قالت دار الإفتاء إن سجود التلاوة: هو الذي سببه تلاوة آيةٍ من آيات السجود في القرآن، وهو مشروعٌ باتفاقِ الفقهاءِ. (ينظر: المبسوط، للسرخسي، 2/ 4، ط. دار المعرفة، وحاشية الدسوقي، 1/ 308، ط. دار الفكر، والمجموع، للنووي، 4/ 61، ط. دار الفكر،  والإقناع في فقه الإمام أحمد، للحجاوي المقدسي، 1/ 154، ط. دار المعرفة).

والأصلُ في ذلكَ: قولُه تعالى: ﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ [الإسراء: 107 - 109].

قال العلامة الزمخشري في «الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل» (2/ 699، ط. دار الكتاب العربي): «فإذا تُلِىَ عليهم خرّوا سجدًا، وسبحوا الله؛ تعظيمًا لأمرهِ، ولإنجازه ما وعد في الكتبِ المنزلةِ، وبشَّرَ بِهِ من بعثةِ محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم وإنزالِ القرآنِ عليهِ، وهو المرادُ بالوعدِ في قوله: ﴿إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا﴾... ﴿وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً﴾أي: يَزِيدُهُم القرآنُ لينَ قلبٍ ورطوبةَ عينٍ» اهـ.

وما رواه البخاري في "صحيحه" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ علينا السورة، فيها السجدة فيَسْجُد ونَسْجُد، حتى ما يجد أحدنا موضع جبهته».

قال العلامة الصنعاني في «سبل السلام» (1/ 311، ط. دار الحديث): «الحديث دليل على مشروعية سجود التلاوة، وقد أجمع على ذلك العلماء» اهـ.

والمراد بالأوقات المنهي عن الصلاةِ فيها، أي: الأوقات التي يُمْنَع الصلاة فيها، على تفصيلٍ بين الفقهاء في عَدِّها، ومدى المنع هل هو للتحريم أو للكراهة؟ (ينظر: الاختيار، للموصلي، 1/ 41، ط. مطبعة الحلبي، ومواهب الجليل، للحطاب، 1/ 416، ط. دار الفكر، وروضة الطالبين، للنووي، 1/ 192، ط. المكتب الإسلامي، وكشاف القناع، للبهوتي، 1/ 450، 451، ط. دار الكتب العلمية).

و اختلف الفقهاء في حكم سجود التلاوة في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها؛ فذهب الشافعية، والحنابلةُ في روايةٍ إلى أنَّ سجود التلاوة في أوقات النهي جائزٌ بلا كراهةٍ؛ سواء كان سببه مُتقدِّم على الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، أو مقارِن لها، ووافقهم الحنفيةُ في ذلك إذا تلا القارئُ آيةَ السجدةِ في وقت الكراهة، وكذا المالكيةُ إذا سجدَ القارئُ بعدَ صلاةِ الفجرِ قبل الإسفار، أو بعدَ العصرِ قبل اصفرارِ الشمس.

قال العلامة الزيلعي الحنفي في «تبيين الحقائق» (1/ 85، ط. الأميرية): «ومُنِعَ عن الصلاةِ وسجدةِ التلاوةِ وصلاة الجنازة عندَ الطلوع والاستواء والغروب... والمرادُ بسجدةِ التلاوةِ ما تلاها قبل هذه الأوقات؛ لأنَّها وجَبَتْ كاملةً فلا تتأدى بالناقص. وأما إذا تلاها فيها جاز أداؤها فيها من غيرِ كراهةٍ؛ لكن الأفضل تأخيرها ليؤديها في الوقت المستحب؛ لأنها لا تفوت بالتأخير»اهـ.

وقال العلامة النفراوي المالكي في «الفواكه الدواني» (1/ 251، ط. دار الفكر): «(ويسجُدُها من قَرَأَهَا) في غيرِ صلاةٍ ولو (بعدَ الصبحِ ما لم تسفر الشمس) أي: يظهر الضوء ... (و) سجدها (بعد) أداء فرض (العصر ما لم تَصْفَرَّ الشمس) على الجدران»اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في «المجموع» (4/ 72): «مذهبنا أنَّه لا يُكْرَه سجودُ التلاوةِ في أوقاتِ النهي عن الصلاةِ، وبه قال سالم بن عمر والقاسم بن محمد وعطاء والشعبي وعكرمة والحسن البصري»اهـ.

