واشنطن تدعو لحماية المدنيين بعد مجزرة النازحين في رفح
تاريخ النشر: 28th, May 2024 GMT
دعا البيت الأبيض إسرائيل إلى اتخاذ الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين الفلسطينيين، وذلك بعد يوم من المجزرة التي استهدفت نازحين في رفح بجنوب قطاع غزة وأثارت تنديدا دوليا واسعا.
وفي بيان أصدره في وقت مبكر اليوم الثلاثاء، وصف البيت الأبيض الصورة التي أعقبت الغارة الإسرائيلية على مخيم للنازحين في رفح بالمروعة.
وتحدث البيان عن تواصل مع الجيش الإسرائيلي ومن وصفهم بالشركاء على الأرض لتقييم ما حدث.
وأسفر القصف الإسرائيلي على مخيم النازحين في رفح عن استشهاد 45 شخصا على الأقل وأصيب نحو 250 آخرين، معظمهم نساء وأطفال، وفقا لأحدث حصيلة نشرتها وزارة الصحة في غزة.
وكان منسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي تبنى قبل ذلك الرواية الإسرائيلية التي تقول إن الغارة استهدفت اثنين من قادة حركة حماس، وقال إن لإسرائيل الحق في ملاحقة الحركة، لكنه دعا تل أبيب لاتخاذ كل التدابير الممكنة لحماية المدنيين، ووصف صور الغارة بأنها كارثية تفطر القلب.
وفي المقابل، ندد نواب ديمقراطيون بالغارة الإسرائيلية ودعوا الرئيس جو بايدن إلى الوفاء بوعده في ما يتعلق بوقف بعض إمدادات الأسلحة إلى إسرائيل، ووصفت النائبة رشيدة طليب، وهي الأميركية الوحيدة من أصل فلسطيني في الكونغرس، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه مهووس بالإبادة الجماعية.
وكانت إسرائيل قد ادعت أن الغارة على مخيم النازحين في رفح استهدفت اثنين من قادة حماس، لكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تحدث لاحقا "عن خطأ كارثيّ" استدعى فتح تحقيق.
أما حركة حماس فنفت الادعاء الإسرائيلي بوجود مسلحين بالموقع المستهدف، وقالت إنه ادعاء وقح.
تنديد واسع
وقد أثارت المجزرة بحق النازحين في واشنطن تنديدا واسعا عبر العالم، ودفعت بالمزيد من المتظاهرين إلى الشوارع في عدد من الدول.
ونددت الأمم المتحدة باستهداف النازحين في رفح، وقال الأمين العام أنطونيو غوتيريش إنه لا يوجد مكان آمن في غزة، داعيا إلى وضع حد لهذه الفظائع.
وفي السياق، قالت مقررة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز للجزيرة إن إسرائيل مُنحت الحرية للاستمرار في أعمال الإبادة الجماعية.
واستنكرت دول عربية بينها قطر والسعودية ومصر المجزرة وطالبت بإلزام إسرائيل بتنفيذ قرار محكمة العدل الدولية بشأن وقف عملياتها العسكرية في رفح.
أوروبيا، دعا مفوض السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عقب اجتماع وزاري أوروبي حول غزة إلى وجوب تطبيق قرار محكمة العدل الدولية الذي يطالب بوقف الهجوم على رفح.
كما أصدرت دول أوروبية بينها فرنسا وإسبانيا بيانات منفصلة نددت بقصف النازحين في رفح.
من جهته، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن مجزرة مخيم النازحين في رفح تكشف الوجه الدموي والغادر "للدولة الإرهابية" حسب وصفه، مؤكدا أن بلاده ستفعل ما بوسعها من أجل محاسبة من وصفهم بالقتلة والبرابرة.
كذلك نددت دول في أميركا اللاتينية بمجزرة رفح، ودعا وزير الخارجية الفنزويلي إيفان خيل بينتو إلى محاكمة إسرائيل على جرائمها في غزة.
وصدرت مواقف مشابهة عن عدة دول في آسيا بينها ماليزيا التي وصفت القصف الإسرائيلي لمخيم النازحين في رفح بأنه إبادة جماعية متعمدة.
كما ندد الاتحاد الأفريقي بالمجزرة، وقال إن "إسرائيل تواصل انتهاك القانون الدولي مع الإفلات التام من العقاب وفي تحد لحكم محكمة العدل الدولية".
اجتماع لمجلس الأمن
في غضون ذلك، قالت مصادر دبلوماسية إن مجلس الأمن الدولي سيعقد اجتماعا طارئا اليوم الثلاثاء لبحث الأوضاع في رفح إثر المجزرة الإسرائيلية في رفح.
وكانت مصادر دبلوماسية قد قالت للجزيرة، إن الجزائر دعت إلى عقد جلسة مشاورات مغلقة وطارئة لمجلس الأمن الثلاثاء بشأن مجزرة رفح.
وسبق أن أحبطت الولايات المتحدة عدة تحركات في مجلس الأمن لإدانة إسرائيل أو وقف الحرب على غزة باستخدام حق النقض (الفيتو).
