في 31 يناير/ كانون الثاني 2018، كشف الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي "الموساد"، يوسي كوهين، كيف تمكّنوا من الاستيلاء على الأرشيف النووي العسكري الإيراني في طهران باستخدام عشرين عميلًا إيرانيًا. قال حينها:
"قبل أكثر من عامين من تنفيذ العملية، تلقّى الموساد معلومات استخبارية حول المكان الذي يُخفى فيه الأرشيف النووي، وبدأنا في البحث عنه.
هناك، أجرينا تدريبات على اقتحام المبنى وإفراغ محتوى الخزائن بصمت. تم توظيف عشرين عميلًا مختارًا، لا يحملون الجنسية الإسرائيلية.
وخلال تنفيذ العملية، كان العملاء يرسلون بثًا مباشرًا لما يرونه، ويقدمون شروحًا باللغة الفارسية، ويرسلون صورًا. وعندما رأينا ما تحتويه تلك الخزائن الضخمة، أدركنا أننا عثرنا على ضالتنا. لقد أدركنا حينها أننا استولينا على البرنامج النووي العسكري الإيراني".
في تلك الأيام، اعتُبرت تصريحاته ضربًا من المبالغة، واستخفّت بها إيران قائلة إن "الوثائق المسروقة مزيفة". لكن الهجوم الإسرائيلي الذي وقع ليلة 13 يونيو/ حزيران 2025 كشف أن تلك التصريحات لم تكن خالية من الحقيقة.
فلم يكن القصف الجوي وحده هو الضربة، بل اغتيل عدد من كبار القادة والعلماء النوويين الإيرانيين، ليس فقط عبر طائرات " إف- 35″ والطائرات المسيرة، والصواريخ التي انطلقت من إسرائيل الواقعة على بعد 1600 كيلومتر، بل أيضًا عبر شبكة عملاء الموساد التي نُسجت داخل إيران على مدى سنوات كشبكة العنكبوت.
ولفهم مدى فاعلية شبكة العملاء هذه، يكفي النظر إلى هوية من سقطوا قتلى في الهجوم. فخلال الغارات، قُتل كل من رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية محمد حسين باقري، وقائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، وقائد مقر خاتم الأنبياء المركزي علي رشيد، وقائد أنظمة الدفاع الجوي للحرس الثوري داود شيحيان، وقائد القوات الجوية بالحرس الثوري أمير علي حاجي زاده، وقائد الطوارئ بالحرس الثوري علي شادماني.
إعلانوقد شاركت الولايات المتحدة في الهجوم عبر تقديم دعم استخباري، وطائرات التزود بالوقود، والأسلحة، بحسب ما أفادت به وسائل الإعلام الأميركية التي أوضحت: "قبل أن تُغير طائرات " إف-35″ على الأهداف النووية والعسكرية، مهّد الموساد الطريق بعملية سرية. تم تهريب قطع طائرات مسيرة إلى داخل إيران، ونُفذت الهجمات من الداخل".
على مدار شهور، هرّب الموساد أجزاء من طائرات رباعية المراوح محمّلة بالمتفجرات، وذخائر تُطلق عن بعد، بواسطة حقائب سفر، وشاحنات، وحاويات شحن إلى داخل إيران. ثم قامت فرق صغيرة وسرية بتركيب هذه الطائرات قرب مواقع الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي. وعندما بدأت الضربات الجوية، حيّدت هذه الفرق الأنظمة الحرجة، واستهدفت منصات الإطلاق الخارجة من المخابئ.
استهدفت فرق الطائرات المسيّرة قوافل الصواريخ والمخازن، وتم تدمير عشرات الشاحنات المخصصة للإطلاق، وهو ما أدى إلى تأخير الرد الإيراني.
هذه الشبكة السرية التي جرى إعدادها على مدى سنوات، تأسست من عملاء دُرِّبوا في الخارج، وتسللوا إلى خطوط الإمداد، وحددوا الأهداف بدقة.
