انتخابات قسد تحفز حراكا دبلوماسيا في الملف السوري
تاريخ النشر: 24th, June 2024 GMT
أعاد إعلان الإدارة الذاتية -الوجه السياسي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) نيتها إجراء انتخابات محلية في المناطق التي تسيطر عليها شمال شرقي سوريا توجيه الأنظار إلى الملف السوري مجددا، بعد فترة طويلة من الثبات ومراوحة المكان، نتيجة طغيان ملفات الحرب على غزة والحرب الأوكرانية على المشهد السياسي العالمي.
وعلى الرغم من تأجيل قسد الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في 11 يونيو/حزيران الجاري، في ظل عدم دعم الولايات المتحدة الأميركية لهذه الخطوة، ورفض تركيا المطلق لها، لكن فيما يبدو فقد أدت هذه الخطوة إلى تحريك مياه السياسية الراكدة في سوريا.
وبعيد إعلان قسد موعد إجراء انتخابات محلية ثم التراجع عنها، بدا واضحا عودة النشاط للمباحثات التركية الروسية، وسط تصعيد اللهجة من أنقرة والتلويح بالخيار العسكري من أجل منع اتخاذ مثل هذه الخطوة.
طرح قسد فكرة الانتخابات، وبعد ذلك تعليق الخارجية الأميركية غير المقنع لأنقرة على الموضوع، والذي تمثل بمعارضة إجرائها لأن الوقت الراهن غير مناسب، مع عدم رفضها كليا، أدى إلى تنشيط الاتصالات الدبلوماسية بين أنقرة وموسكو، بعد ما اعتراها الجمود منذ منتصف عام 2023.
وأجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان اجتماعا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة دول مجموعة بريكس في 11 يونيو/حزيران الجاري.
وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحات له أعقبت اللقاء، أن وزير خارجية بلاده ناقش خلال اللقاء مع بوتين بشكل مفصل موضوع الانتخابات التي تريد قسد إجراءها شمال شرق سوريا.
ولوح أردوغان بخيار العملية العسكرية من جديد، مؤكدا أن بلاده ستحشد قوتها للتحرك في حال قررت قسد إجراء الانتخابات.
ويجري حاليا الترتيب لعقد جولة جديدة من مسار أستانا الذي ترعاه الدول الضامنة، وكشف مصدر ضمن وفد المعارضة السورية للجزيرة نت أن الدول الضامنة للمسار ممثلة بتركيا وروسيا وإيران، تعتزم عقد جولة جديدة في العاصمة الكازاخية آواخر الشهر الجاري.
وسيبحث الاجتماع المستجدات التي طرأت على الساحة السورية، بالإضافة إلى استعراض التطورات الإقليمية، حيث تبحث هذه الدول أيضا ارتدادات ما يجري في فلسطين ولبنان على الساحة السورية.
كسر الجمودويعتقد الباحث في الشأن التركي طه عودة أوغلو أن اللقاء بين فيدان وبوتين، والذي تناول بشكل رئيسي الأوضاع في سوريا والانتخابات التي أعلنت عنها قسد أزال حالة الفتور بين تركيا وروسيا، وحمل رسائل للاعبين الدوليين المؤثرين في الملف السوري.
وأضاف عودة أوغلو للجزيرة نت، أن اللقاء المحتمل بين الرئيسين التركي وبوتين في أستانا سيناقش تحركات قسد الأخيرة، حيث ستؤكد تركيا رفضها لفرض واقع جديد في سوريا، وروسيا ستستغل التطورات لإعادة تنشيط الدبلوماسية مع تركيا.
من جهته، أكد الصحفي التركي المتخصص بالشؤون العسكرية ليفينت كمال أن المحادثات تجري بين السلطات التركية والروسية بشكل مستمر، وعلى المستويين الدبلوماسي والاستخباراتي للحفاظ على وقف إطلاق النار، وهذه المباحثات تنعقد في سوريا وخارجها.
وسبق أن وقع الجانبان التركي والروسي مذكرة تفاهم في أكتوبر/تشرين الأول 2019 حول سوريا، تتضمن مكافحة الإرهاب، وضمان وحدة أراضي سوريا، وعودة اللاجئين.
