عن المعارضة الأمريكية لقيام "إسرائيل"
تاريخ النشر: 13th, June 2024 GMT
د. هيثم مزاحم **
خلافاً لما يعتقده البعض، فإن تأييد الولايات المتحدة الأميركية لقيام إسرائيل على أرض فلسطين لم يكن يحظى بدعم كامل من أركان الإدارة الأميركية وبخاصة وزارة الخارجية.
فقد عارض بعض المسؤولين الأميركيين في البداية مشروع تقسيم فلسطين خوفاً من أن تتحول الدولة اليهودية (ذات الأغلبية الساحقة من المهاجرين اليهود الروس) إلى دولة حليفة للمعسكر السوفياتي، وخشية أن يصبح الدعم الأميركي للصهاينة عائقاً أمام مصالح الولايات المتحدة النفطية في المنطقة العربية.
ويقول في هذا الصدد الرئيس الأميركي هاري ترومان في مذكراته أن وزير الخارجية الأميركي جيمس بيرنز ووزير الدفاع الأميركي جيمس فورستال وموظفي وزارة الخارجية الأميركية الآخرين "كانوا جميعاً من دون استثناء تقريباً يعارضون فكرة الدولة اليهودية. فلقد (كانوا)… يرون ضرورة تهدئة العرب بسبب وفرة أعدادهم وسيطرتهم على مثل هذه الكمية الضخمة من الموارد النفطية".
وقد حاول بعض موظفي وزارة الخارجية الأميركية وبعض شركات النفط الأميركية – ولا سيما شركة "أرامكو" – تصويب سياسة الإدارة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية خشية من تأثير تلك السياسة على امتيازات الشركات النفطية في الدول العربية، وبالنتيجة على المصالح الاقتصادية الأميركية.
وتبرز في هذا المجال الاتصالات التي قام بها كل لوي هندرسون (مسؤول شؤون أفريقيا والشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأميركية) والعقيد وليام إدّي (مساعد وزير الخارجية الأميركي). وقد ترك الأخير منصبه وعُيّن مستشاراً لشركة "أرامكو". وقد ركّز في رسائله إلى وزارة الخارجية الأميركية على عواقب تقسيم فلسطين إلى دولتين على الاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي على المصالح الأميركية فيها.
كإن إدّي – على غرار كثيرين في وزارة الخارجية الأميركية وشركة أرامكو – يرى في الانحياز الأميركي لليهود على حساب العرب في فلسطين فرصة سانحة لدخول السوفيات إلى المنطقة تحت حجة مساندة العرب.
لكن ضغوط اللوبي الصهيوني على الإدارة الأميركية، وعلى الرئيس ترومان بالذات، كانت أقوى بكثير من المساعي الخجولة للشركات النفطية لمنع تقسيم فلسطين. بل إن شركة أرامكو تفاعست عن العمل الجدي لمصلحة القضية الفلسطينية في الولايات المتحدة خشية من أن يؤدي إغضاب الصهيونية إلى خسارة ممكنة في مداخيلها من السوق المحلية.
وقد ذهب غوردان ميريام (مساعد المدير المسؤول عن شؤون أفريقيا والشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأميركية آنذاك)، في تفسيره للسياسة الأميركية المنحازة لإسرائيل والمضرّة بالمصالح الأميركية، إلى كون هذه السياسة هي "في الأساس سياسة إسرائيلية مقيّدة تُمارس من خلال اللوبي الصهيوني"الموجود في الولايات المتحدة. ويكشف ميريام في رسالته الموجهة إلى رئيس الطاقم السياسي في وزارة الخارجية الأميركية في 18 مارس 1949، أن وزارة الخارجية الأميركية قد رسمت سياسة سليمة تجاه فلسطين لكنها لن تستطيع "الحصول على إقرار السلطات العليا لها في الظروف الراهنة وحتى لو حصلت على ذلك، فإنها سرعان ما تتغير بمجرد أن يشعر الصهاينة بقدرتهم على التأثير إعلامياً عليها".
ويذكر الباحث الأميركي إيرفين أندرسون – في دراسته الأكاديمية حول شركة "أرامكو" – أنه "منذ العام 1937 والشركات النفطية تحذّر وزارة الخارجية الأميركية من أن دعم الأخيرة للصهيونية سوف ينفّر (الملك السعودي آنذاك) عبد العزيز (ابن سعود) وقد يسفر عن تدمير الموقع السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وخسارة الامتيازات النفطية في المملكة العربية السعودية". لكنه يعتبر أنه "في العام 1947 بات معظم المسؤولين في وزارتي الدفاع والخارجية مدركين لحقيقة وجود هذه المشكلة الاستراتيجية بحيث لم تعد هناك حاجة لممارسة الضغوط الخاصة".