أما إيران، التي لطالما قللت من شأن تغلغل الموساد داخلها، فقد بدأت عمليات مضادة متأخرة. وتمكنت من اعتقال العشرات من عملاء الموساد الذين كانوا يجمعون المعلومات من الميدان، وشاركوا في الهجمات. وتم إعدام بعضهم.
لكن ذلك لا يعني أن تهديد الموساد داخل إيران قد انتهى. إذ إن الشبكة لم تتغلغل فقط بين الناس العاديين، بل وصلت إلى أعلى هرم السلطة، بحسب ما صرح به مسؤولون إيرانيون.
ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، بعد عامين من استيلاء الموساد على الأرشيف النووي، قُتل أبرز علماء إيران النوويين محسن فخري زاده، عبر سلاح رشاش يتحكم به عن بُعد، باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وبعد الاغتيال، صرّح وزير الاستخبارات الإيراني محمود علوي بأن الشخص الذي سهّل اغتيال فخري زاده هو أحد عناصر الحرس الثوري نفسه، دون أن يُكشف عن هوية ذلك العميل للموساد داخل الاستخبارات الإيرانية.
الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، أكد عام 2021 أن أحد كبار المسؤولين الأمنيين المكلّفين بالتصدي لعمليات الموساد، كان نفسه عميلًا لدى الموساد. وقال: "إسرائيل تنفذ عمليات معقدة داخل إيران، وتحصل على معلومات حساسة بسهولة تامة. وأجهزة الدولة لا تزال صامتة. الشخص المسؤول عن مقاومة إسرائيل كان عميلًا لها".
وواضح أن الموساد امتلك في إيران شبكة تجسس عملاقة، جعلته قادرًا على تنفيذ اغتيالات كيفما شاء.
وفي 2022، صرح علي يونسي، مستشار الرئيس السابق حسن روحاني ووزير الاستخبارات السابق، قائلًا: "الموساد تسلل خلال السنوات العشر الأخيرة إلى جميع مفاصل الدولة الإيرانية، لدرجة باتت معها أرواح كل المسؤولين في خطر. لقد أصبحوا يهددون المسؤولين علنًا. وبصفتي ممن عمل سابقًا في وزارة الاستخبارات، فإن هذا الوضع يؤلمني بعمق".
وفي 31 يوليو/ تموز 2024، وبعد وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث طائرة غامض، حضر الموساد حفل تنصيب خليفته مسعود بزشكيان، لينفّذ بعده عملية اغتيال دقيقة استهدفت قائد حركة حماس إسماعيل هنية، في دار ضيافة محصنة تابعة للحرس الثوري.
إعلانوبحسب صحيفة "تلغراف" البريطانية، استخدم الموساد عملاء له داخل الحرس الثوري لتنفيذ اغتيال هنية.
ومع استمرار إسرائيل في ارتكاب المجازر في غزة، اتجهت نحو لبنان، مستهدفة حزب الله قبل شن عملية برية. وقد أظهرت مدى اختراقها حزب الله وإيران عبر عمليات اغتيال فردية وجماعية.
ففي عملية نوعية، فجّرت في وقت واحد أجهزة النداء التي يستخدمها الحزب للتواصل، فطالت 3000 من قادته وأفراده دفعة واحدة. وقد نُفذت العملية من جناحين؛ أحدهما في إسرائيل، والآخر في إيران. تم توفير الأجهزة من داخل إيران، في حين تولّى الموساد تحويلها إلى عبوات ناسفة.
