إسرائيل «المارقة» من دير ياسين إلى رفح!!
تاريخ النشر: 28th, May 2024 GMT
الجريمة التى ارتكبتها إسرائيل منذ يومين فى رفح الفلسطينية، بضرب مخيمات الفلسطينيين النازحين من غزة، ليست الجريمة الأولى فى تاريخها المُلطخ بالدماء، ولن تكون الأخيرة ما لم يردعها المجتمع الدولى بقرارات تجد من يُنفذها دون الوضع فى الاعتبار ردة فعل الأمريكيين المتهمين - دائماً - بمساندة الإرهاب الإسرائيلى على حساب القيم الأممية والإنسانية والمبادىء القانونية الدولية.
الولايات المتحدة تساند وتحمى إسرائيل التى ترتكب جرائم لا تغتفر، رغم الغضب الدولى، ورغم قرار المحكمة الجنائية الدولية بإيقاف الحرب، حتى أن منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى، جوزيب بوريل، قال غاضباً: للأسف، ما رأيناه فى الساعات الأخيرة هو أن إسرائيل تواصل العمل العسكرى الذى طُلب منها وقفه.. ويتعين عليها التعبير ليس فقط عن احترام المحكمة، ولكن المطالبة بتنفيذ قرارها.
ما يجب أن نضعه فى اعتبارنا.. أن إسرائيل تتخذ من القتل المروع منهاجاً لبسط نفوذها العسكرى، فهى فى حكم القانون الدولى، دولة مارقة، لاتلتزم بالقانون ولا المواثيق الدولية، ولا بأحكام المحكمة الجنائية الدولية بسبب اعتمادها على غطاء حماية أمريكى لا يتوقف منذ زرع هذا الكيان وصناعته من العدم عام 1948 وحتى اليوم، والرئيس الأمريكى جو بايدن له فيديو قديم متداول فى كل مواقع التواصل الاجتماعى يردد فيه - عندما كان عضواً فى مجلس الشيوخ - مقولة أن إسرائيل كيان مهم للولايات المتحدة ولو لم يكن موجوداً لاخترعناه!!
إسرائيل تحصل على الحماية الأمريكية منذ قامت بضرب بحر البقر فى محافظة الشرقية قبل 54 عاماً فقتلت أطفال أبرياء دون تردد. ففى صباح يوم 8 أبريل عام 1970 قصفت طائرات من طراز فانتوم مدرسة بحر البقر المشتركة فى قرية بحر البقر بمركز الحسينية بمحافظة الشرقية فى مصر، وأدى الهجوم إلى مقتل 30 طفلاً وإصابة 50 آخرين وتدمير مبنى المدرسة تماماً.
كان الهدف من الهجوم هو زرع الرعب فى قلوب المصريين، ولكن ماحدث هو العكس تماماً فقد ازدادت الرغبة فى الانتقام فكان الرد يوم السادس من أكتوبر قاسياً جداً.
كان رد الفعل الأمريكى على تدمير إسرائيل لمدرسة بحر البقر هو قيام الولايات المتحدة بتأجيل صفقة إمداد إسرائيل بطائرات حديثة! ولم يستمر الحظر كثيراً فقد عادت صفقات السلاح بعد أن هدأ الرأى العام الدولى!
إسرائيل التى تتمتع بحماية الولايات المتحدة، قامت أيضاً يوم 18 أبريل 1996 بارتكاب مذبحة قانا إحدى أسوأ جرائم الذبح الدموى فى التاريخ، فقد قامت بالهجوم على لبنان ووصلت إلى العاصمة بيروت، ونتيجة لكثافة ودموية القصف، لجأ مئات اللبنانيين معظمهم من النساء والأطفال إلى مركز تابع لقوات الأمم المتحدة بقرية «قانا» وكانوا يعتقدون أنه الملجأ والحماية، وأن إسرائيل لن تلاحقهم داخل مركز تابع للأمم المتحدة، ولكن ما حدث هو أن إسرائيل لم تخيب ظن كل مصاصى الدماء فى العالم .. فوجهت مدافعها نحو مقر كتيبة تابعة للأمم المتحدة فى قانا، بعد أن احتمى بها المئات من المدنيين فقتلت 106 وأصابت 150 شخصاً معظمهم من النساء والأطفال.
بعد المجزرة قال الرئيس الأمريكى بيل كلينتون «أدعو جميع الأطراف لوقف إطلاق النار»! واجتمع مجلس الأمن للتصويت على قرار يدين إسرائيل، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية أجهضت القرار باستخدام حق الفيتو.
قطعاً.. إسرائيل دولة قائمة على الدم والذبح.. إنه منهاج عمل لديها .. قراءة تفاصيل مذبحة دير ياسين يؤكد إن مؤسسى إسرائيل - ومن جاءوا بعدهم - لا يضعون فى اعتبارهم القانون الدولى ولا أحكامه.
وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا» وثقت مذبحة دير ياسين فقالت عنها:
مجزرة دير ياسين، التى نفذتها الجماعتين الصهيونيتين أرجون وشتيرن عام 1948، أسفرت عن استشهاد 250 إلى 360 فلسطينيا.
ووفق شهادات الناجين، فإن الهجوم الارهابى على قرية دير ياسين، الواقعة غرب مدينة القدس المحتلة، بدأ قرابة الساعة الثالثة فجراً، لكن الصهاينة تفاجأوا بنيران الأهالى التى لم تكن فى الحسبان، وسقط من اليهود 4 قتلى، وما لا يقل عن 32 جريحاً.
بعد ذلك طلبت العصابات المساعدة من قيادة الهاجاناه فى القدس وجاءت التعزيزات، وتمكّنوا من استعادة جرحاهم وفتح الأعيرة النارية على الأهالى دون تمييز بين رجل أو طفل أو امرأة.
وقد استعان الإرهابيون بدعم من قوات البالماخ فى أحد المعسكرات قرب القدس، حيث قامت من جانبها بقصف دير ياسين بمدافع الهاون لتسهيل مهمة العصابات المهاجمة.
وقد استمرت المجزرة الوحشية الصهيونية حتى ساعات الظهر، وقبل الانسحاب من القرية جمع الإرهابيون اليهود كل من بقى حياً من المواطنين العرب داخل القرية وأطلقوا عليهم النيران.
ومنعت الجماعات اليهودية، فى ذلك الوقت، المؤسسات الدولية، بما فيها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، من الوصول إلى موقع الجريمة للوقوف على ما حدث على أرض الواقع.
ولكن أخطر ما قيل عن المذبحة هو ما جاء فى مذكرات رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق مناحم بيجين، الذى كان رئيسا لعصابة «الهاجاناة» فقد كتب: كان لهذه العملية نتائج كبيرة غير متوقعة، فقد أصيب العرب بعد أخبار دير ياسين بهلع قوى فأخذوا يفرون مذعورين.. فمن أصل 800 ألف عربى كانوا يعيشون على أرض «إسرائيل» الحالية أراضى عام 1948 لم يتبق سوى 165 ألفا.
الخلاصة:
ما تمارسه إسرائيل من مذابح هو استمرار لمنهجها الذى يستهدف إبادة أكبر عدد من الفلسطينيين لترسيخ مفهوم إسرائيل المتوحشة حتى يخشاها الجميع.. فإسرائيل تمارس الإجرام والذبح كمنهج عمل.. وهى فى حكم القانون دولة مارقة.. وهى مثل البلطجى الذى لا يخشى القانون.. ولكنه لا يرتدع إلا إذا رأى العين الحمرا!
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نور إسرائيل المارقة دير ياسين رفح الولایات المتحدة أن إسرائیل بحر البقر دیر یاسین
إقرأ أيضاً:
ظفار أرض اللبان والتباشير.. ولكن!
خالد بن سعد الشنفري
هبَّة جديدة من هبات ظفار حدثت في كل وسائل التواصل الاجتماعي ولم تهدأ بعد.. وذلك حول استبدال اللبان وشجرته كهوية وشعار للمُحافظة واستبداله بوسم وشكل التباشير.
كواحد من أبناء هذه المُحافظة تابعت كل ذلك دون أن أدلي برأيي حوله؛ فقد كنت متوقفًا عن الكتابة لظروف خاصة، إضافة إلى أنني منشغل حاليًا بإعداد كتابي الجديد "ظفار.. ذاكرة زمان ومكان" الذي سيصدر قريبًا؛ لذا آثرت التروي حتى تهدأ النفوس فقد كفى ووفى الناشطون في وسائل التواصل وأصحاب الأقلام.. غير أن الكثير من الزملاء ومن قرائي ألحوا عليَّ بالكتابة عن هذا الموضوع المهم.
وإحقاقًا للحقيقة والتاريخ نقول إنَّ وسم "التباشير" لا يقل أهمية عن وسم "شجرة اللبان"؛ فكلاهما تاريخيًا من صميم إرث ظفار وقد سبق لي أن نشرت مقالًا في جريدة الرؤية الغراء، بتاريخ 4 ديسمبر 2021، عن التباشير واللبان بعنوان "التباشير والزاوية واللبان" كموروثات تاريخية ظفاريّة، وسأقوم بتذييل مقالي هذا برابط المقال القديم لمن أحب الاطلاع عليه، وسأضمنه كذلك كتابي الجديد المعزم نشره في فترة خريف هذا العام بإذن الله.
اللبان والتباشير كلاهما ارتبطا بظفار تاريخيا ولازالا إلى اليوم.
والتباشير هي من علامات ومميزات المعمار الظفاري القديم على أسطح بيوتها ومساجدها وزواياها وحتى أضرحة أوليائها والصالحين، ولا زالت شامخة إلى اليوم ولا تخطئها عين أي زائر للمحافظة، وهي مع منظرها الصوري الجمالي هذا كانت أيضًا قرينة اللبان وتستخدم لوضع مجامر بخور اللبان الكبيرة عليها وحرقه في الأجواء ترحيبا بالزائرين وفي المناسبات كما أن مجامر اللبان والبخور الظفارية يوجد على أعلاها شكل التباشير وهذا دليل الارتباط التاريخي بين الإثنين شكليا وعمليا أيضا.
