الخسارة الموجعة لـ (ANC) ولحركات التحرر الأفريقي.. هيمنة فقه السلطة بديلاً لفقه الجماهير
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
ياسر عرمان
الأرض- الفساد- العطالة- الجريمة- انقطاع التيار الكهربائي وسوء الخدمات-القبلية- الهوية- الفقر- الاقتصاد الأبيض…!
كل حركة تحرر وطني معلقة من عرقوبها وتاريخها!
إذا تمتعت بقلب سليم لا بد أن تحب حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وإذا تمتعت بعقل سليم لا بد أن تهتم به)
هذه المقالة مهداة إلى الديسمبريات والديسمبريين في مسيرة البحث عن أفريقيا!
من أديس أبابا وأوجاع السودان إلى جوهانسبيرج وأوجاع المؤتمر الأفريقي:
كان الأسبوع الماضي في أديس أبابا حافلاً بالموضوعات وبالشخوص، وبالمقاربات والمفارقات في قضايا الوطن ماضيه وحاضره المليء بالأوجاع! وأسئلة المستقبل، استمعت وناقشت العديدين في هموم السودان ما قد كان وما سيكون والحرب التي ستطول والفلول الذين أدخلونا جحر ضب خرب، ومن الضعف والهوان الماثل، ومن دماء الضحايا والقتلى والجرحى، من استباحة حرمات الناس والوطن وقتل النفوس البريئة، وأطراف الحرب يتفاخرون في القتل والانتهاكات وهدم البنيان، إنهم يتبارون في أيهما أجود في سحق الأنفس، وكلهم والغون وغارقون في الدماء من يستخدم الأرض والمشاة، ومن يمطر القتل من السماء والجريمة واحدة.
ولكن من الضعف والهوان ستنبت القوة ولكل ليل نهار، فقد رأى الإمام المهدي في ضعف السودانيين وهوانهم قوة، وذات مرة وفي مدينة واو كان جون قرنق خارجاً من حامية قرنتي مع صديقه جورج هلال، قال قرنق لجورج: أن نميري يتلاعب باتفاق أديس أبابا، وإن غضب الجنوبيون يجب أن يتجه إلى بنك النضال، وأن يصرف الشيك من أجل سودان جديد، أوفى قرنق بوعده، وأمضى حياته مناضلاً وشهيداً رغم أن السودان الجديد لم يتحقق بعد!
التلاعب بإنسان السودان وأرضه وعرضه جديد قديم من إرث الترك والإنجليز، ولكن عزيمة من حلموا بوطن جديد لن تموت، بل ستخرج بلاداً كم أرداها المخلصون والمخلصات على مر الأجيال، وإلى (ست النفور)
“أنت ساكن في فؤادنا، ونذكرك في كل ليلة
وانت روحنا، وانت زادنا وأنت دنيانا الجميلة “.
ولنذهب إلى بروتوريا وجوهانسبيرج
المؤتمر الوطني الأفريقي:
تأسس المؤتمر الوطني الأفريقي في عام (١٩١٢) وعقد (٥٥) مؤتمراً عاماً، وتعاقب على رئاسته (١٣) رئيساً، وكل ذلك يدل على الديمقراطية الداخلية في أفضل وأصعب الأوقات- صعوداً وهبوطاً وتكمن أهمية هذا الحركة في أنها حركة القضايا العالمية-التحرر والتنوع والديمقراطية والمواطنة بلا تمييز وأسئلة الطبقة والقومية وقضايا الأرض والعدالة والتنمية والمصالحة وهو من أهم حركات التحرر الوطني الأفريقي، ناضل ضد الفصل العنصري من أجل بناء مجتمع لا عنصري يقبل التنوع، وفي الممارسة العملية ضمت قيادته السود والبيض والملونين والهنود والآسيويين الذين بنوا جميعاً منظمة كفاحية ذات أهداف مشتركة، وقد تمكن من بناء كتلة تاريخيّة ضمت النقابات والمنظمات الديمقراطية والشيوعين والمجتمع المدني، وأعطى النساء نسبة ٥٠٪ في قيادته، وحاز (٢) من رؤسائه على جائزة نوبل للسلام هما الزعيم ألبرت لاتولي والمناضل العالمي من أجل الحرية نلسون مانديلا، ولطالما تتبعت تجربته، وكتبت عنها مراراً، وقبل ما يقارب ال (٣٠) عاماً، وفي العدد الوحيد من مجلة (مسارات جديدة) التي أصدرناها في الحركة الشعبية، كتبت مقالاً بعنوان (تأملات في المسألة السودانية من وحي جنوب أفريقيا) حول بناء الكتلة التاريخية.