ولم تكتفِ إسرائيل بذلك، بل استهدفت قيادات حزب الله واحدًا تلو الآخر، حيث اغتالت في 16 يونيو/ حزيران، قائد وحدة "ناصر" سامي طالب عبدالله، وفي 3 يوليو/ تموز، قائد وحدة "عزيز" محمد نعمة ناصر، ثم القائد الأعلى العسكري للحزب فؤاد شُكر، وفي 20 سبتمبر/ أيلول، قائد وحدة "الرضوان" إبراهيم عقيل، وفي 24 سبتمبر/ أيلول، القائد البارز إبراهيم محمد قبسي، وفي 26 سبتمبر/ أيلول، قائد الوحدة الجوية محمد حسين سرور، وأخيرًا، في 27 سبتمبر/ أيلول، زعيم حزب الله نفسه، حسن نصر الله.
واللافت أنه قبل أيام من اغتياله، وتحديدًا في 24 سبتمبر/ أيلول، وجّه له الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان، محمد علي الحسيني، عبر إحدى القنوات، تحذيرًا قائلًا: "لو كنت تعلم ما تقوله إيران عنك، لانقلبت المعادلة. اكتب وصيتك، فقد خدعتك أحلامك في دخول القدس، وخذلك شركاؤك".
وبحسب ما نقلته صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية عن مصدر أمني لبناني، فإن عميلًا إيرانيًا هو من قدّم لإسرائيل معلومة مفادها أن نصر الله يخطط لزيارة مقر حزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية يوم الجمعة. وأشارت الصحيفة إلى أن هذا العميل "من داخل النظام الإيراني نفسه".
وعقب عملية الاغتيال، صرّح الحسيني: "إيران باعت نصر الله مقابل الحلم النووي. الإحداثيات جاءت من طهران. أُقسم أن كل من سيخلف نصر الله سيُقتل. لقد سرّبت إيران معلومات الجميع".
ومن الواضح أن المقصود بـ"إيران" في هذا السياق هم عملاء الموساد المزروعون داخل مفاصل الدولة. فكما في الهجوم الأخير، لا يمكن أن تُعرف أماكن تواجد هؤلاء القادة بدقة إلا من قبل مسؤولين في مواقع مماثلة أو جواسيس يعملون داخل الاستخبارات الإيرانية لصالح الموساد.
بل إن القصف الذي استهدف المنطقة التي يقيم فيها المرشد الأعلى آية الله خامنئي، يثبت أن الموساد يمتلك معلومات داخلية دقيقة.
لكن نشاط الموساد لا يقتصر على إيران. فهذه الأحداث تُظهر أن إسرائيل قادرة على شن عمليات دقيقة ليس فقط في إيران، بل في مختلف دول الشرق الأوسط: لبنان، وسوريا، والعراق، من خلال شبكة التجسس التي نسجتها طوال سنوات.
وهذا الجهاز السري الإسرائيلي بات اليوم يشكّل تهديدًا حقيقيًا على وجود واستقرار دول المنطقة كافة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات داخل إیران حزب الله فی إیران نصر الله عمیل ا
إقرأ أيضاً:
تعقب العلماء وتفكيك الدفاعات.. كيف نفذ الكوماندوز الإسرائيلي سلسلة الضربات في حرب الـ12 يومًا؟
وفق تقرير استقصائي نشره موقع ProPublica، حلّق طيارون إسرائيليون سرًا فوق إيران منذ 2016 لجمع معلومات استخبارية، بينما كثّف الموساد تجنيد وتدريب عملاء إيرانيين استعدادًا للحرب التي استمرت 12 يومًا. اعلان
كشف تقرير لصحيفة "ProPublica، استند إلى محادثات موسّعة مع 10 من المسؤولين الحاليين والسابقين في أجهزة المخابرات الإسرائيلية، أن العمليات الإسرائيلية داخل إيران نُفذت عبر مجموعتين من وحدات الكوماندوز، ضمت كل منهما 14 فريقًا مكوّنًا من أربعة إلى ستة عناصر، جُنّدوا من قبل إسرائيل.
وكان بعض هؤلاء العناصر يقيمون مسبقًا في إيران، فيما ينتمي آخرون إلى معارضين أجانب للجمهورية الإسلامية دخلوا البلاد قُبيل تنفيذ العمليات السرية، إضافة إلى عناصر تم تجنيدهم من دول مجاورة.
