عبد اللطيف عبد الحميد- رحيل علامة سينمائية متميزة
تاريخ النشر: 17th, May 2024 GMT
وجدي كامل
لم يمر وقت طويل من لحظة انتهائنا لاختبارات القبول بمعهد الدولة السوفيتية للسينما والتلفزيون بموسكو عام ١٩٨١، في حضور المخرج السوفيتي الحائز على جائزة لينين ولقب فنان الشعب، يوري نيكولايفيش اوزيروف (من أشهر أفلامه التحرير ومعركة ستالينغراد، وفيلم الأولومبياد) حتى خرجت علينا بالممر الضيق، ذي الأرضية الخشبية المتماسكة العتيقة، سكرتيرة لجنة القبول تنادي علينا، شخصي وزميلنا السوري عبد الغني بلاط باسمينا، وتهنئنا باجتياز الاختبار واختيار المخرج اوزيروف لنا كي نكون ضمن تلاميذه، في المجموعة التي اختارها لدراسة الإخراج الروائي خلال السنوات الخمس القادمة.
ذلك عام اختار فيه اوزيروف طلابه وطالباته، وكذلك المخرج سيرغى بندرشوك، مخرج فيلم الحرب والسلام لتولستوي.
أذكر جيدا الآن حديث رجل كان يقف غير بعيد منا وهو يدخن بشراهة. اقترب الرجل مبتسما بعد أن تابع مخاطبة السكرتيرة لنا، ثم وجه حديثه لعبد الغني (المخرج الشهير فيما بعد لعدد كبير من المسلسلات السورية) والذي عرف الرجل أنه من سوريا:
- أنت محظوظ لأنك ستدرس على يد واحد من كبار المخرجين عندنا. صمت للحظات ثم أضاف: بما أنك سوري فعليك الاستمرار في النجاحات التي حققها ابن بلدك عبد اللطيف عبد الحميد، الذي تخرج العام الفائت من مجموعة اوزيروف.
كانت تلك أول مرة أسمع فيها اسم عبد اللطيف عبد الحميد، الذي ذكره (المدخن الشره) والذي أصبح أستاذنا لأمتع المواد الدراسية فيما بعد - مادة التمثيل.
كانت أولى تجارب المشاهدة التي وفرها لنا مشرفنا، المخرج يوري اوزيروف في برنامج زياراته الأسبوعية لنا بالمعهد، هي عرض أفضل الافلام القصيرة لخريجيه من الدارسين السابقين. وجاء في مقدمة تلك فيلم التخرج لعبد اللطيف.
أكاد أجزم بأن سيرة عبد اللطيف لم تغب إطلاقا عن أحاديث أستاذه، طيلة سنوات الدراسة بإشراف اوزيروف.
كنا ثلاثة أجانب ضمن بقية من الطلاب والطالبات السوفيت، المنحدرين من جمهوريات سوفيتية متنوعة، غيور الميحري وعبد الغني السوري وشخصي.
بعد عامين جاء عبد اللطيف لزيارة موسكو مشاركا في مهرجانها الدولي للأفلام، بفيلمه الأول (ليالي ابن آوى)، ممثلا للأفلام السورية في تلك الدورة. فاز عبد اللكيف بإحدي جوائز تلك الدورو، لنتابع بعدها سيرة الأفلام المتميزة التي كتبها وأخرجها، وهي: ( رسائل شفهية) و(صعود المطر) و(نسيم الروح) و(قمران وزيتونة) و(ما يطلبه المستمعون) و(مطر أيلول) و(طريق النحل) و(عزف منفرد).
مثلت تلك التجارب الفيلمية ذات الخصوصيات والصفات الإبداعية، امتدادا طبيعيا لأعمال عبد اللطيف الدراسية، وحازت على جوائز عديدة من مهرجانات السينما في دمشق والقاهرة، إضافة إلى مهرجانات إقليمية وعالمية أخرى. بل إنها مثلت موجة جديدة ساهم في تأسيسها أيضا المخرجان السوريان، أسامة محمد ومحمد ملص. الحبكات الدرامية المتفردة والروح الشفيفة، والشاعرية والجرأة في تناول الموضوعات، تعتبر أهم ما ميز تلك الأفلام، وشكل مادة مشجعة على البحث الإخراجي لمن جاء بعدهم. ومن أهم هؤلاء زميلنا في الدراسة وصديقنا باسل الخطيب.
