ما سر الضغوط والإدانات الدولية للاحتلال؟
تاريخ النشر: 24th, May 2025 GMT
بعد أن تصدَّرت صور المجاعة والقتل والتدمير وسائل الإعلام العالمية، وتحت وطأة الضغوط الأوروبية، قرر الاحتلال إدخال كميات محدودة من المساعدات، لكن ما يدور خلف الكواليس يكشف أن هذه الضغوط لا تهدف إلى إنقاذ الفلسطينيين بقدر ما تسعى إلى وقف التدهور الأخلاقي الذي يلاحق داعمي الاحتلال في العواصم الغربية.
وفي المقابل، يغيب الضغط العربي بشكل شبه كامل، وكأن ما يحدث في غزة لا يعني العرب، فلا قمة عربية طارئة، ولا قرارات فاعلة من جامعة الدول العربية، بل إن بعض الأنظمة تواصل التطبيع مع الاحتلال على الرغم من كل المجازر والإجرام الوحشي بحق الفلسطينيين.
أما الأمم المتحدة، فبينما تُصدر التقارير وتطلق التحذيرات، تظل رهينة قرارات مجلس الأمن التي يعطلها "الفيتو الأمريكي"، مما يحول كل نداءاتها إلى صرخات تضيع في فراغ دولي مريب.
هذه الموجة الدولية من الإدانات، وإن كانت متأخرة، تشكل تحديا سياسيا للاحتلال، وتعكس بداية تحول في خطاب المجتمع الدولي الذي طالما تغاضى عن الانتهاكات تحت ذرائع "الحق في الدفاع عن النفس"
لكن في تطور دبلوماسي ملحوظ يعكس تحولا في المواقف الدولية، فقد رحبت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ببيان مشترك صادر عن 80 دولة أعربت فيه عن قلقها العميق إزاء الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة، واعتبرت الحركة أن هذا البيان يشير بوضوح إلى تزايد الرفض العالمي لما وصفته بالإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي تمارسه سلطات الاحتلال النازي منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
أكد البيان، الذي وصف الوضع في غزة بأنه يشهد "أسوأ أزمة إنسانية" منذ اندلاع الحرب، على ضرورة الالتزام الصارم بحماية المدنيين بموجب القانون الإنساني الدولي، وشدد على رفض استغلال المساعدات لأغراض سياسية أو أمنية، وفي هذا السياق.
في ذات السياق دعم هذا التوجه، وصف المقرر الأممي الخاص المعني بالحق في الغذاء، مايكل فخري، ممارسات الاحتلال بأنها "استخدام للجوع كسلاح"، داعيا الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى التدخل الفوري لرفع الحصار عن 2.3 مليون فلسطيني يواجهون خطر المجاعة.
ومن جهة أخرى، حذر برنامج الأغذية العالمي من أن المساعدات التي دخلت القطاع ما هي إلا "قطرة في بحر" الاحتياجات المتزايدة، مؤكدا أن الوضع ينذر بكارثة إنسانية ما لم تُؤمَّن ممرات آمنة ومستدامة لإيصال الغذاء والدواء دون عوائق.
وعلى الرغم من إعلان الاحتلال السماح بدخول 90 شاحنة مساعدات، أكدت الأمم المتحدة أن أيا من هذه المساعدات لم تصل إلى مستحقيها بسبب صعوبات التوزيع داخل القطاع.
ويظل الوضع على الأرض قاتما، بل وأكثر مأساوية من أي وقت مضى، فالعدد المعلن عنه من الشاحنات لا يمثل سوى "نقطة في بحر" مقارنة باحتياجات مليون ونصف المليون نازح يعانون الجوع والمرض، في ظل حصار شامل يفرضه الاحتلال منذ أكثر من سبعة أشهر، وسط تواطؤ عربي وتخاذل دولي واضح.
وكما تؤكد الأمم المتحدة، لم تصل أي من تلك المساعدات إلى مستحقيها حتى الآن، مما يؤكد أن ما يجري ليس سوى محاولة إعلامية للتغطية على جرائم الإبادة الجماعية والتجويع الممنهج التي تُرتكب بحق شعب أعزل، وتلاعب الاحتلال بالمساعدات لإطالة أمد المجاعة.
