حديقة الذكاء الاصطناعي تستقطب زوار قمة الإعلام العربي
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
سلطت قمة الإعلام العربي 2024، الضوء على القدرات الفائقة التي تتمتع بها تقنيات الذكاء الاصطناعي، من خلال تنظيم "حديقة الإعلام" ضمن فعاليات كل من "المنتدى الإعلامي العربي للشباب" الذي اختتمت أعماله في إطار القمة يوم الاثنين الماضي، وكذلك عبر "منتدى الإعلام العربي" الذي تم تنظيمه على مدار يومي 28، 29 مايو الجاري، وذلك من خلال "حديقة الذكاء الاصطناعي"، والتي تعد الأولى من نوعها في حدث إعلامي بحجم قمة الإعلام العربي التي تضم تحت مظلتها أيضاً، جائزة الإعلام العربي، وجائزة رواد التواصل الاجتماعي العرب.
ريادة التطوير الإعلامي
ويضطلع منتدى الإعلام العربي بدور فعال في ريادة عملية التطوير الإعلامي في جميع أنحاء المنطقة وذلك من خلال تسليط الضوء باستمرار على الاتجاهات والتقنيات الجديدة في قطاع الإعلام، والتطلع نحو آفاق إعلامية جديدة، وتقديم حلول مبتكرة لمواكبة المتغيرات العالمية في قطاع الإعلام والتعرف على أبرز الاتجاهات التكنولوجية الحديثة والأفكار الرائدة التي قد تسهم في تحديث منظومة الإعلام، بما في ذلك كيفية الاستفادة من تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وتوظيفها في صناعة الإعلام بما يحفز على التفاعل بسلاسة مع مختلف وسائل الإعلام في المستقبل.
وظل موضوع تسخير التحولات التقنية الحديثة لبناء إعلام قوي ومنافس في المنطقة الموضوع الأبرز ضمن مناقشات وجلسات منتدى الإعلام العربي على مدى سنوات، غير أن نجاح المنتدى في إبراز هذه الاتجاهات في صناعة الإعلام واستشراف أثرها في مستقبل الإعلام، وتقديم حلول مبتكرة في هذا المجال، زاد من القيمة المضافة للمنتدى كمنصة رائدة لحوار مهني رفيع المستوى.
حديقة الذكاء الاصطناعي
وسعياً لمواكبة التغيرات المتسارعة في مجال التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي والاستفادة من الفرص الكبيرة التي يخلقها هذا القطاع سريع التطور، جاءت "حديقة الذكاء الاصطناعي" بتنظيم "براند دبي"، الذراع الإبداعي للمكتب الإعلامي لحكومة دبي، وذلك ضمن أبرز الفعاليات المتميزة التي ضمها المنتدى هذا العام. ووفرت "حديقة الذكاء الاصطناعي" للمشاركين والحضور في المنتدى تجارب ومحادثات تفاعلية مع شخصيات ورموز أدبية وإعلامية عربية مشهورة رحلت عن عالمنا ولكنها تركت وراءها إرثاً فكرياً رفيع المستوى، وذلك من خلال حوار افتراضي عبر تقنيات المستقبل التي ستتيح لهم تجربة التواصل وجها لوجه مع هذه الشخصيات عبر تجسيد رقمي لتلك القامات الفكرية المرموقة، والتي ساهمت بإبداعاتها الإعلامية والصحافية في تشكيل الوعي العربي بأعمال ستظل مصدر إلهام للأجيال.
وقالت شيماء السويدي مديرة "براند دبي"، عضو اللجنة التنظيمية لمنتدى الإعلام العربي، إن "براند دبي" حرص هذا العام على تقديم فعاليات إبداعية في قمة الإعلام العربي 2024 والتي تعكس ضمن مختلف المشاريع المنضوية تحت مظلتها مدى التركيز على مستقبل صناعة الإعلام، وذلك من خلال تطبيقات إبداعية متنوعة لتقنيات الذكاء الاصطناعي ذات العلاقة بقطاع الإعلام بمختلف مساراته، وذلك من خلال إقامة "حديقة الذكاء الاصطناعي" كأحد الفعاليات المهمة المصاحبة للجلسات الحوارية وورش العمل العديدة التي ضمتها أجندة الحدث هذا العام".
