تامر أفندي يكتب: 5 رسائل من راسلٍ بلا عنوان إلى "الصُدفة"
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
«1»
غريب ما أنا فيه.. بل.. غريب ما أنتم فيه!.. كم نحن مغفلون.. آسف لا أقصد الإهانة.. أنا أركض معكم في مضمار السباق لكن لا أعرف ما المغنم في النهاية!.. ما الجائزة إذا أنا فزت أو أنت انتصرت أو خسرنا وفاز غيرنا!.. حينما أُخبرك أنني لا أكذب.. فأنا لا أكذب.. فلماذا أكذب؟.. والخطر أصبح في النجاة.
«2»
لا أخفيك سرًا أنني مُرهق الذهن والبدن.. لا من عمل ولا جهد ولكن ربما من البشر.. أنا لا أحب لعبة الشطرنج مع الأغبياء والغريبة أنهم يفوزون.. أسوأ شيء أن تتعامل في الحياة مع الأغبياء ولصوص القوت والأمل.
سيطرت عليَّ حالة اقتنعت فيها بأنه لا شيء في الحياة يستحق الاهتمام، تدربت على ذلك واقتنعت به وأصبحت لا أغضب من الناس حتى أنني ما عدت ألحظ وجودهم.. كنت بدأت راحة نفسية.. كل يوم أو يومين أُطالع كتابًا.. وأكتفي بما في جيبي وما في قلبي.. لا أدري إن كان ذلك انسحابًا أم سلامًا نفسيًّا!.. تقلبت بين الشياطين والمقامر والأبله والمساكين وقرأت مرارًا مذكرات من البيت الميت، لم يبخل علي دوستويفسكي بالتسلية ولم يمل مني أو يبدي فتورًا، بل على العكس في كل مرة كنت أستدعيه لم يكن يُمانع.. ركبت مع فتاة القطار وبحثت عن الزمن المفقود وعشت الحرب والسلام، عشت مع تشيخوف معاناة إفلاس والدي ووالده.. تتردد في أذني الكلمة الأولى التي كتبها فيكتور هوجو على لوحة البؤساء: "ما دام على هذه الأرض جهل وبؤوس فإن كُتبًا مثل هذا الكتاب لا يُمكن أن تكون غير ذات غناء".
«3»
كان ألمًا أصاب المعدة، أخذت له الكثير من الدواء ولما أشعر براحة إلا حينما كتبت، كم أنا محظوظ لأن لي دواء لا يُباع في الصيدليات وإلا لما كنت استطعت الآن شراءه بعد كل تلك الزيادات المتتابعة.. أنا أجيد صنع الخبز من الحرف.. وحينما ءأكلها أشبع وكذلك أصنع منه خريرًا للماء.. أقصه وأعيد تفصيله بحيث يكون حُلة ورباطة عنق وقبعة لكني أقدسه فلا أنتعله حذاء وأسير حافيًا على السطور.. لكني لا أستطيع إطعامه لأبنائي.. هم يريدون طعامًا حقيقيًّا!.. لذا كُلما استطعت تدبير ذلك لهم، أسرعت وألقيته أمامهم ثم هربت مرة أخرى إلى الخيال.. غياب الروح هذا ليس من أجل راحتي.. لكن حتى لا أقتل فيهم الشغف أن أباهم ذهب قليلًا وسيعود بالخبز والحلم.
«4»
قبل عام أو يزيد أعددتُ مكتبة، ساعدتني على تجاوز ليالٍ طويلة من الواقع، وكان لي رفقاء في كل كتاب غير أصحاب الحبر، يقولون عنهم إنهم "عقرب الكتب"، دخل عمال النظافة ذات يوم بدعوى تنظيف المكتبة فقتلوا حُراس الأمن فتآكلت الصفحات ولم يعد من الكُتب سوى كلمات لا تعطي معنى وبعض الحشرات.. وهذا الجزء من الخيال الذي أكتب لك منه لأستطيع أن أعيش.
«5»
أنا لدي فكرة وأملك قصة لكن في هذا الزمن ارتفع سعر كل شيء إلا أنا والكلمات والحكايات.. لعل شمسًا تُشرق ولو في آخر النهار فالعبرة ليست بطول الساعات.. لكن لحظات تكفي للحياة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: تامر أفندي تامر أفندي يكتب
إقرأ أيضاً:
إسحق أحمد فضل الله يكتب: (رغم الداء والأعداء)
عمر
نكتب الحكايات لأنها نوع من الخمر الحلال…
ومن قبل، أعجبتنا هينمة عنترة بن شداد، وهو سكران — وهو أولى العالمين بالسكر، فهو رجل يرى نفسه عبدًا، أسود، ومجفوًا، في مجتمعٍ العنصرية فيه مثل التنفس.
