أسامة خليفة قراءة في كتاب «تحت المجهر» كتاب جديد يحمل الرقم «44» في إطار سلسلة «الطريق إلى الاستقلال» صدر حديثاً عن المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»، السلسلة التي أطلقها المركز منذ تسعينات القرن الماضي. يستعرض الفصل السادس من الكتاب أبرز المحطات التي مرت بها «الحرب الباردة- 1947-1991»، ويحلل أهم وقائعها، ويشير في الختام إلى «أن الولايات المتحدة بعد أن رسَّمت تفوقها في معادلة «القطبية الثنائية» في السنوات الأخيرة للحرب الباردة، انتقلت إلى «القطبية الأحادية» في تزعمها للنظام العالمي الجديد، الذي سرعان ما تبيَّن أنه عالم يمور، بالنزاعات والحروب، بالضبط كما كان عالم الحرب الباردة، إن لم يكن أكثر».
تستعرض هذه الدراسة أبرز المحطات التي اجتازتها «الحرب الباردة» (1947-1991)، وتحلل أهم وقائعها لتصل إلى عدد من الاستخلاصات، نوردها فيما يلي كموضوعات: 1– كانت «الحرب الباردة» ساخنة بكل المقاييس، وفي جميع محطاتها، لكنها لم تتجاوز الخط الأحمر المتمثل بتجنب الحرب الوجاهية بين الجبارين: الولايات المتحدة والاتحاد السوڤييتي، ومن هنا لجوئهما لإدارة حروبهما بـ «الوكالة» (proxy)، ما يعني أن واشنطن أو موسكو، أو من كان يقوم مقامهما، كان يتدخل بأدوات العمل العسكري/ الأمني في إطار سياسي محدد، ضد طرف ثالث محسوب على أحدهما، لتتحوصل مُخرجات هذا التدخل في رصيد أحد الجبارين زيادة، أو نقصاناً. من هنا، تسمية «الحروب التدخلية» في توصيف هذه الحروب، و«السياسة التدخلية» التي تسقفها، آخذين بالاعتبار أن الحصة الأوفر في حروب وسياسات التدخل هذه، تعود إلى واشنطن، تعبيراً عن نزوع توسعي – عدواني جامح، ملازم بثبات للسياسة الأميركية الإمبريالية في تلك الفترة. 2- لا تنتسب جميع الحروب في «فترة» الحرب الباردة إلى هذه الحرب بدلالة المصطلح، أي بما هي مواجهة بأشكال متعددة بين القوتين الأعظم، فالعديد منها كان من طبيعة حروب حركات التحرر الوطني، أو حروب أهلية، أو حروب بين دول مستقلة لاعتبارات ومصالح خاصة بها، الخ.. غير أن هيمنة معادلات «التقاطب الثنائي» على مسارات الصراع في العالم، تركت بصماتها بقوة على جميع هذه الحروب، ما جعلها قابلة للتجيير – بهذا القدر أو ذاك – لصالح الحرب الباردة بشكل عام، ولحساب أحد الجبارين بالتحديد، مع احتفاظ هذه الحروب بمسافة عنهما. 3- دارت الحرب الباردة بين معسكرين: الغربي/الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة من جهة، والمعسكر الشرقي/ الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوڤييتي، من جهة أخرى. غير أن التفوق البيِّن لكل من الجبارين على سائر مكوِّنات معسكره، جعلهما يختزلانه باسمهما، بحيث باتت الولايات المتحدة بامتداداتها العسكرية (الناتو، السنتو)، وأدواتها المالية (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي)، وروافعها الاقتصادية (مشروع مارشال)، ومرجعية الدولار (بحسب إتفاق بريتون وودز)، ووكالة أبحاثها الفضائية (النازا)،… تحل مكان المعسكر الغربي عملياً، وكذا الأمر بالنسبة لعلاقة الاتحاد السوڤييتي بدول المنظومة الاشتراكية، المعتمدة أيضاً على أدوات مناظرة لأدوات المعسكر الغربي، كانت تضاهيها في الجوانب العسكرية والاستراتيجية، فضلاً عن حقول العلوم وتكنولوجيا الفضاء.. إنما كانت أقل جدوى في قضايا الاقتصاد، وأشح مردوداً في شؤون المال. 