ضريبة الدخل على الأفراد بين فلسفة التفكير ومنهجية التطبيق
تاريخ النشر: 2nd, June 2025 GMT
ضريبة الدخل على الأفراد هي إحدى أدوات السياسة المالية التي تهدف إلى تحقيق نمو جيد في الاقتصاد، ويتحقق ذلك بوجود سياسة نقدية فاعلة. وتُعدّ الضرائب عموما موردا فاعلا لتنويع مصادر الدخل من خلال إسناد الميزانية العامة للدولة بنسبة معينة من الإيرادات المالية، وفقًا لنسبة الضريبة المتفق عليها ودخول الأفراد المستهدفة.
وفي كل الأحوال، تُعدّ الضريبة أداة مالية سهلة التحصيل وسريعة التنفيذ، كما أن أثرها على المالية العامة أسرع مقارنة بأدوات السياسة النقدية التي تتطلب وقتا أطول لظهور نتائجها على المالية العامة والاقتصاد عموما. وبالتالي، يمكن الجزم بأن تطبيقها على المدى القصير أو المتوسط هو لتمويل بعض النفقات المتغيرة أو المرنة (flexible cost) في الميزانيات العامة، كالإنفاق على الجوانب الاجتماعية، على سبيل المثال لا الحصر: منافع الحماية الاجتماعية والبرامج الاجتماعية الأخرى.
وهنا نعتقد أن ضريبة الدخل على الأفراد هي أحد التوجهات الوطنية لتحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع العُماني، من خلال فرض ضريبة على أصحاب الدخول المرتفعة بنسبة معقولة لا تتجاوز 5%، لتمويل مشروعات تنموية وبرامج اجتماعية تستهدف أصحاب الدخل المنخفض، كالنهج المتبع حاليا في تمويل صندوق الأمان الوظيفي وصندوق الحماية الاجتماعية.
ربما فكرة فرض ضريبة مباشرة على دخل الأفراد، بغض النظر عن مستوى دخولهم، ليست محبّذة لدى غالبية أفراد المجتمع، لأسباب مرتبطة بحداثة الفكرة أو بنمط التفكير المبني على الادخار لفترات طويلة أو لوضع خطط تنفيذية مبنية على حجم معين من الأموال. إلا أن فلسفة التفكير لا بد أن تطرح العديد من الأسئلة التي ينبغي على الفرد توظيف العلم والعقل للإجابة عنها، من بينها: آلية تمويل البرامج الاجتماعية التي تُحدث ربكة في التخطيط المالي، بسبب توسّع الفئات المستهدفة في منظومة الحماية الاجتماعية أو زيادة الأعداد الحالية في منافع الحماية.
كذلك، فإن تأدية ضريبة الدخل المرتفع، خصوصا على الأفراد، هو شعور إنساني نبيل، واستشعار لسنة رسول الله - في الزكاة، كما ورد في الحديث الشريف عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: «إن الله عز وجل فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم».
أرى أن منهجية تطبيق ضريبة الدخل على الأفراد لا بد أن تُفرض عند تحقيق نمو اقتصادي معيّن، بحيث يكون نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي مبلغ (8.000) ريال عُماني، بزيادة مقدارها (1.000) ريال مقارنة بالمبلغ الحالي المقدر بنحو (7.000) ريال عُماني سنويا لكل فرد، حتى تشمل ضريبة الدخل على الأفراد أكبر عدد من أفراد المجتمع، من باب المساواة في فرض الضريبة، على غرار ضريبة القيمة المضافة التي شملت جميع فئات المجتمع.
ولا ضير أن يتم تأجيل تطبيق ضريبة الدخل على الأفراد سنتين أو ثلاث سنوات، حتى يتم استهداف المقدار المناسب لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. كما أقترح البدء بفرض ضريبة الدخل على الأفراد ممن يتجاوز دخلهم السنوي أكثر من (40.000) ريال عُماني بنسبة لا تتجاوز 5%، على أن تُفرض بنسب متفاوتة، ترتفع بنسبة 1% عن كل (10.000) ريال إضافي على الـ (40.000) ريال، على سبيل المثال: تُفرض ضريبة بنسبة 6% على من يتجاوز دخله السنوي (50.000) ريال، و7% لمن يتجاوز دخله (60.000) ريال، وتُثبت النسبة عند 10% لمن يتجاوز دخله (90.000) ريال وأكثر.