وقد أكد إيفان م. ويلسون، الرئيس الأسبق لمكتب فلسطين(1942 – 1948) في وزارة الخارجية الأميركية، في كتابه "القرار بشأن فلسطين"، هواجس وزارة الخارجية الأميركية آنذاك بشأن إضرار السياسة الأميركية المنحازة إلى اليهود بالعلاقات مع العالم العربي.
ولعلّ معارضة مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية – بمن فيهم وزير الخارجية جورج مارشال – لقيام دولة يهودية في فلسطين لما في ذلك من خطر على المصالح الاستراتيجية والاقتصادية الأميركية في الشرق الأوسط، تُبيّن لنا أن العلاقة الأميركية – الإسرائيلية لم تقم على أسس استراتيجية وعقلانية – براغماتية بل إن قيام الرئيس ترومان بتخطي كل هذه الحقائق وتأييده لتقسيم فلسطين طمعاً بتأييد اليهود الأميركيين له في الانتخابات الرئاسية، يظهر مدى تأثير العامل الداخلي في السياسة الأميركية حيال إسرائيل والشرق الأوسط.
** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية - لبنان
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: فی وزارة الخارجیة الأمیرکیة الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية يلتقي بوزيرة خارجية دولة فلسطين
التقى الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج، اليوم الجمعة 28 نوفمبر 2025، مع فارسين أغابكيان شاهين، وزيرة خارجية دولة فلسطين، على هامش أعمال المنتدى الإقليمي العاشر للاتحاد من أجل المتوسط في برشلونة، وذلك في إطار التشاور المستمر بين مصر وفلسطين حول تطورات الأوضاع في الأراضي المحتلة والجهود المبذولة لوقف التصعيد في قطاع غزة.
وصرح السفير تميم خلاف المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، أن الوزير عبد العاطي أعرب في مستهل اللقاء عن الاعتزاز بالعلاقات التاريخية التي تجمع مصر بدولة فلسطين، مؤكدًا أن القاهرة ستظل داعمًا أساسيًا للشعب الفلسطيني ولحقوقه المشروعة، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهو ما تم التأكيد عليه أثناء الاتصال الذي جرى أمس بين الوزير عبد العاطي وحسين الشيخ نائب رئيس دولة فلسطين.
كما شدد وزير الخارجية على استمرار مصر في جهودها المكثفة لوقف تدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، مشيرًا إلى أن الموقف المصري يقوم على الرفض القاطع لأي محاولات للتهجير من القطاع أو الضفة الغربية، والتأكيد على ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار، بما يتيح التعامل الجاد مع حجم الكارثة الإنسانية التي يواجهها سكان القطاع.
وأوضح المتحدث الرسمي أن الوزير عبد العاطي شدد على رفض مصر لأي ترتيبات أحادية تستهدف تغيير الواقع الديمغرافي أو الجغرافي في قطاع غزة، مؤكداً أن أي ترتيبات مستقبلية يجب أن تأتي في إطار عملية سياسية شاملة تقوم على احترام وحدة واتصال الأراضي الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.
كما أشار إلى أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2803 بشأن غزة، بما في ذلك تدشين قوة الاستقرار الدولية لضمان تثبيت وقف إطلاق النار وتدفق المساعدات علي النحو المأمول، بالصورة التي تجسد كافة مخرجات قمة شرم الشيخ للسلام وخطة الرئيس ترامب ذات الصلة.
وفي سياق متصل، أعرب الوزير عبد العاطي عن تقدير مصر للتنسيق الوثيق مع القيادة الفلسطينية، مؤكدًا أن القاهرة لن تدخر جهدًا في الدفاع عن القضية الفلسطينية في مختلف المحافل الدولية، وفي دعم جهود إعادة إعمار غزة والتعافي المبكر، وخاصة في إطار الإعداد للمؤتمر الدولي المقرر أن تستضيفه مصر في هذا الشأن. كما ثمن الجهود الفلسطينية في التواصل المستمر مع مصر لضمان وحدة الموقف المشترك في مواجهة التحديات الراهنة.
من جانبها، أعربت وزيرة الخارجية الفلسطينية عن تقديرها العميق للدور المصري المحوري والثابت في دعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، مشيدةً بجهود القاهرة في وقف إطلاق النار وتقديم الدعم الإنساني.
وأكدت حرص فلسطين على استمرار التنسيق مع مصر بما يعزز من صمود الشعب الفلسطيني ويخدم تحقيق أهدافه المشروعة في الحرية وتقرير المصير.
اقرأ أيضاًأبو العينين لـ«المحررين البرلمانيين»: مصر أصبحت صوت الاستقرار وتحظى باحترام المجتمع الدولي بفضل سياستها المتوازنة
وزير الخارجية يعرب عن التقدير لمستوى التعاون المتنامي بين مصر وكرواتيا خلال السنوات الأخيرة
وزير الخارجية يشارك في إطلاق «ميثاق المتوسط» لتعزيز التكامل والتعاون الأورومتوسطي