وأشار التقرير إلى أن دوافع المشاركين تراوحت بين الانتقام من النظام الإيراني، والحصول على مكافآت مالية، أو فرص للعلاج والدراسة في الخارج.
ومن بين العناصر، شاب إيراني يُدعى "س. ت"، شارك فجر 13 يونيو، مع ما وُصف بـ"فيلق أجنبي" بالموساد الإسرائيلي مؤلف من نحو 70 كوماندوز، في هجوم نُفذ بطائرات مُسيرة وصواريخ استهدف مواقع محددة لأنظمة الدفاع الجوي وقاذفات الصواريخ الباليستية.
وفي اليوم التالي، نفذت مجموعة أخرى تضم إيرانيين وعناصر من قوات إقليمية هجومًا ثانيًا داخل إيران.
وبحسب مسؤولين إسرائيليين، لعبت عملية الكوماندوز التي خطط لها جهاز الموساد قبل أكثر من عام دورًا محوريًا في النجاحات الجوية لإسرائيل خلال يونيو، وسمحت للقوات الجوية الإسرائيلية بشن سلسلة من الضربات المعاكسة دون فقدان أي طائرة.
واستندت القوات الإسرائيلية، وفقًا للتقرير، إلى معلومات قدّمها عملاء للموساد داخل الأراضي الإيرانية، مما مكّنها من استهداف منشآت نووية، حيث دُمّر نحو نصف الصواريخ الباليستية الإيرانية البالغ عددها 3000 صاروخ، إضافة إلى 80% من قاذفات الصواريخ، كما تم استهداف مواقع سكنية لعلماء نوويين وقادة عسكريين إيرانيين.
وكما هو الحال في عملية جهاز النداء "البيجر" وجهاز الاتصال اللاسلكي ضد حزب الله، استغل الجواسيس الإسرائيليون، وفق ما أوردت مجلة «بروبوبليكا»، نقاط الضعف في أنظمة الاتصالات الإيرانية للوصول إلى شبكات داخلية حساسة.
وفي الساعات الأولى من الضربات الجوية، نجحت وحدات الحرب الإلكترونية الإسرائيلية في استدراج القادة العسكريين الإيرانيين إلى ما سُمي بـ"اجتماع وهمي" في مخبأ تحت الأرض، من خلال إرسال رسائل مزيفة تنسب إلى مسؤولين إيرانيين كبار. ثم شنّ مقاتلون إسرائيليون هجومًا دقيقًا على الموقع، أسفر عن مقتل 20 من كبار القادة الإيرانيين.
تغيير نهج الموسادوفقًا للتقرير، شهد الموساد تحوّلًا في نهجه التشغيلي قبل 15 عامًا، تمثّل في الانتقال من الاعتماد على عملاء إسرائيليين إلى تجنيد وتوظيف عملاء إيرانيين.
وفي عام 2018، اقتحم عملاء إسرائيليون مدربون مستودعًا غير محمي في طهران، واستخدموا آلات قطع بالبلازما ذات درجة حرارة عالية لفتح خزائن تحتوي على خرائط، وبيانات، وأقراص كمبيوتر، وكتب برمجة، ثم نقلوا المحتويات، التي بلغ وزنها أكثر من 450 كيلوغرامًا، إلى أذربيجان عبر شاحنتين.
وعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الوثائق خلال مؤتمر صحفي في تل أبيب، مؤكدًا أن ما تم استرداده يثبت أن إيران كذبت بشأن طبيعة وأهداف برنامجها النووي.
وبعد عامين من تلك العملية، اغتال الموساد محسن فخري زاده، رئيس منظمة الأبحاث والابتكار الدفاعية في وزارة الدفاع الإيرانية، وأحد أبرز المسؤولين في البرنامج النووي الإيراني، من خلال نظام إطلاق نار مُتحكم به عن بُعد، مُثبت بالقرب من الفيلا الخاصة به، وتم توجيهه باستخدام تقنية التعرف على الوجه القائمة على الذكاء الاصطناعي.
