يواجه مزارعو العنب في اليمن، خصوصاً في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، مخاطر الإفلاس والكساد، التي دفعت الكثير منهم إلى قلع أشجارهم، وهجرة مهنتهم والتحول إلى مهن أخرى، وذلك بسبب استيراد الزبيب الإيراني والإجراءات التعسفية إلى جانب ظروف المناخ القاسية والأوضاع الاقتصادية المتردية.
ورغم مزاعم الجماعة الحوثية بمنع استيراد الزبيب (العنب المجفف)، فوجئ المزارعون خلال عيدَي الفطر والأضحى هذا العام بإغراق الأسواق بالزبيب المستورد، وأغلبه من إيران، والذي يباع بأسعار أقل من الأسعار التي يباع بها الزبيب المحلي، بالتزامن مع جبايات حوثية تؤدي إلى إلحاق خسائر مضاعَفة بالمزارعين، والتوجه إلى زراعة نبتة «القات» المخدرة.
وتعدّ نبتة القات أكثر ربحية وأقل تكلفة للمزارعين، إلى جانب إمكانية زراعتها وبيعها طوال العام، وليس فقط في مواسم محددة.
وأصدرت الجماعة الحوثية خلال السنوات الماضية قرارات ضمن ما قالت إنها استراتيجية لدعم وتطوير الزراعة وتحقيق الاكتفاء الذاتي؛ ومن ذلك منع استيراد الزبيب، لتمكين مزارعي العنب من زيادة وتطوير منتجاتهم.
وبينما كان قطاع واسع من مزارعي العنب في مناطق سيطرة الجماعة يقتلعون بعض أو كل أشجارهم لاستبدال نبتة القات بها، ضاعف آخرون من إنتاجهم طمعاً في تحقيق الأرباح بعد قرار الجماعة منع استيراد الزبيب، واضطروا في سبيل ذلك لشراء كميات كبيرة من المياه الجوفية لري مزارعهم.
وتعاني زراعة العنب في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من الجفاف وشح المياه خلال العقود الأخيرة، وتبدل مواسم الأمطار، إلى جانب الضرر الذي ألحقته المبيدات الحشرية بمزارعهم نتيجة غياب الرقابة واستيراد أنواع خطرة ومحرمة دولياً من المبيدات.
وادعت الجماعة أنها بصدد التعاقد مع الجمعيات الإنتاجية والمزارعين لفترات طويلة الأمد لشراء منتجاتهم بأسعار مشجِّعة، إلا أن الزبيب المستورد استمر في التدفق وإغراق الأسواق.
مصادرة وجبايات
منذ أسبوعين بدأت ما تعرف باللجنة الزراعية والسمكية العليا، وهي كيان مستحدث، ووزارة الزراعة والري في حكومة الجماعة غير المعترف بها دولياً، تنفيذ حملات تفتيش ميدانية على محلات بيع وتداول الزبيب المستورد في عدد من أحياء صنعاء.
بالتزامن مع حملتها لمصادرة الزبيب المستورد؛ نفذت الجماعة حملات لجمع تبرعات نقدية وعينية من التجار والباعة كهدايا عيدية لمقاتليها في الجبهات، وشملت تلك التبرعات كميات كبيرة من الزبيب المحلي.
أثارت الجبايات الحوثية استياء تجار الزبيب الذين استغربوا من إصرار الجماعة على مصادرة بضائعهم كهدايا للمقاتلين، في الوقت الذي تصادر فيه كميات كبيرة من البضائع المستوردة بحجة مخالفة قراراتها، وكان بإمكانها إهداء الكميات المصادرة للمقاتلين.
تعد مواسم الأعياد أكثر فترات شراء واستهلاك الزبيب الذي يستخدم كهدايا عيدية ويقدم للضيوف خلال الزيارات، كما أن الكثير من العائلات ترسل منه كميات كبيرة كهدايا لأقاربها في الأرياف والمحافظات البعيدة، وكلما زادت كمية وجودة الزبيب، كانت دليلاً على كرم المضيف أو مرسل الهدية.