أنشطة تفاعلية
وتتضمن فعاليات "حديقة الذكاء الاصطناعي" أنشطة تفاعلية منفصلة، تأخذ الزوار إلى عالم تتلاشى فيه الحدود وتتيح لهم اللقاء الافتراضي وجها لوجه مع شخصيات أدبية وإعلامية ساهمت في رسم ملامح المشهد الإعلامي العربي على مدى سنوات طويلة.
تفاعل مع الرواد - إحياء إرث قامات إعلامية
وأتاح ركن "تفاعل مع الرواد" ضمن حديقة الذكاء الاصطناعي" إمكانية اللقاء والتواصل الافتراضي التفاعلي مع نخبة من نجوم الأدب والإعلام في العالم العربي، والرد على استفساراتهم وأسئلتهم بالصوت والصورة ضمن جملة من الأسئلة التي تدور حول إرثهم الأدبي والإعلامي وأعمالهم الملهمة.
ويتيح ركن "تفاعل مع الرواد" استحضار تجسيد رقمي لرموز إعلامية وفكرية عبر صورهم الافتراضية الرقمية بما يتيح للزوار التعرف على ثلاث شخصيات أدبية وإعلامية عربية، حيث تستقبل هذه الشخصيات في صورتها الرقمية الزوار للتعريف بمساهماتهم الأدبية والإعلامية من خلال التواصل التفاعلي، وتضم الشخصيات الإعلامية الثلاث كلا من الصحفي اللبناني الشهير غسان تويني، والشاعر والكاتب الإماراتي حبيب الصايغ، والإعلامي والمؤلف السعودي هاني النقشبندي.
ويمكن لزوار هذا الركن التفاعل مع هذه الصور الرمزية من خلال ثلاث شاشات مخصصة، يتم تزويد كل منها بجهاز "آي باد" حيث يطرح الزائرون الأسئلة على الصور الافتراضية، ويتلقون الرد في الحال، مما يخلق تفاعلًا افتراضيا أقرب إلى الواقع، ويتم تجهيز الشاشات بتقنية ذكاء اصطناعي متخصصة تم تصميمها بكل دقة، بما يتيح للزوار التواصل التفاعلي والحصول على معلومات شاملة ودقيقة عن أعمال وإبداعات كل شخصية من الشخصيات.
صورتك بالذكاء الاصطناعي
وتعتمد هذه الفعالية على وجود استوديو مدعوم بتقنية الذكاء الاصطناعي، حيث يتحكم الزوار في الكاميرا بأنفسهم باستخدام جهاز التحكم عن بعد، مما يضمن أقصى قدر من الخصوصية لالتقاط صور متميزة، حيث تقوم تقنية الذكاء الاصطناعي المتقدمة بمعالجة الصور وتحريرها وتنقيحها على الفور، مما يوفر صورًا بجودة عالية.
إبداعات فنية
وتستند هذه الفعالية على إنتاج رسوم وإبداعات فنية باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، حيث يتيح هذا الجزء من حديقة الذكاء الاصطناعي للزوار رسم مخطط تخيلي، وبعد انتهائهم من الرسم يدخلون التعديلات المطلوبة على الرسم للوصل إلى النسخة النهائية للرسم أو الفن التجريدي في غضون عشر ثوان فقط؛ وبمجرد موافقة الزوار على المحصلة النهائية للرسم يضغطون على لإرسال الرسم لهم على بريدهم الالكتروني، ويتم عرض نسخة أخرى للرسم على شاشة LED المتوفرة.
من أقوالهم
كما تتضمن الحديقة ركناً يحتفي بكلمات ملهمة لرموز وأسماء إعلامية رحلت عن عالمنا لكبار الصحفيين العرب الذين لم يعودوا بيننا، وتستقطب الفعالية الزوار الحريصين على التعرف على الأعمال والأقوال الخالدة لشخصيات عربية إعلامية بارزة وذلك من خلال التفاعل الافتراضي التخيلي عبر تقنية الذكاء الاصطناعي. صدى المستقبل
ويتميز هذا الجزء بتجربة صوتية مدعومة بتقنية الذكاء الاصطناعي بالتزامن مع الأداء المباشر لعازف بيانو، حيث يعد التحول الفوري للصوت إلى صور مرئية بمثابة تقنية فريدة لا مثيل لها للذكاء الاصطناعي ستؤثر على صناعة الإعلام على نطاق واسع.
أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: منتدى الإعلام العربي الذكاء الاصطناعي دبي تقنیة الذکاء الاصطناعی قمة الإعلام العربی صناعة الإعلام وذلک من خلال تفاعل مع
إقرأ أيضاً:
وليد علاء الدين: الشعراء أول مَن وضع أسس الذكاء الاصطناعي!
