط الشركات إليها، بل أيضا في إقبال محلي وخارجي على الاستثمار في قطاعات معينة باتت "مغرية" رغم الحرب.

 

ووفقا للمدير التنفيذي في مركز البحوث الاجتماعية والاقتصادية في كييف، دميترو بويارتشوك، فإن أوكرانيا اليوم تهم المستثمرين الذين يركزون على ما يسمى "الأصول المتعثرة".

 

وأوضح في حديث مع الجزيرة نت "نحن نتحدث عن المستثمرين المستعدين لشراء أصول باتت رخيصة جدا بسبب الحرب، حتى وإن كانت محفوفة الآن بالمخاطر، وحتى لو كانت معظم هذه الاستثمارات تحترق حاليا، على أمل تحقيق أرباح قياسية بعد الحرب في المستقبل".

 

وتابع "هؤلاء المستثمرون يمهدون لأنفسهم طريقا على المدى الطويل، مبنيا على توقعات أن المجمع الصناعي العسكري والقطاع الزراعي، على سبيل المثال، قد يكونان أكثر قدرة على منافسة نظرائهم في الاتحاد الأوروبي".

 

مجالات وقطاعات جذابة

قطاع التقنيات العسكرية يتصدر فعلا القائمة "الجذابة" إن صح التعبير. وبحسب دائرة الاستثمار، فإن أوكرانيا تتلقى شهريا طلبات من شركات دفاع أجنبية رائدة، تجمع ما بين 0.5 و2 مليون دولار، وتتوقع أن تبرم اتفاقيات بقيمة 10 ملايين دولار خلال 2024 و2025.

 

وأوضح مدير دائرة الاستثمار أرتيم شيربينا للجزيرة نت "بشكل عام، من المجالات الأكثر جاذبية للاستثمارات حاليا الصناعات المعدنية والكيميائية، والسلع الغذائية والاستهلاكية والتجارة، وكذلك الخدمات اللوجستية. وبعد الحرب، نتوقع نموا قياسيا في قطاع تكنولوجيا المعلومات، والبناء، والتكنولوجيا الزراعية".

 

وأضاف "على سبيل المثال، زاد إقبال الشركات على الاستثمار في الزراعة والصناعات الغذائية والهندسة الميكانيكية والنجارة. الظروف الراهنة تصنع فرص إنتاج بمصروف أقل ومردود أعلى، قادر على المنافسة عند التصدير".

 

أوروبا أكبر المستثمرين

شركة "كيه بي إم جي" الدولية للمحاسبة، ذكرت في تقرير أنه تم إبرام 5 اتفاقيات استثمارية كبيرة مع أوكرانيا عام 2022، و6 عام 2023، مشيرة إلى أن في ذلك زيادة ملحوظة بالمقارنة مع اتفاقية واحدة مسجلة عامي 2020 و2021.

 

أبرز المستمرين، بحسب الشركة، هم المصرف الأوروبي للإنشاء والتعمير، والوكالة الدولية لضمان الاستثمار، إضافة إلى خطوة تأسيس "صندوق التنمية الأوكراني" بدعم شركات الاستثمار الأميركية "بلاك روك" و"جي بي مورغان".

 

ومن بين الأمثلة على الاستثمارات التجارية الكبيرة، بحسب "كيه بي إم جي" أيضا، برزت شركات "نستله" و"باير" و"كارلسبرغ" الأوروبية، التي وسعت الحضور والإنتاج بأوكرانيا، كما تدرس شركات "بي إيه إي سيستمز" البريطانية، و"بايكار" التركية، و"راينميتال" الألمانية، الاستثمار في صناعة الدفاع الأوكرانية.

 

 

عمال البلدية الأوكرانية يقيمون حجم الأضرار التي أعقبت هجوما صاروخيا روسيا في كييف الشهر الماضي (الفرنسية)

ميزات للمستثمرين

ويبدو أن السلطات الأوكرانية تؤمن بأن الحرب بالنسبة للبعض هي "أم عزيزة" وفق المقولة الشائعة، وأن كثيرا من الشركات تترصد فعلا الفرص الاستثمارية خلالها في البلاد.