4- الولايات المتحدة والاتحاد السوڤييتي لم يكونا اللاعبين الوحيدين الكبار في الساحة الدولية، لكنهما كانا – وبمسافة – نقطة الارتكاز الأهم فيها، قياساً بالمنظمات الدولية والمؤسسات الإقليمية القائمة… بدءاً بالأمم المتحدة، وكتلة دول عدم الانحياز، أو السوق الأوروبية المشتركة، أو منظمة الوحدة الإفريقية، أو منظمة التعاون الإسلامي، أو حركة الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية المتطورة… وبالمقابل، فقد برزت حركات التحرر الوطني، وهي تخوض معركة الاستقلال الناجز لشعوبها، كلاعب فاعل ومؤثر في الساحة الدولية، يتمتع بدرجة ملموسة من الاستقلالية تجاه القوتين الأعظم. 5- انتهت الحرب الباردة بانتصار الولايات المتحدة ومعسكرها، لكنها لم تنتهِ سلماً، حيث سعت الولايات المتحدة لأن يتلازم تفكك الاتحاد السوڤييتي مع حرب دفعت نحوها، عندما سنحت فرصتها في الخليج، بذريعة تحرير الكويت من الاحتلال العسكري لنظام الحكم في بغداد، قبل استنفاذ الفرص المتاحة لتحقيق نفس الهدف من خلال المزاوجة بين الدبلوماسية والضغط متعدد الأوجه. لقد أرادت الولايات المتحدة من خلال خوضها حرب الخليج الثانية- 1990/1991 أن تقضي على دولة مستقلة وسيِّدة، تملك كل عناصر بناء القوة الذاتية، وتجهز نفسها للاضطلاع بدور إقليمي فعّال وصاعد، فضلاً عن كونها حليفة للاتحاد السوڤييتي. وهذا بالضبط ما حصل تمهيداً للإعلان عن قيام «نظام عالمي جديد» بقيادة واشنطن، بديلاً للنظام العالمي الآفل بمرجعية «القطبية الثنائية». 6- اختتام الحرب الباردة، بحرب، افتتح مرحلة جديدة في ملف العلاقات الدولية، أهم ما تتسم به انتشار الحروب واحتدام النزاعات بين الدول على أوسع نطاق في العالم بأسره، ما أطلق ديناميات جديدة في صياغة العلاقات الدولية، لم تعد تسلم – بعد زوال القطبية الثنائية – بهيمنة القطب الواحد على مقدرات العالم، من خلال الولايات المتحدة. هذا ما تؤكده تجربة العقدين اللذين أعقبا الحرب الباردة، التي باتت تظهر أمامنا كفصل أول من مواجهات عسكرية وعنفية مستدامة، سوف تستغرق عقوداً من التاريخ البشري، وليس من باب التشاؤم بشيء، أن نطلق عليها تسمية «حرب المئة عام». أسفرت الحرب العالمية الثانية- 1939/1945- عن بروز جبارين في الساحة الدولية: الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد السوڤييتي، نشأت بينهما، وحولهما كمحورين جاذبين، منظومة جديدة من العلاقات الدولية هيمنت على العالم بمقدراته، وتحكمت بمصائره، على نحو لم يشهده العالم من قبل، بأقله منذ انبلاج فجر التاريخ الحديث مع نهايات القرن الخامس عشر. أثناء الحرب العالمية الثانية، أملت متطلبات التحالف وضروراته بمواجهة معسكر الأعداء، وحدة الصف وتكامل المواقف بين واشنطن وموسكو (ومعهما سائر الحلفاء: بريطانيا، فرنسا، الصين، …)، لكن ما أن وضعت الحرب أوزراها، حتى أطلّت على منصة العلاقات الدولية، مظاهر الخلاف والصراع بأشكاله، تعبيراً عن التناقض التناحري بين الجبارين، اللذين سرعان ما تشكلا في معسكرين متواجهين، تنحكم العلاقة بينهما – غالباً – إلى قواعد المعادلة الصفرية، حيث يشكل أي مكسب لجانب، خسارة تساويها للجانب الآخر. أضحى فيها احتواء ما سمي بـ«المد الشيوعي» أولوية قصوى لهذا الغرب، وبات فيها الاتحاد السوڤييتي – بالمقابل – يعلن جهاراً، كما على لسان ستالين – مثلاً – بمناسبة عيد العمال- 1/5/1946، عن انفضاض التحالف ضد النازية، وأن عهد الشيوعية قد آن، وأنها ستدمر الرأسمالية المسؤولة عن مآسي البشرية. تلتقي أوساط من المتابعين وأصحاب الاختصاص على اعتبار 