لا يهتم الكاتب المصري وليد علاء الدين بفكرة المجايلة، إذ يرى أن الكتابة تجربة فردية للغاية، وبالتالي لا يجب وضع الأدباء في سلة، وهو كذلك يرى أن أعماله تحصل على تقدير نقدي وإعلامي، بالإضافة إلى جوائز مهمة، منها جائزة أدب الحرب المصرية، وجائزة غانم غباش، وجائزة الشارقة، وجائزة ساويرس.
وليد علاء الدين شاعر وروائي وصحفي وفنان تشكيلي ولد عام 73، له في الشعر "تردني لغتي إليَّ"، و"تقشر أعضاءها للوقت"، وفي المسرح "العصفور" و"72 ساعة عفو" و"مولانا المقدم مسرح"، وفي أدب الرحلات "خطوة باتساع الأزرق"، وفي الرواية "ابن القبطية" و"كيميا" و"الغميضة"، بالإضافة إلى عدد من كتب المقالات وكذلك معارض الفن التشكيلي. هنا حوار معه ينطلق من ديوانه الأخير "أيها الموت العظيم" ويتطرق إلى رؤيته للأدب والنقد.
عدت إلى الشعر بهذا الديوان "أيها الموت العظيم"، ماذا يعني لك الشعر؟ وأين تجده؟
أبدا لم أذهب بعيدا عن الشعر، ولكني بطبيعتي دائم التساؤل عن ماهيات الأشياء، حريص على أن تكون علاقتي بها أعمق من مجرد تبني العمومي والشائع والرائج لمجرد أنه عمومي وشائع ورائج، أحب أن أفكر في الأمور وأعيد صياغتها بنفسي، حتى لو اُتهمت بإعادة صنع العجلة، إنها الطريقة الوحيدة لامتلاك طبعة أصلية.
نشرتُ ثلاثة دواوين شعر (أفضِّل كلمة كتاب)، كل كتاب منها يذكرني -ليس بما تضمنه من نصوص أو قصائد أو كتابات- وإنما بعشرات النصوص التي أقصيتها منه وقررت عدم نشرها في كتاب. الشعر أكبر من أن يكون مجرد شكل كتابي، أو نوع فني، الشعر حالة يمكن أن تتحقق في عشرات الأنواع والمقاربات الفنية، كثيرون ينساقون -لسبب أو لغيره- خلف تصورات أنتجها آخرون ويستكملون العمل في خطوط إنتاج حدد معالمها آخرون من دون توقف للمراجعة والتأكد من أصالة ما ينتجون ومدى انتمائه لذواتهم. وكثيرون يخضعون للإرهاب باسم الأشكال الفنية، فيخشون التحليق خارج الحدود الآمنة تنظيرا أو إنتاجا. بهذا المعنى لم أبتعد عن الشعر، أعيش داخل الشعر؛ الشعر باعتباره نسغا، الشعر باعتباره طريقة تفكير، الشعر باعتباره منهج تواصل مع الكون ومحاولة مستمرة لضبط موقعي منه.
*********************************
- يبدو الديوان مثل صرخة ضد العنف والكراهية والقتل وكل الأفعال الشنيعة في العالم.. هل كان ذلك هدفك؟
هو محاولة لإعلان موقفي، ويبدو أن إعلان الموقف هو أقوى موقف ممكن في هذه الحياة التي باتت تشبه ألعاب القتل المصممة بالحاسوب: اقتل لكي تحقق هدفك!
لقد مر جيلنا -في سنوات معدودة- بما هو أقسى من كل ما قرأنا عنه من حماقات في تاريخ البشرية على الأقل الحديث منه. شاهدنا بأعيننا ولمسنا بأيدينا ما خلخل تقريبا معظم الأسس التي نشأنا على اعتبارها حقائق. مررنا بهزات مسّت بعمقٍ المفاهيم الأساسية المتعلقة بالخير والشر، والحق والباطل، والظلم والعدل أو ما كنا نعتقده كذلك.. تخيل أن تضطرك الحياة لمراجعة كل هذه المفاهيم وتتشكك في صحتها، بينما هناك مَن لا يزال يجرِّم إعادة النظر في مفهوم الشعر!
