منذ الإعلان عن تنظيم المحكمة العالمية لفلسطين من خمس منظمات حقوقية غير حكومية مقرها جنيف في مطلع آذار/ مارس 2024،  والعمل جار على قدم وساق لإنجاح هذا الحدث الذي يشارك فيه عشرات الحقوقيين والمحامين والقضاة والمؤرخين والفلاسفة، حيث تستضيف مدينة جنيف في سويسرا أيام 6 و7 و8 يونيو المقبل فعاليات هذه المحاكمة.



"عربي21" تستضيف اليوم منسق اللجنة التحضيرية للمحكمة الدكتور هيثم مناع، لسؤاله عن هذه الجهود وليعطينا صورة عن المحكمة، تشكيلها ومسارها ومآلاتها..



س ـ منذ مطلع القرن، شاركتم في تنظيم العديد من محاكم الرأي والضمير التي نظمتها هيئات المجتمع المدني، سواء في ما يتعلق بالقضايا المحلية (الحصار على غزة، العقوبات الأحادية الجانب، محاكمة بوش الابن وديك شيني ورامسفيلد، المحكمة الشعبية ضد الجرائم الإسرائيلية في جنوب لبنان والعديد من محاكم الضمير الأخرى)، ألم تتوصلوا إلى استنتاج أن هذا النوع من المحاكم، يتضمن نوعا محدودا جدًا من الإجراءات التي تتخذها منظمات المجتمع المدني ردًا على جريمتي الأبارتايد والإبادة الجماعية اللتين تتمان في وضح النهار؟

 ـ في 14 ديسمبر 2023 نظمنا المنتدى العالمي الأول من أجل فلسطين في جنيف وكان السؤال الرئيسي "المحكمة الجنائية الدولية: تكون أو لا تكون؟ To be or not to be ؟ لكون تجربتنا مع هذه المحكمة في الخمسة عشر عاما كانت مخيبة للآمال. وطرح في هذا المنتدى موضوع تشكيل محكمة/منبر Tribunal/Tribune لوضع المحكمة الجنائية ومحكمة العدل الدولية أمام مسؤولياتها. ثم نظمنا في جنيف في الرابع من آذار/مارس 2024 ندوتنا الثانية لمناقشة إنشاء مرصد دائم يسمى "مراقبة المحاكم" وهنا طرحنا موضوع تشكيل محكمة من نمط جديد تستفيد من نقاط الضعف في التجارب السابقة. لقد شاركت بالفعل في محاكم ضمير في القاهرة وبروكسل وبيروت إلخ. لكن للأسف كانت آثار هذا الجهد تختفي تقريبا بعد أشهر.

لذا طرحت في مداخلتي بعنوان "كيف؟ لماذا ومتى؟ تصورا مختلفا لتجاربنا السابقة. بحيث يكون هناك مهمات أساسية منوطة بهذه المحكمة تشمل لها الاستمرارية والفاعلية والعالمية أهمها:

ـ  أن تكون هذه المحكمة منبرا دائما لكسر حاجز الصمت بشأن الإبادة الجماعية ونظام الفصل العنصري.

ـ أن تكون منصة مفتوحة للضحايا وأيضا لجميع الباحثين والمحققين والقانونيين في قضايا الإبادة الجماعية ونظام الفصل العنصري. يلجأ لها الضحايا لتوفير ما يحتاجون من إيصال صوتهم للمحاكم الدولية والإقليمية والوطنية.

ـ أن يكون من أهم مهماتها مراقبة المحاكم Tribunals Watch: عبر متابعة القضايا المرفوعة أمام جميع المحاكم الدائمة وتقديم الشكاوى الموثقة إليها على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، وتقييم أداء القضاة وأعضاء النيابة العامة ومعيار النزاهة والاستقلال والعدالة في المحاكم إلخ. (يمكن متابعة ذلك عبر: www.tribunalswatch.com (

ـ أن تكون ملتقى لكل المحامين والحقوقيين الذين يناضلون ضد غياب المحاسبة.

