الجزيرة:
2025-06-02@18:42:46 GMT

حزب الشعب الجمهوري التركي.. مئوية بمذاق الأزمة

تاريخ النشر: 31st, July 2023 GMT

حزب الشعب الجمهوري التركي.. مئوية بمذاق الأزمة

حزب الشعب الجمهوري أحد أقدم الأحزاب السياسية في تركيا والعالم، ولكنه مع استعدادات الاحتفال ببلوغه 100 عام من العمر في التاسع من سبتمبر/أيلول 2023 يواجه أكبر أزمة في تاريخه.

استمر هذا الحزب في حكم تركيا كحزب أوحد 27 عاما بعد تأسيس الجمهورية، ولكنه لم يتمكن من الوصول إلى السلطة بعد ذلك أبدا منذ عام 1950 عندما خسر لصالح الحزب الديمقراطي، فأصبح منذ ذلك الحين حزب المعارضة الرئيسي، واستمرت الحال كما هي طيلة 73 عاما من عمره؛ يتغير قادة الحزب ولا تتغير النتيجة.

ولكن التراجع الذي يعيشه الحزب سجل رقما قياسيا مع قائده الحالي كمال كليجدار أوغلو الذي خسر السباق الانتخابي العاشر في 13 عاما أمام الرئيس رجب طيب أردوغان؛ فمع غياب المؤشرات عن نواياه للتخلي عن السلطة، يشهد الحزب فوضى كاملة وخلافا حول سياساته -التي كان يفترض أن تلتزم بمبادئ مؤسسه كمال أتاتورك- وهيكله التنظيمي، ووسائل إعلامه.

بعد الخسارة الأخيرة في الانتخابات الرئاسية في 28 مايو/أيار 2023، توالت المطالبات لكليجدار أوغلو بالاستقالة، وتضعنا هذه الحملة المطالبة باستقالته أمام مفارقتين غريبتين: الأولى أن الرجل كان مرشحا لما يسمى الطاولة السداسية التي تضم 6 أحزاب معارضة، ويفترض أن الفشل كان من نصيبها جميعا، ومع ذلك فإن المطالبات بالاستقالة موجهة إليه وحده، ولا يتحدث أحد عن قيادات الأحزاب الأخرى.

أما المفارقة الثانية فهي أن أولئك الذين كانوا جزءا من فريق عمل كليجدار أوغلو من داخل حزبه كانوا على رأس المطالبين له بالاستقالة، من دون أن يتحمل هؤلاء مسؤولية هذا الفشل.

"التغيير" على طريقة إمام أوغلو

أبرز هؤلاء المطالبين باستقالة كليجدار أوغلو هو رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو الذي كان سيشغل مقعد نائب الرئيس لو فاز كليجدار أوغلو في الانتخابات؛ ففي صبيحة يوم خسارة الانتخابات بادر بنشر فيديو يتحدث إلى أعضاء الحزب عن ضرورة "التغيير"، مدشنا بذلك انقلابا ضد من كان يعدّه بالأمس بمثابة أبيه.

الأسابيع التالية شهدت المزيد من الدراما؛ فإمام أوغلو في سعيه للاستيلاء على كرسي قيادة الحزب لم يتردد في التعاون مع أقرب رفاق كليجدار أوغلو من قادة الحزب وأعضاء البرلمان، وهم أولئك الذين كانوا شركاء في الإخفاقات على مدار 13 عاما.

وهكذا، بدلا من أن يسعى لتقديم برنامج للتغيير يجمع حوله جماهير أعضاء الحزب، اختار الطريق الأسهل للوصول إلى السلطة عبر البحث عن "خونة" من قلب النظام الذي يتصدر المشهد الحزبي، ويجري معهم اجتماعات سرية؛ أحدها الاجتماع الشهير على "زووم" الذي تم تسريبه.

مفهوم "التغيير" عند إمام أوغلو بهذه الصورة لا يتضمن مراجعة سياسات الحزب، وقضاياه المبدئية، والأخطاء التي وقع فيها، ولا الكوادر التي كانت سببا في الفشل، بل يقتصر على الإطاحة بكليجدار أوغلو ليحل محله، ولذلك فإن هذا الشعار الذي رفعه لم يؤخذ بالجدية الكافية من الناخبين أو من قيادات الحزب، وظلت الاستجابة له ضعيفة للغاية، ولهذا السبب لم يجرؤ إمام أوغلو حتى اللحظة أن يعلن بصوت عال أنه منافس لكليجدار أوغلو على رئاسة الحزب.

أمام الحزب اختباران مهمان: أولهما المؤتمر العام الذي سيتم فيه انتخاب رئيسه وفريق إدارته، والثاني الانتخابات المحلية في مارس/آذار 2024، والنجاح في الأول لا يضمن النجاح في الثاني

الدراسة التي استطلعت رأي قواعد الحزب، وشارك نتائجها أكرم إمام أوغلو الأسبوع الماضي، تكشف أيضا عن توقعات مختلفة عن المسار الذي سار فيه عبر محاولات التحالف مع قادة الحزب الحاليين؛ فأكثر من 100 ألف مشارك في هذا الاستطلاع رأوا أن الحزب يجب أن يشهد تغييرا جيليا في إدارته، وأن تصاحب ذلك رؤية جديدة يتم بلورتها وفقا لاحتياجات المجتمع والفهم الشامل للديمقراطية والعلمانية، وأن يتم تعزيز الروابط مع القاعدة الشعبية عبر تحسين الخدمات الموجهة لها وتحسين طرق التواصل، وإقامة بنية تحتضن التغيير والابتكار وتجذب اهتمام الشباب وتمكنهم، كل ذلك مع تبني سياسة مستقرة تلتزم بمبادئ أتاتورك.