في حياة مثل هذه انتابني شعور بمسؤولية إعلان موقفي لمن سيجيئون بعدي، عن عالم صار الموت فيه في حاجة لمن ينقذه من حملة التشويه التي يتعرض لها على أيدي القتلة.
تقول: "هذه الأرض ليست سوى خدعة".. هل يحاول الديوان فتح أعيننا على وهم الوجود؟
أحيانا أكاد أصدق أن الحياة نسخة تجريبية من لعبة قتل متقنة يلعبها لاعبون مجهولو الهُوية، لهم صلاحيات آلهة السوفت وير، ومهندسي البرمجة. عندما طُرحت هذه الفرضية على نخبة من فلاسفة العصر في صيغة سؤال: هل يمكنك مناقشة فرضية أن الكون مجرد لعبة حاسوب؟ كانت أشد الإجابات تفاؤلا أنها فرضية لا يمكن دحضها بالمنطق.
هل الوجود بهذا المعنى وهم؟ سؤال لا يمكن مقاربة إجابته، إلا من باب الفلسفة، وإذا كانت الفلسفة عجزت عن تقديم إجابة، فأظن أن الشعر هو الوريث الجدير بالفلسفة اليوم.
-"الشجيرة الوحيدة"، شاهدة على امتداد عنف الإنسان إلى "الأم الخضراء".. الشعر في تلك القصيدة ينبع من صور الألم الصافي، حيث يتفنن الجميع في وضع أشيائهم في ندبة الشجرة.. ما تعليقك؟
لا يمكن شرح الشعر إلا بالموسيقى، وقد فاجأني الصديق الموسيقار محمد عنتر، عازف الناي الكبير، بمقطوعة أهداها لي خلال حفل إطلاق كتاب "أيها الموت العظيم"، في مقر بيت الحكمة بالقاهرة. معزوفة استلهم خلالها هذه القصيدة "الشجيرة الوحيدة". وإذا حاولت التعبير عن المشاعر التي انتابتني كمتلقٍ بينما أستمع لتلك المعزوفة التي أعرف أنها تشكَّلت في ضوء معزوفتي الشعرية؛ فسوف أقول إنني شعرت بمدى القسوة التي سكنتْ قلوب الناس تجاه ذواتهم، وتجاه الكون وكائناته، قسوة من ذلك النوع الذي يصعب توصيفه أو وضع اليد على منابعه، قسوة تشبه دحرجة أوراق الدومينو، كل ورقة تُلقي بحملها على التي تليها ظنًّا منها أنها ارتاحت أخيرا؛ بينما التكوين كله ينهار، وبينما يصفق الجميع تحية لهذا الانهيار المريع.
- القصائد تنويع على معاني التوحش والغرور الإنساني.. هل يمكن القول إنه ديوان ضد توحش الإنسان؟
إنها محاولة للتعبير عن مدى هشاشة الإنسان، وعدم قدرته في الوقت نفسه، وربما بدافع منها، على استيعاب هذه الهشاشة والتعامل معها بما تستحق من تخلٍّ، بسبب الخوف.
أكاد أجزم بأن الخوف هو السبب الأصيل خلف كل توحش، الوحوش الأصيلة تمارس توحشها وفق منطق له بنيته البيولوجية وأسسه الغريزية التي تصلح للنقاش، أما وحشية البشر فدافعها الأوحد الخوف، الخوف جهلاً ومعرفة، الخوف إرثاً وتجربة، الخوف تنظيراً وممارسة، الخوف باسم الدين، والعلم، والخرافة، والقداسة، واللعنة، والبركة، والحب، والكراهية. ماذا لو تيقَّن الإنسان من هشاشته، وهشاشة اللعبة كلها، وتخلَّى عن هذا الخوف وآمن بأنه لا مجال لتمتين جدرانه الهشة، إلا على حساب جدران جيرانه الهشة! سؤال عبثي! وما الشعر سوى محاولة لإعادة النظر في الواقع عبر مجهر العبث!
-"قاهرة الغريب.. قاهرة الدهشة"، واحدة من أجمل القصائد.. كيف وصلت إلى هذه القناعة خلالها: "ذنوب القاهرة لا يغفرها سوى إله أو مجنون"؟!
