ملاحظات على هامش جدل الوحدة والانفصال في اليمن
تاريخ النشر: 24th, May 2024 GMT
تأتي الذكرى الـ ٣٤ لإعلان قيام الوحدة اليمنية في ٢٢ مايو ١٩٩٠م، واليمن في وضع أكثر بؤساً وتشظّياً اليوم أكثر من أي وقت مضى، بفعل تداعيات انقلاب مليشيات الحوثي المدعومة إيرانيّاً على الدولة اليمنية في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م، ومآلات تسع سنوات من حرب بلا أفق في ظل ضعف الشرعية، وتواطؤ الإقليم لإبقاء اليمن رهناً لكل هذا الضعف والانقسام والتشظي.
يبرز اليوم مجدداً سؤال الوحدة ومآلاتها في ظل وضع كهذا، تسعى فيه بعض الأطراف المدعومة خارجياً نحو تحقيق أهداف من خارج إجماع القوى الوطنية، ومن خارج مسار العمل الوطني العام، ظناً منها أن الوقت حان للانفراد بتحقيق مشروعها الانفصالي الموعود والمزعوم، وهو مشروع قادم من خارج نسق الوطنية اليمنية التاريخي، التي كان من أهم دوافعها لثورتي ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢ و١٤ أكتوبر ١٩٦٣م، السعيُ لتحقيق وحدة اليمن، وتشكيل هويتها الوطنية لتنسجم مع هويتها التاريخية والثقافية.
إن مشروع الانفصال اليوم، وهو مشروع فقدَ كل مبررات بقائه ووجوده في ظل ما آلت إليه الأوضاع اليمنية، وما باتت تحتله ما تُسمي نفسها بالنخبة الجنوبية من مواقع متقدمة في قلب الشرعية اليمنية، التي تكاد تكون اليوم خالصة من أبناء مناطق جنوب اليمن، عدا عن ما باتوا يفرضونه من وجود فعلي على الأرض كحاكمين ومسيّرين لشؤون هذه المناطق، في عدن وما جاورها من مدن يمنية تعاني فشلا ذريعاً في تقديم خدمات للمواطن اليمني.
إن مشروع الانفصال اليوم، بات مشروعاً في العراء، وبات أصحاب هذا المشروع الذين يتربعون على كراسي متقدمة في الدولة اليمنية، باتوا أكثر انكشافا وفشلاً في أداء مهامهم وواجباتهم التي أدَّوا من أجلها اليمين الدستورية، ولكنهم ماضون في أداء دور يتنافى مع مواقعهم الرسمية في ظل مؤسسات الدولة اليمنية المعترف بها دولياً كممثل لليمنيين ومصالحهم أمام العالم، ويأبون إلا أن يؤدوا دوراً لا ينسجم مع أبسط القيم والمعايير الوظيفية فضلا عن الوطنية.
إن أصحاب مشروع الانفصال اليوم، بعد كل هذا الفشل الذي ظهروا به، أصبحوا أمام الشارع العام منكشفين، وأصبح مشروعهم مجرد ستار للممارسة الانتهازية السياسية والفساد، والنهب المنظم لمؤسسات الدولة التي يحملون جنسيتها وجواز سفرها، ويمسكون بزمام مؤسساتها الوظيفية والسيادية، وينعمون بامتيازات خزينتها، ويعملون ضدها بكل تبجح للأسف الشديد.
والكارثة الكبرى اليوم، أن كل هذه الأعمال لا تنبع من ضمير وطني حقيقي يعمل لمشروع الانفصال الموعود به من قبلهم، بقدر ما تأتي إرضاءً لطرف خارجي يموّل مشروع تقسيم وتجزئة اليمن وتفكيكها، ظناً منهم أنهم سينجون من مآلات مثل هذا المشروع التدميري، ليس لليمن فحسب وإنما للمنطقة العربية كلها، لما تحمله هذه المنطقة من بذور تفكك جهوية ومذهبية ومناطقية في داخلها، فضلا عن هشاشة فكرة الدولة وعدم تجذرها في هذه الرقعة الجغرافية من العالم.
لكن قبل هذا كله، ما كان لأصحاب هذه المشاريع اللاوطنية أن ينتعشوا لولا ضعف أداء قيادة الشرعية اليمنية، وتسليمها كلَّ أدواتها وأوراقها لأطراف خارجية وإقليمية تحمل اسم التحالف العربي، وهو الذي لم يقم بأكثر من إضعاف الشرعية اليمنية وتفكيكها، وتفكيك القوى اليمنية بالطريقة التي نراها اليوم؛ حيث أُزيح الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي، وجيء بمجلس قيادة من ٨ أعضاء، ما مكّن عوامل الضعف من نهش بنية الشرعية الضعيفة أصلا.