13/3/1947، هو البداية «الرسمية» للحرب الباردة، ففي هذا التاريخ، تم إعلان «عقيدة ترومان» في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي هاري ترومان (1945-1953)– Harry Truman أمام مجلسي الكونغرنس (الشيوخ والنواب)، ودعا فيه إلى تقديم المساعدة الاقتصادية والعسكرية لكل من اليونان وتركيا لـ«حمايتهما» (!) من احتمال السيطرة الشيوعية على السلطة في هذين البلدين. تخللت فترة الحرب الباردة تجاذبات، واصطفافات للقوى في عالم «القطبية الثنائية»، برز على سطح السياسة والعلاقات الدولية مصطلحا «حركة عدم الإنحياز» و«قوى الثورة العالمية»، فما هو موقعهما، وتأثيرهما الحقيقي في دينامية الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوڤييتي على امتداد 44 سنة استغرقتها الحرب الباردة ما بين بدايتها الرسمية- 12/3/1947، ونهايتها السياسية والرمزية- 25/12/1991، المتوافقة مع تفكك الاتحاد السوڤييتي؟. إن كل هذا يطرح أيضاً على بساط البحث موضوع دور الصين الشعبية في هذه التجاذبات، وانعكاسها على علاقات القوى. أولاً- الصين الشعبية: 1- في فترة الحرب الباردة تمتعت الصين الشعبية بمكانة متميِّزة، كإحدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، تملك حق الڤيتو، فضلاً عن وضعها كدولة نووية. غير أن الصين – بالاتجاه العام – لم تكن ذات حضور مؤثر في السياسة الدولية بالمستوى الذي يفترضه موقعها بين الخمسة الكبار، لانصرافها إلى شؤونها الداخلية بما انطوت عليه من صراعات، إلى جانب أنها – بالعمق التاريخي – ليست دولة نازعة للتوسعية بالمعنى الإمبريالي، كما هو حال دول أخرى. 2- وفي البحث عن دور للصين في السياسة الدولية، فإننا نراه في سياق محطتين: الأولى، من خلال دورها المؤثر في معادلة الصراع بين المعسكرين، تعزيزاً للجانب الاشتراكي عندما كانت جزءاً من عقده، وإضعافاً له بعد أن غادرته، لا بل ناصبته العداء، إثر خلافها العقائدي مع موسكو، أما المحطة الثانية، فكانت بعد انفتاحها على واشنطن- 1972، بمواجهة الاتحاد السوڤييتي، وكجزء ناشط في علاقات مثلث التجاذب بين واشنطن – موسكو – بيجنغ. إن الحلقة المركزية في المواجهة بين المعسكرين، وأساسها يكمن في الصراع بين القطبين، وما سيؤول إليه بعد حين، تجعلنا نركز على المواجهة في فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوڤييتي بأدوات «الحروب التدخلية» التي لم يدخر أي من الطرفين جهداً في اللجوء إليها، كلما اقتضت الحاجة ذلك، إنما بدوافع وخلفيات متباينة، كان لواشنطن- وبمسافة – الباع الأطول في الحروب التدخلية التي خيضت في أربع جهات الأرض، ما يسلط الضوء على دوافع عدوانية، جذرها يعود إلى الطبيعة الإمبريالية المتأصلة في عمق النظام السياسي الأميركي. ثانياً: «حركة عدم الانحياز» امتداداً لتقليد عدم الإنحياز، الذي تبلور لاحقاً كعقيدة سياسية أرساها المؤتمر الأسيوي – الإفريقي الأول الذي انعقد في مدينة باندونغ الأندونيسية – Bandung (1955)، ومع نهايات الثلث الأول من فترة الحرب الباردة والمواجهة الحدّية بين المعسكرين الشرقي والغربي، نشأت «حركة عدم الإنحياز» – Non Aligned Movement، بلورت نفسها في إطار منظمة حملت نفس الاسم، عقدت مؤتمرها الأول-1961 في العاصمة اليوغسلاڤية – بلغراد، بمبادرة من أربعة رؤساء، كانوا يشكلون في ذلك الوقت، أقطاب متنفذة في السياسة الدولية: تيتو (يوغسلاڤيا)؛ عبد الناصر (مصر)؛ نهرو (الهند)؛ وسوكارنو (أندونيسيا)، وانضم إلى هذه