أما اليقين فلا يقين، وأقصى اجتهادي أن أظن وأحدسَ، هكذا همس، قبل أقل من ألف سنة بقليل، المتأمل في محبسيه أبو العلاء المعري. تسألني عن القناعة؟ هل تشعر باللعبة المخيفة التي تحملها الكلمة قَنَعَ؟ قنع أي رضي ولم يطلب المزيد، بينما تقنَّع أي تخفَّى بقناع! هل ندرك مدى غرابة اللعبة؟ هذه اللعبة مخيفة، والقاهرة مخيفة بين القناعة والتقنع، بين الرضا وعدم طلب المزيد، وبين التعطش طلبا ورغبة، وأملا ورجاء، وابتهالا وتوسلا وتسولا، وهذه هي الدنيا التي وصفها من خَبرها فقال: سكنت إلى الدنيا فلما عرفتها، تمنيت أني لست فيها بساكن.
- لماذا ترى أن الوقت هو ما يمنح المدن أرواحها؟
"يا ترى اللي بيعيش الزمن إحنا، وإلا الزمن هو اللي بيعيشنا؟" سؤال فلسفي مُرعب صاغه ببساطة -كما صاغ أذواقنا وعقولنا- الشاعر سيد حجاب. الزمن هو كل شيء، والوقت هو المكيال الذي يُقاس به الزمن، وحدة إحصاء مقسَّمة لوحدات أصغر وأدق، لا نملك التحكم في الوقت ولكننا نمتلك كل القدرة على تشكيله، وتكثيفه، وتعبئته بما يجبره على استهلاك عشرات أضعاف وحدات قياسه لكي يتمكن من تجاوزه، هكذا نقول من باب البلاغة: وقف الزمن مندهشا، أو نَصِفُ فعلا أو عملا بأنه تجاوز الزمن أو سبقه، هذه ليست مجرد بلاغات قولية، الأقوال لا تنشأ في الفراغ، إنه وصف لما نجح البشر في تحقيقه، والمدن -في حدودها الدنيا- مجرد أماكن يعيش فيها البشر، لكن بعض المدن تعتق فيها الوقت وتكثف، وتشكل بأرواح من سكنوها أو عبروها، فامتلكت روحا من جواهر أرواحهم، يحتاج الزمن إلى أزمنة تفوق عمره لكي يستعرضها، ومهما بدا أنها خفتت تظل متقدة كالجمرة تحت الرماد، القاهرة واحدة من هذه المدن ذات الأرواح.
- "رقصة التاريخ" هل هي محاولة لزعزعة إكلشيهات تخص التاريخ؟
نعم، بكل وضوح، إنها قصيدة سخرية مريرة من الاستخدام المفرط للتاريخ في غير الغرض المخصص له، وهو تجنب الوقوع في الأخطاء القاتلة.
-لماذا دعوت الموت أن يكون رشيقا وألا يتمهل؟
ربما يكون رقصتنا الوحيدة، ولم تمهلنا الحياة فرصة للرقص؛ فنستمتع لمرة وحيدة أخيرة بما كنا نظن أرواحنا وأجسادنا قادرة على تحقيقه من رشاقة، وألا يتمهل لأن الأشياء تفقد رونقها حين تقيم طويلا.
-ما المختلف بين "عشرون صورة للحب" وصور الحب عند الشعراء الآخرين؟
لا أعرف، ربما يعرف الشعراء الآخرون. ولا أعرف لماذا عشرون، ولا أعرف لماذا صورة وليس "مشهدا" مثلا! ولا أعرف كذلك كيف نبتت كل هذه الصور وتدفقت من مخيلتي إلى الورق، كل ما أعرفه أنني شعرت بكل صورة منها تماما كما يحدث في ألعاب الواقع الافتراضي المعزز حين يصلون عقلك عبر مجسات بأرشيف لامتناهٍ من الصور تأتمر بأمر خيالك، وتتدفق لتصنع العوالم التي تفكر بها. الشعراء أول من صنع العوالم الافتراضية المعززة، ووضعوا أسس الذكاء الاصطناعي.
- لماذا أضفت رسومات إلى الديوان.. هل كنت ترى أن القصائد تحتاج إلى إضاءة؟
الرسوم ليست إضاءات، إنما تنويعات، قصيدة النثر، كما يسمونها- أقرب للرسوم والتشكيل منها إلى الكلمات. قصائد كُتبت قصد مخاطبة العقل عبر حاسة البصر. يمكنك أن تسمي الرسوم في هذا الكتاب، وهي رسومي، بالمثيرات التي تساعد على تحفيز عملية التلقي، سلبا وإيجابا، لا يُشترط أن تتفق الرسوم في المعنى مع القصائد، ولا أن تختلف، يكفي أنها تتضمن قدرا من الانفتاح على التأويل لتساعد على تفكيك ما لدى المتلقي من معارف؛ فتصنع معه عالما تأويليا جديدا.
