الخرطوم- حرمت الأوضاع الأمنية وتدهور سعر صرف الجنيه السوداني واستنزاف المغتربين نحو 24 ألف مواطن في السودان من التقديم لأداء فريضة الحج هذا الموسم، وأكمل 8 آلاف شخص إجراءاتهم، أي (25%) من الفرص التي حددتها وزارة الحج السعودية للسودان، حسب مسؤول حكومي.

وسعت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف إلى تسهيل التقديم للحج عبر مواقع إلكترونية للولايات، وسداد التكاليف عبر تطبيقات مصرفية، فيما تم تمديد فترة التقديم غير مرة، لكن ذلك لم يكن كافيا سوى للعدد الذي أكمل إجراءاته لأداء الفريضة.

وأدى مناسك الحج العام الهجري الماضي (1444)، الذي كان بعد أسابيع من اندلاع القتال في الخرطوم، 14 ألف شخص من 32 ألف فرصة للسودان حددتها السعودية، وبلغت كلفة الحج 3 ملايين جنيه (5200 دولار) جوا و(5000 دولار) عبر البحر.

وتخلّف عدد مقدر عن الذهاب للأراضي المقدسة العام الماضي، بعدما فقدوا التواصل مع إدارة الحج والعمرة، أو فشل بعضهم في سداد الرسوم بسبب اندلاع الحرب.

كما عجز آخرون عن الوصول من إقليمي دارفور وكردفان برا إلى بورتسودان لطول المسافة (3 آلاف كيلومتر)، وانتشار قوات الدعم السريع وقطّاع الطرق مما يجعل السفر خطرا على سلامتهم.

ومع تدهور سعر صرف الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية ارتفعت كلفة الحج للعام الهجري الحالي (1445)، إلى 6 ملايين جنيه للمسافرين جوا (5500 دولار) عبر مطار بورتسودان الوحيد العامل في البلاد منذ اندلاع الحرب، ونحو 5 ملايين جنيه (5 آلاف دولار) بحرا من ميناء سواكن على ساحل البحر الأحمر.

تدهور سعر صرف الجنيه السوداني رفع كلفة الحج هذا العام (الجزيرة) أسباب العزوف

يقول الأمين العام للمجلس الأعلى للحج والعمرة أحمد سر الختم إن حصة السودان للحج التي حددتها وزارة الحج والعمرة السعودية 32 ألف فرصة، وأدى الفريضة العام الماضي 14 ألف مواطن، بينما أكمل هذا العام 8 آلاف مواطن إجراءاتهم، أي أن (75%) من الفرص شاغرة.

وفي تصريح للجزيرة نت يعزو سر الختم عزوف المواطنين عن التقديم لأداء الحج إلى ظروف الحرب والأوضاع الأمنية والاقتصادية، وتأثر صناديق التكافل الحكومية التي تؤهل عددا مقدرا من العاملين للحج.

ويكشف سر الختم أن المغتربين السودانيين في دول المهجر لعبوا دورا كبيرا في التخفيف عن قطاع عريض من المواطنين، ومساعدة عائلاتهم النازحين في الداخل أو اللاجئين في دول الجوار.

وبحسب الدراسات السابقة، فإن 66% من الحجاج تم تمويلهم من المغتربين برا ووفاء للوالدين والأقربين.

ويوضح المسؤول أن التدهور المستمر في سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الريال السعودي، أدى إلى تضخم تكلفة الحج بالجنيه رغم أن التكلفة ظلت ثابتة بالريال ولم تتغير.

الحج بالنيات

المعلم المتقاعد "آدم" من نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور تحدث للجزيرة نت حزينا عن عدم قدرته على السفر برا من نيالا إلى بورتسودان (2500 كيلومتر)، بسبب خروج مطار المدينة الدولي من الخدمة منذ أول يوم في الحرب، وعدم توفر وسائل النقل، بجانب غياب الأمن، الأمر الذي يجعل السفر ضربا من المغامرة.

وحسب المعلم، فإن اثنين من أبنائه الذين يعملون في التجارة بدول غرب أفريقيا تكفلا بتوفير كلفة الحج، لكنه لم يستطع مغادرة نيالا، ويرى أن السفر إلى ليبيا المجاورة لدارفور أيسر من التوجه إلى بورتسودان في شرق السودان، حيث تفويج الحجاج من هناك.

ويختم المعلم حديثه بنبرة حزينة "ربنا يعلم أني نويت أداء الحج والأعمال بالنيات.. ما يحدث في بلادنا يدعو للأسى، وكنت أريد أن أقف على صعيد عرفات، وأبتهل بالدعاء حتى يعود الأمن والاستقرار للوطن.. والعام المقبل ليس بعيدا إذا أمد الله في الآجال".