كريس هاني ذو الوجه الجميل والعيون المتألقة صوب الجماهير، اعتذر عن يكون نائباً لمانديلا بعد أن حصل على ثاني الأصوات في المؤتمر العام، وكان المنصب الثاني يؤهله ليكون رئيساً لجنوب أفريقيا بعد مانديلا، كان كريس يقرأ من فقه الجماهير، وتفرغ للعمل السياسي وسط الفقراء، وقال ممازحاً رفاقه: إذا خرجنا في مظاهرات ضد حكومتكم اختاروا لنا مسيل دموع أخف وطأة، اغتيل كريس قبل أن يشرق فجر جنوب أفريقيا، وظل أيقونة في منعرجات الحياة وموضوعات الجماهير. حينما أغوت السلطة عدداً ليس بالقليل من قيادات المؤتمر الوطني الأفريقي، ولم يتمكنوا من حل قضايا كبرى على رأسها إعادة توزيع الأرض التي يحتكرها البيض، ولم يعالجها الاتفاق الذي وقعه مانديلا، ولم يقم المؤتمر الأفريقي بمكافحة الفساد والجريمة بالشكل المطلوب، وتفشت العطالة التي بلغت نسبة ٣٢٪ في أوساط الشباب، ويقال إنها في الواقع أكثر من ذلك، وفشلت حكومة المؤتمر الوطني الأفريقي في معالجة قضايا الخدمات المهمة، وعلى رأسها الكهرباء، وتراجع وخسر الانتخابات الأخيرة لمصلحة رئيسه السابق جاكوب زوما في كوازولو ناتال، وتصاعدت القبلية التي وظفها رئيسه السابق جاكوب زوما في تعبئة القومين الزولو وغيرهم، وكوازولو منطقة هامة ذات تاريخ معقد، وظهرت تعقيدات في قضايا الهوية، وفي مسيرة بناء الأمة (أمة ألوان الطيف) ولم تعالج قضايا ملايين الفقراء الذين أرهقهم نظام الفصل العنصري، وما زال البيض يسيطرون على الاقتصاد، وقد حصل حزبهم التحالف الديمقراطي على المكانة الثانية بنسبة ٢١.٨٪ ويطالب بالليبرالية الاقتصادية ومزيد من خصخصة الاقتصاد، وقد حصل جاكوب زوما وحزبه المنشق من المؤتمر الوطني الأفريقي على نسبة ١٤.٩٪ وجاء في المرتبة الثالثة، واحتل المكانة الرابعة (جبهة المقاتلين من أجل الحرية الاقتصادية) بقيادة جوليوس معلما رئيس اتحاد الشباب السابق للمؤتمر الوطني الأفريقي، والذي انشق منه، ويطالب بتأميم البنوك والمناجم وإعادة توزيع الأرض لمصلحة السود والقضاء على هيمنة البيض على اقتصاد جنوب أفريقيا فوراً، بينما يدعو المؤتمر الوطني الأفريقي إلى استخدام سياسات تدريجية، حتى لا تنهار جنوب أفريقيا، أو تدخل في حرب أهلية. وبخسارته لأغلبيته بعد ٣٠ عاماً من الحكم يواجه موقفاً دقيقاً في الحفاظ على برنامجه وتقديم التنازلات اللازمة لإبرام ائتلاف مع أي من الأحزاب الثلاث ذات البرامج المتعارضة مع برنامجه وتحبس جنوب أفريقيا أنفاسها والدستور يدعو إلى تكوين الحكومة الجديدة خلال ١٤ يوماً من إعلان الانتخابات.
في بداية الثمانيات حوالي ١٩٨٠-١٩٨١ وقعت عيناي على عدد من مجلة قضايا السلم والاشتراكية، والتي كانت تصدر من براغ وبها مقالة عظيمة كتبها يوسف دادو، وهو يلخص مذكرات النقابي وابن وطنه الجنوبي أفريقي جون بيفر، وتحدث دادو عن الصلة بين القضايا الطبقية وقضايا القوميات في حياة جون بيفر، وبعد اطلاعي عليها تعلمت شيئاً جديداً عن جنوب أفريقيا وعن قضايا القوميات والاضطهاد القومي كوجه رئيسي لنظام الفصل العنصري، وقفز في ذهني سؤال ومسألة جنوب السودان مضافاً لوثائق سابقة قراءتها عن ما يسمى بمشكلة الجنوب، وبعد خمس سنوات من قراءة تلك المقالة كنت على متن طائرة الخطوط الجوية الإثيوبية المتجه إلى أديس أبابا محاطاً بأسئلة الحرب في الجنوب وما تعلمناه في وسط حركة الطلبة منذ المرحلة الثانوية عن قضية الجنوب وصورة الجنوبي المبعثرة في رؤى الحركة السياسية، وبدأت تجربة جديدة.
