من التيغراي إلى حرب الأمهرة.. ما الذي يجري في إثيوبيا؟
تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT
أديس أبابا- أحداث متسارعة يشهدها أمهرة الإثيوبي، منذ إعلان رئيس الإقليم فقدان السيطرة، وطلبه من الحكومة الفدرالية التدخل، والتي أعلنت بدورها حالة الطوارئ في 4 أغسطس/آب الجاري.
يأتي ذلك وسط أخبار متواترة عن حرب ضارية بين مليشيات في الإقليم والقوات الفدرالية. فما الذي يجري، وما طبيعة الصراع بين الطرفين، وإلى أين سيقود البلاد؟
استعانت الحكومة الفدرالية بالأمهريين في حرب التيغراي، وتواجههم اليوم في بلد يعاني الانقسامات العرقية، والمظالم التاريخية، وصراعات النفوذ والهيمنة.
وفي هذا التقرير، نستعرض أبرز الأسئلة المتعلقة بتاريخ الصراع وأسبابه ومستقبله.
كيف اندلع الخلاف بين الحكومة ومليشيات الأمهرة؟
في أبريل/نيسان الماضي، أصدرت الحكومة الإثيوبية قرارا بحل المليشيات الإقليمية وتأسيس قوة مركزية واحدة على مستوى الجيش والقوى الأمنية الأخرى، خاصة وأن رئيس الوزراء آبي أحمد يتبنى نظرية الحكم المركزي، عكس النظام السابق، وهو ما أدى إلى اشتعال الصدام بين الطرفين.
وبدأ ناشطو الأمهرة بالتعبئة عبر وسائل الإعلام في الداخل والخارج، وغلب تيار الرفض ومقاومة قرار الحكومة الفدرالية، والدعوة إلى مظاهرات عدة في المدن الرئيسية اعتراضا على القرار، وتطورت الأحداث شيئا فشيئا إلى أن فقدت الحكومة الإقليمية والفدرالية السيطرة على الإقليم.
لماذا ترفض مليشيات الأمهرة تسليم السلاح؟
لدى الأمهريين عدد من المخاوف المرتبطة بالنزاعات بين الأقاليم، فضلا عن طموحات لها صلة بحنينهم إلى العودة للحكم مرة أخرى، بعد أن فقدوه منذ سقوط الإمبراطور هيلا سلاسي عام 1974، ويمكن تلخيص الأمر في:
خشية الأمهريين من أن تعيد الحكومة الإثيوبية المناطق المتنازع عليها مع التيغراي إلى إقليم تيغراي، وهي من أبرز المخاوف لدى الأمهرة. وجود عدد من بؤر الاشتعال في إثيوبيا يزيد مخاوف الأمهريين من استباحة قوات من المليشيات الإقليمية أرضهم، وأن احتمال قيام حروب داخلية أمر وارد في ظل خلافات تاريخية مع الأقاليم الأخرى. يشعر الأمهريون بتقلص دورهم في البلاد، فبعد أن كانوا حكاما أصبحوا مجرد قوة عسكرية يستخدمهم من كانوا يحكمونه تاريخيا. هناك تقديرات لدى بعض نخب الأمهرة، بأن هذه فرصة لتحقيق مكاسب بحجم دورهم التاريخي، خاصة في ظل غياب التيغراي الذي شكلوا عقبة في طريق عودة الأمهرة.تبنت حكومة آبي مركزية الحكم في إثيوبيا وهو سبب دخولها في الحرب مع التيغراي سابقا، والآن إقليم أمهرة، ويعتقد رئيس الوزراء أن المليشيات الإقليمية تضعف الوحدة الوطنية للبلاد، مؤكدا تنفيذ القرار والاستعداد لدفع أي ثمن جراء ذلك، في إشارة واضحة للتصميم على تنفيذ قرار حل المليشيات.