وقال ابن قدامة الحنبلي في «المغني» (1/ 446، ط. مكتبة القاهرة): «وعن أحمد روايةٌ أخرى: أنَّه يسجد. وبه قال الشافعي. وروي ذلك عن الحسن، والشعبي، وسالم، والقاسم، وعطاء، وعكرمة؛ ورخَّصَ فيه أصحابُ الرأي قبلَ تَغَيُّر الشمس»اهـ.

وقد كَرِهَ الحنفية للقارئ أنْ يَسجُد للتلاوةِ في أوقاتِ الكراهةِ إنْ كانت تلاوته قبلَ أوقاتِ الكراهةِ؛ لأنَّها سجدةٌ وجَبَت كاملةً فلا تتأدَّى بالناقص؛ ِكسائرِ الصلواتِ، وهو ما يُسْتَفَاد من نَصِّ الإمام الزيلعي السابق ذكره.

ويرى الحنابلةُ في المذهب حرمةَ سجودِ التلاوةِ وعدم انعقاده في وقتِ الكراهةِ، وحُرْمَةَ إتمامهِ إذا دخَلَ وقتُ الكراهةِ بعدَ الشروعِ فيه، وبه قال المالكيةُ إذا سجدَ القارئ سجدةَ التلاوةِ عندَ خطبةِ الجمعةِ وعندَ طلوعِ الشمسِ أو غروبها.

قال العلامة الصاوي في «بلغة السالك» (1/ 419، ط. دار المعارف): «فليسَ الإسفارُ والاصفرارُ بوقتٍ لسجدةِ التلاوةِ، بل تُكْرَه فيهما. وتُمْنَع عندَ خُطْبَة الجمعةِ وعندَ طلوع الشمس وعند غروبها» اهـ.

وقال العلامة البهوتي في «دقائق أولي النهى» (1/ 258، ط. عالم الكتب): «(ولا ينعقد) التطوع (إن ابتدأه) مصلٍّ (فيها) أي: في أوقاتِ النهي (ولو) كانَ المصلي (جاهلًا) بالتحريمِ، أو بكونهِ وقتَ نهي؛ لأنَّ النهي في العباداتِ يقتضي الفساد. وظاهره: أنَّه لا يَبْطُل تطوع ابتدأه قبله بدخوله، لكنْ يأثَم بإتمامه (حتى ما له سبب) من التطوعِ؛ (كسجودِ تلاوةٍ)»اهـ.

وقد استدل مَن قالَ بالكراهةِ بعمومِ قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا صلاةَ بعد الصبحِ حتى ترتفعَ الشمسُ، ولا صلاةَ بعد العصرِ حتى تغيبَ الشمسُ» رواه البخاري في "صحيحه".

وفي استدلالهم بعمومِ الحديثِ نظرٌ؛ لأنَّ عمومه خُصَّ بالإجماعِ على جوازِ صلاةِ عصر اليومِ، وقضاء المنسيةِ والفائتةِ، قال الإمام النووي في «شرح صحيح مسلم» (5/ 226، ط. دار إحياء التراث): «النهيُ إنَّما هو عمَّا لا سببَ له؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بعدَ العصرِ ركعتين قضاءَ سنةِ الظهرِ فخَصَّ وقتَ النهي، وصَلَّى به ذاتَ السببِ، ولم يترك التحيةَ في حالٍ من الأحوالِ، بل أمرَ الذي دخلَ المسجدَ يوم الجمعةِ وهو يخطبُ فجلسَ أن يقوم فيركع ركعتين؛ مع أنَّ الصلاةَ في حالِ الخطبةِ ممنوعٌ منها» اهـ.

وقال الشيخ ابن القيم في «إعلام الموقعين» (4/ 153، 155، ط. دار ابن الجوزي): «وحديثُ النهي عن الصلاةِ في أوقاتِ النهي، عامٌّ مجمل قد خُصّ منه عصرُ يومه بالإجماع، وخُصّ منه قضاءُ الفائتة والمنسية بالنَّص، وخصّ منه ذواتُ الأسبابِ بالسنةِ، كما قضى النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم سنة الظهرِ بعد العصرِ، وأقرَّ مَنْ قضى سنة الفجر بعد صلاة الفجر، وقد أعْلَمَهُ أنَّها سنةُ الفجرِ، وأمر من صلَّى في رَحْله ثم جاء مسجد جماعة أن يُصلِّيَ معهم وتكونُ له نافلةً، وقاله في صلاةِ الفجرِ، وهي سببُ الحديث، وأمرَ الداخلَ والإمامُ يخطب أن يصلِّيَ تحيةَ المسجدِ قبل أن يَجلس» اهـ.