كما كانت حرب فيتنام، التي أعطت أهم محكمة ضمير في القرن الماضي (محكمة راسل) في خضم الحراك الطلابي في 1968، قلت في مداخلتي في الرابع من آذار/مارس: "إن الإبادة الجماعية التي نشهدها للفلسطينيين تمثل نهاية حقبة، ولا بد من رؤية جيل جديد يستعيد إضاءات أحداث 1968" للمشاركة في بناء معالم مستقبل آخر. أنا سعيد جدًا اليوم لأن الطلبة اليوم في مختلف القارات يعتبرون الموقف من القضية الفلسطينية فيصلا مركزيا بين الماضي والحاضر والمستقبل.

يمكن تسمية المحكمة العالمية من أجل فلسطين مشروعنا بـ "Actual Russel" لأن مبادرة راسل جمعت فلاسفة ومؤرخين ومحامين وأكاديميين قانونيين من أجل السلام والعدالة، ومبادرتنا اليوم تضم إلى ذلك نخبة من القضاة والمحامين والمقررين الخاصين للأمم المتحدة ومشاركين في بعثات تحقيق لغزة والأراضي الفلسطينية المحتلة.

س ـ هل ستكون مهمة هؤلاء الاستماع أم النقاش مع الفلسطينيين من ضحايا الإبادة الجماعية؟

 ـ هذه إحدى مهمات المحكمة، ففي هذه اللحظة يقوم عدد من الباحثين والباحثات بإعداد أوراق مكتوبة تتناول الملف الفلسطيني من مختلف الجوانب، وستستمع المحكمة لمعدي تقارير ميدانية موثقة عن جريمتي الإبادة الجماعية والأبارتايد، ستجمع كل وثائق المحكمة في مجلد يصدر على الأقل باللغتين العربية والإنجليزية.

س ـ وماذا عن اليوم التالي للمحكمة؟

ـ الجلسة الختامية في نصف اليوم الأخير خاصة بهذا الموضوع، حيث سيتم في هذه الجلسة:

ـ  تنظيم وانتخاب اللجنة الدائمة للدورات القادمة للمحكمة.

ـ فريق عمل لمراقبة المحاكم الدولية والإقليمية والوطنية وتقييم أدائها.

ـ ستتشكل مجموعة عمل بحثية لتقديم مقاربة متعددة التخصصات لنظام الإبادة الجماعية والفصل العنصري في الحالة الفلسطينية.

ـ تشكيل مجموعة تنسيق للدفاع عن الضحايا وتحقيق العدالة بين المحامين من مختلف دول العالم.

س ـ كيف تقيّمون التجاوب والتفاعل مع هذه المبادرة؟

 ـ لقد كان الإقبال على المشاركة يفوق كل توقعاتنا، في نصف شهر تقريبا طلب قرابة 132 شخصا المشاركة فيزيائيا أو عن بعد من 38 جنسية. فاضطررنا لوقف المشاركة الفيزيائية أخذا بعين الاعتبار أن اللجنة التحضيرية أرادت أن يكون الحضور الفيزيائي 76 شخصا أي عدد سنوات النكبة. الأمر الذي اضطرنا لحجز صالة إضافية ملحقة، وقام الزملاء في فلسطين بحجز صالة أيضا في جامعة النجاح الوطنية في أريحا سيجتمع فيها معنا عن بعد عدد كبير من أساتذة القانون الدولي وهناك محاولة لتنظيم قاعة مشابهة في الجامعة اللبنانية في بيروت. هذه المحكمة ستعرف العالم على الكوادر الفلسطينية العليا خاصة في القانون الدولي، وستكون صوتا لمن لا صوت له من ضحايا جريمة الإبادة الجماعية الأهم في هذا القرن.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير سويسرا فلسطين حرب فلسطين سويسرا مؤتمر حوار حرب سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإبادة الجماعیة هذه المحکمة

إقرأ أيضاً:

د. الشفيع خضر سعيد يكتب: أنقذوا شعب السودان!