لغويًا.. التباشير حسب المجامع اللغوية تعني البُشرى وأوائل الأشياء أو باكورتها؛ فيقال تباشير الخريف وتباشير الصباح، مثلما يُقال تباشير الرطب في محافظات عُماننا الحبيبة، وتباشير موسم الفتوح في ظفار الذي كان يترقبه أبناء ظفار بعد انتهاء فترة الخريف، وتهدأ زمجرة أمواج بحره العاتية، ويستقبلون السفن التجارية الخشبية القديمة إلى ظفار مُحمَّلة بمختلف البضائع وتحمل في ذهابها منتوجات ظفار من لبان وقطن وفلفل أحمر وجلود وسمن بلدي وأسماك سيسان مرباط المجففة (الصافي) والصفيلح وغيرها.
ومن المفارقات وأنا أكتب هذا المقال تتلبد كتل السحب الكثيفة سماء الشريط الساحلي لظفار وتحجب شمس هذا الأيام الحارة، فنحن في "نجم الكليل" أشد نجوم ظفار حرارة ورطوبة على الإطلاق، ما قبل موسم الخريف؛ وكأنها استجابة القدر للوحات شعار التباشير الذي زُيِّنت به صلالة وشوارعها وأبت إلّا أن تشاركهم وتُبشِّر بالخريف قبل حلوله فلكيًا بعد شهر من الآن؛ جعلها الله سحب غيث ماطر يروي الأرض وينبت الزرع ويدر الضرع والمرعى ليتواصل مع التوقيت الفلكي له في الثالث والعشرين من يوليو القادم.
أما اللبان، فهي شجرة مميزة تحمل ثمرتها اللبان وسط أحشاء سيقانها ويحسبها الظفاريون مباركة عليهم، وهذا لم يكن ينطبق على ظفار وعمان فقط بل كانت كذلك لشعوب وحضارات قديمة منذ آلاف السنين وكانت مصدر رزق رئيس وثراء لظفار حتى حيكت حولنا أساطير وحكايات قديمة لديهم بأننا البلاد السعيدة وأرض العمالقة، ويحلو للبعض اليوم وصفه بالنفط الأبيض لتلك الحقب الزمنية ولا زال يقوم بهذا الدور مع الفارق طبعًا وإلى وقتنا الراهن، ويحرص كل من يزور ظفار في خريفها أو أي من مواسمها المعتدلة عموما على اقتنائه وأصبح حاليًا يدخل في صناعة العطور الراقية ومستحضرات التجميل والحلوى العمانية وحتى الدواء.
محافظة ظفار من المناطق القليلة جدًا على مستوى العالم بنمو هذه الشجرة ومن أفضله جودة وشهرة على الإطلاق، وقد ارتبط تاريخيًا اسمها به على مستوى العالم، بعكس التباشير التي تشترك معنا مناطق عديدة في العالم العربي فيها، ولا مقارنة بينهما تاريخيًا، فبيمنا تمتد شهرة اللبان الظفاري الذي كانت سمهرم شرقًا والمغسيل غربًا أهم موانئ تصديره للعالم قبل أكثر من 3 آلاف عام نجد بالمقابل أن مدينة البليد عاصمة ظفار القديمة قبل 700 عام تخلو مبانيها من التباشير وهذا دليل على دخوله إلى معمارنا بعد هذا التاريخ.
وإذا ذكر أمامك اسم مصر تستحضر مباشرة الأهرامات، واسم الصين سورها العظيم، وباريس برج إيفل، واليمن ناطحات سحابها، والإسكندرية منارتها، وكذلك ظفار أول ما يتبادر للذهن عند ذكر اسمها هو اللبان وخريفها، لا تباشيرها.
وإذا جاز لنا من اقتراح بهذا الصدد؛ فنتمنى أن يقتصر شعار التباشير على موسم خريف هذا العام فقط، خصوصًا وأنه قد تم نشر لوحاته على معظم شوارعنا الرئيسية، ونعتبره تباشير خريف هذا العام، أما اللبان وشجرته فيجب أن تظل الشعار والهوية للمحافظة؛ كي لا يُقال عننا- ومع الأسف الشديد لقول ذلك- "أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير".
كنَّا نتمنى أن تنتشر شجرة اللبان في كل شوارعنا وعلى دوراتها وكل جوانبها جنباً إلى جنب، كما نعمل لنخلة النارجيل بدل أن نخرجها من المشهد والصورة لتنزوي؛ فأول ما يهُم الزائر لنا في المحافظة هو النخلة ومشلاها وكذا شجرة اللبان ولبانها وبخورها.
مبارك علينا جميعا تباشير خريف هذه السنة المبكر وكل عام وأنتم في خريف وتباشير وعبق لبان.
رابط مختصر