وتقول مصادر تجارية في صنعاء للشرق الاوسط إن كميات كبيرة من الزبيب المحلي تكدست في الأسواق ومخازن التجار نتيجة عدم توفر إمكانية تسويقها وبيعها، بسبب منافسة الزبيب الإيراني المستورد الذي يباع بأسعار أقل.
ورغم مزاعم الجماعة تنفيذ حملة لملاحقة بائعيه؛ فإن ذلك لم يشكل فارقاً لدى تجار التجزئة الذين أبلغوا تجار الجملة والمزارعين برغبتهم في إعادة كميات الزبيب التي اشتروها منهم.
وبينت المصادر أن أعداداً من تجار الزبيب لجأوا خلال الأعوام الأخيرة إلى عقد اتفاقات مع المزارعين على شراء كميات محدودة من الزبيب؛ نظراً لعدم قدرتهم على بيعه بسبب تراجع القدرة الشرائية للسكان، ومنافسة الزبيب الإيراني المستورد.
دعم الاقتصاد الإيراني
اقترح تجار التجزئة على المزارعين وتجار الجملة استلام كميات الزبيب منهم لتسويقها وبيعها، ودفع أثمان ما تمكنوا من بيعه عند بداية الموسم الجديد، وإعادة الكميات التي عجزوا عن بيعها، إلا أن المقترح لم يكن عملياً بالنسبة للمزارعين وتجار الجملة الذين فضلوا بيعه في مناطق أخرى خارج سيطرة الجماعة أو تصديره إلى الخارج، وفقاً للمصادر.
هذه الاستراتيجية لم تنجح بدورها؛ بسبب الجبايات والإجراءات التعسفية التي تفرضها الجماعة على التصدير، ما اضطر المزارعين إلى تقليل إنتاجهم من العنب، واقتلاع الأشجار واستبدال نبتة القات بها.
مصادر أخرى بقطاع التجارة في صنعاء أكدت أن قيادات حوثية تجبر المزارعين وتجار الجملة على بيع الزبيب لها أو لتجار موالين للجماعة، بدلاً من تصديره وبيعه خارج مناطق سيطرتها، في حين يتم استيراد الزبيب الإيراني برضا وموافقة وزارتَي التجارة والزراعة في حكومة الجماعة التي لا يعترف بها أحد.
ورجحت احتمالية أن يكون لتوجه الجماعة حديثاً لتنفيذ قرارها بمنع استيراد الزبيب، علاقة بقرارات البنك المركزي اليمني الأخيرة، التي من شأنها محاصرة الجماعة مالياً واقتصادياً، واستنزاف العملات الأجنبية في مناطق سيطرتها.
القرار الحوثي بمنع استيراد الزبيب مضى عليه ما يقارب 18 شهراً، وخلال هذه الفترة كان هناك موسم لإنتاج العنب وتجفيفه، وموسم لتسويق الزبيب، إلا أن الجماعة لم تتخذ أي إجراء لمنع استيراد الزبيب إلا منذ أسبوعين، في الوقت الذي ضاعف فيه مئات المزارعين إنتاجهم.
استيراد الزبيب الإيراني يعد أحد مصادر تقديم الدعم من قبل الجماعة الحوثية للاقتصاد الإيراني الذي يعاني بسبب العقوبات الغربية.
ولجأت الجماعة الحوثية خلال الأعوام الماضية إلى تقديم الدعم للاقتصاد الإيراني من خلال استيراد وتسويق العديد من المنتجات الإيرانية، ومنها الغاز والفواكه.
وظل العنب إلى وقت قريب أحد مصادر الدخل الرئيسية للمزارعين اليمنيين، خصوصاً في المناطق الشمالية، وهي مناطق سيطرة الجماعة الحوثية حالياً، وتكثر زراعته في مناطق بني حشيش وبني الحارث وخولان وشبام الغراس في محافظة صنعاء، إلى جانب مناطق أخرى في محافظات عمران وصعدة (شمالاً) والجوف (شمال شرقي) والبيضاء (جنوب شرقي صنعاء).