وفي ظني، فإن عدد من يتجاوز دخله السنوي أكثر من (40.000) ريال لن يتجاوز 2% من إجمالي سكان سلطنة عُمان، مما يجعل الأثر المتوقع من تطبيق ضريبة الدخل على الأفراد محدودا.
وأقترح الآتي:
الاشتغال على مصطلح تدوير المال مجتمعيا، والاستعانة بالجهات ذات العلاقة لغرس مفهوم التكافل الاجتماعي.
بث رسائل إيجابية ومطمئنة لأفراد المجتمع عن ضريبة الدخل على الأفراد، وتقليل التهويل من ضررها مجتمعيا. المضي في تطبيق ضريبة الدخل على الأفراد، لضمان وجود مصدر تمويل مستدام للبرامج الاجتماعية، وتحقيقا للتكافل المجتمعي، وعدم تأثر صرف مبادرات الحماية الاجتماعية مع التقلبات الاقتصادية الناتجة عن المتغيرات العالمية.
إطلاق منصة إلكترونية تحوي جميع البيانات عن دخل الفرد، لمعرفة مقدار الضريبة المستحقة، من خلال ربط إلكتروني بجميع مداخيله.
ضرورة الاشتغال على نظام ضريبي محكم، يضمن عدم لجوء البعض لممارسات غير مسؤولة، مثل التهرب الضريبي بكافة أنواعه.
رفع الوعي المجتمعي بأهمية تعزيز الجوانب الإيجابية، والاعتماد على المصادر الرسمية في تحليل الأخبار والبيانات عند التفاعل مع التوجهات الحكومية، وعدم الانسياق خلف المعلومات المغلوطة أو المضللة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الحمایة الاجتماعیة فرض ضریبة ع مانی
إقرأ أيضاً:
سكن لكل المصريين أفضل نموذج عملي عالمي لمنخفضي ومتوسطي الدخل
أصدرت منظمة "التحالف من أجل الشمول المالي" (AFI) والبنك المركزي المصري بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية "هابيتات" دراسة حول المبادرة الرئاسية "سكن لكل المصريين" تحت عنوان "بناء المنازل.. بناء المستقبل: نموذج التمويل الإسكاني المُيسر في مصر".
وتوصلت الدراسة إلى عدة نتائج في مقدمتها أن المبادرة الرئاسية "سكن لكل المصريين" هي أفضل نموذج لحالة عملية منفذة على أرض الواقع لتوفير السكن الملائم للمواطنين منخفضي ومتوسطي الدخل في جميع أنحاء العالم. مشيدة بأهمية الاستقرار المؤسسي والقيادة الرشيدة في تحقيق الصندوق لإنجازاته.
وعبر المهندس شريف الشربينى، وزير الاسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، عن سعادته بهذه النتائج، التى تؤكد أننا على الطريق الصحيح فى هذا الملف المهم، والرؤية الثاقبة للقيادة السياسية التى تبنت ودعمت وتابعت هذه المبادرة، وجعلتها على اجندة الأولويات.
وأوضحت مي عبد الحميد، الرئيس التنفيذي لصندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري، أن هذه الإشادات الدولية تأتي كترجمة ودليل واضح على اهتمام الجمهورية الجديدة بقيادة فخامة الرئيس/ عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، بتوفير السكن الملائم لجميع المواطنين الراغبين في ذلك بشروط ميسرة وغير مسبوقة.
وأكدت استعداد صندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري لنقل التجربة المصرية لجميع الدول الصديقة والشقيقة الراغبة في ذلك، مشيدة بمجهودات فريق العمل بالصندوق، والذي يعد مساهمًا رئيسيًا في تحقيق هذه الإنجازات.