رغم أي تبريرات ذكرت ويتم الترويج لها، فإن ما حدث في قرية ود النورة الواقعة غربي منطقة المناقل في ولاية الجزيرة بالسودان، هو جريمة بشعة تضاف إلى سلسلة الجرائم الأخرى المنسوبة إلى قوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب القذرة في أبريل/نيسان 2023. الجريمة راح ضحيتها أكثر من مئتي قتيل وجريح من سكان القرية المدنيين البسطاء، وهي نفذت يوم الأربعاء الخامس من يونيو/حزيران الجاري، وكأنها تود ترسيخ أن يظل شهر يونيو/حزيران في أذهان السودانيين مرتبطا بسفك دماء أبنائهم من المدنيين، حيث شهد يوم الإثنين الدامي المشؤوم الثالث من يونيو/حزيران 2019 جريمة فض اعتصام الثوار السلمي أمام مقر القيادة العامة للجيش السوداني وقتل المئات منهم، وشهدت الفترة من الثالث عشر إلى الواحد والعشرين من شهر يونيو 2023 مذابح إبادة الآلاف من سكان مدينة الجنينة، عاصمة غرب دارفور، على أيدي قوات الدعم السريع، ويشهد شهر يونيو الجاري احتمالات اجتياح مدينة الفاشر كبرى مدن دارفور حيث يمكن أن يؤدي الهجوم الوشيك إلى مذبحة على نطاق مماثل لما حدث في مدينة الجنينة. ولكن كل شهور السنة، وليس يونيو/حزيران وحده، مخضبة بدماء السودانيين، كما أن القتل وسفك الدماء ليس وقفا على قوات الدعم السريع حصريا. وفي الحقيقة، فإن ما يجري في السودان، وخاصة منذ نجاح شعبه في الإطاحة برأس نظام الإنقاذ في العام 2019، يبتعد، قليلا أو كثيرا، عن المعنى المتداول والمعروف لمفهومي السياسة والصراع السياسي، بقدر ما هو أقرب لأن يكون نسخة مسيّسة لأنشطة الجريمة المنظمة والمكتملة الأركان كما ترتكبها العصابات.
الحرب الدائرة في السودان منذ أكثر من عام بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، هي صراع وحشي أدى إلى الموت على نطاق واسع والعنف الجنسي ولجوء مئات الآلاف إلى دول الجوار بدون معينات للمعيشة، كما أدى إلى أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم، وتسبب في أن حوالي 2.5 مليون شخص آخرين في السودان معرضون لخطر الموت من الجوع.
ومن الواضح أن أياً من الطرفين المتحاربين لا يبدو مهتماً بإنهاء الحرب، وأن العديد من الدول الأخرى تعمل على تأجيجها بشكل مباشر، وأن القوى المدنية السودانية عاجزة حتى الآن على القيام بدورها، وهي في وضعها الراهن لا تستطيع فعل الكثير لحماية شعب السودان. أما المجهودات التي يقوم بها المجتمع الدولي فمحصلتها تؤول إلى الصفر، وهي غير منسقة وليس فيها ما يشير إلى أنها جزء من استراتيجية أكبر لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار. ولا يبدو أن سياسة العقوبات التي تفرض على بعض قادة طرفي الحرب ستؤتي ثمارها المرجوة. صحيح ربما لا تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ كبير على الأطراف المتحاربة، ولكن يبدو أنها غير راغبة في استخدام نفوذها الحقيقي على مؤيديهم الأجانب، علما بأن الدعم المباشر من هولاء المؤيدين الأجانب هو السبب المباشر في استمرار الحرب وإهلاك المدنيين السودانيين.