عنترة السكران في الظهيرة الساكنة يتأمل الذبابة وهي تحك ذراعها بذراعها، وتطنّ (هزَجًا كفعل الشارب المُترنِّم)…
ونحن، مثل ابن خالتنا عنترة، نكرع الروايات ونتأمل العالم هربًا من الألم.
…
نقرأ مئات الروايات، ونجد أنها صورة لنفوس الناس كلهم، وأن ما يجمع بينها هو أن الناس — صغيرهم، كبيرهم، غنيهم، فقيرهم — ما يجمعهم جميعًا هو أن كل أحد يبحث عن التعاطف… عند كل أحد.
في رواية جميلة، نادلة في فندق فخم جدًا تصادف عجوزًا في ملابس مسكينة ونظيفة، ويقع بينهما أنسٌ عابر يتكرر، ثم ألفة، مما يحدث بين عجوز لا أحد له، وفتاة طيبة.
ويومًا، يدعو العجوز الفتاة للغداء في مطعم الفندق،
والفتاة تصاب بالذعر، وهي تقول لنفسها:
هل يعلم هذا الرجل كم هو ثمن الطبق الواحد هنا؟!
وتهمس الفتاة لمدير الصالة ليجعل الفاتورة تحمل ربع التكلفة الحقيقية.
العجوز، الذي ينطلق في الأنس مع الفتاة بعد الوجبة الرائعة، يتلقى الفاتورة… ينظر إليها ويبتسم ابتسامة غامضة.
وفي أثناء الحديث، تسأله الفتاة عما إذا كانت له مهنة؟
فيجيب الرجل ببساطة:
“أنا أشتري أشياء بسيطة وأبيعها… وكان آخر ما اشتريته هو… هذا الفندق.”
الصاعقة تضرب.
والفتاة تغضب، وتصرخ، وتتهم العجوز بأنه كان يتلاعب بها.
وهنا يقول العجوز للفتاة:
“أنا ملياردير.
وأنا أتناول وجبات لا حد لها.
لكن أجمل غداء تناولته في حياتي، كان هو الغداء الذي أكلناه الآن.
وكانت الفاتورة، التي كان تزويرها هو التحية الأعظم التي تلقيتها في حياتي.”
الرجل شديد الثراء، كان عمره كله يبحث عن… التعاطف.
والتعاطف هو (ماء الروح) في الحياة كلها.
…
وقحت، حين أطلقت الدعم، كانت قد أعدّت “المخيمات” على الحدود، لتحشد فيها السودانيين في تكرارٍ كامل لما فعلته إسرائيل في فلسطين.
لكن…
تعاطف السودانيين في الداخل والخارج أفسد المخطط الضخم… الضخم.
وسكن السودانيون في الشرق والشمال، واستغنوا بالأهل عن بول العالم، الذي كان الدعم ينتظر أن يشربه السودانيون…
…
والقتال في الجبهات يكشف عن لحظات عند المقاتلين تتخطى “الرجالة” إلى شيءٍ وراءها…
…
وحين يكتب الناس تاريخ معارك الخرطوم، فإن أمبدة سوف تكون نموذجًا يُدرس في جامعات الرجالة… وجامعات الإيثار.
…
رسالة
أستاذ أمير،
أهل الصيد يعرفون أن الأرنب — الشديدة الذكاء — تلجأ عند المطاردة إلى حيلةٍ غريبة:
الأرنب آثار أقدامها تشبه آثار أقدام حيوانات كثيرة حولها…
والأرنب تعرف مواقع هذه الحيوانات،
وعند المطاردة، تلجأ إلى حيث توجد هذه الآثار،
فإذا اختلط الأثر، اختلط على الصياد الطريق.
ونحن الآن في أيام كامل،
نجد أن الأثر…
أثر أرنب الاقتصاد، وأرنب الإعلام، وأرنب الإدارات…
آثار تختلط…
ولهذا، السودان… وكامل… والشمس… والقمر،
كلهم يقف محتارًا، لا يعرف تمييز أثر الأرنب من أثر الورل.
+++++
إسحق أحمد فضل الله
إنضم لقناة النيلين على واتساب