المنظمة عدد وافر من الدول الإفريقية والآسيوية، في معظمها كانت قد إانعتقت للتو من نير الاستعمار. وفي هذا الإطار نشير إلى ما يلي: 1- انتظام حركة عدم الإنحياز على نسق الابتعاد عن الانخراط في أي من الكتلتين، بهدف المساهمة المجدية في قطع الطريق على احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة بمخاطرها العظمى التي تتهدد البشرية جمعاء. ومن هذا المنطلق أتت الدعوة إلى «التعايش السلمي» بين مختلف الأنظمة السياسية على تمايز (لا بل بسبب تضاد) أيديولوجياتها، وتباين/ اختلاف مضامين أنظمتها الاجتماعية، وإلى نزع السلاح النووي والاستراتيجي، أو ضبطه بالحد الأدنى، وإخلاء مناطق بعينها منه، وإلى تعزيز الاستقلال الوطني بالتنمية المستدامة، وإلى مناهضة التمييز العنصري والدعوة إلى المساواة بين جميع بني البشر؛ إلخ … 2- ما زالت المنظمة التي تؤطر حركة عدم الانحياز على مستوى الدول قائمة بمؤشر انتظام انعقاد مؤتمراتها حتى يومنا، فضلاً عن اتساع عضويتها التي تشمل ما يوازي ثلثي قوام الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة. لكن هذه المنظمة فقدت تأثيرها على نحو ملحوظ بعد سنوات قليلة من تأسيسها مع انطفاء نجم القادة الكاريزميين الذين أطلقوها، والتغييرات التي طرأت على طبيعة انحيازات الأنظمة السياسية التي كانوا يقفون على رأسها لجهة الانتقال، ومن ثم التموضع في معسكر الغرب، بدءاً من أندونيسيا- إنقلاب 1965، ومن ثم مصر- انقلاب 1971، إلخ … وفي كل الأحوال، فقد فقدت هذه المنظمة تأثيرها في السياسة الدولية بعد أن آلت أوضاع حلف وارسو إلى الاندثار. 3- إن مقاربة دور «حركة عدم الانحياز» من زاوية النفوذ والتأثير السياسي على التوازنات في العلاقات الدولية، لا يمكن أن يُقارن بكل تأكيد بما كان للمعسكرين الشرقي والغربي من نفوذ، فإطار الدول المشاركة في الحركة كان أوسع من أن يُضبط على وجهة سياسية مشتركة، خاصة بعد غياب الأقطاب السياسية المقررة. 4- صعوبة تصنيف سياسة العديد من مكونات «حركة عدم الانحياز» في خانة الحياد بين المعسكرين. ولعل الأقرب إلى ما كان يحصل في واقع السياسة الممارسة، أنها كانت – بحسب القضايا المطروحة – تتوزع اقتراباً من سياسة أحد المعسكرين، أو ابتعاداً عنها، آخذين بالاعتبار أن الكتلة الأهم عددياً في تكوين الحركة أتت من العالم الثالث، ولكن أقلها كان من ضمن الدول التي تنتمي إلى «تيار العالم ثالثية»، بالمعنى السياسي العملي، أي الاتجاهات السياسية الفاعلة (قومية، يسارية، شيوعية..) في العالم الثالث، المناهضة للإمبريالية والاستعمار الحديث بكل أشكاله، والمناضلة في سبيل الحرية والاستقلال الناجز للشعوب المستعمرة والمحتلة أراضيها، ومن أجل حقها في تقرير مصيرها بحرية. ثالثاً- «القوى الثورية العالمية» في مرحلة الحرب الباردة، واستناداً إلى أدبيات الحزب الشيوعي السوڤييتي وحلفائه، كانت عديد القوى اليسارية في العالم تتبنى مقولة تشكل قوى الثورة العالمية التي تقف بمواجهة المعسكر الرأسمالي/ الإمبريالي من ثلاثة مكونات: 1- المعسكر الاشتراكي (أو البلدان الاشتراكية لمن كان يؤثر الحياد، أو تجنب الانحياز تماماً إلى الاتحاد السوڤييتي ومن معه في مواجهة الصين الشعبية). 2- حركة الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية المتطورة. 