Related محلل إسرائيلي: إعادة إعمار إيران بعد الحرب قد تكلّف نصف تريليون دولاريعمل داخل مؤسسة "رئيسية وحساسة".. إيران تُعدم عميلاً لإسرائيل سرّب معلومات عن عالم نوويالكوماندوز الإسرائيلي والموساد في قلب إيران: عملية سرّية غيّرت مسار الحربووفقًا لمخططي الضربات الجوية الإسرائيلية على إيران في يونيو، نُقلت شحنات كبيرة من «المعدات المعدنية» إلى داخل إيران عشية الهجمات، عبر شاحنات يقودها سائقون لم يكونوا على دراية بطبيعة الحمولة، والتي تضمنت قطع غيار أسلحة وطائرات مُسيرة تستخدمها وحدات الكوماندوز.
وفقًا لمسؤولين إسرائيليين، لم يكن العملاء الذين شاركوا في العمليات الثلاث — اقتحام الخزائن، وتدمير أنظمة الدفاع الجوي، ورصد مواقع العلماء النوويين — من الإسرائيليين. بل كانوا جميعًا من الإيرانيين أو مواطنين من دول ثالثة.
وقد كانت مثل هذه المهام تُنفَّذ سابقًا بشكل حصري على يد عملاء ميدانيين إسرائيليين، لكن المسؤولين أشاروا إلى أن الاستياء المتزايد من الحكومة الإيرانية في الأوساط الداخلية جعل تجنيد العملاء أكثر سهولة في السنوات الأخيرة.
ومن بين هؤلاء العملاء، الشاب الإيراني S.T.، الذي نشأ في بلدة قريبة من طهران، وعايش صراعات مع التعبئة الطلابية، وتم احتجازه خلال فترة دراسته، ما زرع لديه مشاعر انتقام من النظام.
ووفقًا للتقرير، عرّف أحد أقاربه المقيمين في الخارج، عبر تطبيق تواصل مشفر، على جاسوس إسرائيلي متخصص في تحديد الإيرانيين المنتمين إلى شرائح مناهضة للنظام. وبعد تبادل الرسائل، وافق S.T. على السفر المجاني إلى دولة مجاورة.
خلال تلك الرحلة، اجتمع مع أحد ضباط جهاز الموساد، الذي عرض عليه التعاون ضد إيران، فوافق على شرط ضمان حماية إسرائيل لعائلته في حال تعرضها لأي مكروه.
وتم تدريب S.T. لعدة أشهر خارج إيران على يد متخصصين في الأسلحة والاستخبارات الإسرائيلية، قبل أن يعود سرًا إلى إيران، متسللًا مع فريق صغير من المرافقين، تمهيدًا لتنفيذ دور محوري في واحدة من أكثر العمليات العسكرية تعقيدًا وشمولًا في تاريخ إسرائيل.
قال مسؤول كبير سابق في جهاز الموساد، كان مكلفًا بإدارة الوحدات المسؤولة عن التعامل مع العملاء الأجانب: «إقناع شخص بخيانة بلده ليس بالمهمة السهلة. إنها عملية تآكل تدريجي تبدأ بطلب بسيط وتافه، ثم يُطلب منه المزيد تدريجيًا. إذا نفذ المهمة بنجاح، تُسنَد إليه مهمة أكبر وأهمية، وإذا رفض، يُمكن اللجوء إلى أدوات النفوذ مثل الضغط أو التهديدات أو الابتزاز».
وأضاف: «من الأفضل توجيه الفرد بطريقة تحفّزه على اتخاذ الخطوة الأولى بمحض إرادته، دون إشعاره بأنه تحت ضغط مباشر»، مشيرًا إلى أن الموساد يُفضل تجنيد العملاء عبر الإقناع والتحفيز، وتجنب استخدام الإكراه أو التهديد كلما أمكن.