إن هذه اللحظة اليمنية، تفتقر لقيادة سياسية وطنية قادرة على مواجهة كل هذه العبث ولملمة المشهد اليمني وإعادة الروح لمؤسسات الدولة اليمنية الشرعية المعترف بها، والتي تم العبث بها، وهذه المهمة اليوم منوطة بنخب وطنية غير متورطة بالعبث الحاصل منذ بداية هذه الحرب. هذه النخب التي ظلت تراقب من بعيد باتت مسؤولياتها اليوم مضاعفة أكثر من أي وقت مضى، فليس من الوطنية والشرف أن تظل هذه النخب تراقب كل هذا العبث الذي يتم في مؤسسات الدولة ومقدراتها، لأن استمرار مثل هذا العبث نتيجته واضحة تماماً، وهي لا تخدم سوى تقوية مشروع دولة الإمامة الحوثية، التي تحتل العاصمة صنعاء.
وكل من يعمل اليوم على حرف مسار القضية اليمنية، ويعيق استعادة مؤسسات الدولة وشرعيتها، فهو حتماً لا يخدم سوى مشروع جماعة الحوثي المحتلة للعاصمة صنعاء؛ وسواء كان ذلك بقصد أو دون قصد فالنتيجة واحدة، وهي خدمة أهداف جماعة الحوثي ومليشياتها، التي هي المشروع الانفصالي الأول في المشهد اليمني، وكل من يسعى للانفصال فهو يقدم لهذه الجماعة خدمة واضحة لغسل جرائمها، وفي مقدمتها جريمة الانفصال القائمة اليوم في جزء من جغرافية اليمن، وإعلان وممارسة نظام وسلطة سياسية طائفية غيّرت كل شيء، من مناهج التعليم إلى الخطب والمنابر والعملة، وطريقة الحكم التي ترتكز على استئثار هذه الجماعة بكل مقدرات الكتلة السكانية الواقعة تحت حكمها، وحرمانها من أبسط حقوقها وحرياتها.
أما من يدعون إلى الانفصال تحت مبرر الإقصاء لهم ونهب مقدرات الجنوب، فإن جردة حساب بسيطة اليوم ستُظهر أنهم أكثر فساداً وخراباً من نظام صالح نفسه، فكل الأقاويل والشائعات التي كانت تُقال عن نهب أراضي الجنوب ومقدراته بدا حتى اللحظة أنها مجرد كذبة كبرى، ولم يصح منها شيء، والسبب ببساطة أن الشعب اليوم يطالب بالكشف عن كل تلك المنهوبات من أراضٍ وعقارات، وإرجاعها إلى مؤسسات الدولة، ولكن لا شيء تحقق من ذلك؛ بل إن الذي تحقق هو العكس تماماً.. مزيد من النهب تحت لافتة الانفصال، واستعادة دولة الجنوب المزعومة.
إن مسألة الوحدة والانفصال هذه مسألة سياسية يمكن إخضاعها للنقاش العام وبوجود إرادة سياسية وطنية جامعة، وهذه غير متحققة حالياً في ظل الانقلاب الحاصل والحرب، وفي ظل مصادرة الإرادة الوطنية اليمنية، وكل هذا يدفع العقلاء إلى مزيد من التروي والتعقل لعبور هذه اللحظة التي لن يؤدي أي خطأ فيها إلا إلى مزيد من الفوضى والانفلات، واستدامة الحرب وتفكك الجغرافيا اليمنية المفككة أصلا، والمرشحة اليوم لمزيد من التفكك في ظل تمادي البعض في تنفيذ أجندات غير وطنية، كمشروع الانفصال الذي هو بوابة كل المشاريع غير الوطنية في اليمن، والذي ينتظره مشهد انفصالي سيقود جنوب اليمن إلى ما قبل ٣٠ من نوفمبر ١٩٦٧، وإلى عودة دويلات ومشيخات السلاطين جنوباً وشرقاً.
وختاماً، إن مسألة الوحدة أو الانفصال اليوم بقدر ما هي قضية وطنية يمنية بحته، فإنها – وخاصة قضية الانفصال- أصبحت قضية دولية أيضا، باعتبار أن العالم اليوم مجمع على عدم الاعتراف بأي كيانات انفصالية، لما يمثله ذلك من تهديد لحالة السلم الدولي، وتفكيك الدول، وجر العالم إلى صراعات لا تنتهي، وأن الحل اليوم هو في قيام دولة العدالة والمساواة لكل الناس، لأن المدخل الانفصالي لن يتوقف عند حدود الدولة الواحدة، وإنما سيقود العالم إلى انفصالات لا حدود ولا نهاية لها، وهو ما سيدخل العالم في مزيد من الحروب والصراعات التي لا تنتهي، وهو ما جعل العالم يُجمع على تجريم أي فكرة انفصالية حتى الآن.