 

والحكومة في كييف بادرت بتحديد "ميزات" مغرية للمستثمرين في البلاد، تضم آلاف المشاريع في 10 مجالات، يصل حجمها إلى نحو 460 مليار دولار.

 

وقائمة الميزات تضم صناعة الدفاع أولا، والمعادن والتعدين، والصناعات الزراعية، والطاقة، والأدوية، والموارد الطبيعية، والخدمات اللوجستية والبنية التحتية، والأثاث والصناعات والنجارة، والابتكارات والتقنيات، وكذلك الإنتاج الصناعي.

 

عوامل نجاح متوقعة

ورغم مساحة المشاريع والأرقام الواعدة، يقر الأوكرانيون بأن إقبال المستثمرين الواسع يبقى صعبا ما دامت الحرب، وهذا ما يعكسه الفارق بين طلبات بالملايين ومعروضات بالمليارات. لكنهم يتحدثون عن "عوامل نجاح متوقعة" في الأفق.

 

تيموفي ميلوفانوف، رئيس كلية كييف للاقتصاد، وهو وزير التنمية الاقتصادية السابق (2019-2020) مقتنع بأن أوكرانيا ستكون جذابة للاستثمار، بسبب الحاجة إلى استعادة البنية التحتية المتضررة، الأمر الذي يوجد آفاقا، ليس فقط لقطاع البناء، ولكن أيضا لجميع موردي مواد البناء وخدمات المهندسين المعماريين.

المصدر: بوابة الوفد

إقرأ أيضاً:

روسيا تشن أكبر هجوم بالمسيرات على أوكرانيا منذ بدء الحرب

كييف، موسكو "وكالات": شنّت روسيا الليلة قبل الماضية هجوما بالمسيّرات هو الأكبر منذ بدء الحرب استهدف الكثير من المناطق الأوكرانية، من بينها منطقة العاصمة كييف، حيث قُتلت امرأة، وفقا للسلطات، بعد يومين على أول محادثات مباشرة بين الروس والأوكرانيين منذ ربيع العام 2022.

وأتت هذه الهجمات عشية اتصال هاتفي أعلن عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، لمحاولة إنهاء النزاع الذي أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين.

والجمعة، عقدت كييف وموسكو في اسطنبول محادثات أظهرت حجم الهوة التي ينبغي ردمها لإنهاء الصراع الذي اندلع مع الصراع في فبراير 2022.

واليوم، شدّد بوتين على أنّه يريد "القضاء" على "أسباب" النزاع و"ضمان أمن" روسيا. ولا يزال جيشه، الذي قال إنّه يملك "ما يكفي من القوات والموارد" لتحقيق هذا الهدف، يحتل حوالى 20 في المائة من الأراضي الأوكرانية التي استحوذ عليها منذ العام 2022.

وليل السبت الأحد، نفّذت روسيا هجمات بـ"273 طائرة بدون طيار متفجّرة من طراز شاهد، وأخرى تضليلة"، حسبما أفاد سلاح الجو الأوكراني في الصباح.

وأشار سلاح الجو إلى أنّه تمّ "تدمير" 88 من هذه المسيّرات بواسطة الدفاعات الجوية، بينما فُقد أثر 128 أخرى.

"قياسي"

ويعتبر عدد المسيّرات التي تمّ إطلاقها "قياسيا"، وفقا لنائبة رئيس الحكومة يوليا سفيريدينكو التي أكدت أنّ "هدف روسيا واضح وهو الاستمرار في قتل المدنيين".

من جانبه، أفاد مسؤول الإدارة العسكرية المحلية ميكولا كلاشينك عبر تطبيق تلجرام، بأنّ "امرأة قُتلت متأثرة بجروحها في أعقاب الهجوم في منطقة أوبوخيف"، وهي بلدة واقعة جنوب كييف.

وأشار إلى إصابة ثلاثة أشخاص بجروح، من بينهم طفل يبلغ من العمر أربع سنوات. وأوضحت أجهزة الطوارئ الأوكرانية في بيان، أن الهجوم طال خصوصا "مبنى سكنيا".

