في الثالث من يونيو من كل عام، تُستعاد في ذاكرة اليمنيين واحدة من أكثر اللحظات دموية وظلمة في تاريخ البلاد، حين استُهدف رأس الدولة وقياداتها العليا في جريمة إرهابية غادرة هزّت أركان النظام السياسي ومزّقت هيبة الدولة.

ففي مثل هذا اليوم من عام 2011م، وأثناء تأدية صلاة الجمعة في أول جمعة من شهر رجب، وقع تفجير دموي داخل جامع دار الرئاسة بصنعاء، والذي يعد من أبشع الجرائم السياسية في تاريخ اليمن الحديث، مستهدفًا رئيس الجمهورية آنذاك علي عبدالله صالح وعدداً من كبار قيادات الدولة أثناء أدائهم صلاة الجمعة في مسجد النهدين.

وأسفر الهجوم الإرهابي عن استشهاد وإصابة العشرات من المسؤولين، وفي مقدمتهم رئيس مجلس الشورى عبدالعزيز عبدالغني، إلى جانب إصابة الرئيس صالح ورئيس الحكومة علي محمد مجور وآخرين بجروح خطيرة.

وقد صنف مجلس الأمن الدولي هذه الجريمة باعتبارها عملاً إرهابياً يستهدف رأس الدولة والقيادة العليا، الأمر الذي شكل منعطفاً خطيراً في المسار السياسي اليمني، حيث مثّل الحادث تحولاً مفصلياً من العمل السياسي السلمي إلى العنف الدموي، بما يعكس حجم التخطيط الممنهج لإدخال البلاد في دوامة الفوضى والخراب وحمام الدم.

جاءت الجريمة في سياق أزمة سياسية عميقة عاشها اليمن عام 2011، عندما سعى تحالف "اللقاء المشترك" بقيادة حزب الإصلاح -الفرع المحلي لتنظيم الإخوان المسلمين- إلى إزاحة النظام القائم من خلال استغلال موجات الاحتجاجات.

وعندما فشل هذا التحالف في تحقيق أهدافه بالطرق السلمية والدستورية، لجأ إلى العنف كوسيلة لتحقيق التغيير القسري، وهو ما تجسد في محاولة اغتيال جماعية لقيادة الدولة داخل بيت من بيوت الله، وفي شهر رجب الحرام، ما يعكس استخفافاً بالمقدسات، وتجاوزاً صارخاً لكل القيم الدينية والوطنية.

اللافت أن التفجير الذي هز البلاد، قابله خطاب عدائي وتحريضي من قبل قيادات جماعة الإخوان ومنابرها الإعلامية، حيث بادر بعض خطباء الساحات في اليوم ذاته إلى الإعلان عما وصفوها بـ"البشرى السارة"، تبعها هتافات احتفالية وتبادل للتهاني بين أنصار الجماعة في ساحات الاعتصام، في مشهد عبّر بوضوح عن مستوى الانحطاط الأخلاقي والسياسي الذي بلغه ذلك التحالف.

وفي مساء الجريمة، أطلّ الرئيس علي عبدالله صالح بكلمة مسجلة طمأنت الشعب اليمني، مؤكداً: "إذا أنتم بخير، فأنا بخير". لقد شكّل هذا الخطاب لحظة فاصلة في تاريخ اليمن، حيث حال دون انزلاق البلاد إلى حرب أهلية مفتوحة، وأعاد ضبط بوصلة الدولة نحو الهدوء وضبط النفس، رغم حجم الاستفزازات والمأساة التي خلّفها الاعتداء.

لقد مثّلت هذه الجريمة نقطة انطلاق لمشاريع الفوضى والانقلاب على النظام الجمهوري، والتي قادتها جماعات الإسلام السياسي، ممثلة في حزب "الإصلاح" ومليشيا "الحوثي"، اللذين وإن اختلفا ظاهرياً، فقد التقيا لاحقاً على مشروع تدميري مشترك، تجلّى في اتفاقات تبادل الأسرى التي تم بموجبها إطلاق سراح خمسة من المتهمين الرئيسيين في جريمة التفجير، من قبل مليشيا الحوثي وتسليمهم لحزب الإصلاح في مأرب عام 2019، في خطوة مثيرة للشكوك ومؤشر واضح على عمق التنسيق الخفي بين الطرفين.

ورغم مرور أربعة عشر عاماً على هذه الجريمة الإرهابية، لم تصدر عن حزب الإصلاح أي إدانة رسمية، ولم يبدِ استعداداً للاعتراف بالمسؤولية أو محاسبة المتورطين، بل إن نهجه في التنصل والإنكار ظل قائماً، ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي، ويضع هذا الحزب أمام مسؤولية تاريخية وأخلاقية تجاه الوطن والشعب.

إن جريمة تفجير مسجد دار الرئاسة لم تكن مجرد محاولة اغتيال سياسي، بل كانت عدواناً صريحاً على الدولة ومؤسساتها، ومقدمة لانهيار البنية السياسية والدستورية في البلاد، وهي الجريمة التي فتحت الباب واسعاً أمام التدخلات الإقليمية، وأدخلت اليمن تحت الفصل السابع، وحوّلته إلى ساحة صراع إقليمي ودولي، لا تزال البلاد تئنّ تحت وطأته حتى اليوم.

وفي ذكرى الجريمة الرابعة عشرة، تبرز ضرورة وطنية ملحة لإنهاء هذا الملف عبر موقف شجاع من حزب الإصلاح يتمثل في الاعتراف بالجريمة وإدانتها، والمضي في محاسبة المتورطين كخطوة أساسية نحو طيّ صفحة الماضي، وإرساء مصالحة حقيقية تُعيد رسم خارطة التحالفات الوطنية في مواجهة العدو المشترك، ممثلاً بمليشيا الحوثي، ذراع إيران في اليمن، التي لا يمكن الخلاص منها إلا بإنهاء إرث الصراعات والانقسامات التي بدأتها جريمة دار الرئاسة.