لاحقاً زرت جنوب أفريقيا على نحو دوري، وتعرفت على كثير من الشخصيات التاريخية لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وحاورتهم حتى مطلع الفجر، وقد التقيت ثلاث من رؤساء هذه الحركة العظيمة. وهنالك أهمية فائقة للحوار العميق الذي يدور في جنوب أفريقيا حول الإنسان والأرض والانتقال الوطني الديمقراطي وهو لا يخص جنوب أفريقيا وحدها، وما زال المؤتمر الوطني الأفريقي في صعوده وهبوطه ونجاحه وخيباته قبل الانتخابات، وبعدها يشدني نحو أفق بعيد.
الوسومياسر عرمانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: ياسر عرمان المؤتمر الوطنی الأفریقی جنوب أفریقیا أدیس أبابا من أجل
إقرأ أيضاً:
أول دفعة من لاجئي جنوب أفريقيا البيض تصل الولايات المتحدة
وصلت أول مجموعة مكوّنة من 49 من اللاجئين البيض في جنوب أفريقيا متجهين إلى الولايات المتحدة، بعد حصولهم على وضع لاجئ بموجب خطة طرحتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تهدف إلى استقبال ما وصفته بـ"البيض المضطهدين" في جنوب القارة الأفريقية.
وبحسب ما نقلته وكالة رويترز، فقد أقلت طائرة مستأجرة من مطار جوهانسبرغ عائلات من الأقلية الأفريكانية -وهم بيض جنوب أفريقيا من أصول هولندية بالأساس- وهبطت في مطار دالاس الدولي قرب العاصمة واشنطن.
وتعتزم الجهات الراعية إعادة توطينهم في ولايات مثل تكساس ومينيسوتا وألاباما وداكوتا الجنوبية.
إحياء خطة مثيرة للجدلالخطة التي يتم تنفيذها اليوم طُرحت لأول مرة عام 2018 خلال إدارة ترامب الأولى، حين دعا الرئيس الأميركي إلى التحقيق في مزاعم عن "اضطهاد المزارعين البيض" في جنوب أفريقيا، وبأنهم يتعرضون للقتل والتمييز ضمن سياسات إصلاح الأراضي.
وكان الرئيس الأميركي قد صرّح للصحفيين، في وقت سابق من يوم الإثنين، بأنه يعترف بالأفريكانرز كلاجئين "بسبب ما يحدث ضدهم من إبادة جماعية"، على حد تعبيره.
وأضاف أن "قتل المزارعين البيض مستمر في جنوب إفريقيا منذ نهاية نظام الفصل العنصري"، مشيرا إلى نيته مناقشة القضية مع قيادة جنوب أفريقيا خلال الأسبوع المقبل.
إعلانورغم أن وزارة الخارجية الأميركية لم تعترف رسميا بهذه السياسة، فإن منظمات محافظة وكنائس إنجيلية ومانحين مقربين من التيار اليميني واصلوا دعمها بوسائل خاصة.
وقدّمت منظمة دينية تُدعى "فرونتلاين فلوشيب" الدعم القانوني والإداري للرحلة، بالتعاون مع محامين أميركيين مختصين بقضايا الهجرة واللجوء.
وقال اللاجئون الجدد إنهم قدموا طلبات لجوء استنادا إلى ما وصفوه بـ"التمييز العنصري والعنف المستهدف" بسبب لون بشرتهم في بلد يغلب عليه السكان السود، معتبرين ما يواجهونه "اضطهادا صامتا" نادرا ما تتناوله وسائل الإعلام الدولية.
لكن حكومة جنوب أفريقيا نفت هذه المزاعم ووصفتها بأنها إشاعات تروّج لها جهات ذات نزعة عنصرية، مؤكدة أن العنف في البلاد لا يستهدف عرقا معينا، وأن سياسات الدولة تستند إلى مبدأ المساواة رغم التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها.
وقال المتحدث باسم وزارة خارجية جنوب أفريقيا، كلويو نغلايا، "الادعاءات المتعلقة باضطهاد البيض في جنوب أفريقيا لا أساس لها من الصحة، ونعتبر هذا الأمر تدخلا سياسيا مقنّعًا".