3- حركات التحرر الوطني في بلدان العالم الثالث. من هنا نجد أن توصيف المشهد الدولي من زاوية دينامية الصراع والمواجهة بين معسكرين: معسكر قوى الثورة العالمية بمكوناته الثلاثة المذكورة من جهة، والرأسمالي/ الإمبريالي من جهة أخرى، وإن بدا منطقياً من الناحية النظرية، فإنه لا يعكس الواقع كما هو، من الناحية العملية، فميزان القوى – في نهاية المطاف – كان نتاج لعلاقات القوى بين الجبارين أولاً وبالأساس، وليس بين معسكريهما، شرط أن نأخذ بالاعتبار أهمية الدور الذي اضطلعت به حركات التحرر الوطني كظاهرة كفاحية مناهضة للإمبريالية بتوجهاتها الرئيسية، تسعى لانتزاع الاستقلال الوطني الناجز لشعوبها، ما جعل مُخرجاتها تصب في نفس الوجهة التي تعمل من أجل تحقيق أهدافها قوى المعسكر الاشتراكي، ودون أن يترتب على ذلك فقدان مكونات حركة التحرر الوطني لاستقلالها، بصرف النظر عن تحالفاتها، والمساعدات التي كانت تتلقاها، والتي كان مصدرها بشكل رئيسي يأتي من الدول الاشتراكية. أما فيما يخص حركة الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية، فقد انحصر دورها بشكل رئيسي في النضال داخل مجتمعاتها، دفاعاً عن حقوق العمال والفئات الشعبية والوسطى، ومن أجل صمود الديمقراطية أمام محاولات النيل منها من جانب الاتجاهات اليمينية على مختلف مشاربها: محافظة، قومية ذات نزعة فاشية.. وبهذا المعنى لم تكن لهذه القوى دور متواصل في المواجهة المباشرة بين موسكو وواشنطن، باستثناء الدور فائق الأهمية الذي اضطلعت به في إطار حركة السلام، ونزع السلاح النووي، وتجريد مناطق بعينها منه.. إلى جانب التضامن مع حركات التحرر الوطني في العالم الثالث. باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
العلاقات الدولیة
الصین الشعبیة
العالم الثالث
عدم الإنحیاز
فی العالم
فی إطار
من خلال
ما کان
من جهة
إقرأ أيضاً:
أهداف واشنطن من اتهام الجيش باستخدام الكيماوي
صلاح شعيب
منذ أن أصدرت إدارة جو بايدن عقوباتها على البرهان والجيش في أيامها الأخيرة ظلت الولايات المتحدة صامتة تجاه الوضع في السودان. ومع استعادة ترمب السلطة توقع السودانيون أن يكون له وجهة نظره في الحرب، خصوصا أنه كان يعول على السودان كحليف، وداعم للاتفاقات الإبراهيمية.
لم يكن تجاهل ترمب السودان متعلقاً بانشغاله بموضوع أوكرانيا، وغزة، فقط كأولويتين مهمتين. فالإدارة الأميركية بطبيعتها تتقسم بمهامها، وحين ترى أهمية وضع الموضوع في صدارة جدولها فعلت عبر الخارجية، أو البيت الأبيض، أو ممثلها في الأمم المتحدة. وفي زيارة ترمب الأخيرة توقع السودانيون أن يتناول الرئيس الأميركي موضوع الحرب في السودان بالتصريح ما دام قد فصل بينه وبين خطوط النار الملتهبة مجرد بحر. ولكن انشغاله بالمكاسب المالية، وموضوع سوريا كان من الأهمية بمكان.
هناك مراقبون يرون أن الولايات المتحدة دائماً ما توكل الملفات الإقليمية الساخنة لحلفائها لتتابعهم من على البعد. وهذا يعني مثلاً أنها تتشاور مع حلفائها بين الفينة والأخرى إلى أن تتدخل في الوقت المناسب إذا رأت مصلحتها لدعم توجهاتهم في ما خص الشأن السوداني، أو أي شأن آخر.
الأحاديث المسربة عن سعي إقليمي دولي لحل الحرب تفاوضياً محكومة بالتحقق على أرض الواقع عاجلاً أم آجلا . وإلى ذلك الحين تظل المعلومات شحيحة فيما يكثر لدى المتحدثين التحليل الموضوعي، والرغائبي.
وفي هذا المناخ تخرج الولايات المتحدة فجأة لتثير موضوع استخدام الجيش السلاح الكيماوي في توقيت ربما يتزامن مع مساعي الحل المزعومة هذي حتى يتسنى الضغط على البرهان من خانة هذا الاتهام الغليظ الذي نوهت واشنطن أنه سيرفق بعقوبات، وفقا لتحليلات رائجة.
