يُعَاني قطاع غزَّة أزمة إنسانيَّة متفاقمة ومتعددة الأبعاد والتَّداعيات، نتيجة سياسات التَّجويع التي تستخدمها قوَّات الاحتلال الإسرائيلي تجاه القطاع منذ السَّابع مِن تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث تستخدم إسرائيل سلاح الجوع والتَّجويع كإحدى أدوات وأساليب الحرب، فقد أعلنت منذ اليوم الأول للحرب عن فرض حصار شامل وكامل على القطاع، وقطعت إمدادات المياه والكهرباء، وأغلقت المعابر الحدوديَّة، واعتبرت قطاع غزَّة كيانا معاديا.



تحدث هذه الجريمة رغم أن القانون الدَّولي الإنساني يحظر استخدام تجويع السُّكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، ولا يجوز للطَّرف الذي يفرض الحصار أن يعمد إلى حرمان المدنيِّين من الإمدادات الأساسيَّة لبقائهم على قيد الحياة (مثل الغذاء والمياه والإمدادات الطبيَّة) في منطقة مُحاصَرة، وأن يتَّخذ ذلك وسيلة مشروعة لإخضاع عدوِّه.

يُعدُّ تجويع المدنيين أسلوبا محظورا من أساليب الحرب في القانون الدولي الإنساني الحديث. وقانونيّا يُعرَّف التَّجويع بأنّه حرمان المدنيِّين عمدا من الطَّعام إلى جانب حرمانهم من دُخُول المساعدة الإنسانيَّة، وهو ما يعتبر دليلا كافيا على أنَّ تجويعَهُم هو الغَرض الأساسي مِن الحِصار. وتستمدُّ هذه القاعدة شرعيَّتها من مبدأ التَّمييز المنصوص عليه في القانون الدَّولي الإنساني، للمرَّة الأولى في البروتوكولين الإضافيين لعام 1977 المادة 54 (1) من البروتوكول الإضافي الأول: المادة 14 من البروتوكول الإضافي الثاني، واليوم تعتبر قانونا عرفيّا في النِّزَاعات المسلَّحة الدوليَّة وغير الدوليَّة (القانون الدَّولي الإنساني العرفي، القاعدة 53).

يعتبر التَّجوِيع جزءا من الإبادة الجماعيَّة التقليديَّة، التي تُركِّز على التَّدمِير الجسدي والبيولوجي للمجموعة العرقيَّة، ويعتبر التجويع أحد الأفعال الماديَّة التي إذا ما ارتكبت في سياق معيَّن يمكن اعتباره فعلا مِن أفعال الإبادة الجماعيَّة في اتفاقيَّة الإبادة الجماعيَّة لعام 1948
كما نصَّ نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائيَّة الدوليَّة عام 1998 على أنَّ تجويع المدنيِّين عمدا عبر "حرمانهم من العناصر الأساسيَّة لبقاء حياتهم، بما في ذلك تعمُّد عرقلة إمدادات الإغاثة"، يُعدُّ جريمة حرب، ولا يشتَرط القصد الإجرامي اعتراف المعتدي؛ بل يمكن استنتاجُه من مجمل الظُّروف المحيطة بالحملة العسكريَّة، ومع ذلك فإنَّ هذا التصنيف ينطبق فقط على النِّزاعات المسلَّحة الدوليَّة.