تأثر إنتاج عبد اللطيف ومن قبله إنتاج أسامة محمد ومحمد ملص، اللذين درسا بذات المعهد وزاملا السينمائين السودانيين سليمان محمد إبراهيم وصلاح شريف، تأثر إنتاجهم وكبقية السينمائين العرب المتفردين، بأحوال بلدانهم وتدهور صناعة السينما فيها، كنتيجة لتدهور الأوضاع السياسية وغياب الاستقرار السياسي. فغاب تبعا لذلك من غاب منهم، واعتزل من اعتزل، وانطوت بصمتهم الإنتاجية، لتطوي حقبة من التطور الفيلمي الواعد.
فقد غاب في مصر ومنذ بدايات الألفية، رضوان الكاشف وعاطف الطيب والمجدد محمد خان، والمخرج الباحث والناقد د. محمد كامل القليوبي.
تقلبات مفاجئة ضربت سوق السياسة والاقتصاد والسينما، ساهمت في ذلك الغياب، فصمت الكبار عن الكلام السينمائي الجديد. ولعل أهم مظاهر تلك الزلازل، الحرب في سوريا وما ألحقته من دمار بالكثير من علامات الحياة، ومن ضمنها الإنتاج الفني والثقافي بالبلاد. هذا إلى جانب التحولات الاقتصادية والسياسية في بلدان أخرى بالمنطقة ومن بينها مصر، التي تأثر الإنتاج الفني والثقافي فيها بشدة نتيجة ذلك.
مضى جيل ذهبي من المجددين السينمائيين، ممن ارتبطت أشواقهم بالتغيير وإنتاج واقع جديد، وظلت مقاعدهم شاغرة لم يتمكن الوافدون الجدد من ملئها. غاب عبد اللطيف بموهبته الاستثنائية، ليس فقط في التأليف والإخراج، ولكن في التمثيل أيضا. حيث شارك كممثل في عدد من الأفلام مثل: (بانتظار الخريف) من إخراج جود سعيد، و(ماورد) من إخراج أحمد إبراهيم أحمد.
واليوم إذ ننعي المخرج عبد اللطيف عبد الحميد، فإننا ننعي مرحلة هامة من التطور الفني السينمائي في المنطقة العربية، وتيارا بدأ ذكيا وعاصفا ومخلصا لقضايا التحول الثقافي والتعبير الفني المغاير.
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: عبد اللطیف عبد الحمید
إقرأ أيضاً:
طارق الشناوي: النجومية الحقيقية لا تُقاس بالإيرادات.. ومحمد رمضان مثال على المشروع الفني المتوازن
أكد الناقد الفني طارق الشناوي، أن الفنان عمر أشرف لم ينفلت في أي كلمة أثناء خلافاته أو أزماته، بل لجأ للقانون وهو حقه المشروع، مؤكدًا أن التعامل العقلاني والسيادي هو الطريق الأمثل لتجاوز الأزمات.
وأضاف الشناوي: "طالما تتذكر ما فعله سعد وهبه، المظاهرات والاعتراضات العارمة، لكنه استطاع امتصاص الغضب ولم ينتقم من أحد، واستمر كرئيس للنقابات الفنية ورئيس اتحاد الفنانين العرب ورئيس مهرجان القاهرة حتى رحيله عام 1997، دون أن يذهب لثأر شخصي".
وتطرق "الشناوي"، خلال لقائه مع الإعلامي عمرو حافظ ببرنامج "كل الكلام"، المذاع على قناة "الشمس"، إلى موضوع النجومية والتفرد في السينما، مؤكدًا أنه لا يوجد نجم أوحد يمكن أن يُقاس به كل شيء، مشيرًا إلى أن النجاح غالبًا يُقاس بالفارق في الإيرادات، وأن المسافة بين النجوم أصبحت أقل مقارنة بالماضي، وقال: "عادل إمام زمنه كان له فارق كبير، لكن بعده أصبح هناك نجوم آخرون يحققون إيرادات جيدة، مثل كريم عبد العزيز، أحمد عز، ومحمد رمضان، لكن التفرد الذي كان موجودًا في زمن حليم حافظ أو عبد الحليم ظهر أقل الآن، لكن هذا لا ينفي وجود نجوم شباك بارزين".
وعن الفنان محمد رمضان، أوضح الشناوي أن رمضان بدأ مشروعه كنجم شباك سينما حقيقي، مشيرًا إلى أن بعض أفلامه لم تحقق أرقامًا متتالية في السينما، لكنه يظل ناجحًا على التلفزيون والحفلات، حيث تحقق أعماله إيرادات كبيرة.
وأضاف أن نجاحه في السينما مرتبط بالعمل مع مخرجين لديهم إرادة فنية واضحة، قائلًا: "النجم الشباك السينمائي يجب أن يعمل مع مخرج له موقف وفلسفة، ليخرج الفيلم ويجعله منصة حقيقية للنجومية".