في خطوة خلفت ردودا واسعة، أعلن أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، عن حل البرلمان وتعليق مواد بالدستور لفترة قد تمتد إلى أربعة أعوام، في قرارات ألقت بظلالها على الشارع السياسي بالبلاد، مثيرة تساؤلات بشأن مستقبل التجربة الديمقراطية في الدولة الخليجية، التي تُعد واحدة من آخر المعاقل شبه الديمقراطية بمنطقة الشرق الأوسط.

وقال الأمير الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في خطاب متلفز، الجمعة، "لن أسمح باستغلال الديمقراطية لتدمير الدولة"، معلنا أن الفترة الأخيرة من الاضطرابات السياسية تتطلب "قرارات صعبة لإنقاذ البلاد".

كما علق الأمير عدة مواد من الدستور، وقال إن الفترة الانتقالية ستُستخدم لمراجعة "جميع جوانب العملية الديمقراطية"، وخلالها سيتولى الأمير ومجلس الوزراء السلطات التشريعية للبرلمان المكون من 50 عضوا.

وجاءت هذه القرارات بعد شهر من انتخابات صوت فيها الكويتيون على برلمان جديد. وفي حين تم حل المؤسسة التشريعية الكويتية بشكل متكرر، وآخرها من قبل الشيخ مشعل في فبراير الماضي، فإن تعليق البرلمان لم يحدث سوى مرتين في تاريخ البلاد، وذلك عامي 1976 و1986.

"أزمة ممتدة"

وتعيش الكويت أزمات متتالية منذ سنوات بسبب الخلافات المستمرة والصراعات بين الحكومات التي يعينها الأمير والبرلمانات المنتخبة انتخابا مباشرا، الأمر الذي أعاق جهود الإصلاح الاقتصادي، وعطّل كثيرا المشاريع التنموية التي تحتاجها البلاد، بحسب وكالة رويترز.

المحلل السياسي الكويتي، قيس الأسطى، يرى أن القرار الأخير "كان أحد الخيارات المطروحة في ظل حالة الجمود السياسي"، مشيرا إلى أن "الأزمة السياسية بالكويت كانت تتزايد"، مما استدعى تدخلا من أمير البلاد.

ويوضح الأسطى في تصريح لموقع "الحرة"، أن الأزمة "ليست وليدة اليوم بل مستمرة منذ سنوات" ونتج عنها "انسداد في الأفق السياسي بالبلاد في ظل حالة الجدل المتواصلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وانتخبت الكويت برلمانا جديدا، في الرابع من أبريل الماضي، ليصبح الرابع منذ ديسمبر عام 2020، وبعدها بيومين استقالت حكومة، الشيخ محمد صباح السالم الصباح، كخطوة إجرائية بعد الانتخابات.

حل البرلمان وتعليق مواد دستورية.. تفاصيل قرار أمير الكويت على وقع خلافات مستمرة بين السلطتين التنفيذية والتشريعة، حل أمير الكويت الشيخ الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح البرلمان، وعلق العمل ببعض مواد الدستور لمدة لا تزيد عن أربع سنوات.

وأسفرت الانتخابات عن تغيير محدود تمثل في دخول 11 نائبا جديدا من أصل 50 عضوا منتخبا في البرلمان، فيما احتفظت المعارضة في الكويت بغالبيتها في المجلس، مما رجح احتمال استمرار حالة الجمود السياسي، بعد أول انتخابات في عهد أمير الكويت الجديد، الشيخ مشعل الأحمد الصباح.

في هذا الجانب، يقول المحلل الكويتي، إن بعض النواب البرلمانيين مارسوا خلال السنوات الأخيرة "تعسفا في استعمال السلطة وعمدوا إلى سلوكيات مرفوضة".

ويشدد الأسطى على أن "هذا لا يعني أن الحكومات المتوالية لم ترتكب أخطاء من جانبها"، بل على العكس، كان للطرفين "دور في الأزمة"، وذلك أحيانا من خلال صفقات بين أعضاء المؤسستين مما أدى إلى ترهل وسوء الخدمات بالبلاد.