يعتبر التَّجوِيع جزءا من الإبادة الجماعيَّة التقليديَّة، التي تُركِّز على التَّدمِير الجسدي والبيولوجي للمجموعة العرقيَّة، ويعتبر التجويع أحد الأفعال الماديَّة التي إذا ما ارتكبت في سياق معيَّن يمكن اعتباره فعلا مِن أفعال الإبادة الجماعيَّة في اتفاقيَّة الإبادة الجماعيَّة لعام 1948. ويُعرّف التَّعليق على البروتوكولات الإضافيَّة لاتفاقيَّات جنيف لعام 1977 التَّجويع بأنَّه "سلاحٌ لإبادة السُّكَّان أو إضعافهم"، إلَّا أنَّ النصَّ الصَّرِيح الذي يحمي المدنيين، ويَحْظِر استخدام التَّجْوِيع كسِلَاح حربٍ مَوجُود في المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول، وتنصُّ على أنَّه "يُحظَر مُهَاجمَة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد الَّتِي لا غنى عنها لبقاء السُّكَّان المدنيين، مثل المواد الغذائيَّة والمناطق الزراعيَّة لإنتاجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشُّرب والإمدادات وأعمال الري، بغرضٍ محدَّدٍ هو حرمان السكَّان المدنيِّين أو الطَّرف الخصم من قيمتها الغذائيَّة، مهما كان الدَّافع، سواء كان ذلك لتجويع المدنيِّين أو لإجبارهم على النُّزُوح أو لأيِّ دافع آخَر".

منظَّمَة أوكسفام الخيريَّة الدولية، أكدت في تقاريرها أنَّ التَّجويع يُستخدم كسِلَاح حرب ضد المدنيِّين في غزَّة، وجدَّدَت دعوتها للسَّمَاح بدخول الغذاء والماء والوقود وغيرها من الضَّرُوريات، وقامت الوكالة الدوليَّة بتحليل بيانات الأمم المتحدة، ووَجَدت أنَّ 2 في المئة فقط من الغِذَاء الَّذِي كان من المفترض أن يتمَّ تسليمُه دخَل غزَّة منذ فرض الحِصَار الشَّامل الَّذِي قد شُدِّد حاليا.

كما أن اللَّجنة الخاصَّة للأمم المتَّحدة للتحقيق في الممارسات الإسرائيليَّة كانت قد أصدرت تقريرا سابقا، أكَّدت فيه على أنَّ الحرب التي تشنُّها إسرائيل في غزَّة تتسق مع خصائص الإبادة الجماعيَّة، مع سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيِّين، وفرض ظروف تُهدِّد الحياة عمدا على الفلسطينيِّين هناك. ويغطي التقرير الفترة من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى تموز/ يوليو 2024. وقالت اللَّجنة: "من خلال حصارها لغزة، وعرقلة المساعدات الإنسانيَّة، إلى جانب الهجمات المستهدفة وقتل المدنيِّين وعُمَّال الإغاثة، وعلى الرغم من النِّداءات المتكرِّرة للأمم المتحدة، والأوامر الملزمة من محكمة العدل الدوليَّة، وقرارات مجلس الأمن، فإن إسرائيل تتسبَّب عمدا في المَوت والتَّجويع والإصابات الخطيرة، باستخدام التَّجويع -كأسلوب من أساليب الحرب- وفرض عُقُوبَات جماعيَّة على السكَّان الفلسطينيِّين".

إسرائيل تتسبَّب عمدا في المَوت والتَّجويع والإصابات الخطيرة، باستخدام التَّجويع -كأسلوب من أساليب الحرب- وفرض عُقُوبَات جماعيَّة على السكَّان الفلسطينيِّين
وكانَ مَسؤُول السياسة الخارجيَّة في الاتِّحاد الأوروبي السَّابق "جوزيب بوريل" قد أكَّد على "أنَّ إسرائيل تتسبب في مجاعة في غزة، وتستخدم التَّجويع كسلاح حرب، وقال بوريل في افتتاح مؤتمر حول المساعدات الإنسانيَّة لغزَّة في بروكسل: "في غزَّة لم نعد على شفا المجاعة، نحن في حالة مجاعة تُؤثِّر في آلاف الأشخاص"، بينما أكَّد مُفوِّض عام وكالة الأمم المتَّحدة لغوث وتشغيل اللَّاجئين الفلسطينيِّين "أونروا" فيليب لازاريني أنَّ إسرائيل استخدمت الجُوع كسِلَاح في قطاع غزَّة، مشيرا إلى حرمان السُّكَّان من الضَّرُوريات الأساسيَّة للبقاء على قيد الحياة.