كما نصت المذكرة على انسحاب قوات قسد عن الحدود التركية إلى عمق 30 كيلومترا، لكن التنفيذ اقتصر على تسيير دوريات تركية- روسية مشتركة في المنطقة، دون انسحاب كامل لقوات قسد، ولذا تطالب تركيا بشكل متكرر بتنفيذ روسيا لتعهداتها التي قدمتها وفق مذكرة التفاهم.
وفي إطار تنشيط المباحثات مع النظام السوري ألمح الرئيس التركي خلال تصريحات متلفزة له عقب لقاء فيدان مع بوتين، إلى أن "الإدارة السورية" لن تسمح بإجراء انتخابات قسد في سوريا.
وجاءت هذه التصريحات بالتوازي مع تسريبات نشرتها وسائل إعلام تركية تحدثت عن عودة اللقاءات الأمنية بين تركيا والنظام السوري.
وسبق ذلك تقارير عراقية أفادت بإحراز تقدم في الوساطة بين أنقرة ودمشق، حيث أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني مطلع الشهر الجاري عن قيادة بلاده وساطة جديدة لتقريب وجهات النظر بين تركيا والنظام السوري مجددا، وأعرب عن أمله أن تكون المحادثات هذه المرة مختلفة عن سابقتها.
وجربت أنقرة في أوقات سابقة خيار عقد تفاهمات مع النظام السوري ضمن مسار رباعي شاركت فيه كل من إيران وروسيا، وعقدت الأطراف خلال عام 2023 عدة لقاءات من أجل التوصل إلى تفاهمات خاصة في الملف السوري، رغبة من أنقرة بضمان التعاون معها في ملف مكافحة الإرهاب، لكن تمسك دمشق بمطلب انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية واعتباره شرطا مسبقا لنجاح المفاوضات عرقل الوصول إلى صيغة تفاهم.
وقد أعلن المبعوث الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتيف مطلع عام 2024 أن بقاء القوات التركية في سوريا واستمرار أنقرة بدعم المعارضة السورية يعيق تطبيع العلاقات مع دمشق.
ويرى الباحث طه عودة أوغلو أن النظام السوري أبدي مؤخرا نوعا من المرونة فيما يتعلق بالمباحثات مع أنقرة، مؤكدا في الوقت ذاته صعوبة التفاهم حول الملفات المعقدة بين الجانبين مثل الاتفاق على مكافحة الإرهاب، ومسألة تسهيل عودة اللاجئين، وانخراط النظام السوري بالحل السياسي وفق القرار 2254، بالإضافة إلى الدور الأميركي المستمر في سوريا.
على الطرف المقابل، ركزت أنقرة على مباحثاتها مع واشنطن، من خلال اللقاءات المتكررة بين وزير الخارجية التركي ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن، بالإضافة إلى زيارة رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم كالين رفقة فيدان إلى واشنطن شهر مارس/آذار الماضي.
وأشار عودة أوغلو إلى تأثير نتائج الانتخابات الأميركية على المنطقة عموما بما فيها سوريا، وبالتالي قد نشهد مقاربة تركية جديدة مع دول الجوار بما فيها سوريا في ضوء ما ستسفر عنه الانتخابات من تغيير في سياسة واشنطن.
وسبق أن وقعت تركيا اتفاقا سابقا مع واشنطن في أكتوبر/تشرين الأول 2019، وأقرت فيه الولايات المتحدة بمشروعية المخاوف التركية الناجمة عن نشاط تنظيمات إرهابية على حدودها الجنوبية.
ويضاف إلى ذلك ضرورة تعزيز التنسيق المشترك بين أنقرة وواشنطن بخصوص سوريا وخاصة في الشمال الشرقي منها، بالإضافة إلى الاتفاق على وحدة وسلامة الأراضي السورية وإنهاء النزاع الدائر في البلاد بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2254.
نهج جديدوتترقب الأوساط الدبلوماسية استعداد كل من أنقرة ودمشق للتعاطي بنهج جديد مع الوساطات الخاصة بتقريب وجهات النظر بين الطرفين، أو ما إذا كان تنشيط المباحثات التركية الروسية سيدفع الجانب الأميركي لتقديم المزيد من الضمانات لأنقرة حيال منع إجراء قسد لانتخابات منفردة وفرضها على أرض الواقع.
وطيلة الأعوام الماضية، عملت أنقرة على التفاوض مع كل من روسيا والولايات المتحدة من أجل توفير الظروف السياسية لتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب داخل الأراضي السورية، حيث نفذت عملية درع الفرات صيف عام 2016 تحت غطاء التحالف الدولي بقيادة أميركا، ثم أتبعتها بعملية غصن الزيتون في عفرين مطلع 2018 بالتنسيق مع روسيا.