"امتعاض الأمير"

وعزا الشيخ مشعل قرارات حل مجلس الأمة ووقف العمل ببعض مواد الدستور لمدة لا تزيد عن أربع سنوات" إلى  "تدخل" بعض النواب في صلاحيات الأمير وفرض البعض الآخر "شروطا" على تشكيل حكومة.

وقال في خطابه: "واجهنا من المصاعب والعراقيل ما لا يمكن تحمله والسكوت عنه" مضيفا: "نجد البعض يصل تماديه إلى التدخل في صميم اختصاصات الأمير واختياره لولي عهده متناسيًا أن هذا حق دستوري صريح للأمير".

وجاء قرار الحلّ قبل 4 أيام من موعد افتتاح أعمال مجلس الأمة الذي انتُخب، مطلع أبريل الماضي، وبعد أن رفض نواب المشاركة في الحكومة. 

في هذا الجانب، يقول الكاتب السياسي، عايد المناع، إن أمير البلاد أبدى "امتعاضه" من أعضاء مجلس الأمة وتدخلهم في اختصاصات رئيس الدولة فيما يتعلق بولاية العهد ورئاسة الوزراء وأيضا تحديد متطلبات للوزراء حتى قبل توليهم منصبهم، وعدم التفاعل مع مطلب حضور عضو واحد على الأقل من مجلس الأمة في تشكيلة الحكومة.

ويضيف المحلل الكويتي في تصريح لموقع "الحرة"، أن مردّ القرار الأخير "إنهاء حالة عدم الاستقرار التي شهدتها الساحة السياسية بالكويت، حيث استدعت الوضعية "توقفا للمراجعة والتصحيح".

وتوقع المتحدث ذاته، العودة إلى الحالة النيابية مجددا، لكن بـ"صيغة دستورية أكثر انضباطية وتمكّن السلطتين من التعاون دون التدخل في صلاحيات وشؤون الأخرى".

"انتكاسة للديمقراطية"

وعلى الجهة المقابلة، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، أن القرارات الأميرية الأخيرة "أثارت مخاوف من أنها قد تمثل تحركا نحو تفكيك أحد آخر الأنظمة السياسية شبه الديمقراطية في الشرق الأوسط".

ونقلت الصحيفة الأميركية عن أستاذ العلوم السياسية بجامعة ولاية جورجيا، مايكل هيرب، قوله إن هذه "انتكاسة خطيرة للديمقراطية في الشرق الأوسط"، مضيفا أن "تعليق البرلمان هذا يهدد بجعل الكويت استبدادية مثل باقي الملكيات الخليجية".

وتابع أنه "لا يزال هناك أمل في أن تسلك الدولة مساراً مختلفاً، فبعد التعليقين السابقين، تم استعادة البرلمان في نهاية المطاف".

من جهته، يشير المحلل السياسي الكويتي المناع، إلى تجارب البلاد السابقة في حل البرلمان وتعليق بعض مواد الدستور، مؤكدا أن المؤسسة التشريعية استعادت كامل نشاطها بعد انتهاء مدة التعليق في المرة الأولى عام 1976، وبعدها أيضا حين عادت الحياة النيابية إلى سابق بعد تعليقها عام 1986، غير أنه يوضح أن تجارب السنوات الأخيرة "أثبتت الحاجة إلى التغيير".

ويقول المحلل السياسي إن التجربة البرلمانية بالبلاد بحاجة إلى أن "تتنقّى على أن تعود بحالة أفضل مما كانت عليه"، مشيرا إلى أن القيادة السياسية "لن تضحي بالحياة النيابية والضوابط الدستورية، مذكرا بحديث الأمير، قبل سنتين على أن "الدستور في حرز المكنون".

وذكرت واشنطن بوست، أنه على الرغم من أن الكويت "لا تزال بعيدة عن تحقيق الديمقراطية الكاملة، حيث يحكمها نظام وراثي ولا تسمح بالنشاط الحزبي، إلا أنها تبرز كاستثناء لافت في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد تنامي القمع".

 ووسط  التراجع الديمقراطي الذي طال دولا عربية عدة مثل تونس ومصر بعد أكثر من عقد على انتفاضات الربيع العربي، ما تزال الكويت، بحسب الصحيفة تمثل "بديلا يتوفر على مقومات بناء العملية الديمقراطية".

في هذا السياق، يؤكد المحلل السياسي، الأسطى، أن الديمقراطية الكويتية على "عيوبها" يشار إليها بالبنان على مستوى المنطقة، إذ شكلت حماية لتعدد مصادر السلطة وللحرية النسبية بالبلاد.

ولهذا يقول المحلل الكويتي، إن الكويت رغم أنها تمر بـ"بعض التعثر الذي يفقدها بريقها الديمقراطي"، إلا أنه يثق في استمرار الديمقراطية، بعد أن يتم تنفيذ الإصلاحات المطلوبة وأن تعود البلاد إلى طبيعتها في أقرب وقت.

وحاول موقع الحرة التواصل مع عدد من النواب الكويتيين السابقين وأيضا محللين سياسيين آخرين، إلا أنهم رفضوا الرد على أسئلة موقع الحرة بشأن قراءاتهم ورأيهم في المستجدات الأخيرة. 

وفي تعليقه على الموضوع، كتب الباحث السعودي في العلوم السياسية الذي يعيش في الولايات المتحدة، سلطان العامر، على إكس: "الأخوة في الكويت، إذا تحتاجون أي مساعدة بطرق العيش والبقاء والاستمرار تحت نظام سلطوي بدون حريات عامة، ترى إخوانكم ببقية دول الخليج عندهم خبرة وباع طويل في هذا الموضوع. وكلنا لبعض".

الأخوة في الكويت، إذا تحتاجون أي مساعدة بطرق العيش والبقاء والاستمرار تحت نظام سلطوي بدون حريات عامة، ترى إخوانكم ببقية دول الخليج عندهم خبرة وباع طويل في هذا الموضوع. وكلنا لبعض.

— سلطان العامر (@sultaan_1) May 10, 2024

من جهته، قال شون يوم، الأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة تمبل الأميركية، إنه "قلق بشأن كيفية التعامل مع المعارضة المحلية الآن".

وتساءل: "ماذا يحدث للنقاد السياسيين والكتل المعارضة إذا لم يكن لديهم برلمان، والذي جسد دائما التعددية في المجتمع الكويتي؟".

موقع الاقتصاد وسط مستجدات السياسة

وفي خطابه، الجمعة، تأسف الشيخ مشعل، الذي وصل إلى السلطة في ديسمبر بعد وفاة الأمير السابق، من أن  "الجو غير السليم الذي عاشته الكويت في السنوات السابقة شجع على انتشار الفساد ليصل إلى أغلب مرافق الدولة بل ووصل إلى المؤسسات الأمنية والاقتصادية مع الأسف بل ونال حتى من مرفق العدالة"، مشيرا إلى أن القضاء قادر على "تطهير نفسه".

وقال إن "الجميع يجب أن يعلم أن لا أحد فوق القانون فمن نال من المال العام دون وجه حق سوف ينال عقابه أيا كان موقعه أو صفته".

وتأتي هذه التحركات السياسية وسط تحديات عدة، خصوصا مع سعي الحكومات المتعاقبة في الكويت إلى تنفيذ خطة إصلاحية أقرت، في عام 2018، لتنويع الاقتصاد والحد من الاعتماد على الذهب الأسود، فيما يشير محللون إلى أن الإصلاحات السياسية ضرورية في المرحلة المقبلة، وفقا لفرانس برس.

وحالت الخلافات دون إقرار البرلمان إصلاحات تهدف إلى تنويع الاقتصاد، في حين أدى العجز المتكرر في الميزانية وضعف الاستثمار الأجنبي إلى تفاقم التجاذبات.

وتعد الكويت من أكبر مصدري النفط الخام في العالم، لكن انعدام الاستقرار السياسي قلل من شهية المستثمرين، وفقا لوكالة فرانس برس.

وتمتلك الكويت، المتاخمة للسعودية والعراق، سبعة في المئة من احتياطيات النفط الخام في العالم. وليس لديها سوى القليل من الديون كما تدير أحد أقوى صناديق الثروة السيادية في العالم. 

وقال الأمير "إن مصالح شعب الكويت تأتي فوق كل شيء وهي مؤتمنة لدينا، ونحن بحاجة إلى الحفاظ عليها وحمايتها".

وأعرب مراقبون عن تفاؤلهم بإمكانية أن يؤدي تعليق البرلمان إلى كسر الجمود السياسي في البلاد، مما يمنح الحكومة مساحة لتنفيذ أجندتها دون عوائق.

في هذا السياق، يشير كليمنس تشاي، الزميل الباحث في معهد الشرق الأوسط بالجامعة الوطنية في سنغافورة، إلى أن "السياسات المهمة مثل الميزانية الوطنية، تأخرت وأعيقت بسبب السياسات المختلة".

من جانبه، قال بدر السيف، الأستاذ المساعد في التاريخ بجامعة الكويت، على منصة إكس، إن "من المبكر جدا تتبع ردود الفعل بشكل شامل. البعض يهلل (مستشهدين بالجمود السياسي)، والبعض الآخر لا يفعل (مستشهدين بالمسار غير الدستوري والعواقب). توقع حدوث منازعات ومواجهة حاسمة. هناك حاجة إلى الحكمة وحوار وطني حقيقي للانخراط في عملية شاملة لكتابة الدستور".

Attempt to amend the constitution has been somewhat tried (& failed) before during suspensions of parliament-related clauses between 1976-1981 & 1986-1992. Onus on current admin to show how it’s diff this time. Much more is now expected of exec authority in bettering lot of Kuw.

— Bader Al-Saif بدر السيف (@bmalsaif) May 10, 2024

وأضاف: "لقد تمت محاولة تعديل الدستور إلى حد ما (وفشلت) من قبل خلال فترات تعليق المواد المتعلقة بالبرلمان بين عامي 1976-1981 و1986-1992. يقع على عاتق الإدارة الحالية عبء إظهار كيف ستكون الأمور مختلفة هذه المرة. والآن، هناك الكثير من الانتظارات من السلطة التنفيذية في تحسين أوضاع الكويت".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الشیخ مشعل الأحمد المحلل السیاسی الشرق الأوسط حل البرلمان أمیر الکویت مجلس الأمة فی الکویت فی هذا إلى أن

إقرأ أيضاً:

معركة الديمقراطية والتحرير.. تلازم الشروط والنتائج

عقولنا الباطنة كنت ترفض رؤية الحرب قادمة، ففزعنا إلى التكذيب وتهوين الإشارات.. كأننا لم نتعلم من كل الدروس السابقة، لم نعرف عدونا بما يكفي لنوقن بأن الحرب هي عمق تفكيره وسلوكه وأنه لا يعيش إلا منها، بل يعيش لأجلها واجبا حيويا وومهمة وجودية. ها نحن في الحرب ولا نفلح في توقع المصير، فنجنح إلى مداعبة مشاعرنا بنصر تقول عقولنا أن شروطه غير متوفرة.

لقد كان اختراق حزب الله واصطياد قيادته كالعصافير سخطة أصابت منا مقتلا وظننا من غفلة أن الأمر وقف هناك، لكن الضربة تكررت في عمق دار قيادة الممانعة والإسناد، فكان الذهول المدمر؛ لماذا كانت إيران هشة أمنيا إلى هذا الحد؟ هل يعقل أنه لليوم السادس من المعركة ما زال الأمن الإيراني يطارد مصنعي المسيرات الخائنة من داخل العاصمة طهران نفسها؟ لماذا تم ضرب القلعة من الداخل؟ لكن هل كانت قلعة فعلا؟

نعيد اكتشاف إيران

بتأثير من الدعاية الإيرانية ومن حماس أنصارها العرب بنينا صورة عن دولة قوية مسلحة ومستعدة لحروب من الجيل الرابع، تملك مقومات الصمود الكامل في وجه عدو نعرفه جميعا يبدأ بالغدر ويكمل بالنذالة، وغفلنا عن الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية وبعضها سببه الحصار وكثيرها سببه توجيه إمكانات البلد لمعركة خارج إيران وبعيدا عن شعبها، ولم نسأل يوما هل أن الشعوب الإيرانية منخرطة فعلا في معركة تقودها نخبتها السياسية الحاكمة طبقا لمشروع غير متفق عليه في الداخل؟

غفلنا عن الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية وبعضها سببه الحصار وكثيرها سببه توجيه إمكانات البلد لمعركة خارج إيران وبعيدا عن شعبها، ولم نسأل يوما هل أن الشعوب الإيرانية منخرطة فعلا في معركة تقودها نخبتها السياسية الحاكمة طبقا لمشروع غير متفق عليه في الداخل؟
الاختراق كان ضربة على اليافوخ نبهتنا إلى أن في إيران فئة تتربص بخيار الدولة، تريد أن تخرج إيران من معركة لا تراها معركة إيرانية، ونقول الآن إن الاختراق جاء من هناك، إذ وجد العدو من يشتغل لصالحه من الداخل رفضا للنظام ومشروعه.

هنا نحن أمام حالة مدرسية مستعادة من تجارب كثيرة وكثيرها عربي؛ الاستعانة بعدو الخارج (الذي يصير صديقا) ضد عدو الداخل (العدو الوحيد). لقد أنتجت سياسات بلدان كثيرة لا تستشير شعوبها في ما تفعل ولا تقدر حاجاتها الأساسية؛ فئات لا ترى غضاضة في التحالف مع عدو الخارج والاستنصار به على أنظمة بلدانها، فيسقط الجميع. نيكارغوا، فنزويلا، العراق، أفغانستان، ليبيا، سوريا.. وأخيرا إيران؛ مشروع النظام في معاداة الإمبريالية (زعما أو صدقا) لم يتداخل مع مشروع بناء ديمقراطية تحمي النظام من الداخل. هذه بوابة عودة السؤال: هل يمكن الانخراط في معركة تحرير وبناء ديمقراطية في ذات الوقت؟ هذه بوابة تفكير لما بعد هذه الحرب أو أي حرب تشببها؛ لأن الحروب لم تنته خاصة في منطقة الشرق الأوسط؛ عقدة العالم ومفتاح الاستراتيجيات الكبرى. نكتشف إيران دولة مسلحة بلا حماية داخلية، لأنها ليست دولة ديمقراطية فلم تؤلف قلوب كل شعوبها حول مشروعها التحريري.

ممنوع النقد وقت الحرب

رجمنا المنخرطون في المعركة برجوم كثيرة زاعمين أن نقد القيادة وقت المعركة تخذيل وأعاداو لنا لازمة "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، وهو الشعار الذي دمر أمة العرب تحت أنظمة زعمت معركة التحرير فانتهت في الخيانات. مطلوب منا الصمت والاتباع فالقيادة معصومة. كان هذا الشعار وسيلة تدمير الديمقراطية ولو بحدها الأدنى، فكان إطلاق يد النظام (الأنظمة) بلا رادع ولا رقيب، والنتائج منشورة بعد الربيع العربي.

الربيع قال لنا جملته الحاسمة من مصر "لن نترك غزة وحدها"، وهذا شعار تحرير أطلق بالتزامن مع بناء نظام ديمقراطي في مصر وفي تونس، أُسقط الشعار والمشروع مرة أخرى بعنوان "لا صوت يعلو فوق المعركة"، فكان حصار غزة ومنع القوت عن أطفالها باسم تحريرها.

قافلة التضامن المغاربية على صغر حجمها أعادت توضيح الواضحات، حيث نبت زرع الحرية ولم يجف نهائيا، سارت القافلة بين أحضان الناس الذين كشفوا الاستعداد الأقصى للتضحية (جامعة التحرير والحرية صنو الديمقراطية). وكم كان عظيما إغماد أهل ليبيا لأسلحة الاحتراب الداخلي من أجل قضية التحرير الكبرى، مؤمنين غير مغصوبين ولا مخدوعين. على حدود الدكتاتورية رُدت القافلة على أعقابها باسم عدم التشويش على المعركة (تحرير غزة بقتل شعبها جوعا وعشطا).

سيوجد مثلنا كثير يسلم في اللحظة الحرجة لشعار لا صوت يعلو، من أجل نصر عزيز على النفوس ولو بغمط شروطه السياسية، وسيوجد بيننا دوما من يحقد على أنظمة القهر فيستسهل الخيانة ويضع يده في يد العدو، لكن الشوق إلى الديمقراطية سيظل معلقا فوق الرؤوس
شعوب أوروبا الحرة التي تتحرك في قضية إنسانية؛ تتحرك تحت الديمقراطية فتنخرط في قضايا الإنسانية ولا تخرب بلدانها كما تزعم أنظمة "لا صوت يعلو". هل كان الإيرانيون في جملتهم سيرفضون الانخراط في معركة تحرير لو أن نظام بلادهم جمع صوت المعركة مع صوت الحريات في الداخل؟ من هنا جاء الاختراق الذي ما زال ينذرنا بأن الأرض ليست مخلصة للنظام، وأن ضربة من الداخل لا تزال تهدد خطوطه الخلفية وقد تعصف به ولو صمد في القتال الخارجي.

لن يهرب أحد من الاستحقاق الديمقراطي

قلوبنا الواجفة وعقولنا المقهورة تؤلف روايات عن النصر، حتى أننا نكذب المؤشرات الموضوعية عن تفاوت القوة، فيرافق الناس الصواريخ بالدعاء، لكن المعركة ستنتهي وتسفر عن حقيقة واضحة. التحرير معركة الشعوب كلها وهي لن تنخرط بكلياتها في هذه المعارك دون حرياتها ودون احترام إراداتها. سيوجد مثلنا كثير يسلم في اللحظة الحرجة لشعار لا صوت يعلو، من أجل نصر عزيز على النفوس ولو بغمط شروطه السياسية، وسيوجد بيننا دوما من يحقد على أنظمة القهر فيستسهل الخيانة ويضع يده في يد العدو، لكن الشوق إلى الديمقراطية سيظل معلقا فوق الرؤوس.

العدو يعلمنا برغمنا أن القوة في بناء الجبهة الداخلية بالديمقراطية، فتخاض الحروب بظهر محمي من الشعب نفسه ولو كانت مهجته في غير الحرب. انتهى طريق قهر الشعوب باسم معارك التحرير، فلا معنى لتحرير شعب (ولو كان صديقا) باستعباد الشعب الذي يدفع كلفة المعركة.

قيلت لنا على لسان أكثر من مفكر قومي وإسلامي أن تحرير فلسطين يبدأ بتحرير الشعوب العربية في أقطارها من القهر والاستعباد الداخلي؛ لأنه وسيلة الحماية الأقوى وضمانة المنعة من الاختراق الخارجي والداخلي. ولا تحرير في الداخل إلا بالديمقراطية، هي وسيلة تحرير المواطن ليتقدم بارادته الحرة فيقبل تحمل كلفة المعارك ولا يضع يده في يد عدوه نكاية في نظام بلاده.

لكن لا بأس.. سنصمت قليلا لصوت المعركة.

مقالات مشابهة

  • شجون الهاجري تتصدر تريند جوجل بعد ضبط فنانة مشهورة بحوزتها مواد مخدرة في الكويت
  • ضبط فنانة معروفة في الكويت بحوزتها مواد محظورة
  • المفوض العام لدولة الكويت في «إكسبو 2025»: احتفالنا باليوم الوطني عكس تنوع التراث الكويتي وجمال فنونه
  • الكويت: توقيف الفنانة شجون الهاجري بتهمة حيازة مخدرات
  • الكويت.. قصة مثيرة لضبط مواطنة بحوزتها مواد مخدرة للتعاطي
  • داخلية الكويت تضبط مواطنة بحوزتها مواد مخدرة ومؤثرات عقلية - عاجل
  • أوباما يحذر .. الديمقراطية الأميركية على حافة التحول إلى استبداد
  • معركة الديمقراطية والتحرير.. تلازم الشروط والنتائج
  • الشيباني:تأجيل الانتخابات مساس بالدستور .. وعلى القوى الوطنية تحمل مسؤولياتها
  • مصطفى بكري: على الحكومة أن تصدر قرارات حكيمة تعكس إرادة القيادة السياسية