حميدتي ظاهرة ناتجة عن مزيج من العوامل الشخصية والأسرية والاقتصادية والقبلية والعلاقات الخارجية القائمة على سوق الحرب، كل ذلك تزامن مع توقيت زيادة هشاشة الدولة، وتفكك حواضن اجتماعية كثيرة لمجتمعات بسبب الحرب والتغير المناخي والنزوح، كل ما سبق مكّن حميدتي من الوصول لهذه المرحلة، لكن الرجل كذلك بلا أي أفكار لمشروع وطني، والدافع الرئيس المحرك هو الطموح الشخصي، فقام من داخل الدولة وعلى الضد منها مستفيدا من علاقة براغماتية معها.

في ظروف أخرى وبتوجيه محدد كان من الممكن أن يكون حميدتي جزء من تسوية ضرورية وشاملة، لكن الرجل تحول لأداة تحارب الدولة، وتسعى لتنفيذ أجندة الغير، وربما يعلم ذلك أو لا يعلم لكنه وبعد هذا التمرد وبعد نكوصه التام وكشف وجهه المليشياتي الحقيقي؛ ليس له مستقبل سوى المحاسبة والمحاكمة والحسم، ولا يمكن لقائد مليشيا أن يتحدث عن الديمقراطية وحكم الدولة الحديثة، فحميدتي يستخدم أي شيء للوصول للسلطة، بما في ذلك الوقود البشري من جنود استغل ظروفهم لصالح عائلته وطموحه.

إذا فكرنا في أعظم فشل لحميدتي، فلن يكون تمرده المهزوم الأحمق هو فشله الأبرز، بل فشله أساسا يكمن في عجزه عن قيادة مجتمعات وتتويج ظروفها لتعزيز ما يجمع السودانيين مع بعضهم البعض ودعم فرص تحقيق التسوية الشاملة، إن القدر قد كتب عليه إذن أن يكون قائد مليشيا ثري، متحالف مع نخبة تفكيك السودان، ومع لوبي محدد شرير داخل المجتمع المدني، وأن يكون مركز لعلاقات اقتصادية تنهب ثروات الشعب وتستفيد من فائض قيمة عمل محرومين حشدهم بسبب ظروفهم ليمنحهم بعض الأمل الزائف، ثم يتحالف مع محور التدخل الخارجي الإقليمي الإماراتي الشرير. إن فشل الرجل الكبير إذن في عجزه عن فهم ضرورة تعزيز الدولة وتماسكها، وهذا الفشل يخصه فقط ومن معه، لكنه لا يشمل تلك المجتمعات والحواضن التي يكذب بأنه يمثلها، لأن فرصة تحقيق وتعزيز هذه التسوية ستكون قائمة وضرورية.

اليوم إخوتي يجب تعزيز وترسيخ ما يحمعنا كسودانيين، فلابد من إستئناف صحيح وجذري لمشروع الدولة، إستئناف يقوم على العدالة والحق والمسؤولية، وهذا المشروع ينطلق من المحافظة على الدولة الحالية أولا، ثم تعزيز شروط إصلاحها وترميمها. وهذه عملية تاريخية وفكرية حاسمة لمستقبل أمتنا، والجميع اليوم يعرف جيدا أن كل ذلك يبدأ بهزيمة هذا التمرد، ودحر قوى الخيانة، وتحقيق قواتنا الباسلة لنصرها الحاسم في معركة الكرامة الوطنية.
قبل عام من اليوم.
#جيش_واحد_شعب_واحد

هشام عثمان الشواني
الشواني

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

خطيب الأوقاف: من أعظم نعم الله على الإنسان أن خلق له الوقت والزمن

ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور عبدالفتاح العوارى، العميد الأسبق لكلية أصول الدين بالقاهرة وعضو مجمع البحوث الإسلامية، والتى دار موضوعها حول قيمة الوقت في الإسلام.

