د. هيثم مزاحم **
 

خلافاً لما يعتقده البعض، فإن تأييد الولايات المتحدة الأميركية لقيام إسرائيل على أرض فلسطين لم يكن يحظى بدعم كامل من أركان الإدارة الأميركية وبخاصة وزارة الخارجية.

فقد عارض بعض المسؤولين الأميركيين في البداية مشروع تقسيم فلسطين خوفاً من أن تتحول الدولة اليهودية (ذات الأغلبية الساحقة من المهاجرين اليهود الروس) إلى دولة حليفة للمعسكر السوفياتي، وخشية أن يصبح الدعم الأميركي للصهاينة عائقاً أمام مصالح الولايات المتحدة النفطية في المنطقة العربية.

ويقول في هذا الصدد الرئيس الأميركي هاري ترومان في مذكراته أن وزير الخارجية الأميركي جيمس بيرنز ووزير الدفاع الأميركي جيمس فورستال وموظفي وزارة الخارجية الأميركية الآخرين "كانوا جميعاً من دون استثناء تقريباً يعارضون فكرة الدولة اليهودية. فلقد (كانوا)… يرون ضرورة تهدئة العرب بسبب وفرة أعدادهم وسيطرتهم على مثل هذه الكمية الضخمة من الموارد النفطية".

وقد حاول بعض موظفي وزارة الخارجية الأميركية وبعض شركات النفط الأميركية – ولا سيما شركة "أرامكو" – تصويب سياسة الإدارة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية خشية من تأثير تلك السياسة على امتيازات الشركات النفطية في الدول العربية، وبالنتيجة على المصالح الاقتصادية الأميركية.

وتبرز في هذا المجال الاتصالات التي قام بها كل لوي هندرسون (مسؤول شؤون أفريقيا والشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأميركية) والعقيد وليام إدّي (مساعد وزير الخارجية الأميركي). وقد ترك الأخير منصبه وعُيّن مستشاراً لشركة "أرامكو". وقد ركّز في رسائله إلى وزارة الخارجية الأميركية على عواقب تقسيم فلسطين إلى دولتين على الاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي على المصالح الأميركية فيها.

كإن إدّي – على غرار كثيرين في وزارة الخارجية الأميركية وشركة أرامكو – يرى في الانحياز الأميركي لليهود على حساب العرب في فلسطين فرصة سانحة لدخول السوفيات إلى المنطقة تحت حجة مساندة العرب.

لكن ضغوط اللوبي الصهيوني على الإدارة الأميركية، وعلى الرئيس ترومان بالذات، كانت أقوى بكثير من المساعي الخجولة للشركات النفطية لمنع تقسيم فلسطين. بل إن شركة أرامكو تفاعست عن العمل الجدي لمصلحة القضية الفلسطينية في الولايات المتحدة خشية من أن يؤدي إغضاب الصهيونية إلى خسارة ممكنة في مداخيلها من السوق المحلية.

وقد ذهب غوردان ميريام (مساعد المدير المسؤول عن شؤون أفريقيا والشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأميركية آنذاك)، في تفسيره للسياسة الأميركية المنحازة لإسرائيل والمضرّة بالمصالح الأميركية، إلى كون هذه السياسة هي "في الأساس سياسة إسرائيلية مقيّدة تُمارس من خلال اللوبي الصهيوني"الموجود في الولايات المتحدة. ويكشف ميريام في رسالته الموجهة إلى رئيس الطاقم السياسي في وزارة الخارجية الأميركية في 18 مارس 1949، أن وزارة الخارجية الأميركية قد رسمت سياسة سليمة تجاه فلسطين لكنها لن تستطيع "الحصول على إقرار السلطات العليا لها في الظروف الراهنة وحتى لو حصلت على ذلك، فإنها سرعان ما تتغير بمجرد أن يشعر الصهاينة بقدرتهم على التأثير إعلامياً عليها".

ويذكر الباحث الأميركي إيرفين أندرسون – في دراسته الأكاديمية حول شركة "أرامكو" – أنه "منذ العام 1937 والشركات النفطية تحذّر وزارة الخارجية الأميركية من أن دعم الأخيرة للصهيونية سوف ينفّر (الملك السعودي آنذاك) عبد العزيز (ابن سعود) وقد يسفر عن تدمير الموقع السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وخسارة الامتيازات النفطية في المملكة العربية السعودية". لكنه يعتبر أنه "في العام 1947 بات معظم المسؤولين في وزارتي الدفاع والخارجية مدركين لحقيقة وجود هذه المشكلة الاستراتيجية بحيث لم تعد هناك حاجة لممارسة الضغوط الخاصة".

وقد أكد إيفان م. ويلسون، الرئيس الأسبق لمكتب فلسطين(1942 – 1948) في وزارة الخارجية الأميركية، في كتابه "القرار بشأن فلسطين"، هواجس وزارة الخارجية الأميركية آنذاك بشأن إضرار السياسة الأميركية المنحازة إلى اليهود بالعلاقات مع العالم العربي.