كما شنت أواخر عام 2019 عملية نبع السلام بموجب تنسيق محدود مع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وتلى العملية الأخيرة اتفاقيتان منفصلتان مع كل من موسكو وواشنطن تنصان على إبعاد "التنظيمات الإرهابية" من الحدود التركية، دون أن يتم تنفيذ الاتفاقيتين اللتين تطالب أنقرة بتطبيقهما إلى يومنا هذا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات مکافحة الإرهاب النظام السوری بالإضافة إلى الملف السوری بین أنقرة فی سوریا
إقرأ أيضاً:
وزير الإدارة المحلية والبيئة في سوريا : دور دولة قطر في دعم الشعب السوري يمتد إلى سنوات طويلة في مجالي الإغاثة والتنمية
أكد سعادة السيد محمد عنجراني وزير الإدارة المحلية والبيئة في الجمهورية العربية السورية أن الوزارة بصدد تنفيذ خطة إصلاحية واسعة تهدف إلى إعادة هيكلة العمل الإداري وتفعيل الشراكة المجتمعية والقطاعية، في إطار رؤية وطنية شاملة للاستجابة للتحديات المتراكمة، وبما يواكب الانفتاح الإقليمي والدولي المتزايد تجاه سوريا.
وقال سعادته في حوار خاص مع وكالة الأنباء القطرية /قنا/: إن دور قطر في دعم الشعب السوري ليس جديدا، بل يمتد لسنوات طويلة من العمل الإغاثي والتنمية، مشيدا بانخراطها في جهود التنمية في سوريا في هذه المرحلة أيضا، ومؤكدا أن التنسيق بين الجانبين بلغ مراحل متقدمة.
وأضاف الوزير عنجراني "نطمح للاستفادة من الخبرات القطرية المتقدمة في مجالات الإدارة المحلية والبيئة، خصوصا فيما يتعلق بتقديم الخدمات المحلية وإدارة النفايات والتخطيط العمراني".
وأشار إلى أن واقع الوزارة عند استلامه لمهامه كان شديد الصعوبة، إذ كانت المؤسسات منهكة بفعل سنوات الحرب، وتعاني من ترهل إداري كبير وضعف في تحديد المهام والصلاحيات، وهو ما انعكس سلبا على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
وأكد سعادته ضرورة إعادة هيكلة الوزارة بشكل فني وتقني، مع الاستفادة من التجارب الناجحة في بلدان المنطقة، لكي تتمكن من تقديم خدمات تلبي تطلعات الناس وتأخذ في الاعتبار واقعهم.
وشدد على أن الوزارة لا تعد المواطنين بحلول سريعة، وإنما تعد بالشفافية والعمل الدؤوب، موضحا أن هذه الشفافية تترجم عمليا عبر إبقاء المجتمع المحلي مطلعا على تفاصيل عمل الإدارة المحلية، وتشجيع مشاركته الفعلية في صياغة القرارات وتنفيذ المشاريع.
وتابع: "نعمل على تعزيز مبدأ الشراكة بين المجتمع والمجالس المحلية، فالإدارة المحلية لا يجب أن تكون فوق الناس بل نابعة منهم وممثلة لتطلعاتهم".
وفي معرض حديثه عن الأهداف الاستراتيجية، أشار إلى أن الوزارة تعتمد نهجا مزدوجا يجمع بين المسارات الاستراتيجية الطويلة الأمد، والمسارات المرحلية التي تستجيب للاحتياجات الطارئة، وخاصة في المناطق المنكوبة، مبينا أن التحدي الأكبر الذي واجه الوزارة فور توليها المهام هو غياب قاعدة بيانات دقيقة لحجم احتياجات هذه المناطق، سواء من حيث المنازل المتضررة أو البنية التحتية أو النقل والخدمات العامة.
وأضاف في هذا الصدد، باشرنا بإعداد قاعدة بيانات طارئة شاملة، وقد قطعنا شوطا كبيرا بنسبة إنجاز تبلغ نحو 90 في المئة، ما سيسمح بإطلاق تدخلات فعالة بدءا من شهر يونيو المقبل، هذه التدخلات ستكون مدعومة من جهات إنسانية، وجهات حكومية، وأخرى استثمارية، خصوصا في ظل التغيرات السياسية الأخيرة، وإزالة بعض العقوبات التي كانت تعيق عملنا وعمل المؤسسات الدولية.