66% من الحجاج بالسودان تم تمويل حجهم من المغتربين برا ووفاء للوالدين والأقربين (رويترز ) كساد الحج السياحي

وتتيح وكالات السفر وشركات السياحة "الحج السياحي" للحجاج الذين يرغبون في خدمات مميزة أثناء أداء مناسك الحج، مثل الإقامة في فنادق ووسائل نقل مريحة.

وتعرض وكالات السفر "الحج الاقتصادي" للفئات الاقتصادية التي تبحث عن خدمات ميسرة وتكلفة أقل، مثل الإقامة في مخيمات الضيافة ووسائل نقل أقل تكلفة.

ويقول الخبير في الحج السياحي علاء الدين الأمين إن الراغبين في الحج المقتدرين كانوا يتسابقون على "الحج الخاص"، وتنفد الفرص المخصصة في وقت مبكر.

وحسب حديث الخبير للجزيرة نت، فإن الشركات ووكالات السفر كانت تتنافس على نيل حصص للحج من مجلس الحج والعمرة، وتتقاسم ما يحدده المجلس نسبة للأرباح التي تجنيها، لكن الأوضاع الأمنية والاقتصادية أصابت هذا القطاع بالكساد لارتفاع كلفة الحج، والظروف الاقتصادية للمواطنين والمهاجرين.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات سعر صرف الجنیه السودانی

إقرأ أيضاً:

مكة بلا غزيين.. الحرب تحرم أهالي القطاع من حلم الحج

أضاعت حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة، أحلام الفائزين بالحج في القطاع، بعد أن سيطرت على معبر رفح، الذي يمثّل المنفذ الوحيد لهم للسفر خارج القطاع.

وخيم الحزن على الفلسطينيين من أهالي غزة، خاصّة أنهم اضطروا إلى الانتظار لسنوات طويلة "بحرارة شديدة" قبل أن يحظوا بفرصة الحج؛ بسبب الحصار المشدد الذي تفرضه دولة الاحتلال الإسرائيلي على القطاع منذ منتصف عام 2007.

وفي آذار/ مارس لعام 2023، أجرت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بغزة، قُرعة، لاختيار أسماء الحجّاج لعامي 2023 و2024، بسبب محدودية المقاعد واستمرار الحصار؛ إذ يتم اختيار أسماء الحجاج في غزة بنظام القرعة، ووفق شروط تضعها الوزارة؛ بحيث تكون الأولوية لكبار السن والمرضى.

تنديد حكومي

هذا العام، ضاعت فرصة الحج على فلسطينيي غزة الذين ظهرت أسماؤهم في القرعة وسط أجواء من الحزن والقهر، ووسط خسارة مالية تكبدوها.

الأمر الذي ندّدت به وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في غزة نهاية أيار/ مايو الماضي، حيث قالت الوزارة، في بيان: "يتسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة واحتلال معبر رفح البري وإغلاقه (في 7 أيار/ مايو) بالحيلولة دون إتمام موسم الحج لحجاج غزة لهذا العام (1445 هجري)".


وأكدت الوزارة، أن "منع آلاف من مواطني غزة من أداء فريضة الحج، يعدّ انتهاكا واضحا لحرية العبادة وللقانون الدولي الإنساني، ودعت كل من مصر والسعودية إلى "الضغط على جميع الأطراف، وفي مقدمتها الاحتلال، لتمكين أهالي غزة من إقامة شعيرة الحج لهذا العام".

انتظار طويل
مشاعر الحزن المختلطة بالأمل، باتت تُسيطر على فلسطينيي غزة الذين ضاعت منهم فرصة الحج هذا العام، حيث قالت الفلسطينية فوزية رضوان (66 عاما) إن استمرار الحرب على غزة للشهر التاسع أضاعت عليها فرصة الحج التي انتظرتها لأكثر من 7 سنوات.

وأضافت: "منذ 7 سنوات أسجّل بشكل متكرر لدخول القرعة حتى حصلت على الفرصة في 2023، لكن إغلاق المعبر والحصار المطبق يحول دون تأديتنا للفريضة".


وتستكمل قائلة: "الحرب سلبت منا كل ما هو جميل، سلبت منازلنا وأموالنا وأحلامنا وأخيرا أمنياتنا الكبيرة كأداء الحج".

وتشعر فوزية بالحسرة والقهر جراء حرمانها من الحج بشكل "قسري"؛ إثر الإغلاق المتعمد للمعبر في ظل المطالبات بفتحه.