ولعلّ معارضة مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية – بمن فيهم وزير الخارجية جورج مارشال – لقيام دولة يهودية في فلسطين لما في ذلك من خطر على المصالح الاستراتيجية والاقتصادية الأميركية في الشرق الأوسط، تُبيّن لنا أن العلاقة الأميركية – الإسرائيلية لم تقم على أسس استراتيجية وعقلانية – براغماتية بل إن قيام الرئيس ترومان بتخطي كل هذه الحقائق وتأييده لتقسيم فلسطين طمعاً بتأييد اليهود الأميركيين له في الانتخابات الرئاسية، يظهر مدى تأثير العامل الداخلي في السياسة الأميركية حيال إسرائيل والشرق الأوسط.

 

** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية - لبنان

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: فی وزارة الخارجیة الأمیرکیة الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

هذا ما بحثه وزير الطاقة مع الإدارة الأميركية والبنك الدولي

زار وزير الطاقة والمياه وليد صدي، الولايات المتحدة الأميركية حيث عقد سلسلة اجتماعات مع مسؤولين في الإدارة الأميركية والبنك الدولي، تمحورت حول واقع قطاع الطاقة في لبنان وسبل دعمه.

ففي وزارة الخارجية الأميركية، التقى الوزير صدي مساعدة وزير الخارجية لشؤون موارد الطاقة، لورا لوكمان، ونائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، ناتاشا فرانشيسكي. وتركز البحث على مسار الإصلاحات الجارية في قطاع الطاقة اللبناني، والتحديات التي تواجهه، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة.

كما التقى مدير مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخزانة الأميركية، أنتوني ماركوس، حيث ناقشا تداعيات رفع بعض العقوبات الأميركية عن سوريا، وتأثيرها على لبنان، خاصةً في ما يتعلق باستجرار الطاقة والنفط.