وأكد سعادته أن الوزارة تولي اهتماما خاصا لتفعيل المجالس المحلية ودعم المجتمع المدني، موضحا أن فلسفة الإدارة المحلية تعتمد في جوهرها على المجتمع، الذي يجب أن يكون شريكا حقيقيا في التنمية.
ولفت إلى أن المجالس المحلية ستكون قادرة على تقديم خدمات مباشرة للمجتمع، مبينا أن ذلك يتطلب تأهيل الكوادر بشكل مكثف لضمان عمل هذه الأجسام المنتخبة بمهنية وكفاءة عالية.
وفيما يخص إعادة هيكلة الوزارة، أوضح أن العملية جرت على أسس علمية، مستندة إلى دراسات ومقاربات إدارية حديثة، مشيرا إلى أن وزارته أنجزت المهمة خلال الخمسين يوما الماضية، وسيتم الإعلان خلال يوم أو يومين عن الرؤية النهائية والهيكلية التنظيمية الجديدة، التي سيتم تطبيقها مطلع يونيو المقبل، وهو ما سيمثل بداية مرحلة جديدة في عمل الوزارة - حسب تعبيره.
ونوه بأن التغيير لا يقتصر على الهيكل الإداري، بل يشمل أيضا تبسيط الإجراءات وتحويل الخدمات إلى أنظمة مؤتمتة، مؤكدا ضرورة تغيير الصورة الذهنية السائدة عن الإدارة المحلية كجهة بيروقراطية معقدة.
وذكر سعادته أن الوزارة تطمح إلى تبسيط الإجراءات وتقليل الكلفة، وتسهيل الوصول إلى الخدمات، ثم الانتقال إلى أتمتة كاملة للمعاملات الحكومية الخاصة بها، معتبرا ذلك جزءا من التوجه العام للحكومة السورية نحو الحوكمة الرقمية.
وفيما يتعلق بكفاءة الأداء في الوحدات الإدارية، أشار سعادة وزير الإدارة المحلية والبيئة السوري إلى أن هذه الوحدات تعاني من ضغط كبير، حيث جرى تحميلها مسؤوليات تفوق طاقتها دون توفير الأدوات والأنظمة اللازمة، مؤكدا عزم الوزارة على تمكين هذه الوحدات عبر منحها الصلاحيات اللازمة وتحديث الأنظمة التي تحكم عملها، لتتمكن من دخول مسار التنمية المحلية الفعلية "بدلا من أن تظل رهينة الأزمات".
وحول الشراكة مع القطاع الخاص، بين أن هذه الشراكة ليست جديدة ولها تطبيقات واقعية، وتستند إلى مبدأ متوازن يحفظ استقلالية القطاع العام مع تسريع عجلة التنمية مؤكدا على ضرورة توسيع هذه الشراكات في مختلف قطاعات الإدارة المحلية، من المعاملات إلى الاستثمار والتخطيط العمراني، وحتى في إعداد المخططات التنظيمية على المستوى الإقليمي، مشددا على أن الجهات العامة لن تكون أسيرة للقطاع الخاص، ولا العكس، واعتبر أن هذه التوازنات ضرورية لتحقيق تنمية سريعة ومستدامة.
وأوضح الوزير السوري أن العمل في الوزارة يسير وفق مبدأ الشفافية الكاملة، قائلا: "نحن لا نعمل خلف الأبواب المغلقة، ولا نعد الناس بمفاجآت، بل نعدهم بسرعة في الأداء واحترافية في العمل. لقد بدأنا باستقطاب كوادر نوعية وما زلنا مستمرين في هذا الاتجاه".
وختم سعادة وزير الإدارة المحلية والبيئة في الجمهورية العربية السورية حواره مع /قنا/ بالتنويه بأن الوزارة تدخل مرحلة جديدة عنوانها التحول والكفاءة والانفتاح، مستفيدة من المتغيرات الدولية والدعم المتزايد من الشركاء الإقليميين، وفي مقدمتهم دولة قطر، لتنفيذ مشاريع تعزز الاستقرار المحلي وتعيد الأمل إلى المناطق المتضررة، مبشرا بأن الشهور القادمة ستحمل نتائج ملموسة على أرض الواقع في عدة مجالات.