نعم الله لا تعد ولا تحصى

قال الدكتور عبد الفتاح العواري، إن نعم الله تبارك وتعالى على الإنسان لا تعد ولا تحصى يقول تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، وأول هذه النعم التي أنهم الله تعالى على الإنسان أن أوجده من العدم وسواه وأحسن خلقه، وركبه في أحسن صورة، فجعل له السمع والبصر والفؤاد، وأخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئاً، فأصبح إنساناً مكرماً أتت من أجله الشرائع، وأرسل الله بها الرسل حتى لا يترك الإنسان في الحياة هملاً، ولا يدعه سدىً، فالإنسان مكرم وهو غالي على خالقه ومولاه، ومن هنا اعتنى به خلقاً وتنشئةً وتربيةً.

وأوضح أن الله تبارك وتعالى سخر للإنسان الكون كله، وأسبغ عليه نِعمهُ ظاهرة وباطنه، فالإنسان مركز دائرة الكون؛ الكل في خدمته يقول تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾. هكذا قال المولى عزَّ وجلَّ، ونطق به كتابه، لكن وعينا وإدراكنا قد أصيب بالشلل فتعطلت وظائفه، فلم يدرك هذا الإنسان المكرم فضل الله عليه، ونعمه التي حباه بها، فكان لابد من تنبيهه وإيقاظه من غفلته، فتتلى عليه آياته التنزيلية لتلفت نظره إلى آيات الله الكونية، لعله يفوق من غفلته ويتوب ويعود إلى رشده.

نعمة الوقت والزمن

وأضاف خطيب الجامع الأزهر، أن من أعظم نعم الله على الإنسان أن خلق له الوقت والزمن، وأوجد له الزمن ليرقب ما هو مطلوب منه في أمور معاشه، وتحقيق مصالحه وما تحتاجه حياته في دنياه، كما أوجد له الزمن فربط به جميع تكاليفه التي هو مطالب بها يؤديها ويقوم بها، فجميع التكاليف من صلاة وزكاة وصوم وحج، كل هذه العبادات إنما هي مرتبطة بزمن، وتقع من الإنسان في زمن فلا يمكنه أن يخرج شيء منها دون ارتباط بزمن ووقت.

دعاء يوم الجمعة للرزق.. اغتنمه وردده الآن يصب الله عليك الخير صباهل يستجاب الدعاء وقت نزول الأمطار؟.. الإفتاء تجيب

وواصل: يقول تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾، أي يخلف بعضهم بعضاً. يأتي النهار فيخلفه الليل، ويأتي الليل فيخلفه النهار. ذلك لمن أراد أن يتذكر ويتأمل ويتدبر في دلائل قدرة من أوجده من العدم، وفي عظمة قدرة من يقول للشيء كن فيكون. يتنبه الإنسان فيعرف نعم ربه عليه بالزمن فيشكره ويثني عليه بما هو أهله، فهو صاحب النعم وصاحب الفضل على الإنسان، يقول تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا﴾. محى الله آية الليل بالظلام وعدم الوضوح، ليسكن الإنسان ويستريح. وجعل آية النهار مبصرة ليسعى فيها الإنسان ويحقق معاشه، ويؤدي واجباته التي كُلِفَ بها. فإذا لم يؤديها، فليس له حق.

وأوضح خطيب الجامع الأزهر أن الله أوجد للإنسان نعمة النهار مبصرة منتشرة الضياء تطلع شمسها فيسعى الناس في جنبات الأرض محصلين أمر معاشهم قائمين بمصالحهم ليس سوى لحكمة وهي أن يبتغي الإنسان الفضل من ربه في كل ما يحقق له مصالح الدنيا، فهو ليس قاصر على شيء دون شيء. ومن هنا أتى التعبير نكرة ليعم الجميع، وكذلك ليعلم الإنسان عدد السنين والحساب.