ما الأوضاع الميدانية؟مع رفض مليشيات الإقليم المعروفة بـ "فانو" وإصرار الأجهزة الحكومية على تنفيذ القرار الفدرالي، تصاعد التوتر بين المليشيات وحكومة الإقليم، وازدادت التعبئة بإنشاء مزيد من المليشيات، والخروج من الحواضر إلى حيث تتوفر إمكانية الحشد العسكري بعيدا عن أعين الأجهزة الأمنية، وشرعت الحكومة في خطة معاكسة ضد حكومة الإقليم، تتمثل في التالي:
الاعتداء على المسؤولين الحكوميين في عدد من المدن، حيث اغتالت المليشيا عددا منهم خاصة الرافضين لتوجه المليشيا. الهجوم على عدد من نقاط الشرطة بغرض الاستيلاء على السلاح، وقد نجحت المليشيات في ذلك إلى حد كبير. القيام بحملة تعبئة وتجنيد كبيرة استعانت فيها المليشيات بالشتات، خاصة وأن الأمهرة يملكون حضورا قويا بالخارج. دخلت في مواجهات عنيفة مع القوات الإقليمية والقوات الفدرالية وحققت تفوقا في بعض الأماكن، بل وأسرت أعدادا كبيرة عرضت بعضهم إعلاميا. استولت مليشيات "فانو" مؤخرا على عدد من المناطق الإدارية في منطقة "قوجام" وبدأت في تأسيس إدارات مؤقتة حسب مصادر إعلامية ومتابعين، ودخلت مطار منطقة "لاليبيلا" المعروفة باسم المدينة المقدسة، كما توسعت بمناطق كوبو وولديا وغيرها. خلال اليومين الماضيين، توسعت الحرب جنوبا إلى مدينة قندر التاريخية، وحسب بعض الوسائل الاعلامية الموالية، فإن المليشيا استولت على أكثر من نصف المدينة، وبدت الأجهزة الرسمية عاجزة، مما دفع رئيس الإقليم إلى طلب تدخل الحكومة المركزية.
من يقف وراء المليشيات الأمهرية؟
فترة الحرب على جبهة تحرير تيغراي قبل عامين، وما تلا ذلك بعد توقيع اتفاقية "بريتوريا" ورفض الأمهريين لها، اتخذت مجموعات من مليشيا الأمهرة من إريتريا مركزا لترتيب مقاتليها. وظلت تستغل عدم رضا إريتريا للاتفاقية والاستمرار في تدريب قواتها هناك، ولذلك تعتبر أسمرا أحد الأطراف الداعمة لمليشيات "فانو".
ويأتي بعدها نخب الأمهرة في الخارج والذين نظموا حملات تأييد إعلامية قوية، إضافة إلى حملة تبرعات مالية كبيرة تحت عنوان دعم ثورة الأمهريين، وهو ما تعتبره المليشيات دعما مهما للمضي في المعركة إلى أهدافها.
كما أن قيادات بالحكومة الفدرالية وبعضهم أعضاء في الحزب الحاكم، يؤيدون بشكل أو بآخر توجه مليشيات الأمهرة، وما الإقالات التي تمت لعدد من قيادات الأمهرة بالحزب الحاكم، إلا دليل على ذلك، وآخرها إقالة عضوين برلمانيين تم اعتقالهما على ذمة تأييدهما لها.
كيف ستواجه الحكومة الفدرالية تمرد الأمهريين؟
بعد قرار فرض الطوارئ والتدخل بالإقليم، بدأت حملة اعتقالات واسعة في العاصمة أديس أبابا لمؤيدي المليشيا من الأمهريين، كما بدأت في إعداد حملة عسكرية شاملة كالتي قامت بها في إقليم تيغراي.
ويمنح قرار فرض حالة الطوارئ السلطات الفدرالية إنشاء مركز قيادة حالة الطوارئ لتنفيذ الإعلان، وفق ما جاء في تصريح وزير العدل جدعون تموتوس، وسيترأس مركز القيادة المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني.
ويمنح القرار مركز القيادة سلطة إعلان حظر التجول، وإغلاق الطرق لفترة زمنية معينة، وإغلاق أو إنهاء مرافق الخدمة، كما تم تفويضها بصلاحية القبض على المشتبه بهم الذين يحاولون أو يستعدون لارتكاب جرائم ضد الحكومة والنظام الدستوري، وخرق مرسوم الطوارئ وعرقلة تنفيذه دون أمر من المحكمة، وفقا لوكالة الأنباء الإثيوبية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: عدد من
إقرأ أيضاً:
مشاريع بلا جدوى.. إثيوبيا تغرق في الأزمات وآبي أحمد يستدعي حربا جديدة
تعهد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ببناء أكبر مطار في أفريقيا ومحطة للطاقة النووية، لكن التحدي الأخطر الذي يواجهه الآن هو مساعيه لإيجاد منفذ بحري للدولة الحبيسة، وهو ما يهدد بعودة شبح الحرب إلى المنطقة.