*نشر أولاً في مدونة العرب
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق آراء ومواقفWhat’s crap junk strategy ! Will continue until Palestine is...
الله يصلح الاحوال store.divaexpertt.com...
الله يصلح الاحوال...
الهند عندها قوة نووية ماهي كبسة ولا برياني ولا سلته...
ما بقى على الخم غير ممعوط الذنب ... لاي مكانه وصلنا يا عرب و...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الدولة الیمنیة الانفصال الیوم مؤسسات الدولة جماعة الحوثی فی الیمن مزید من أکثر من کل هذا
إقرأ أيضاً:
عشر ملاحظات إسرائيلية حول العدوان على إيران
بعد مرور أيام على العدوان الإسرائيلي على إيران، من الواضح أن المجال يبدو متاحا للتركيز على الاستخبارات التي كشفت أن إيران جمعت ما يكفي من القدرات للسماح لها بالحصول على أسلحة نووية في وقت قصير، حيث استعد الاحتلال للرد الفوري، وتقرر تفعيل حالة الإنذار في كافة أنحاء دولة الاحتلال لوضع سكانها في "وضع الحرب".
يوآف ليمور الخبير العسكري في القناة 13، وضع جملة ملاحظات حول المواجهة الدائرة بين طهران وتل أبيب، أولها المفاجأة، فرغم أن الهجوم كان مطروحا في الأسابيع الأخيرة في ضوء تعثر مفاوضات الاتفاق النووي، وتزايد التقارير التي تفيد بأن الاستعدادات الإسرائيلية للهجوم قد اكتملت، فإن إيران فوجئت مرتين، أولاهما بالقرار الإسرائيلي بالهجوم، عندما كان اللقاء القريب في عُمان مدرجاً على جدول الأعمال، وثانيهما من طبيعة الهجوم، الذي نزع قدراتها وأصولها بشكل منهجي كجزء من حملة تم التخطيط لها بدقة على مدى أشهر".
المفاجأة والاستعداد والهجوم
وأضاف في مقال نشرته صحيفة إسرائيل اليوم، وترجمته "عربي21" أن "الملاحظة الثانية هي الذكاء، فقد كانت إيران محط اهتمام الاستخبارات الإسرائيلية في العقود الأخيرة، لكن الأشهر الماضية شهدت تزايد التركيز بشكل كبير في ضوء وثيقة سرية أصدرها قبل شهرين رئيس الاستخبارات العسكرية شلومي بيندر، ذكرت أن إيران تكتسب قدرات كافية تسمح لها بالحصول على أسلحة نووية في وقت قصير، وتقترب من منطقة الحصانة التي ستجعل من الصعب مهاجمتها، أو حتى تحديد أفعالها في وقت مبكر".
وأوضح أن "هذه التقييمات الإسرائيلية انعكست بشكل كامل على موقف الأميركيين، الذين لم يختلفوا معهم، لكنهم اعتقدوا أنه ينبغي إتاحة مساحة إضافية للمفاوضات في محاولة لكبح البرنامج النووي، دون الحاجة لعمل عسكري".
وأشار أن "الملاحظة الثالثة هي الاستعدادات، فقد أدت المعلومات الجديدة لتسريع الاستعدادات للهجوم، وفي هذا الإطار، نفذ سلاح الجو وشعبة الاستخبارات والموساد سلسلة من العمليات التمهيدية التي تهدف لتهيئة الأرض من الناحية العملياتية والاستخباراتية، وكشف الموساد عن جزء من نشاطه الذي نفذ بعضه على الأراضي الإيرانية".
وأكد أن "النصيب الأكبر للهجوم، الذي لم يتم الكشف عنه بعد، يعود إلى سلاح الجو الذي قاد أكبر وأعقد عملية في تاريخه، بالتعاون الوثيق مع شعبة الاستخبارات، وهي القضية الرئيسية الموجودة على مكتب رئيس الأركان إيال زامير منذ توليه منصبه".