دعاء يوم الجمعة للرزق.. اغتنمه وردده الآن يصب الله عليك الخير صباهل يستجاب الدعاء وقت نزول الأمطار؟.. الإفتاء تجيب

وأكد خطيب الجامع الأزهر أهمية أن يحاسب  الإنسان نفسه ويسألها ماذا قدمت؟ وما الذي حققته؟ حينما تعود إلى رب كريم يُوقفها للحساب، أقسم المولى عز وجل بالزمن ليلاً ونهاراً، ضحاً وعصراً، حتى يعلم الإنسان قيمته، المتأمل في كتاب الله يرى القسم، والله لا يقسم إلا بعظيم. فهل وعى الإنسان ذلك وهو يقرأ كتاب الله الذي أنزله من أجله، وجعل نبياً من أنبيائه يبلغه آياته؟ ماذا فعل في هذا الزمن؟ ماذا لو ترك الله الإنسان بلا تعاقب في الزمن فيعيش هكذا؟ لو جعل الله الزمن متساوق غير متفاوت، ماذا كان يصنع الإنسان؟ يقول تعالى مخاطباً عباده: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾. من غير الله يأتينا بضياء! هلا سمعنا ووعينا، ومن غيره يأتينا بليل نسكن فيه.

ودعا الدكتور العواري أولي الأبصار إلى التدبر والتأمل في نعمة الوقت ونعمة الزمن. فهو عمر الإنسان وسيُسأل عنه يوم القيامة. يقول النبي ﷺ: (لا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ، حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه؛ فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه؛ فيم فعَلَ فيه؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفَقَه؟ وعن جِسمِه؛ فيمَ أبلاه؟)، ويقول أيضاً: (نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ منَ النَّاسِ الصِّحَّةُ والفراغُ)، الغبن معناه الغفلة وعدم الوعي. الإنسان في تيه غير مستيقظ، والنعمة محيطة به.

وشدد على أننا في حاجة ماسة إلى أن نستيقظ من غفلتنا، فقد فات الكثير من العمر وما بقي إلا القليل. علينا أن نحدث مع الله توبة، وإليه أوبة ورجوع، حتى يتقبل منا ما تبقى من زماننا ووقتنا، ونعود إليه وهو راض عنا. فنعمة الزمن ونعمة الوقت حينما يراجع الإنسان نفسه يوقن يقيناً تاماً أنه قد فرط في هذه النعمة وأهدرها وضيعها، ومضى من عمره الكثير في اللهو واللعب، دون إدراك منه أن الزمن هو عمره، وأن الوقت هو حياته. يقول تقي الدين الحسن البصري رضي الله عنه: "اعلم أن الوقت عمرك، فإن ضاع يوم ضاع بعضك". فابن العشر سنين غداً لا يمكن أن يكون ابن عشر، وابن الثلاثين لا يمكن أن يكون غداً ابن الثلاثين. موصياً الجميع بضرورة أن يعاهدوا ربهم، وأن ينتبهوا إلى ما تبقى من عمرهم، وألا يضيعوا زمنهم سدى، فالله سوف يسألنا جميعاً ويحاسبنا على نعمة الزمن.

طباعة شارك خطيب الجامع الأزهر الجامع الأزهر الأزهر عبدالفتاح العوارى قيمة الوقت في الإسلام الإسلام

مقالات مشابهة

  • هل يكون فصل الدين عن الدولة سببا في نجاحها؟
  • رئيس الدولة والرئيس القبرصي يبحثان تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين
  • ما العائق الأبرز أمام بدء المرحلة الثانية من الاتفاق في غزة؟
  • وزير الخارجية الصيني والمبعوث الخاص لرئيس الدولة لدى الصين يبحثان تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين
  • هوندا تعيد إحياء أعظم سياراتها الرياضية.. صور
  • قفزة جديدة في سعر الذهب اليوم السبت 13 ديسمبر 2025.. وهذا سعر عيار 21 الآن
  • نائب وزير الخارجية يبحث مع وزير الدولة الالماني تعزيز التعاون التنموي
  • منتخب المغرب وقائده الملهم المرشح الأبرز لكأس أفريقيا
  • خطيب الأوقاف: من أعظم نعم الله على الإنسان أن خلق له الوقت والزمن
  • بريطانيا تفرض عقوبات على 4 قادة في الدعم السريع بينهم شقيق حميدتي