بفضل هذه السياسات ويواجه أكثر من مليوني فلسطيني في غزَّة أزمة إنسانيَّة غير مسبوقة نتيجة القيود الإسرائيليَّة المفْرُوضة على دُخُول المساعدات منذ مطلع آذار/ مارس 2025، عقب انهيار المرحلة الأولى من اتفاق الهدنة. ووفقا لتقرير التَّصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي الصَّادر مؤخرا، سيواجه 470 ألف شخص في غزة جوعا كارثيّا (المَرْحلة الخامسة والأشد من التَّصنيف) خلال الفترة بين أيار/ مايو وأيلول/ سبتمبر 2025، بزيادة قدرها 250 في المئة عن تقديرات التَّصنِيف السَّابقة. ويُحدِّد التَّقرير أنَّ السُّكَّان بأكملهم يعانون من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، كما يُتوقَّع أن يحتاج 71 ألف طفل وأكثر من 17 ألف أُم إلى علاج عاجل من سوء التَّغذية الحاد.

وفي بداية عام 2025 قدَّرَت الوكالات أنَّ 60 ألف طفل سيحتاجون إلى العِلَاج العاجل، حيث أكدت "هيُومن رايتس ووتش" أنَّ أطفال غزَّة يموتُون مِن مُضَاعفات الجُوع منذ أن بدأت الحكومة الإسرائيليَّة في استخدام التَّجويع كسِلَاح حرب، وهو ما يُعدُّ جريمة حرب. وقد ذكر أطبَّاء وعائلات في غزَّة أنَّ الأطفال -بالإضافة إلى الأمَّهات الحوامل والمرضعات- يُعَانون من سوء تغذية حاد وجفاف، وعدم تأهيل المستشفيات لعلاجهم.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الإسرائيلي حصار تجويع غزة إسرائيل غزة حصار ابادة تجويع قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد سياسة مقالات مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإبادة الجماعی من أسالیب الحرب القانون الد ان المدنی ة الدولی التی ت على أن

إقرأ أيضاً:

مندوب مصر بالأمم المتحدة: استمرار إسرائيل انتهاك سيادة الدول العربية خطر على الأمن الجماعي إقليميا ودولياً

حذر السفير أسامة عبد الخالق، مندوب مصر الدائم بالأمم المتحدة، من أن استمرار إسرائيل في انتهاك سيادة الدول العربية يشكل خطرا على الأمن الجماعي الإقليمي والدولي، معبرا عن إدانة مصر للقانون الذي صادق عليه الكنيست الإسرائيلي والرامي إلى فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية وغور الأردن، وكذلك إدانتها لقيام إسرائيل باستهداف دور العبادة في كافة الأراضي الفلسطينية، وتعتبره انتهاكا سافرا للقانون الدولي الإنساني.

وقال السفير أسامة عبد الخالق، في كلمته أمام مجلس الأمن بشأن الأوضاع في غزة، مساء اليوم الأربعاء، إن المجموعة العربية تجدد دعمها للوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس، كما تشدد على وجوب احترام الوضع القانوني والتاريخي القائم بالمقدسات في القدس، وتثمن دور لجنة القدس، وكذلك في بيت مال القدس في الدفاع عن المدينة وصمود أهلها.

وأضاف أن المجموعة العربية ترحب باعتماد قرار الجمعية العامة بدورته الاستثنائية العاشرة في 12 يونيو الماضي، وتدعو مجلس الأمن إلى دعم تنفيذ بنوده بالكامل، بما في ذلك إنهاء الاحتلال الإسرائيلي فورا ووقف المجازر وضمان الحماية الكاملة للمدنيين، كما تدعو المجتمع الدولى إلى تحمل مسئولياته دون تقاعس لإنهاء العدوان الإسرائيلي ورفع الحصار عن قطاع غزة وكافة الأراضي الفلسطينية، وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.