اختباران مهمان

أمام الحزب حاليا اختباران مهمان: الأول هو المؤتمر العام الذي سيتم فيه انتخاب رئيسه وفريق إدارته، والثاني هو الانتخابات المحلية التي ستجرى في 31 مارس/آذار 2024. والمعضلة هي أن النجاح في الاختبار الثاني تعتمد جزئيا على النجاح في الاختبار الأول، ومع ذلك فإن النجاح في الأول لا يضمن النجاح في الثاني.

يؤيد كليجدار أوغلو دخول انتخابات المحليات مع شركائه في الطاولة السداسية، ولكن الحزب "الجيد" -الذي يعد أحد أركان هذه الطاولة- قرر خوض تلك الانتخابات وحده، وهو القرار نفسه الذي يتبناه حزب الشعوب الديمقراطي (الذراع السياسية لمنظمة حزب العمال الكردستاني "الإرهابية"، والحليف غير المعلن لكليجدار أوغلو)، وفي هذا فشل جديد لحزب الشعب الجمهوري.

والواقع أن جميع أحزاب المعارضة تتوقع أن تخسر الانتخابات المحلية في المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة، بل إنهم يخططون لتصفية بعضهم البعض في تلك الانتخابات.

النقطة الأخرى الجديرة بالانتباه أن حزبًا عمره يصل إلى 100 عام هو أكثر عمقا من الوقوع في ثنائية: إما كليجدار أوغلو أو إمام أوغلو؛ فهناك من يبحثون عن طريق ثالث، وقد كشف ذلك في حديثه للجزيرة نت السيد محمد سيفجين، البرلماني السابق عن الحزب خلال فترة قيادة دينيز باسكال له قبل أن يطيح به كليجدار أوغلو في مؤامرة نفذها بالتعاون مع تنظيم فتح الله غولن الإرهابية.

يرى سيفجين أن الحزب تحت كليجدار أوغلو دخل في انحراف أيديولوجي وفقد هويته وابتعد عن مبادئ مؤسسه مصطفى كمال أتاتورك، وقام بتصفية كوادره التقليديين لصالح من أهانوا مؤسس الحزب، واعتبر أن الناخبين الذين صوتوا للحزب بنسبة 25% في كل انتخابات أظهروا ولاء للحزب لم يظهره كليجدار أوغلو له وهو يدير ظهره لمبادئه.

وفي هذا الحوار كشف سيفجين عن أن الأعضاء التقليديين للحزب ونوابه القدامى يعارضون فرض الاسمين اللذين لا يختلف أحدهما عن الآخر حسب رأيهم، وأنهم يعملون من أجل طريق ثالث، وسيصدرون قريبا بيانا بهذا الخصوص، ويتوقعون أن تصل أسماء مغايرة تماما إلى قيادة الحزب في مؤتمره المقبل.

وحسب رؤيته، فإن كليجدار أوغلو وإمام أوغلو لا يجلبان للحزب إلا التشرذم والانقسام، فإذا وصل أحدهما لزعامته فستنفصل الأخرى عنه، وقد ظهرت بالفعل أنباء عن مشاريع تأسيس ذلك الكيان البديل، مما يعني أن أصوات الحزب قد تنخفض إلى ما دون عتبة 7%، وهذا ليس جيدا للحزب أو للديمقراطية في تركيا.

يظهر كل ما سبق أن حزب الشعب الجمهوري يواجه أزمة سياسية حقيقية، بين قيادة حالية حطمت الرقم القياسي في الهزائم الانتخابية، وسياسي طامح يسعى للوصول عبر التآمر ولا يجرؤ على إعلان ترشحه، وآخرين يبحثون عن طريق ثالث يعود بالحزب إلى مساره ومبادئه.

الانتخابات المحلية القادمة بعد 8 أشهر ستكون لحظة الحقيقة؛ فحتى لو أعيد انتخاب كمال كليجدار أوغلو في المؤتمر المقبل بسبب سيطرته على مفاصل الحزب، فإن النتائج التي ستسفر عنها الانتخابات ستنقل النقاش داخل الحزب إلى مستويات جديدة، وبذلك فإن الجدل داخل الحزب بعيد كل البعد عن الانتهاء، والأزمة ستستغرق وقتا أطول.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الانتخابات المحلیة حزب الشعب الجمهوری إمام أوغلو النجاح فی ذلک فإن

إقرأ أيضاً:

حملة اعتقالات جديدة واسعة النطاق في تركيا تطال مسؤولين منتمين للمعارضة

شنت السلطات التركية، السبت، حملة اعتقالات جديدة ضد بلديات وأعضاء تابعين للمعارضة في إطار الحملة القانونية المتواصلة بشأن قضية "الفساد" في بلدية إسطنبول الكبرى ورئيسها المسجون أكرم إمام أوغلو.