 أمنية مغيبة
من جانبها، قالت ليلى يحيى (65 عاما) إنها حصلت على مقعد للحج في القرعة التي أجرتها وزارة الأوقاف عام 2023، "كان أداء مناسك الحج حلما كبيرا بالنسبة لي، لكن الحرب وما رافقها من إغلاق لمعبر رفح حرمني من هذه الفرصة".


وأشارت ليلى، إلى أنها طِوال أكثر من عامين، قد عكفت على تجميع المبلغ المخصص لأداء الفريضة، وما يُرافقه من تكاليف الهدايا للأقارب والأصدقاء، لكن الحرب على القطاع غيّبت حلمها في أداء هذه الفريضة، وبدّدت فرحتها بحصولها على الفرصة بعد سنوات من الانتظار والتحضير.

حزن شديد
تشعر الفلسطينية مروة المصري (66 عامًا) بالحزن الشديد جراء عدم تمكنها من السفر لأداء مناسك الحج بسبب إغلاق المعابر والحصار على غزة.

ومنذ عام 2012، كانت مروة تُسجّل اسمها في قرعة الحجاج، لكنها لم تحصل على الفرصة حيث لم يتم اختيارها طوال السنوات الماضية، وفي عام 2023، حالفها الحظ وتم اختيار اسمها ضمن القرعة، لكن إغلاق معبر رفح حال دون خروجها من القطاع.

وقالت مروة: "انتظرت لسنوات أن أخرج لأداء مناسك الحج، وعندما أتت الفرصة جاءت الحرب وأغلقت إسرائيل المعابر"، مضيفة: "كنت أتمنى أن أخرج هذا العام مع زوجي، حيث قلبي متعلق بأداء مناسك الحج".

مناشدة لزعماء العالم
وبجانب مروة يجلس زوجها فهمي المصري (70 عامًا) حيث يشعر بالحسرة وهو ينظر لشاشة التلفاز، ويرى الحجاج الذين يطوفون حول الكعبة في مكة المكرمة.

وقال فهمي: "كنا ننتظر خروجنا للحج بفارغ الصبر، لكن لا يوجد لنا نصيب بسبب الحرب، نشاهد الحجاج على التلفزيون وهم يطوفون حول الكعبة، وكنت أتمنى أن أكون معهم أنا وزوجتي".

وناشد فهمي، رؤساء وملوك العالم أن ينظروا إليهم بعين الرحمة، ويساعدوهم على أداء مناسك الحج ووقف الحرب على غزة.

مكرمة ملكيةوبخلاف أهالي غزة الذين تحاصرهم الاحتلال الإسرائيلي، سوف يتمكن المئات من فلسطينيي القطاع المتواجدين بالخارج من أداء الحج بشكل استثنائي ضمن مكرمة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز.

ففي 6 حزيران / يونيو الجاري، أمر الملك سلمان باستضافة ألف حاج من "ذوي الشهداء والمصابين من أهالي غزة" بشكل استثنائي هذا العام، ضمن برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة والزيارة، الذي تنفذه وزارة الشؤون الإسلامية السعودية.

وتم اختيار هؤلاء الحجاج من ضمن الفلسطينيين الذين خرجوا من غزة إلى دول أخرى، إما فرارا من الحرب، بعد أن فقدوا أفرادا من عائلاتهم أو للعلاج نظرا لإصابتهم خلال الحرب.


ولليوم الـ 251، يواصل الاحتلال الإسرائيلي حربه على قطاع غزة رغم قرار من مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح مدينة رفح، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال "إبادة جماعية"، وتحسين الوضع الإنساني المزري في غزة.

مقالات مشابهة

  • بين الحرب والتغير المناخي.. نقص حاد في المياه يفتك بالسودان
  • كم تبلغ كلفة كسوة الكعبة المشرفة؟
  • بسبب الحرب: سودانيون يضطرون إلى دفع رشاوى لتجاوز الفحص الأمني
  • تحذيرات من مجاعة في السودان
  • على خلفية الحرب في غزة.. بدء مناسك الحج في مكة
  • روايات سودانية مأساوية عن الموت عطشا في الصحراء
  • كيف أثر الوضع الاقتصادي في تركيا على أداء المواطنين فريضة الحج؟
  • تحديد موعد إعادة فتح سفارة السعودية في السودان
  • مكة بلا غزيين.. الحرب تحرم أهالي القطاع من حلم الحج
  • وظائف شاغرة للمعلمين في سلطنة عمان.. إليك الشروط ورابط التقديم