بعض المنظمات والمؤسسات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان، ربما تؤيد وصف مذابح الجنينة المشار إليها أعلاه بالإبادة الجماعية، ومع ذلك قد تعتبرها حدثا عارضا ولا تراها حتمية أن تسود في البلاد. ولكن، وحسب اتساع مدى المذابح في البلاد، واستنادا إلى الوثائق القانونية لمكتب المستشار الخاص للأمم المتحدة المعني بمنع الإبادة الجماعية، توجد علامات تحذيرية عديدة على طول الطريق بشأن الإبادة الجماعية في السودان، وكذلك تتوافر فرص كثيرة لاتخاذ إجراءات لمنعها. والتقاعس أو عدم الفعالية في معالجة العلامات التحذيرية، هو ما يسمح للإبادة الجماعية بأن تصبح حقيقة واقعة. والعلامات التحذيرية التي وضعها مكتب المستشار الخاص تشمل: الانتهاكات الخطيرة وعلى نطاق واسع لحقوق الإنسان، لا سيما إذا شكلت أنماطاً سلوكيةً راتبة ومتكررة، والدوافع أو الحوافز المحتملة التي يمكن استخدامها لتبرير استخدام العنف وإلحاق أذى جسدي أو روحي خطير ضد مجموعات معينة من السكان، وإخضاع هذه المجموعات وغيرها، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً، عجز هياكل الدولة التي ينبغي أن تعمل على حماية السكان المدنيين…إلى غير ذلك من العلامات. لكن، ورغم ما حدث في الجنينة من فظائع تجاه إثنية المساليت، فإن العديد من أطراف المجتمع الدولي لاتزال تحاجج حول ما إذا كانت تلك الفظاعات تستوفي تعريف الإبادة الجماعية. وحتى إذا كانت حجج هولاء منطقية، فلا يجب أن يتعثر المجتمع الدولي في جدل قانوني حول ما إذا كانت هذه الفظاعة تستوفي تعريف الإبادة الجماعية أم لا، وذلك إذا كنَّا جادين في منع الإبادة الجماعية أو وقفها في المستقبل. فبحلول الوقت الذي نتحقق فيه من أنَّ فظاعة بعينها استوفت التعريف، ربما يكون أوان التحرك قد فات، وعلينا أن ندرك علامات الاقتراب أو احتمالية وقوع الإبادة الجماعية، حتى نتمكن من العمل في الوقت المناسب لتجنبها، كما أشار عن حق الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان.
إن المجازر والانتهاكات الفظيعة في السودان لن تردعها الإدانات وبيانات الشجب، بل تستوجب أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته في حماية السكان المدنيين السودانيين، بدءا من استخدام الصلاحيات المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، البند السابع، لفرض وقف إطلاق النار وتوصيل المساعدات الإنسانية للسكان خاصة النازحين واللاجئين، حظر دخول الأسلحة الى السودان، إصدار عقوبات دولية صارمة على الدول التي تدعم استمرار الحرب في السودان وتمكن استمرار حدوث هذه الجرائم والانتهاكات في خرق فاضح لقرارات الشرعية الدولية، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن 1591، توسيع نطاق عمل وولاية لجنة التحقيق الدولية التابعة لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وإلزام الأطراف المتحاربة بقبولها والسماح لها بالوصول غير المشروط إلى جميع مناطق السودان للتحقيق في الانتهاكات التي تم ارتكابها خلال هذه الحرب.

مقالات مشابهة

  • تنظيم أعمال المحاكم العسكرية.. ننشر تفاصيل وأهداف قانون القضاء العسكري بعد إقراره
  •  الأورومتوسطي ينتقد المعايير المزدوجة للدنمارك بإنكارها الإبادة الجماعية في غزة
  • مجزرة النصيرات وترميم ذاكرتنا وتاريخنا
  • طلاب جامعة "ليستر" الإنجليزية تهتف لنميرة نجم وتدين محامي إسرائيل أمام "العدل الدولية"
  • جنوب أفريقيا: نريد إيقاف الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني
  • باقري: المجتمع الدولي ملزم بوقف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني
  • عباس: يجب وقف الإبادة الجماعية في غزة
  • ارتفاع حصيلة ضحايا الإبادة الجماعية في غزة الى 37124 شهيد
  • أنقذوا شعب السودان!
  • د. الشفيع خضر سعيد يكتب: أنقذوا شعب السودان!