الوصف الصريح للتجويع كسلاح حرب، والتحذيرات المتكررة من خطر المجاعة الشاملة، يضع الاحتلال أمام اتهامات غير مسبوقة، هذا الأمر يزيد الضغط على الحكومات الغربية التي لم تعد قادرة على تبرير صمتها
يزعم جيش الاحتلال أنه "سمح" بدخول 90 شاحنة مساعدات محمّلة بالطحين وأغذية الأطفال والمعدات الطبية إلى قطاع غزة، في مشهد يوحي بكرم زائف من الجلاد تجاه الضحية، لكن الأمم المتحدة كشفت سريعا زيف هذا المشهد، حيث أكد المتحدث باسمها، ستيفان دوجاريك، أن المساعدات لم تُوزّع حتى الآن، بسبب عراقيل الاحتلال ومشاكل النقل والتخزين، بل إن إحدى فرق الأمم المتحدة انتظرت لساعات عند معبر كرم أبو سالم لجمع المساعدات، دون أن يُسمح لها بنقلها إلى مستودعاتها وحتى الآن لم يتم إيصال أي مساعدات غذائية بشكل منتظم إلى مراكز التوزيع، مما يجعل اعلان الاحتلال مجرد إجراء شكلي. ويبدو واضحا أن الاحتلال يستخدم هذه الشاحنات كأداة لتخفيف الضغوط السياسية الدولية، لا وسيلة لإغاثة المنكوبين.
هذه الموجة الدولية من الإدانات، وإن كانت متأخرة، تشكل تحديا سياسيا للاحتلال، وتعكس بداية تحول في خطاب المجتمع الدولي الذي طالما تغاضى عن الانتهاكات تحت ذرائع "الحق في الدفاع عن النفس". وتعتبر دعوة حركة "حماس" إلى ترجمة المواقف إلى إجراءات ملموسة؛ اختبارا حقيقيا لمدى جدية المجتمع الدولي.
في سياق مكافحة الجرائم الجماعية ومنع الإفلات من العقاب، فإنّ الوصف الصريح للتجويع كسلاح حرب، والتحذيرات المتكررة من خطر المجاعة الشاملة، يضع الاحتلال أمام اتهامات غير مسبوقة، هذا الأمر يزيد الضغط على الحكومات الغربية التي لم تعد قادرة على تبرير صمتها أمام الرأي العام العالمي المتضامن مع معاناة الفلسطينيين في غزة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات المجاعة الاحتلال غزة الحصار احتلال غزة حصار مجاعة مدونات مدونات قضايا وآراء قضايا وآراء مدونات قضايا وآراء سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأمم المتحدة
إقرأ أيضاً:
حقائق وأرقام.. كيف يضلل الاحتلال العالم بشأن استئناف إدخال المساعدات لغزة؟
لم يتغير شئ على المجاعة المستشرية في قطاع غزة، رغم إعلان الاحتلال البدء في إدخال كميات محدودة من المساعدات المتكدسة على الحدود، في أعقاب ضغط دولي.
ويحاول الاحتلال الإفلات من المسؤولية عما يجري في قطاع غزة، ويسعى لتفادي الضغط الدولي بشأن المجاعة عبر الإيحاء باستمرار تدفق المساعدات إلى قطاع غزة، غير أن الحقيقة الدامغة تنافي ذلك تماما.
ويتضور الغزيون جوعا ولا يجدون ما يسد رمقهم وأولادهم، على وقع حصار مطبق فرضه الاحتلال منذ الثاني من آذار/ مارس الماضي، مانعا دخول أي من المساعدات أو الاحتياجات الضرورية إلى القطاع، ليتسبت في أسوأ أزمة جوع عرفها التاريخ الحديث بحث أكثر من 2 مليون فلسطيني.
وتحت ضغط دولي وغربي متواصل، سمحت حكومة الاحتلال بدخول عدد قليل من الشاحنات الثلاثاء، لم تتجاوز المئة، محملة بكميات متواضعة من الطحين.
كيف يكذب الاحتلال بشأن المساعدات؟
قال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة لـ"عربي21"، إن الاحتلال الإسرائيلي يروّج أكاذيب مفضوحة حين يتحدث عن "تسهيلات إنسانية" مزعومة أو "دخول مساعدات"، بينما الحقيقة على الأرض تُثبت عكس ذلك تماماً.