وفي إطار التعاون مع البنك الدولي، عقد الوزير صدي اجتماعين في مقر البنك في واشنطن، الأول مع نائب رئيس البنك لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عثمان ديون، والثاني مع المدير التنفيذي في البنك عبد العزيز الملا. وتناول البحث القطاعات التي تعنى بها الوزارة واحتياجات لبنان لزيادة القدرة الإنتاجية على صعيد الطاقة وسبل معالجة ملف الصرف الصحي وسبل تعزيز مساعدات البنك الدولي على الصعيد. مواضيع ذات صلة وزير الخزانة الأميركية يدعو البنك الدولي لجعل الطاقة النووية محورًا رئيسيًا في جهوده Lebanon 24 وزير الخزانة الأميركية يدعو البنك الدولي لجعل الطاقة النووية محورًا رئيسيًا في جهوده 02/06/2025 14:52:44 02/06/2025 14:52:44 Lebanon 24 Lebanon 24 وزير المال يكشف: هذا ما أبلغه لبنان لصندوق النقد والبنك الدولي Lebanon 24 وزير المال يكشف: هذا ما أبلغه لبنان لصندوق النقد والبنك الدولي 02/06/2025 14:52:44 02/06/2025 14:52:44 Lebanon 24 Lebanon 24 ما قصة القرض الذي سيوقعه وزير المال مع البنك الدولي؟ Lebanon 24 ما قصة القرض الذي سيوقعه وزير المال مع البنك الدولي؟ 02/06/2025 14:52:44 02/06/2025 14:52:44 Lebanon 24 Lebanon 24 الزين وضعت مع البنك الدولي اللمسات الأخيرة على مشروع ادارة مخاطر حرائق الغابات Lebanon 24 الزين وضعت مع البنك الدولي اللمسات الأخيرة على مشروع ادارة مخاطر حرائق الغابات 02/06/2025 14:52:44 02/06/2025 14:52:44 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً "المستقبل" يخوض غمار الاستحقاق النيابي.. الفرصة مؤاتية للتقييم قبل حسم الخيارات Lebanon 24 "المستقبل" يخوض غمار الاستحقاق النيابي.. الفرصة مؤاتية للتقييم قبل حسم الخيارات 04:30 | 2025-06-02 02/06/2025 04:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 لقاء "سيدة الجبل" يحذّر: الوقت لا يعمل لصالح لبنان Lebanon 24 لقاء "سيدة الجبل" يحذّر: الوقت لا يعمل لصالح لبنان 07:40 | 2025-06-02 02/06/2025 07:40:07 Lebanon 24 Lebanon 24 منتجع سياحي في حامات يثير التساؤلات.. ووزارة البيئة توضّح Lebanon 24 منتجع سياحي في حامات يثير التساؤلات.. ووزارة البيئة توضّح 07:35 | 2025-06-02 02/06/2025 07:35:06 Lebanon 24 Lebanon 24 وزارة من دون موظفين Lebanon 24 وزارة من دون موظفين 07:25 | 2025-06-02 02/06/2025 07:25:28 Lebanon 24 Lebanon 24 إضراب تحذيري لموظفي الإدارة العامة رفضًا لرفع أسعار المحروقات وتجاهل الحقوق Lebanon 24 إضراب تحذيري لموظفي الإدارة العامة رفضًا لرفع أسعار المحروقات وتجاهل الحقوق 07:23 | 2025-06-02 02/06/2025 07:23:44 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة تحديات كبيرة امام "القوات" رغم النجاحات.. Lebanon 24 تحديات كبيرة امام "القوات" رغم النجاحات.. 10:31 | 2025-06-01 01/06/2025 10:31:46 Lebanon 24 Lebanon 24 مُفاجأة للجمهور.. نجمان شهيران يتزوجان للمرة الثانية (صور) Lebanon 24 مُفاجأة للجمهور.. نجمان شهيران يتزوجان للمرة الثانية (صور) 02:02 | 2025-06-02 02/06/2025 02:02:42 Lebanon 24 Lebanon 24 سوريا تتحضّر لورشة إعادة الإعمار.. طرابلس منصّة وبابٌ موصد بوجه لبنان Lebanon 24 سوريا تتحضّر لورشة إعادة الإعمار.. طرابلس منصّة وبابٌ موصد بوجه لبنان 10:00 | 2025-06-01 01/06/2025 10:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 تفاصيل أكبر تحدّ أمام "حزب الله".. الأصعب منذ 25 عاماً! Lebanon 24 تفاصيل أكبر تحدّ أمام "حزب الله".. الأصعب منذ 25 عاماً! 14:00 | 2025-06-01 01/06/2025 02:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بالصورة... الموت يُؤلم ممثلة لبنانيّة Lebanon 24 بالصورة... الموت يُؤلم ممثلة لبنانيّة 05:18 | 2025-06-02 02/06/2025 05:18:48 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 04:30 | 2025-06-02 "المستقبل" يخوض غمار الاستحقاق النيابي.. الفرصة مؤاتية للتقييم قبل حسم الخيارات 07:40 | 2025-06-02 لقاء "سيدة الجبل" يحذّر: الوقت لا يعمل لصالح لبنان 07:35 | 2025-06-02 منتجع سياحي في حامات يثير التساؤلات.. ووزارة البيئة توضّح 07:25 | 2025-06-02 وزارة من دون موظفين 07:23 | 2025-06-02 إضراب تحذيري لموظفي الإدارة العامة رفضًا لرفع أسعار المحروقات وتجاهل الحقوق 07:21 | 2025-06-02 من أمام منزله في زحله... سرقوا سيارته! فيديو مسلسلها الأكثر مشاهدة عبر التاريخ.. رحيل أيقونة "Mash" Lebanon 24 مسلسلها الأكثر مشاهدة عبر التاريخ.. رحيل أيقونة "Mash" 11:50 | 2025-05-31 02/06/2025 14:52:44 Lebanon 24 Lebanon 24 رقصت بإثارة ودلع.. للمرة الأولى روبي تُحيي حفلا في الأردن (فيديو) Lebanon 24 رقصت بإثارة ودلع.. للمرة الأولى روبي تُحيي حفلا في الأردن (فيديو) 01:50 | 2025-05-31 02/06/2025 14:52:44 Lebanon 24 Lebanon 24 حادث غريب.. هذا ما حصل مع رجلين داخل شاحنة قمامة (فيديو) Lebanon 24 حادث غريب.. هذا ما حصل مع رجلين داخل شاحنة قمامة (فيديو) 01:45 | 2025-05-30 02/06/2025 14:52:44 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • أخبار التوك شو| متحدث التعليم يحذر من عقوبة تصوير ورقة الامتحانات في اللجان.. متحدث الخارجية: امتلاك إسرائيل السلاح النووي يهدد الأمن الإقليمي
  • متحدث الخارجية: إسرائيل الوحيدة الغير منضمه لمعاهدة منع انتشار السلاح النووي
  • رويترز: طهران سترفض المقترح الأميركي بشأن التخصيب
  • هذا ما بحثه وزير الطاقة مع الإدارة الأميركية والبنك الدولي
  • اجتماع موسع في وزارة النفط لمناقشة التحديات ومعالجة الإشكاليات في الاستثمارات النفطية
  • الخطة إف-47.. لماذا تأخرت المقاتلة الأميركية الأشرس على الإطلاق؟
  • محامو زعيم المعارضة التنزانية المعتقل يتقدّمون بشكوى للأمم المتحدة
  • الاتحاد الأوروبي يعلّق على الرسوم الأميركية على الصلب
  • الخارجية الأمريكية لـعربي21: هذه أسباب دعمنا للحكومة السورية الجديدة
  • ترامب يُحذر: سقف الدين "كارثي" ويهدد الاقتصاد الأميركي