وأشارت وسائل إعلام تركية، إلى أن السلطات أصدرت مذكرات اعتقال بحق 47 شخصا في أربعة تحقيقات منفصلة في قضايا كسب غير مشروع، وجرى احتجاز 28 منهم.

وطالت الاعتقالات النائب السابق عن حزب "الشعب الجمهوري" المعارض أيقوت أردوغدو، ورؤساء بلديات عدة مناطق في إسطنبول وكبار الموظفين في بلدية إسطنبول والمؤسسات المرتبطة بها ورئيسي بلديتين في إقليم أضنة في الجنوب.

وقامت الشرطة التركية بتفتيش مباني بلديات أفجلار وبيوك شكمجة وغازي عثمان باشا في إسطنبول، بالإضافة إلى بلديتي سيدان وجيهان، وذلك بعدما صدر أمر باعتقال رؤساء بلدياتها في إطار التحقيق.


وذكرت ذكرت قناة "إن تي في" التركية، أن ردا على الموجة الجديدة من الاعتقالات، دعا حزب الشعب الجمهوري إلى اجتماع طارئ في إسطنبول.

يأتي ذلك بعد أيام قليلة من موجة اعتقالات مماثلة شنتها السلطات التركية في إطار تحقيقاتها بشأن قضية إمام أوغلو، ما أسفر حينها عن اعتقال 44 شخصا إضافيا.

وقبل ذلك أيضا، اعتقلت السلطات الأمنية نحو عشرين موظفا في البلدية على ذمة قضية الفساد ذاتها، وقد جرى إيداع 13 من الموقوفين في الحبس الاحتياطي بينما جرى إطلاق سراح الآخرين.

وبذلك يبلغ عدد مجموع الحملات التي نفذتها السلطات التركية في إطار تحقيقات "الفساد" المتعلقة ببلدية إسطنبول خمس حملات، حيث سبق أن اعتقل ما يقرب من 50 شخصا في نيسان /أبريل الماضي و100 آخرون في آذار /مارس الماضي بينهم إمام أوغلو، الذي ينظر إليه في أوساط المعارضة التركية على أنه منافس محتمل للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ما خلفيات القضية؟
شهدت تركيا  في 19 آذار/ مارس الماضي توترات حادة بين الحكومة والمعارضة عقب اعتقال السلطات إمام أوغلو، المنتمي إلى حزب "الشعب الجمهوري" المعارض، على ذمة اتهامات تتعلق بـ"الإرهاب" و"الفساد".


في الـ23 من الشهر ذاته، قرر القضاء التركي سجن أكرم إمام أوغلو على ذمة الاتهامات المتعلقة بـ"الفساد"، فيما رفض طلب الادعاء العام بشأن سجنه على ذمة التحقيق في ملف "الإرهاب". كما أعلنت وزارة الداخلية في اليوم ذاته إبعاد إمام أوغلو عن مهام رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى بعد قرار القضاء التركي بسجنه.

وفي 24 آذار/ مارس، أعلن حزب الشعب الجمهوري عن ترشيح إمام أوغلو رسميا للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في العام 2028، وذلك بعد انتخابات تمهيدية شارك فيها "الملايين"، بحسب تقديرات الحزب المعارض. لكن إلغاء شهادته الجامعية يمنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية.

كما انتُخب في الشهر ذاته عضو مجلس بلدية إسطنبول الكبرى عن حزب "الشعب الجمهوري"، نوري أصلان، رئيسا للبلدية بالوكالة بديلا عن إمام أوغلو الذي يدخل شهره الثالث في محبسه الواقع بمنطقة "سيليفري" على أطراف إسطنبول.

مقالات مشابهة

  • وزير سابق: سجن عمدة إسطنبول أضر بالاقتصاد التركي
  • هل يعود كيليجدار أوغلو لزعامة حزب الشعب الجمهوري؟
  • قيادية بالشعب الجمهوري: مجزرة المساعدات جريمة جديدة للاحتلال تؤكد فاشيته
  • حزب صوت الشعب يدعو لاعتصامات سلمية أمام بعثة الأمم المتحدة: العودة للشعب هي الحل الوحيد
  • السلطات التركية تشن الموجة الخامسة من الاعتقالات ضد معارضي أردوغان
  • جاوب وخد 1000 جنيه.. مراجعات مجانية لطلاب الثانوية العامة من الشعب الجمهوري
  • حزب الشعب الجمهوري بملوي يدعم طلاب الثانوية بمراجعات مجانية وجوائز مالية
  • حملة اعتقالات واسعة لمسؤولين منتمين للمعارضة في إسطنبول
  • حملة اعتقالات جديدة واسعة النطاق في تركيا تطال مسؤولين منتمين للمعارضة
  • الشعب الجمهوري: تدخلات الرئيس في القضايا الملحّة تؤكد انحيازه للمواطن ومكافحة الفساد