وأكد المسؤول أن «العنصر الأكثر أهمية في أي علاقة استخباراتية هو الثقة». مشيرًا إلى أن العميل يجب أن يكون مخلصًا ومرتبطًا عاطفيًا بمنسقه، موضحًا: «مثل الجندي الذي يواصل التقدم رغم الخطر لأنه يثق برفاقه، كذلك يدخل العميل إلى المهمة مدفوعًا بثقة عميقة في منسقه وإحساس بالمسؤولية تجاهه».
ووفقًا لمسؤولين حاليين وسابقين في الموساد، رغم أن أغلب الأشخاص الذين رفضوا التعاون توقعوا مقابل مالي مقابل مخاطرهم، فإن الدافع الحقيقي للكثيرين ممن وافقوا على العمل ضد بلادهم غالبًا ما يكون أعمق وأكثر بدائية، ويرتكز على الكراهية، أو الرغبة في الانتقام، أو الدافع الأيديولوجي.
أفادت مجلة “ProPublica” بأن طيارين إسرائيليين، تلقوا تدريبًا من الولايات المتحدة، كانوا يحلقون سرًا فوق إيران منذ عام 2016، بهدف دراسة الجغرافيا بدقة وتحديد مسارات طيران تقلل من احتمالية اكتشافها.
وكشف التقرير أن إسرائيل كانت تعدّ لهجمات على المنشآت الإيرانية منذ منتصف عام 2024، واعتبرت أن الفرصة "الذهبية" لتنفيذ العملية قد تحققت بعد تدهور قدرات حزب الله وعودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وأشار إلى أن منشأة " فوردو" النووية كانت مبنية بدرجة عالية من التحصين، لدرجة أن سلاح الجو الإسرائيلي لم يكن يمتلك في البداية خططًا قابلة للتنفيذ لتدميرها جويًا.
ولذلك، وضع المخططون العسكريون الإسرائيليون خطة بديلة محفوفة بالمخاطر تعتمد على عملية برية، تتضمن نقل وحدات كوماندوز نخبوية سرًا إلى موقع "فوردو"، والدخول إلى المنشأة فجأة. وكانت المهمة تشمل تفجير أجهزة الطرد المركزي، واستخراج كميات من اليورانيوم المخصب، ثم الانسحاب بسرعة.
إلا أن رئيس جهاز الموساد، ديفيد بارنيا، أبدى ترددًا حيال العملية. وعلى الرغم من دعمه الطويل للإجراءات العدائية ضد البرنامج النووي الإيراني، وكونه العقل المدبر لاغتيال محسن فخري زاده قبل توليه رئاسة الجهاز، إلا أنه اعتبر الهجوم البري على منشأة فوردو مجازفة كبيرة، وعبّر عن مخاوفه من فقدان بعض أفضل العناصر في القوات الخاصة والشبكات الاستخباراتية، سواء بالقتل أو الأسر.
وللاستعداد للهجمات، كثّف جهازا الموساد و"أمان" (المخابرات العسكرية الإسرائيلية) جهودهما في تعقّب القادة العسكريين الإيرانيين، وأعضاء الوفود النووية، لتحديد مواقعهم وتحليل تحركاتهم، استعدادًا للضربات الدقيقة.
وفقًا لبعض مخططي العملية، قام رئيس الموساد ديفيد بارنيا بتوسيع قسم الوحدة المعني بتجنيد وتدريب العملاء غير الإيرانيين بشكل كبير، واتخذ قرارًا بتسليح "الفيلق الأجنبي" بأحدث المعدات الإسرائيلية المستخدمة في العمليات شبه العسكرية ونُظم الاتصالات.