المصدر: وكالة خبر للأنباء

كلمات دلالية: حزب الإصلاح

إقرأ أيضاً:

كندا تحترق.. آلاف السكان يفرّون من جحيم حرائق الغابات التي تلتهم البلاد

تواصل حرائق الغابات التمدد في مناطق واسعة من كندا، حيث خرج نصف الحرائق التي تبلغ حوالي 120 حريقاً عن السيطرة، وفقاً لأحدث التقارير الصادرة.

وطالبت السلطات بإجلاء السكان في مقاطعتي ألبرتا وبريتيش كولومبيا، بعد أن شملت عمليات الإجلاء سابقاً سكان مقاطعتي مانيتوبا وساسكاتشوان، كما سجلت حرائق معزولة في مقاطعة أونتاريو، وشملت عمليات الإجلاء آلاف الأشخاص، بحسب صحيفة “غلوب آند ميل” الكندية، وأدى الجفاف الاستثنائي والرياح الشديدة إلى زيادة احتمالات نشوب حرائق الغابات وانتشارها.

من جهته، ناشد واب كينيو، رئيس وزراء مانيتوبا، السكان بالدعاء لهطول الأمطار، حسبما نقلت قناة “سي بي سي”.

هذا وتواجه كندا منذ أواخر مايو 2025 موجة حرائق غابات غير مسبوقة، امتدت بسرعة عبر مقاطعات مانيتوبا وساسكاتشوان وألبرتا، مما أدى إلى إعلان حالات الطوارئ في هذه المناطق.

وبدأت الحرائق في منتصف مايو، مدفوعةً بظروف مناخية قاسية تشمل درجات حرارة مرتفعة، جفاف طويل، ورياح شديدة، ففي في 28 مايو، أعلنت مانيتوبا حالة الطوارئ بعد أن اجتاحت الحرائق مناطق شمالية عدة، بما في ذلك مدينة فلين فلون، التي تضم نحو 5,000 نسمةـ وفي اليوم التالي، انضمت ساسكاتشوان إلى مانيتوبا في إعلان حالة الطوارئ. في 30 مايو، أفادت وكالة “أسوشيتد برس” بأن أكثر من 17,000 شخص تم إجلاؤهم من مانيتوبا، مع استمرار التهديدات في ساسكاتشوان وألبرتا.

وحول آخر التطورات والإحصائيات حتى 1 يونيو 2025، بلغ عدد الحرائق النشطة: حوالي 188 حريقًا، منها 100 خارج نطاق السيطرة، والمناطق المتأثرة: مانيتوبا: 23 حريقًا نشطًا، مع إجلاء أكثر من 17,000 شخص، بما في ذلك أكثر من 5,000 من فلين فلون، ساسكاتشوان: 14 حريقًا نشطًا، مع إجلاء حوالي 10,000 شخص، أونتاريو: حرائق معزولة، مع عمليات إجلاء محدودة، ألبرتا: 51 حريقًا نشطًا، مع تهديدات للمجتمعات ومنشآت النفط.

وبالنسبة للخسائر البشرية: توفي مدنيين اثنين في بلدة لاك دو بونيت، مانيتوبا، في 13 مايو، وإصابة خطيرة لأحد رجال الإطفاء في 25 مايو، إصابة خطيرة لآخر في 25 مايو، وحول الخسائر البيئية، تم تدمير حوالي 200,000 هكتار من الغابات في مانيتوبا، أي ثلاثة أضعاف المتوسط السنوي، وتدمير 28 هيكلًا في منطقة غراودين بوينت.

وتشير التوقعات إلى استمرار الظروف المناخية القاسية في الأسابيع المقبلة، مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة والرياح الشديدة، مما يزيد من صعوبة جهود الإطفاء، وتستمر السلطات في مراقبة الوضع عن كثب، مع التركيز على توفير الدعم للمجتمعات المتضررة والحد من انتشار الحرائق.

وتُعد هذه الحرائق من بين الأسوأ في تاريخ كندا الحديث، مما يسلط الضوء على تأثيرات التغير المناخي على البيئة والمجتمعات البشرية.

آخر تحديث: 1 يونيو 2025 - 18:25

مقالات مشابهة

  • مبادرة سياسية لحكومة الدبيبة للخروج من المأزق السياسي.. هذه مساراتها
  • ذكرى جريمة تفجير مسجد دار الرئاسة.. اغتيال الوطن الذي لا يُنسى
  • ريتشارد تايس: على بريطانيا أن تتعلّم من دبي الفخر بالوطن وانخفاض معدلات الجريمة
  • جريمة تفجير دار الرئاسة... محطة سوداء غيّرت وجه اليمن وأدخلته نفق الانهيار
  • تفجير مسجد دار الرئاسة.. 14 عاماً على محاولة اغتيال النظام الجمهوري في اليمن وجريمة لا تسقط بالتقادم
  • بعد عام من وقوع الجريمة.. فيديو سيلفي يمكن أبا من كشف هوية قاتل ابنه
  • وزير العدل يناقش مع القائمة بأعمال السفارة النرويجية الإصلاح القضائي واحتياجاته
  • وزير الخارجية يؤكد دعم مصر للحل السياسي لوحدة واستقرار اليمن
  • كندا تحترق.. آلاف السكان يفرّون من جحيم حرائق الغابات التي تلتهم البلاد