وقالت السلطات البلدية، إنّ شخصين "أُصيبا بجروح" في غارة بطائرة بدون طيار في خيرسون (جنوب).

"بوتين يريد الحرب"

وأثارت سلسلة الهجمات الليلية التي نفذتها روسيا موجة استنكار من جانب المسؤولين الأوكرانيين.

ورأى كبير موظفي الرئاسة أندري يرماك أنّ "بالنسبة إلى روسيا، فإنّ مفاوضات اسطنبول ليست إلا غطاء، بوتين يريد الحرب".

وقال رسلان ستيفانشوك رئيس البرلمان الأوكراني "هذا هو شكل الرغبة الحقيقية في السلام لدى بوتين".

من جانبه، أكد الجيش الروسي اعتراض 25 مسيّرة أوكرانية خلال الليل وفي الصباح.

والجمعة في اسطنبول، فشلت محادثات السلام الأولى بين الأوكرانيين والروس منذ العام 2022 في التوصل إلى هدنة، على الرغم من مطالبة كييف وحلفائها الغربيين بذلك.

وفي ظل عدم تحقيق أي تقدّم كبير، باستثناء الاتفاق على تبادل أسرى، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السبت أنّه سيتحدث هاتفيا مع فلاديمير بوتين لمناقشة إنهاء الحرب، قبل التحدث مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعدد من قادة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي.

وفي منشور على منصته "تروث سوشيل"، قال ترامب الذي يمارس منذ عودته إلى البيت الأبيض ضغوطا على موسكو وكييف لوقف القتال، إن الهدف من الاتصال هو "إنهاء حمام الدماء".

من جانبه، أكد الكرملين لوكالة "تاس" مساء السبت، أنّه "يتمّ التحضير" لهذه المكالمة الهاتفية.

أعلن الفاتيكان أن البابا لاوون الرابع عشر الذي تحدث اليوم عن "أوكرانيا المعذبة"، سيستقبل في وقت لاحق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

وقال البايا في ختام قداس بداية حبريته في ساحة القديس بطرس بحضور حشد من قادة الدول بينهم زيلينسكي "أوكرانيا تنتظر مفاوضات من أجل إحلال سلام عادل ودائم".

وبناء على ما أظهرته محادثات اسطنبول، فإنّ مواقف الطرفين تبقى متباعدة. ويتمسك الكرملين بمطالب صعبة منها أن تتخلى أوكرانيا عن فكرة الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وأن تتنازل عن أربع مناطق تسيطر عليها روسيا جزئيا بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو عام 2014، وأن تتوقف شحنات الأسلحة الغربية.

وترفض أوكرانيا هذه المطالب بشدة وتطالب بانسحاب الجيش الروسي الذي يحتل نحو 20% من أراضيها. وتطالب كييف بـ"ضمانات أمنية" قوية، لمنع أي غزو روسي آخر في المستقبل.

مقالات مشابهة

  • ترامب يعلن عن القبة الذهبية.. وهذه أبرز التحديات التي تواجهها
  • إيكونوميست: تودد ترامب إلى بوتين لن يوقف حرب أوكرانيا
  • هيئة الاستثمار: إقبال كبير من الشركات الكبرى للدخول إلى العراق
  • الحرب في أوكرانيا.. بريطانيا تعلن عقوبات جديدة على روسيا
  • عاجل | ترامب: الحرب في أوكرانيا ليست حربي وأنا فقط أحاول المساعدة
  • «الحل السلمي وتعاون اقتصادي».. أبرز ما جاء في الاتصال الهاتفي بين الرئيسين ترامب وبوتين بشأن الحرب في أوكرانيا
  • كبار المستثمرين يستكشفون الفرص الواعدة في مشروعات المدن المستقبلية
  • العربية: ترامب يتحدث إلى بوتين اليوم حول أوكرانيا
  • مقربون من الكرملين: بوتين يناور ولا يريد هدنة مع أوكرانيا
  • روسيا تشن أكبر هجوم بالمسيرات على أوكرانيا منذ بدء الحرب