وتم إدخال هذه المعدات إلى إيران بالتعاون مع مهربين من الدول المجاورة، وجرى تسليمها إلى ما يُعرف بـ"وكلاء البنية التحتية" — أي شبكات الموساد السرية داخل إيران — الذين يمتلكون القدرة على إخفائها وصيانتها لفترات طويلة. وبحسب مسؤولين سابقين في الجهاز، يمكن أن تظل هذه المعدات مخزنة في منازل آمنة لسنوات، ويتم تحديثها أو إصلاحها تدريجيًا مع تطور التكنولوجيا.
وأفاد مسؤولون إسرائيليون بأن العناصر المكلفة بتنفيذ العمليات داخل إيران، من القوات الخاصة غير الإيرانية، خضعوا لبرنامج تدريبي استمر نحو خمسة أشهر. وجرى استدعاء بعضهم إلى إسرائيل لإجراء تدريبات على نماذج محاكاة دقيقة، بينما تلقى آخرون تدريبهم في دول ثالثة.
وتم تشكيل مجموعتين من وحدات الكوماندوز، ضمت كل منهما 14 فريقًا، يتكون كل فريق من أربعة إلى ستة عناصر. وكان بعض هؤلاء العناصر يقيمون بالفعل داخل إيران، بينما انضم آخرون من أجانب معارضين للنظام عادوا سرًا إلى البلاد قُبيل بدء العمليات.
وقد تلقى كل فريق تعليمات محددة المهام، مع الحفاظ على اتصال مباشر مع المخططين الإسرائيليين، لتمكينهم من إدخال تعديلات فورية على خطة التنفيذ عند الحاجة. وتم تكليف معظم الفرق باستهداف منشآت وأنظمة الدفاع الجوي، وفق قائمة أولويات أعدّها سلاح الجو الإسرائيلي.
وأوضح المسؤولون أن الموساد منح كل فريق اسمًا رمزيًا خاصًا، اعتمد على تكوين المقطوعات الموسيقية، كوسيلة للتشفير والتمويه في الاتصالات التشغيلية.
في ليلة 12 يونيو، تم نشر فرق الكوماندوز في مواقعها وفق الخطة المقررة بدقة، بحسب ما أوردته "ProPublica". ووجه الإسرائيليون المشرفون على العملية أوامر صارمة للعملاء بعدم ترك أي معدات حيوية وراءهم في مواقع العمليات.
وقال مسؤول إسرائيلي رفيع: إن «100% من أنظمة الدفاع الجوي التي حددتها القوات الجوية الإسرائيلية للموساد تم تدميرها بنجاح».
في الساعات الأولى من الهجوم، نفذ أحد الفرق عملية استهداف لقاذفة صواريخ باليستية إيرانية. ووفقًا للمحللين الإسرائيليين، كان لتلك المهمة تأثير استراتيجي غير متناسب، إذ دفع ذلك جمهورية إيران الإسلامية إلى تأخير إطلاق صواريخ انتقامية، خشية من استهداف قاذفات أخرى داخل الأراضي الإيرانية من قبل عناصر تعمل من الداخل.
وبالرغم من أن شعبة "أمان" (الاستخبارات العسكرية) والقوات الجوية الإسرائيلية هما من توليا الجوانب اللوجستية والتنفيذية للعملية، فإن جهاز الموساد قدم المعلومات الاستخباراتية الحاسمة التي مكّنت من اغتيال كبار القادة والعلماء النوويين الإيرانيين.
فقد جمع الموساد بيانات مفصلة حول عادات ومسارات حياة 11 عالمًا نوويًا إيرانيًا، بما في ذلك مواقع منازلهم وتحديد إحداثيات غرف نومهم بدقة على الخرائط، وفق ما كشفته "ProPublica". وفي صباح يوم 13 يونيو، أطلقت مقاتلات سلاح الجو الإسرائيلي صواريخ دقيقة الإصابة على هذه الإحداثيات، ما أسفر عن مقتل جميع العلماء الأحد عشر في وقت واحد.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة