آخر تحديث: 2 ماي 2024 - 12:18 محازم رعد واحدة من أهم وظائف الفلسفة هو أن تولي الراهن اهتمامها عبر تسليط انظارها نحو اهتمامات الناس والصعوبات التي يعاني منها الواقع، مستفيدةً من أدواتها وتاريخها ونظرها تجاه الواقع لتبحث فيه عن حلول ومعالجات. وهناك من عرف الفلسفة على أنها “عبارة عن مجموعة من المشكلات والمحاولات لحلها”.
إذن الفلسفة كما هي نظر في الاسئلة الوجودية الكبرى لتحقيق رؤية كونية عن العالم والكون والحياة، كذلك هي بحث في الواقع يستهدف ايجاد حلول للمشكلات التي تؤرق الفرد والمجتمع.وقد قيل إنها “روح عصرها وبنت بيئتها” أي المعبر عن الواقع الذي ترتبط به، وتنشأ أفكارها منه، وحينئذ لا تشذ الفلسفة عن امآل وهموم الناس فتكون الأفكار التي تتمخض عنها أفضل ترجمان لطبيعة تفكير الناس وتحكي اهتماماتهم والافصاح عما يأملونه.فاذا أردنا أن نعرف طبيعة المشكلات التي عانى منها مجتمع ما في مرحلة من التاريخ ما علينا إلا النظر في المسائل والأفكار التي انتجها فلاسفة تلك البيئة أو الجغرافيا في ذلك التاريخ، فنعرف نوع المشكلات ومدى تأثيرها والمساحة التي شغلتها وارقت الإنسان ودفعته للبحث عن اجابات وحلول لها، فنتجت عنها منظومة من الأفكار صارت سردية فلسفة فيما بعد.وهكذا كانت الفلسفة في التاريخ حاضرة في الأسواق وفي الساحات العامة، وهكذا كان سقراط يحاور المارة في شوارع اثينا يطرح عليهم الاسئلة فيجيبونه كانت الفلسفة تنتمي للواقع وتنطلق منه لنحت مفاهيمها فتكون عندئذ ترجمان حقيقي لذلك الواقع والمجال الذي انبلجت منه أفكارها ومفاهيمها ولا تكون غريبة عنه.إن مشكلات البيئة والكوارث الطبيعية والتصحر والجفاف وحرب المياة بين الدول والتفكير في امكانية دفع تلك الاخطار المحتملة عن الناس، وكذلك التفكير في تغطية حاجات الناس من الغذاء وتوفير فرص العمل والسهر على تحقيق ما يحفظ حياتهم ويمكنهم من عيش حياة كريمة، كذلك سؤال السياسية والبحث عن أفضل اشكال الحاكمية والنظم للتجمعات البشرية موضوعة للبحث الفلسفي أن شكل النظام وطريقة الحكم الانسب وتوفير مفاهيم سياسية تؤطر الواقع وتلبي حاجة الإنسان السياسية آيضاً من اهتمامات الفلسفة ويقع على عاتقها مسؤولية انجاز تلكم الموضوعات.كذلك أن التفكير في المحاذير التي يعاني منها مناخ اجتماعي من المجتمعات كالتفكير في خطر تعاطي المخدرات والممنوعات وانتشار الجريمة والابتزاز الالكتروني وخطر التسرب المدرسي كلها يصدق عليها انها تفكير فلسفي راهن. وهذه المسائل كلها اسئلة راهنة تعمل الفلسفة بمعية تخصصات أخرى على انتاج اجابات عنها.أذن الفلسفة تفكير في الراهن وفي الاهتمامات التي يعيشها الناس وتشغل حيزاً كبيراً من تفكيرهم وتؤرقهم وتسلب عنهم راحة الذهن.إن ما يعاب على جملة من النخب أنهم يتنكرون للواقع ويتنصلون من المسؤوليات التي من المفروض أنها تقع في صميم عملهم “الاخلاقي على أقل التقديرات” وأنهم منعزلون في أبراجهم العاجية لا يؤثرون في واقعهم وبيئاتهم ولا يتأثرون بها.والحقيقة أنه ما المثقف إلا من يشغل دوراً في المجال العام ويفكر فيه بحثاً عن حلول لمشكلاته، ولهذا قيل أن الفلسفة منعزلة عن الواقع ومستقيلة من أداء دورها وتحقيق مسؤوليتها.ومن صحيح القول إن الفلسفة صناعة للمشكلات التي يعج بها الواقع، فهذه المشكلات التي تدهش عقل الإنسان وتدعوه للتفكير فيها بحثاً عن حلول لها مصدر من مصادر الفلسفة، فكل جواب وكل حل لمشكلة أنما هو في الأساس فكرة ومفهوم حققه العقل الإنساني وصار معرفة فلسفية تفيد كخبرة في التاريخ، وتجربة جاهزة للمستقبل ومعرفة بالتاريخ الذي نشأت في فلسفة من الفلسفات.وحري بنا أن نتفهم إن الفلسفة لا يمكن أن تنتج تأثيراً فورياً يغير الحالي للعالم، كما يرى مارتن هايدغر إلا أنها تعمل باستمرار على انتاج حلول ومقاربات لاسعاف الواقع، بما يمكنه من تجاوز أزماته الراهنة، أو الفات نظره اليها وتنبيهه إلى خطورتها لتعميم الحذر الدائم والقلق الذي هو أحد عوامل بعث التفكير وانشغال العقل في البحث عن معالجات الذي بدوره سيفضي إلى انتاج فلسفة تضاف إلى مجموعة الفلسفات الأخرى.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: تفکیر فی
إقرأ أيضاً:
مناهج التعليم بين الواقع والتاريخ (نحن والآخر).