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط
المصدر: مأرب برس
كلمات دلالية: مناطق سیطرة الجماعة الجماعة الحوثیة کمیات کبیرة من تجار الجملة إلى جانب فی مناطق
إقرأ أيضاً:
عقب الهجمات الحوثية الأخيرة.. ارتفاع كبير لتكاليف تأمين السفن التي تمر عبر البحر الأحمر
أدت الهجمات البحرية الأخيرة لجماعة الحوثي، إلى ارتفاع كبير في تكاليف التأمين على سفن الشحن التجارية التي تمر عبر البحر الأحمر الذي يشهد تصعيدا جديدا بعد أشهر من الهدوء.
ونقلت وكالة رويترز، عن مصادر في صناعة النقل البحري تأكيدها زيادة تكلفة التأمين على شحن البضائع عبر البحر الأحمر إلى أكثر من المثلين في الأيام الأخيرة بالتزامن مع إغراق الحوثيين لسفينتي شحن ومقتل أربعة بحارة على الأقل وفقدان وخطف آخرين.
وأشارت إلى أن أقساط التأمين على مخاطر الحرب ارتفعت إلى نحو 0.7% من قيمة السفينة، مقارنة بنحو 0.3% الأسبوع الماضي قبل وقوع الهجمات الأخيرة، مع توقف بعض شركات التأمين عن تغطية بعض الرحلات.
وبحسب وكالة رويترز، فقد تم تحديد أسعار التأمين لفترة رحلة نموذجية مدتها سبعة أيام، والتي يحددها كل مكتب على حدة، ووصلت هذا الأسبوع إلى 1%، وهو ما يُطابق مستوى الذروة في عام 2024 عندما كانت الهجمات يومية، الأمر الذي يُضيف مئات الآلاف من الدولارات كتكاليف إضافية لكل شحنة.
وقال نيل روبرتس، رئيس قسم الملاحة البحرية والجوية في رابطة سوق لويدز، التي تمثل مصالح جميع شركات التأمين في لويدز لندن: "لقد سلطت الهجمات الأخيرة في البحر الأحمر الضوء على الحاجة إلى الحذر عند التفكير في العبور".
ووفقا لوكالة رويترز، فقد هاجم الحوثيون أكثر من 100 سفينة في الفترة من نوفمبر 2023 إلى ديسمبر/كانون الأول 2024.
وقال مونرو أندرسون، رئيس العمليات في شركة "فيسيل بروتكت"، المتخصصة في تأمين مخاطر الحرب البحرية: "يبدو أن ما شهدناه في الأسبوع الماضي هو... عودة إلى معايير الاستهداف المحددة في منتصف عام 2024، والتي تشمل أساسًا أي سفينة لها، حتى لو كانت على صلة بإسرائيل من بعيد". وأضاف: "مع الغموض تأتي المخاطر".
وفي مايو/أيار، أعلنت الولايات المتحدة عن اتفاق لوقف قصف الحوثيين مقابل إنهاء الهجمات على السفن، على الرغم من أن الحوثيين قالوا إن الاتفاق لم يتضمن تجنيب إسرائيل.
ونشر الحوثيون يوم أمس الأول لقطات مصورة، بعد أن أطلقوا مجموعة من الصواريخ على السفينة "ETERNITY C" مما أدى إلى تضرُّرها حتى غرقت بالكامل، في الوقت الذي قتل عدد من البحارة وتم إنقاذ بعضهم، فيما خطفت جماعة الحوثي بعضا منهم بعد استهداف السفينة.
وفي وقت لاحق، أعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع، أن الشركة المالكة للسفينة استأنفت العمل مع ميناء إيلات "أم الرشراش" في انتهاكِ لقرار حظر التعامل مع الميناء.