عائلات الأهداف المنتقاة
وأكد أن "الملاحظة الخامسة هي الهجوم، حيث تم تصنيف الأهداف إلى عدة عائلات، أولاها المنشآت النووية، وفي مقدمتها منشأة التخصيب في نطنز، وأهداف أخرى مرتبطة بالبرنامج النووي، وثانيها العلماء النوويوّن حيث تقود مديرية الاستخبارات جهوداً لتحديد الشخصيات الرئيسية في البرنامج النووي من أجل ضربهم، وثالثها أنظمة الدفاع، خاصة الدفاع الجوي، لإخراجها من الخدمة من أجل السماح للقوات الجوية بحرية العمل الكاملة".
وأوضح أن "العائلة الرابعة من الأهداف الإيرانية هي قواعد الصواريخ والطائرات المسيرة، التي تعرضت للهجوم لتقليص قدرة إيران على الرد، وتهديد العمق الإسرائيلي، وخامسها كبار الشخصيات في المؤسسة الأمنية، الذين يؤدي القضاء عليهم لخروج النظام عن التوازن فترة من الزمن، وتم مهاجمتهم باستخدام معلومات استخباراتية دقيقة".
وأكد أن "الملاحظة السادسة هي نتائج الهجوم، وتعرض منشأة نطنز لأضرار بالغة، والقضاء على معظم العلماء النوويين المستهدفين، أكثر من عشرة، وستواجه إيران صعوبة بالعثور على بدائل لهم في المستقبل القريب، فيما يقف نظام الدفاع الجوي صامتا بشكل شبه كامل، مما يسمح للقوات الجوية الإسرائيلية بالتحليق بحرية في إيران".
الرد الإيراني والجدول الزمني
وأشار أن "الأضرار التي لحقت بقواعد الصواريخ والطائرات بدون طيار أكبر من المتوقع، مما أدى لتعطيل إطلاق النار المخطط له، حيث تم اعتراضها قبل وصولها لإسرائيل، فيما أتت تصفية الشخصيات البارزة في المؤسسة الأمنية واسعة النطاق، بما فيها في الحرس الثوري والجيش وأجهزته الطارئة وآلياته الأخرى".
وأوضح أن "الملاحظة السابعة هي الرد الإيراني، حيث اتخذت دولة الاحتلال الاستعدادات له، وتقرر إطلاق ناقوس الخطر في جميع أنحاء الدولة لوضع السكان بالكامل في "وضع الحرب"، ويبدو أن الجمع بين ضرب أنظمة الإطلاق والشخصيات الرئيسية، مع التركيز على كبار قادة القوات الجوية للحرس الثوري، أدى لإغراق النظام الإيراني في حالة من الفوضى، وتعطيل عمليات صنع القرار في الوقت الحقيقي".
وأشار أن "الملاحظة الثامنة هي التكملة، حيث تعمل القوات الجوية وفق خطة ممنهجة تم إعدادها مسبقًا، وسمح تحييد أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية لها بالحصول على التفوق الجوي، والقدرة على العمل بحرية، وهذا لا يعني فقط تقليل المخاطر على الطائرات والطيارين، بل توصيل المزيد من الذخائر بدقة أكبر للهدف، ومن شأنه السماح للاحتلال بتعميق الضرر الذي يلحق بمواقع البنية التحتية التي تم تحديدها مسبقًا، والتحرك لمهاجمة مواقع إضافية لم يتم استهدافها بعد".
وأضاف أن "الملاحظة التاسعة هي الجدول الزمني، حيث تقدر إسرائيل أن الجزء المكثف الحالي من الحملة سيستمر عدة أيام، ثم تنفيذ ضربات مستهدفة إضافية، مع خفض مستوى الاستعداد واليقظة بشكل كبير، ما لم تتمكن إيران من تنفيذ هجمات مضادة كبيرة، مع أن احتمال حدوثه ضئيل مع تعمق هجمات الاحتلال، وحرص حزب الله في الخلفية على عدم الانضمام للحملة، وقدرة الحوثيين محدودة للغاية".
وأشار أن "الملاحظة العاشرة هي الطموح، حيث يأمل الاحتلال أن تؤدي الحملة لاضطرابات داخلية في إيران، تؤدي في نهاية المطاف للإطاحة بالنظام، رغم إعلان المتحدث باسم الجيش أن الحرب لا تستهدفه، لكن تصريحات رئيس الوزراء تضمنت تلميحات لذلك، ومن غير الواضح مدى إمكانية تحقيقه، فيما يركز الاحتلال على الهدف الذي حدده لنفسه، وهو إلحاق ضرر كبير بالبرنامج النووي من أجل تأخيره لسنوات عديدة، وبرنامج إنتاج الصواريخ والطائرات بدون طيار لتقليل التهديد الذي سيشكله على إسرائيل في السنوات المقبلة".