وفي كلمة أمام البرلمان في أواخر أكتوبر الماضي، احتفى آبي أحمد بما أسماه "تحول" إثيوبيا، مؤكداً أن العاصمة أديس أبابا تشهد طفرة عمرانية واسعة.
ورغم هذا الزخم التنموي، تواجه إثيوبيا تحديات اقتصادية وسياسية قد تنعكس سلباً على أحد أسرع الاقتصادات نمواً في القارة الأفريقية.
عودة التوتر مع إريتريا.. وصراع على موانئ البحر الأحمروتسعى الحكومة الإثيوبية إلى استعادة الوصول إلى البحر الأحمر، وهو الحق الذي خسرته بعد استقلال إريتريا عام 1993، وبعد سنوات من التقارب منح خلالها آبي أحمد جائزة نوبل للسلام، عادت التوترات بين الجارتين مجدداً.
ففي يونيو الماضي، اتهمت إريتريا إثيوبيا بالسعي إلى تنفيذ "أجندة حرب طويلة الأمد" للسيطرة على موانئ البحر الأحمر، بينما تؤكد أديس أبابا أن مساعيها للحصول على منفذ بحري تتم بطرق سلمية.
واتهمت إثيوبيا، في الأسابيع الأخيرة، إريتريا بـ"الاستعداد الفعلي لشن حرب"، وبـدعم جماعات متمردة داخل أراضيها.
وقال ماجوس تايلور، نائب مدير شؤون القرن الأفريقي في مجموعة الأزمات الدولية، إن الوضع "مقلق" وقد يتدهور في الأشهر المقبلة نتيجة الأخطاء أو سوء التقدير.
اضطرابات داخلية تهدد الاستقراروفي الداخل، لا يزال اتفاق السلام الذي أنهى حرب تيجراي عام 2022 هشاً، إذ تشهد المناطق الجنوبية من تيجراي اشتباكات جديدة بين قوات إقليمية وميليشيات محلية، واتهمت قيادة الإقليم الحكومة الفيدرالية بـ"خرق مفتوح" للاتفاق بعد تنفيذ ضربة بطائرة مسيّرة.
كما تتصاعد التمردات في إقليمي أمهرة وأوروميا، حيث تنشط ميليشيات "فانو" و"جيش تحرير أورومو"، وتنسب لجميع الأطراف انتهاكات خطيرة تشمل عمليات قتل خارج القانون، فيما أصبح الخطف مقابل الفدية ظاهرة متزايدة.
وتصف "العفو الدولية" هذا الوضع بأنه "دوامة من الانتهاكات المتواصلة".
اقتصاد يعاني.. وفقر متصاعد رغم إصلاحات جذريةوعلى الرغم من إنفاق مليارات الدولارات لتطوير العاصمة وتحويلها إلى مركز سياحي وتجاري دولي، فإن المشهد في الأقاليم أكثر قتامة، إذ ارتفعت معدلات الفقر إلى 43% مقارنة بـ33% قبل تولي آبي السلطة عام 2018، وفق البنك الدولي، بفعل ارتفاع أسعار الغذاء والوقود وتزايد الإنفاق العسكري.
وأطلقت الحكومة سلسلة إصلاحات واسعة، منها تحرير سعر الصرف، وفتح القطاع المصرفي، وتأسيس بورصة للأسهم، ما ساعد إثيوبيا في الحصول على قرض بقيمة 3.4 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي العام الماضي، لكن المستثمرين لا يزالون متخوّفين بفعل الاضطرابات الداخلية والتوتر الإقليمي.
وقال ماجوس تايلور إن "قبضة آبي أحمد على الحكم في المركز قوية، لكن الأطراف تشهد نزاعات قائمة على شعور بالظلم والفقر، وهو ما يجعل استمرار عدم الاستقرار مرجحاً".