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات مخیم النازحین فی رفح
إقرأ أيضاً:
هل تفقد إسرائيل مكانتها المطلقة في واشنطن؟
ناصر بن جمعة بن محمد الزدجالي
قبل شهور بسيطة، كان طرح مثل هذا السؤال ضربًا من الخيال، ومناقشة احتمالية كهذه من المستحيلات لأي باحث مطّلع على العلاقات الدولية، وبثوابت السياسة الأمريكية ودهاليزها. لم يجتمع الحزبان الديمقراطي والجمهوري على سياسة، مثلما اتفقا على أولوية إسرائيل، ولم تغلب مصلحة دولة على أمريكا ذاتها إلا إسرائيل.
ثمَّة تغيّرات جذرية طرأت على مستوى الداخل الأمريكي وعلى المستوى الدولي، ساهمت في جعل السؤال يبدو أمرًا مَنطِقيًا وطبيعيًا إلى حد ما. بدأنا أخيرا نرى من يتجرّأ، ويناقش هذا السؤال المحرّم عادةً، على الملأ، ويتحدث عنه وهو غير خائف من فقدان وظيفته، أو انهيار شعبيته، أو حتى محاكمته علنًا بتهمة معاداة السامية. كيف حدث هذا بين يوم وليلة؟ ومن سمح لهؤلاء بالحديث علنًا عن ما كانوا يكبتونه لسنوات، دون أن تتاح لهم القدرة على الحديث؟ وهل يمكن أن تسمح إسرائيل بخسارة نفوذها المطلق وتفقد مكانة "الحليف المميّز" لدى واشنطن؟
لطالما اعتمدت إسرائيل على دعم أمريكا المطلق لها، فهي بمثابة الضامن الأول والأخير لأمنها، والمُمَوّل الأكبر لخزينتها وإنفاقها العسكري، والمدافع الشرس عنها في المحافل الدولية. وهي من مَنّحَها الحرية والغطاء لمهاجمة من تشاء، ومتى تشاء، وكيفما تشاء، وما لأمريكا إلا غضّ النظر عن مغامراتها وتبرير شيطنتها، وعليها أن تضع مبادئها جانبًا، وتتخلى عن التزاماتها ومصالحها، وتعمل بلا كلل لتوظيف دبلوماسيتها وأسـلحتها وتشرّع قوانينها للدفاع المستميت عن إسرائيل وأفعالها، مع التأكد من ضمان عدم تمكين أي دولة، أو منظمة دولية، أو محكمة للقانون الدولي، أو الإنساني، من الاقتراب من إسرائيل، أو محاولة التأثير على مصالحها. لسنوات طويلة، مثّل موضوع إسرائيل، سياسة داخلية لا خارجية، وكان على كل سياسي طامح للوصول إلى السلطة أن يقدم القرابين ليحظى بمباركة ودعم جماعات الضغط الأمريكية الإسرائيلية، مثل لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية المعروفة بـ"آيباك AIPAC"، التي كانت تستخدم تبرعاتها وإعلامها وشبكات نفوذها المالي لضمان سياسات مؤيدة بشكل مطلق لإسرائيل.
ماذا تغيّر إذن لتفقد أمريكا ذلك الحماس؟ وما المستجدات التي طرأت لتتحدى إسرائيل وتحوّلها إلى موقع دفاع وتفقدها تدريجيًا شيئًا من نفوذها؟ لقد أظهرت الاستطلاعات الأخيرة انخفاضًا في دعم الأمريكيين لإسرائيل من 69% إلى 43% خلال عامين فقط من حرب غزة، كما أظهر استطلاع مؤسسة جالوب البحثية في يوليو الماضي، أن 9% فقط من الأمريكيين بين 18 و34 عامًا يدعمون العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
من وجهة نظري، هناك 3 متغيرات وأحداث ساهمت، أكثر من غيرها، في هذا الانعطاف؛ في مقدمتها التحول الكبير في التفكير لدى الشباب الأمريكي، خاصة في الجامعات، ومن ينتمي منهم إلى أقصى اليمين واليسار. كما لوحظ بشكلٍ متزايد أن الشباب الأمريكي لا يكترث بعقدة الضمير الخاصة بالهولوكوست، وكثيرون منهم لا يؤمنون بالمحرقة أصلًا. كما شهدت الجامعات تجمعات ومظاهرات تندد بالحروب شارك فيها فئات من اليهود أنفسهم. وبفضل الزخم، أصبح هذا الحراك الشبابي بين يوم وليلة القوة المحركـة للسياسات. ولقد شهدنا جميعًا كيف استفادت حملة زُهران ممداني عمدة نيويورك المنتخب من هذا التحول المثير.
من هذه المتغيرات أيضًا، حركة "أمريكا أولًا"- والمعروفة اختصارًا بـ"MAGA"- التي روّج لها الرئيس ترامب ومثلت قاعدته الانتخابية الأبرز. وكان لهذه الحركة الناشئة الفضل في صعود الرئيس ترامب إلى السلطة عام 2016 والعودة إليها مجددًا في عام 2025.