ولفت إلى أن الأرقام الهزيلة لحجم المساعدات المدخلة، تكشف بشكل قاطع زيف رواية الاحتلال ومحاولته تضليل المجتمع الدولي. فالمساعدات التي دخلت لا تكفي حتى ليوم واحد، ناهيك عن أكثر من 80 يوماً من المجاعة والمرض ونقص كل مقومات الحياة.
وتابع: "الاحتلال لا يُدخل مساعدات، بل يواصل جريمة تجويع متعمدة، ويستخدم الغذاء والدواء كسلاح إبادة جماعية ضد المدنيين، خاصة الأطفال".
كم عدد الشاحنات التي دخلت إلى غزة؟
خلال أكثر من 80 يوماً من الحصار الكامل على قطاع غزة، لم تدخل سوى 87 شاحنة فقط إلى القطاع، أي ما يعادل أقل من 1% من الحد الأدنى المطلوب فعلياً، والمقدّر بـ 44,000 شاحنة مساعدات ووقود كان من المفترض أن تدخل على مدار الـ80 يوماً لتلبية احتياجات سكان غزة البالغ عددهم أكثر من 2.4 مليون إنسان.
هل دخلت شاحنات اليوم (الخميس) وهل وصلت إلى شمال القطاع؟
وفقا للثوابة، لم تدخل أي شاحنة مساعدات اليوم، ولا توجد معلومات عن سماح الاحتلال بدخول دفعات جديدة. كما لم تصل أي مساعدات إلى شمال قطاع غزة، الذي يُعدّ الأكثر تضرراً وتعرضاً للجوع الحاد والمجاعة الشاملة.
ويواصل الاحتلال سياسة الحصار الكامل ويمنع المساعدات من الوصول إلى المناطق المنكوبة، لا سيما شمال القطاع، في خرق صارخ لكل المواثيق الدولية والإنسانية، وتحت صمت دولي معيب.
كم تحتاج غزة يوميا لتفادي خطر المجاعة؟
تحتاج غزة إلى ما لا يقل عن 500 شاحنة مساعدات يومياً، لتوفير الغذاء والدواء والمياه و50 شاحنة وقود يومياً وهو المطلوب واللازم لحياة السكان.
وتمثل الشاحنات التي دخلت تمثل نسبة أقل من 1% مما هو مطلوب. وهذا يعني أنها لا تكفي حتى لبضعة آلاف من المحتاجين لمدة قصيرة جداً، في وقت تجاوز فيه عدد ضحايا المجاعة وسوء التغذية 326 وفاة، بينهم 58 بسبب الجوع المباشر و242 نتيجة نقص الغذاء والدواء، إضافة إلى عشرات وفيات مرضى الكلى ومئات حالات الإجهاض. وفق تصريح الثوابتة لـ"عربي21".
كيف أفشل الغزّيون مخطط الفوضى؟
تحاول قوات الاحتلال نشر الفوضى، خصوصا أثناء عبور وتوزيع المساعدات على مستحقيها؟، على قلتها، مستغلة المجاعة، من جهة، وتحييد الأجهزة الشرطية والأمنية من الجهة الأخرى، لكن العشائر واللجان الشعبية كان لها رأي آخر.
يقول الثوابتة لـ"عربي21"، إن رهان الاحتلال فشلاً ذريعاً، ووجه له أبناء شعبنا الفلسطيني صفعة وطنية وأخلاقية مدوّية، حين وقفوا بكل مسؤولية في حماية الشاحنات القليلة التي دخلت، ومنعوا الاعتداء عليها أو نهبها، رغم شدة الجوع والحاجة.
الوجهاء والمخاتير واللجان الشعبية والعشائرية، ومعهم المواطنون، شكّلوا نموذجاً مشرفاً للتنظيم والانضباط والتكافل، وأثبتوا للعالم أن هذا الشعب، برغم المجاعة والقصف، يتمسك بأخلاقه ووحدته الوطنية، ولا يسمح للفوضى أن تنال من صموده.
لقد سعى الاحتلال لتصوير غزة كمكان للفوضى والعنف، لكنه اصطدم بواقع مختلف: شعب واعٍ، منظم، يحترم حق الجائع، ويحمي المساعدات، ويتعامل مع الأزمة بمسؤولية وطنية تُفشل كل مخططات الاحتلال.