عموماً هكذا هي السياسة الاميركية. إذ تأتي دائماً باللفة كما نقول في دارجيتنا حتى إذا اكتملت الخطة ظهرت للعلن بمواقف ضاغطة لا فكاك منها.
الرفض المستمر للجيش في التفاوض – وكان آخره في جنيف حين دعت له إدارة بايدن – ربما يصطدم بتلك المساعي للحل التفاوضي. ولكن قد لاحظنا أن مصر والسعودية، وهما أكبر داعمين للجيش، وحليفان موثوقان لواشنطن أبدتا حرصا على التسوية التفاوضية. وجاءت تصريحات البلدين على أعلى مستوى ممثلة في ولي العهد محمد بن سلمان، والرئيس عبد الفتاح السيسي. وحتى الإمارات المتهمة بدعم الدعم السريع – وهي أهم حليف لترمب – صرحت هي الأخرى بضرورة جلوس الطرفين لإنهاء الأزمة. إذن فالأطراف الإقليمية المتورطة في الحرب قد حددت مواقفها التي ربما لن تخالفها واشنطن في خلاصاتها.
إذا تصورنا أن الترغيب والترهيب الإقليمي والدولي لحمل الجيش للجلوس مع الدعم السريع قد بدأ، ويسير نحو المزيد من التحقق العياني البياني في شكل تصريحات ومواقف قادمة، فإن أمام البرهان القليل من الوقت، والمناورة، لحزم أمره مقابل تأثير واشنطن.
فاستخدام الولايات المتحدة لقناعتها التامة، والموثقة، بأن الجيش استخدم السلاح الكيماوي له آثار سلبية خطيرة على مستقبل حركته كقائد للجيش قارياً، وإقليمياً، ودولياً. أضافة إلى ذلك فإن هذا الاتهام الغليظ سيضع حلفاء واشنطن المؤيدين للجيش في موقف حرج، هذا إذا افترضنا أنها لم تستشرهم قبل سعيها لإيقاع العقوبات على سلطة بورتسودان.
الاتهام الأميركي الجديد، والتلويح بعقوبات تجاه سلطة بورتسودان، هو من نوع سياسة العصا التي تعقب سياسة الجزرة. واعتقد أنها أكبر رد فعل لرفض مفاوضات جنيف التي حاولت بها الولايات المتحدة تأكيد تأثيرها الدبلوماسي، ولكن البرهان تحدى الأميركان، وأصر على مواصلة الحرب.
لا شك أن واشنطن تدرك أن وراء الجيش تكمن عصبة أيديولوجية داعمة له، وأن العديد من خصوم حلفائها في المنطقة ينشطون بهدف تحقيق أهداف في مرمى الولايات المتحدة. ولذلك يأتي الاتهام الاميركي كرد فعل لتحجيم دور إيران، وروسيا، والصين، وتركيا، ضف إلى ذلك أن واشنطن ترى أن داعمي البرهان المؤدلجين يناوءون خطها الذي أعلنته بقوة لدعم التوجهات الديمقراطية لثورة ديسمبر التي سن لها الكونغرس قانوناً خاصاً بالتحول الديمقراطي. ولا ننسى أن الولايات المتحدة ساهمت بشكل كبير في الأمم المتحدة بدعم حكومة عبدالله حمدوك فيما عيّنت أكثر من مبعوث للسودان، ورفعت تمثيلها الدبلوماسي إلى مستوى السفير.
الخبر السعيد للبرهان هو أن سياسة الولايات المتحدة تتيح دائماً مجالاً للعودة إلى قلائد إحسانها من بعد الوقوع في سلاسل امتحانها. ذلك في حال ضغطها الشديد على المسؤولين في بلدانهم، وآخر تجليات هذه السياسة ما بدا في موقفها من الرئيس السوري الذي تحول من مجرم مطلوب للعدالة الأميريكية إلى أحد الحلفاء المحتملين لواشنطن.
والسؤال المهم المتروك لإجابة القاريء هو هل يقع البرهان في حبائل الجزرة والعصا الذي سيقدمها له ترمب أم أنه يفضل السير مع قادة الحركة الإسلامية الرافضين للتفاوض، وبالتالي يفقد دعم الحليف الأكبر لداعميه في الحرب؟
الوسومصلاح شعيب