وجاءت هذه الدراسة كنتيجة مباشرة للمحاضرة التوضيحية التي استمعت إليها وفود بنوك مركزية من مختلف دول العالم خلال مشاركتهم في ورشة عمل من تنظيم التحالف الدولي للشمول المالي AFI وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية "هابيتات" والبنك المركزي المصري، وما أعقبها من زيارة ميدانية لوحدات المبادرة الرئاسية "سكن لكل المصريين" لمنخفضي ومتوسطي الدخل، حيث شاهدوا ما تم شرحه على أرض الواقع.
وتناولت الدراسة التجربة المصرية منذ إطلاق البرنامج الرئاسي "سكن لكل المصريين" في عام ٢٠١٤، بهدف حل الأزمة السكانية التي كانت تعاني منها مصر، والانتشار المتزايد للبناء العشوائي وغير المخطط في المحافظات القائمة، حيث كانت تعيش نحو ٤٠% من الأسر الحضرية في مناطق عشوائية، وكانت أسعار الوحدات السكنية تزيد بصورة واضحة عن القدرة الشرائية لمعظم المواطنين.
وأشارت الدراسة إلى مصادر التمويل والموارد التي اعتمد عليها الصندوق في تنفيذ المبادرة الرئاسية "سكن لكل المصريين"، حيث سعى إلى تنويعها بما يضمن استمرارية المشروع، وحصل الصندوق على تمويل بقيمة ١٣٥ مليار جنيه مصري من البنك المركزي المصري موزعة على ثلاث مراحل بفائدة مدعومة، وقرض من البنك الدولي بقيمة مليار دولار على مراحل، كما حصل على قرض بقيمة ٥٠ مليار جنيه في عام ٢٠٢٤ من عدة بنوك محلية.
وركزت الدراسة على التحديات التي واجهت تنفيذ المبادرة الرئاسية "سكن لكل المصريين" في بدايتها، مثل وجود صعوبات في إقناع البنوك بالمشاركة في تمويل المبادرة، خصوصًا مع طبيعة الجمهور المستهدف من قبل المبادرة، حيث أشارت الإحصائيات فيما بعد إلى أن ٦٥% منهم لم يتعامل مع البنوك مسبقًا، وبدأت المبادرة بالتعاون مع ٤ بنوك فقط ولكنها تتعاون الآن مع ٣٠ جهة تمويل مختلفة، ٢٢ بنكا و٨ شركات تمويل عقاري.
كما ركزت الدراسة أيضًا على مبادرة التمويل العقاري، والتي أطلقها البنك المركزي، والتي تعد سببًا في استدامة المشروع، وساهمت في منح فائدة مدعومة بصورة غير مسبوقة للمواطنين المستفيدين، بينما تتحمل الدولة دعم سعر الفائدة.
بالإضافة إلى ذلك، ركزت الدراسة على الخطوات التي اتخذها صندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري في اتجاه التحول الرقمي، بما يضمن تقليل التعامل المباشر ما بين مقدم الخدمة والمتلقي لها، وهو ما يساهم في القضاء على أي صورة من صور الفساد والمحسوبية.
وتناولت الدراسة إطلاق الصندوق لمنصة رقمية قدمت خدماتها لأكثر من ٢.١٧ مليون متقدم، وذلك من خلال منصة خدمة المواطنين Cservices والموقع الإلكتروني للصندوق، كما أطلق الصندوق عددًا من الصفحات الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي المختلفة مثل فيسبوك ويوتيوب، ويتم الرد على استفسارات المواطنين وشكاواهم من خلالها، بالإضافة لإيضاح المعلومات اللازمة لهم.
كما أشادت الدراسة بآليات معالجة البيانات المقدمة من المواطنين، حيث تم تنفيذ مليون زيارة ميدانية للتحقق من المستندات والمعلومات المقدمة من المواطنين على أرض الواقع، وذلك من خلال ١١ شركة استعلام، بالإضافة إلى الاستعلام الائتماني الذي تنفذه البنوك قبل صرف الدعم وإنهاء إجراءات التعاقد مع المواطنين.