المعروف أن سياسات وتوجهات الحملة بنيت على أفكار يمينية تحاول انصاف الأمريكيين البيض، تناقش سياسات الهوية، وتناهض الهجرة، وتدعو إلى إعطاء الأولوية المطلقة لأمريكا، وتدعو لاحترام مبادئها، وعدم الزّج بها في حروب غير معنية بها أصلًا. ومع أن إسرائيل ساندت بعض هذه الأفكار في مرحلة ما، إلا أنها سرعان ما اكتشفت أنها أتت عليها بنتائج عكسية. لقد ساهمت هذه الأفكار في صعود حراك شبابي حفّز على البحث عن الحقيقة. أدركوا أنه أريد لهم فهم نصف الحقيقة، وأنه، بفعل فاعل، تم تغييب أذهانهم عن الصورة الكلية. ولذلك كان السعي الدؤوب لمعرفة من هي الاستثناء الوحيد؟ ومن هو الكيان الذي يأتي فوق القانون؟ وما الدولة التي تسبق مصلحتها الولايات المتحدة؟ ولماذا لم يتحقق في كل الحالات مبدأ "أمريكا أولًا"؟ وكانت إسرائيل هي الجواب لكل هذه الأسئلة الحائرة! الأمر الذي جعل هذه الفئة تتساءل لماذا إسرائيل؟ ولماذا يسمح لها بالقفز على المصالح؟ ولماذا يُصرّح لليهود الأمريكيين بازدواجية الجنسية؟ والأهم، أين يكمن الولاء؟ وكيف يمكنهم الانتساب لجيش دولة أخرى والقتال في صفوفها؟ ولماذا تقوم الولايات المتحدة بخوض الحروب نيابة عن إسرائيل؟
وعلى عكس العادة، سرعان ما أضحت هذه الأسئلة منطقية، وبات يردّدها كثيرون، كان آخرهم اليمين المتدين أو ما يطلق عليهم "القوميين البيض" أو أجنحة "اليمين المتطرف". ولعل خير دليل على ذلك ما قدمته مقابلة الشاب الصاعد نيك كونتيز مع الإعلامي المعروف تكر كارلسون من شعبية وانتشار، والتي حصدت أكثر من ستة ملايين ونصف المليون مشاهدة في فترة وجيزة، وتسببت في نقاش لم يهدأ بعد.
وأخيرًا، هناك تداعيات ومآسي حرب غزة وتعنّت السياسة الإسرائيلية والسيطرة المطلقة عليها من قبل حكومة يمينية متطرفة. لقد وجد المجتمع الدولي نفسه في حالة عدم قبول لهذه الممارسات الرعناء، خاصة الشباب منهم، وبدء التنديد يزداد لغطرسة هذه الحكومة اليمينية المتطرفة، ورفض سياسات التطهير العرقي، والاستيطان والاستبداد، والتصدي لنكران حل الدولتين التي تنتهجها هذه الحكومة. كل ذلك ادى إلى رفض المجتمع الدولي لهذه الممارسات الهمجية.
ومع أن هذا التراجع يعد غير مسبوق بالنسبة للتحالف التاريخي بين إسرائيل والأمريكيين، يذكرنا التاريخ أنه لا يجوز لنا أن نغرق في التفاؤل. فلا تزال يد إسرائيل طويلة بما يكفي، ولا يزال نفوذها قائمًا بفضل سطوة ونفوذ المال والإعلام المؤيد لإسرائيل. إضافة إلى دعم الإنجيليين، والقوانين والتشريعات الصارمة التي سُنّت لصالح إسرائيل تحت غطاء "مُعاداة السامية". ناهيك، عن متانة دعم الحزب الجمهوري وتضامن قياداته معها.
لقد استشعرت إسرائيل الخطر، وباتت تجاهد على أكثر من صعيد لاسترداد مكانتها المسلوبة. فهي تقوم بتنظيم حملات مركّزة في مجال "الدبلوماسية العامة" داخل الولايات المتحدة وبدول اوربية كبرى، وتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير على الرأي العام الأميركي. وباشرت اسرائيل حملات مركّزة تستهدف على وجه الخصوص جيل الشباب المعروف بـ"الجيل زد" (Gen Z)، ويُعد الاستثمار اليهودي في منصة تيك توك أحد الأدوات لتحقيق ذلك.
لم تنجح إسرائيل، ومعها اليهود والصهاينة، في صد موجة التسونامي التي تسببها زُهران ممداني. فهل تستمر في فقدان النقاط، وتخسر أمريكا الحليف المخلص لها، أم إنها نزوة وتنتهي؟ وجولة وتتوقف؟ حدسي يقول إنها بدأت لتستمر؛ فلقد باتت الاختراقات واضحة، خاصة في صفوف الديمقراطيين، الذين كانوا في السابق الداعم الأكبر لإسرائيل. والأهم، لقد بدأ سقوط الجدران، وكسرت قيود الخوف، وأصبح التوافق المطلق على مبدأ "إسرائيل أولًا" شيئًا من الماضي.
** باحث ومحلل استراتيجي