فجوة الواقع مع اللغة والمناهج التعليمية لدينا تمتل فجوة الإنسان بين تاريخه والزمن الذي يعيش فيه.
في التعليم العربي يدرس الطالب أمجاد صلاح الدين وبطولات خالد ابن الوليد لكنه عندما يخرج في الشارع فإنه يرى الملك السارق والخانع والرئيس المنبطح والشيخ المدلس.. تناقض بين التاريخ والواقع.
تتحدث المناهج عن الشورى والديمقراطية فيجد الطالب في الواقع الحاكم المزمن الذي لا يتغير.
هذا لا يحدث في تعليم الغرب لأن التلميذ يدرس لأبطال الموسيقى الجاز والروك والرياضين الذين يجدهم في الشارع أمامه.
وهذا أيضا ينطبق على بعض دروس اللغة، فالتلميذ الذي يدرس الشعر العربي يحفظ التلميذ (مُكِرٍ، مفر، مقبل، مدبر معاً كجلمود صخر حطه السيل من علِ)، لكن التلميذ لا يعرف ولا يجد في الشارع كلمات مثل: مكر. مفر. جلمود.
اللغة مهمة وجزء من هوية شاملة ولكن طريقة تدريسها بالشكل الحالي أدى إلى فقدانها.
فمن منا اليوم يجيد اللغة العربية وهي لغة ديننا الحنيف ( لغة القرآن الكريم ) بسبب تأخر المناهج وصعوبتها.
التلميذ في ألمانيا يدرس تاريخ المرسيدس والفرنسي تاريخ البيجو والأمريكي تاريخ الفورد والكاتربيلير.. ويجدها أمام بيته ويركبها في الوصول للمدرسة.
بينما التلميذ العربي يقرأ (الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم) لكنه يجد أمام بيته سيارة تويوتا وأخرى هونداي ولا يقرأ تاريخها في المدرسة.
ويدخل إلى الأسواق يجد أنواع عديدة من الجبن والشكولاتة لا يتعلم صناعتها وأسمائها في المدارس.
بل يدرس لغة منفصلة عن الواقع، العشرات والمئات من الكلمات التي لم تعد متداولة اليوم والتاريخ الذي لا يجده التلميذ في الحياة حوله، لذلك الفجوة بين الواقع والتاريخ اليوم هي العمر الذي يفصلنا عن مواكبتنا للعصر خاصة بعد تجدد المناهج في العالم من الذكاء الاصطناعي والروبوت والبيانات الضخمة والتجارة الإلكترونية.. وغيرها من مظاهر حياة يومية لا يجدها التلميذ في المنهج الذي يدرسه اليوم.
وما لم نردم هذه الفجوة بمناهج حديثة سنظل كمن يطيل النظر إلى الماضي ولكنه ينسى المستقبل ويهين الحاضر.
ليس المطلوب إلغاء دراسة صلاح الدين أو عمر بن الخطاب، بل تحويل دراستهم من بطولات مجردة تُحفظ إلى دروس في القيادة، وإدارة الدولة، والعدل الاجتماعي، والابتكار العسكري والإداري في زمانهم.
إن سد الفجوة بين مناهج التعليم والواقع ليس ترفاً فكرياً، بل هو شرطٌ أساسيٌّ للبقاء والمنافسة في عالمٍ يتسارع بلا هوادة.
ولذلك وجب اليوم تطوير المناهج وربط التعليم بالواقع وتطبيق مهارات القرن الواحد والعشرين وإصلاح مناهج التاريخ بدل التمجيد إلى الانتماء الفاعل وتقييم المناهج بانتظام لضمان أنها تتوافق مع احتياجات المجتمع.
الأجيال القادمة لا تحتاج أن تعيش في متحفٍ من الماضي المجيد، بل تحتاج إلى جذورٍ راسخةٍ في تراثها تُغذيها،
وأجنحةً قويةً من المعرفة والمهارات المعاصرة تحلق بها نحو آفاق المستقبل.
آن الأوان لأن نقدم لتلاميذنا تاريخاً يتنفس في حاضرهم، ولغةً تتحدث عن عالمهم، ومعرفةً تمكنهم من تشكيل غدهم.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.