وأبرزت الدراسة مبادرة "العمارة الخضراء"، والتي ينفذها الصندوق بالتعاون مع عدد من الجهات الدولية مثل البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية وكذلك مؤسسات محلية مثل المركز القومي لبحوث الإسكان والبناء، والتي تهدف إلى تنفيذ وحدات سكنية صديقة للبيئة وفقًا لتصنيف الهرم الأخضر GPRS، حيث تهدف المرحلة الأولى إلى بناء ٢٥ ألف وحدة، ثم بناء ٣٠ ألف وحدة بالمرحلة الثانية، مع التخطيط للوصول إلى ٨٠ ألف وحدة سكنية خضراء بحلول عام ٢٠٢٦.
وأشارت الدراسة إلى أن هذه الوحدات تعتمد على تقنيات صديقة للبيئة تشمل نوافذ مزدوجة وعزلا حراريا والاعتماد على الطاقة الشمسية، وكذلك إعادة تدوير المياه الرمادية والنفايات، بما يضمن تحقيق عدد من النتائج الإيجابية فيما يتعلق بتوفير الاستهلاك، مثل توفير استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى ٣٥%، وتقليل استهلاك المياه بنسبة تصل إلى ٣٠%.
وركزت الدراسة على النتائج الإيجابية التي حققتها المبادرة الرئاسية "سكن لكل المصريين"، حيث تم طرح مليون وحدة سكنية للمواطنين منخفضي الدخل، وتسليم أكثر من ٦٥٠ ألف وحدة سكنية يستفيد منها نحو ٣ ملايين مواطن، وتم تنفيذ ٨٥% من الوحدات بالمدن الجديدة و١٥% بالمحافظات، وشارك في تنفيذها ألفا شركة مقاولات، حيث وفرت ٤.٢ مليون فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.
وأضافت الدراسة أن المبادرة الرئاسية "سكن لكل المصريين" ساهمت في خفض نسبة العشوائيات من ٤٠% إلى ٢٥%، وزيادة مساهمة العقارات في الناتج المحلي من ٨% إلى ١٢%، بالإضافة إلى تحقيق نمو سنوي يتراوح بين ١% إلى ٢% من الناتج المحلي.
كما ركزت الدراسة في نتائجها على أن المبادرة الرئاسية "سكن لكل المصريين" ساهمت في رفع نسبة تملك النساء للعقارات من ٥% فقط إلى ٢٤%، وتملك ذوي الهمم ٥% من الوحدات مع توفير ما يلزم كي تكون مجهزة لهم، وتملك أصحاب المهن الحرة ٢٣% من الوحدات، ودمج ٦٥% من المستفيدين في النظام المالي الرسمي.
كما توصلت الدراسة إلى عدة توصيات ودروس تم استخلاصها من التجربة المصرية ويمكن لجميع دول العالم الاستفادة منها، مثل إنشاء سياسات قابلة للتكيف مع الأزمات الاقتصادية، وتعزيز الشمول المالي، وتشجيع الاستثمار الخاص من خلال الحوافز والضمانات.
بالإضافة إلى ضرورة التخطيط الحضري الذكي، وربط الإسكان بالخدمات، وكذلك دمج معايير الاستدامة البيئية في التصميم، والتركيز على التحول الرقمي.
وأتاحت منظمة التحالف من أجل الشمول المالي AFI الدراسة عبر موقعها الإلكتروني https://www.afi-global.or وذلك كي تكون متاحة للجهات الرسمية والمنظمات بمختلف دول العالم للإطلاع عليها ودراستها والاستفادة منها.
يذكر أن تحالف الشمول المالي AFI يعد تحالفًا عالميًا رائدًا في مجال السياسات المالية، حيث يعمل على تعزيز الشمول المالي، ويضم التحالف عددًا من البنوك المركزية والمؤسسات التنظيمية المالية في 84 دولة، حيث يربط AFI بين صانعي السياسات ويمكّنهم من تطوير مبادرات فعالة لتعزيز الشمول المالي، وخلال السنوات الخمس عشرة الماضية، أطلق أعضاء AFI عددًا من السياسات بلغ 1130 سياسة في مجال الشمول المالي، مما ساهم في إدماج 850 مليون شخص ماليًا، كما ينتج التحالف عددًا من التقارير والتحليلات والتعليقات الدورية حول حالة الشمول المالي.