ولفت إلى مطالبة المجموعة العربية بمساءلة مرتكبي الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، بما يعيد الحياة الكريمة إلى أهل غزة، كما تدعو إلى دعم خطة التعافي المبكر وإعادة إعمار وتنمية غزة المعتمدة من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، والمشاركة بفعالية في المؤتمر الذي تعتزم القاهرة استضافته لحشد الدعم والتمويل لتلك الخطة التي تعد أساسا لمستقبل جديد للقطاع تحت حكم وإدارة السلطة الفلسطينية.

وشدد السفير أسامة عبد الخالق على أهمية انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة رفيع المستوى بشأن التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة برئاسة مشتركة بين السعودية وفرنسا، وفق ما تؤكد عليه المجموعة العربية والتي تدعو أيضا جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة إلى المشاركة في ذلك المؤتمر المقرر في 28 إلى 30 يوليو الجاري.

وعبر مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة عن إدانة المجموعة العربية لانتهاك إسرائيل إعلان وقف الأعمال العدائية في لبنان بشكل يومي منذ دخوله حيز التنفيذ في 27 نوفمبر 2024 بارتكاب الخروقات الجوية والبرية وشن الغارات يوميا، مما أدى إلى مقتل وجرح المئات، وفي المقابل يلتزم لبنان ببنود الاتفاق بالكامل ويعمل على تنفيذها بإصرار وبسرعة.

كما أدانت المجموعة العربية أيضا استمرار احتلال إسرائيل لخمسة مواقع حدودية في الجنوب اللبناني، إضافة إلى تعيين منطقتين عازلتين ضمن الأراضي اللبنانية ومنع الوصول إليهما، كما يمنع الاحتلال الإسرائيلي أيضا الانتشار الكامل للجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني ويعرقل حركة قوات "اليونيفيل"، ووصولها إلى بعض مواقعها الحدودية، وكل ذلك يشكل انتهاكا صارخا لسيادة لبنان وللقرار (1701) وخرقا فاضحا لإعلان الأعمال العدائية.

وفي هذا الإطار، تؤكد المجموعة العربية ضرورة أن يضطلع مجلس الأمن بمسؤولياته لإلزام السلطة القائمة بالاحتلال بالانسحاب الكامل والفوري الغير مشروط من كافة الأراضي اللبنانية المحتلة.

مقالات مشابهة

  • المشهداني يدعو غوتيريش إلى حراك أممي يوُقف التجويع والقتل الجماعي لأهالي غزة
  • بيرني ساندرز: الحكومة الإسرائيلية المتطرفة تستخدم التجويع الجماعي بغية التطهير العرقي في غزة
  • ختام دورة "المدخل إلى القانون الدولي الإنساني" بالتعاون مع المديرية العامة لحرس الحدود
  • “الأوروبي للصحفيين”: يجب التحقيق في استخدام “إسرائيل” التجويع كسلاح حرب بغزة
  • رئيس الوزراء الكندي يتهم “إسرائيل”بانتهاك القانون الدولي بمنعها وصول المساعدات لغزة
  • دول غربية تدين سياسة التجويع في غزة وتحمّل إسرائيل مسؤولية الانهيار الإنساني
  • السلطة تحذّر واشنطن: التجويع يمتد إلى الضفة .. والانفجار قادم ولم يعد لدينا سوى سلاح القانون
  • حرس الحدود يختتم دورة "المدخل إلى القانون الدولي الإنساني" بالرياض
  • مندوب مصر بالأمم المتحدة: استمرار إسرائيل انتهاك سيادة الدول العربية خطر على الأمن الجماعي إقليميا ودولياً
  • "الجوع" سلاح الجبناء