- ظهرت واحدة من أهم سمات قصيدة النثر في قصيدتي "لوحات كثيرة لأجلها" و"سؤال يوسف"، أقصد سمة "الكتلة".. ما المختلف بين هاتين القصيدتين وبقية قصائد الديوان في وجهة نظرك؟
المختلف هو أنا، ما صنعه الزمن بي! أو ما نجحت في استنقاذه من الزمن! ما تعقَّد في ذائقتي؟ ربما. ما تفكك من تعقيدات أفكاري؟ ربما. ما تدرب ذهني على التقاطه من خيالي، وما اكتسبه من لياقة في تمريره عبر ركلات متقنة دون اصطناع. ما نجحت مخيلتي على تفكيكه وإعادة تركيبه أصبح من ممتلكاتي وألعابي. أتجنب -قدر الإمكان- القراءة في المنتج التنظيري للشعر، إنه ثقل لا مبرر له. مع الشعر نفسه أشعر أحيانا بأنني غير قادر على محبة ما كنت أحبه من قبل، وأصبح عصيا على الإرضاء؛ فأعرف أنني معلق على عتبةٍ، صعودا أو هبوطا لا يهم، المهم أنني وقتها أصوم عن قراءة الشعر، وقد تمر سنوات من دون أن أقرأ شعرا، ثم تعيدني لقطة مدهشة، أو جملة فاتنة، أو لفتة شاعرة فأعود أكتب كما لم أكتب سابقا.
- أنت كاتب مسرحي وشاعر وروائي وفنان تشكيلي وكاتب مقال.. كيف يتجاور داخلك كل هؤلاء المبدعين؟ ومن أقربهم إلى روحك؟ هل تفضِّل لقب الروائي أم الشاعر؟
في البداية كنت أشعر بالخجل عندما يعرفني أحدهم للآخرين بوصفي شاعرا، كنت أرى الأمر شديد الخصوصية، كأن أحدهم يفتح الباب عليك في لحظة خاصة بحجة أنك شاعر، مع الوقت تأكد هذا الشعور، وانسحب على كل أشكال التعبير عبر كافة أشكال الكتابة الأدبية، وكذلك مع الرسم، والموسيقى وتأليف وتلحين الأغنيات، صرت أنظر إلى كل ما أمارسه من هذه الأمور باعتبارها ألعابي الشخصية. نحن لا نترك اللعب كلما تقدمنا في العمر، إنما نستبدل ألعابنا، ونكتشف، وربما نبتدع ألعابا جديدة تناسب تطورات شخصياتنا، وصار نموذجي الأعلى لاعب الكرات المتعددة، هذا الذي يطمح دوما لإضافة كرة جديدة أو ربما وردة لمجموعته.
- ما جيلك مصريا وعربيا؟
لا أهتم بفكرة الجيل الأدبي، أرى الأمر شخصيا وفرديا للغاية. كل مهتم بالتصنيف سيجد بلا شك روابط تدعم توجهه وترضي رغباته، مهما بدا للآخرين أنها مقحمة وغير ذات صلة، ولست من المهتمين بذلك.
-هل ترى أن أعمالك حصلت على ما تستحقه من اهتمام نقدي؟
بشكل فاق توقعاتي، ترشحت أعمالي في القوائم القصيرة لجوائز مرموقة، وفاز بعضها بجوائز، وأثارت أعمالي جدلا يتعلق بزوايا التناول، أو بقضايا النوع والشكل، وبتساؤلات تتعلق بتجاور الأنواع وحرية الكولاج الفني أو العمل نحو نوع جديد. الحقيقة أقول لقد انتبهتْ حركةُ النقد المصرية والعربية لما أُنتجه -سواء في الشعر أو في المسرح أو في الرواية، أو في مقالات النقد الثقافي التي نشرتها في سلسلة كتب تحت عنوان "واحد مصري"، كذلك حظيت ألعابي في التشكيل بمتابعات جادة التقطت خيط الانشغال الفكري الواصل بين كافة كرات اللعب التي أمررها بين أصابع كفيّ اللتين أحاول أن تظلا تلعبان طوال الوقت.
- أخيرا ما طموحك للكتابة؟
الكتابة طموح كافٍ.