وبناءً على ذلك: أكدت دار الافتاء انَّ سجود التلاوة في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها جائزٌ، ولا كراهةَ فيه.

 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: سجود التلاوة دار الإفتاء صلى الله علیه وآله وسلم ه علیه وآله وسلم سجود التلاوة فی الصلاة فیها قال العلامة الصلاة فی دار الفکر فی أوقات اهـ وقال

إقرأ أيضاً:

هل تأخير الصلاة بغير عذر ذنب؟.. الإفتاء تجيب

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: هل تأخير الصلاة بغير عذر ذنب؟


وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: انه من المقرر شرعًا أن دخول وقت الصلاة شرط لأدائها، فإن أدَّاها المسلم في وقتها المحدد فقد برئت ذمته، وإذا أدَّاها بعد خروج الوقت من غير عذر مشروع كان آثمًا للتأخير وصلاته صحيحة.

وتابعت: ويندب عند فقهاء المالكية أداء جميع الصلوات في أول وقتها؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا» أخرجه الترمذي والطبراني في "الأوسط" واللفظ له.

هل ينقطع بر الوالدَيْنِ بوفاتهما؟.. الأزهر يجيبفضل يوم عاشوراء.. وهذا سر تسميتهالدعاء كنز يعود عليك بنعم عظيمة.. تعرف عليهاعلي جمعة: نزول سيدنا عيسى فى آخر الزمان من علامات الساعة الكبرى

تأخير الصلاة عن وقتها

قال الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، ردًا على سؤال أحد المتابعين عن تركه لصلوات الظهر والعصر والمغرب بسبب الانشغال بالعمل، وأدائه لها دفعة واحدة بعد العودة مساءً، إن الأولى ألا نسأل عن العقوبة، بل عن باب التوبة والعودة إلى الله.

وأوضح أمين الفتوى بدار الإفتاء، خلال تصريح تليفزيوني، أن الأصل في الصلاة أن تؤدى في وقتها، لقوله تعالى: "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا"، مشيرًا إلى أن سيدنا جبريل علّم النبي مواقيت الصلاة بنزوله مرتين: مرة في أول الوقت، ومرة في آخره، ثم قال: "الوقت ما بين هذين".

وأكد أن من لم يستطع أداء الصلاة في وقتها بعذر معتبر، يمكنه أن يجمع بين الصلوات؛ فيجمع بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء، جمع تقديم أو تأخير، حسب الحاجة، أما الجمع بين الفجر والظهر أو العصر والمغرب فلا أصل له.

وأضاف أن من لم يتمكن لا من أداء الصلاة في وقتها ولا من الجمع بعذر، وجب عليه القضاء عند التيسير، مشددًا على أن الإنسان لا يُؤثم إذا كان العذر حقيقيًا، لقوله تعالى: "لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها".

طباعة شارك تأخير الصلاة عن وقتها الإفتاء تأخير الصلاة بغير عذر تأخير الصلاة ترك الصلاة

مقالات مشابهة

  • أصداء
  • أمين الفتوى: ستر العورة شرط لصحة الصلاة وهذه أحكامه للرجل والمرأة
  • هل يجوز صيام يوم عاشوراء فقط إذا وافق السبت.. رأي الفقهاء
  • أفضل عمل عند الله بعد الصلاة المكتوبة.. تعرف عليه
  • هل تجوز الصلاة على النبي بأكثر من نية؟.. الإفتاء تجيب
  • هل تأخير الصلاة بغير عذر ذنب؟.. الإفتاء تجيب
  • هل يجب على مدخن السجائر المضمضة قبل الصلاة؟.. دار الإفتاء تجيب
  • حكم الخروج من المنزل قبل الاغتسال من الجنابة .. دار الإفتاء تجيب
  • فضل العبادة في أوقات الغفلة وانتشار المعاصي.. الأزهر يوضح
  • ماذا حرم في شهر محرم الهجري؟.. 3 أفعال الوقوع فيها سهل