بدا الانقلاب الأخير في بوليفيا، 26 يونيو، أغرب الانقلابات التي شهدتها البلاد على الإطلاق. استمر يوما واحدا، لم يسفر عن نتيجة، وكان على الهواء مباشرة بلا حذف.. أو هكذا بدا الأمر!

بدأت القصة بانتقاد القائد العام للقوات المسلحة البوليفية الجنرال خوان خوسيه زونيغا غريمه رئيس البلاد السابق إيفو موراليس في مقابلة تلفزيونية وتهديده بالاعتقال.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنه، وبرغم استقالته من منصبه، يتمتع موراليس، زعيم حزب "الحركة نحو الاشتراكية"، والزعيم الشعبي القوي غير الرسمي، بشعبية معتبرة، وسيترشح مرة أخرى للانتخابات الرئاسية المرتقبة في 2025. كما يواصل الرئيس البوليفي الحالي لويس آرسي، برغم التوترات السياسية الداخلية، وبرغم خلافه مع موراليس، خط الأخير بشأن تطوير علاقاته الودية مع روسيا والصين، فضلا عن موقفه من إسرائيل والعدوان على غزة والمواجهة مع الولايات المتحدة دفاعا عن استقلال الإرادة السياسية لبوليفيا.

إقرأ المزيد رئيس بوليفيا يكشف لـRT سبب محاولة الانقلاب في بلاده مؤخرا

في اليوم التالي أزاح القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس البلاد لويس آرسي القائد العام الجنرال خوان خوسيه زونيغا من القيادة، بعد أن تحرك الأخير على رأس وحدات من الجيش، 26 يونيو، في ناقلة جنود مدرعة إلى الساحة المركزية في لاباز، نحو القصر الرئاسي "للتحدث شخصيا" مع الرئيس آرسي.

قام البعض بتصوير هذه المحادثة بالهاتف المحمول، فيما انتشر هذا التسجيل على شبكة الإنترنت، ليصيب كثيرين بالدهشة، ويثير إشاعات غربية بشأن "انقلاب ملفق بغرض الدعاية الانتخابية للرئيس آرسي الذي يعتزم الترشح العام المقبل أمام موراليس". بدا الأمر في القصر الرئاسي وكأنه "شجار عائلي عادي"، أمر خلاله الرئيس آرسي الجنرال باحترام القانون والدستور، وبدا الجنرال محرجا، لكنه يرفض تنفيذ الأمر، نستمع إلى صخب وضجيج، فيما يحاول المسؤولون العسكريون والحكوميون من جميع الجهات الضغط على الثنائي.

يغادر زونيغا القصر، ويطالب الرئيس الشرعي أنصاره بالاحتشاد في الشوارع دفاعا عن الديمقراطية، ويبدو أن أحدا لا يدعم المتمردين، ولم تقف الشرطة إلى جانبهم، وعلى الفور تدعم جميع الوكالات الحكومية الرئيس الشرعي ويخرج الناس إلى الشوارع، لكن المثير للدهشة والغرابة في آن أن رئيسة بوليفيا السابقة جانين أنيز المحكوم عليها بالسجن لعشر سنوات، والتي كانت تنتهج سياسة موالية للولايات المتحدة الأمريكية على طول الخط، والتي وعد زونيغا بالإفراج عنها فور انقضاضه على الحكم، رفضت هي الأخرى "الانقلاب غير القانوني"، وقالت إن الحكومة يجب أن تتغير من خلال الانتخابات.

أدانت المنظمات الدولية وزعماء الدول الصديقة، وعلى رأسها روسيا بالقطع، محاولة الانقلاب الفاشلة، إلا أن الأهم أن الجيش لم يدعم الانقلاب. وهو ما سمح للرئيس آرسي بقبول اليمين الدستورية من القائد العام الجديد للجيش البوليفي، الذي أمر العسكريين في الميادين بالعودة إلى ثكناتهم. ألقي القبض على زونيغا، وسيحاكم بتهمة الفتنة والانقلاب، وانتهت القصة عند هذا الحد، أو هكذا يبدو الأمر إلى حينه.

لكن السؤال يبقى مطروحا: ما هذا الذي حدث؟ ولمصلحة من؟ ومن يقف وراءه؟ هل هناك أصابع خارجية؟ وهل السبب هو: السيطرة على مخزون الليثيوم في بوليفيا، أم قطع بوليفيا العلاقات مع إسرائيل، أهل هو التقارب مع موسكو وبكين؟

تعد بوليفيا واحدة من أفقر البلدان في العالم، في الوقت الذي كانت ثرواتها الطبيعية المذهلة تذهب دائما إلى كثيرين دون أن يستفيد منها شعبها. وفي القرنين السادس عشر وحتى التاسع عشر، كان الأوروبيون مهووسين بتعدين الفضة في بوليفيا، وضخت آلاف الأطنان من المعادن الثمينة خارج البلاد، وراح ضحية ذلك ملايين السكان المحليين في عمليات التعدين هذه، كان استغلال العمالة في المناجم مريعا لأبعد الحدود.

في القرن الحادي والعشرين، تمتلك بوليفيا أغنى احتياطيات الليثيوم على كوكب الأرض. والليثيوم يستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية (مستقبل صناعة السيارات في العالم)، ويدخل في مكونات البطاريات الصغيرة التي تمد الكثير من الأجهزة بالطاقة، ويستخدم في صناعة الزجاج والسيراميك وبطاريات جميع أنواع الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف المحمولة وغيرها.

إقرأ المزيد بوليفيا.. العسكريون يحاصرون المباني الحكومية والسلطات تتحدث عن محاولة انقلاب

وقد لعب الرئيس البوليفي السابق إيفو موراليس، وهو أول هندي من سكان البلاد الأصليين يتولى منصب الرئيس، وهو اشتراكي آمن بإمكانية انتشال البلاد من الفقر المستمر منذ قرون، دورا كبيرا في تنمية البلاد بانتهاجه مسارا اشتراكيا. نجح موراليس تدريجيا في إخراج الدولة من عباءة الولايات المتحدة الأمريكية وقام بتحسين علاقاته مع روسيا والصين، وبناء نظام مناسب من الضوابط والتوازنات على الجبهة الخارجية.

وهكذا يسير لويس آرسي، الرئيس الحالي، على نفس نهج موراليس، الذي زار مدينة بطرسبرغ الروسية مؤخرا للمشاركة في المنتدى الاقتصادي الدولي هناك، وأدلى بتصريحات مهمة عن تعزيز وتطوير العلاقات الاقتصادية بين بوليفيا وروسيا، على خلفية طرد شركات ألمانية من إنتاج الليثيوم، وعدم التفاوض مع شركات أمريكية إلى الأبد بهذا الشأن.

لقد أفادت هذه السياسة المستقلة الاقتصاد البوليفي، فلم يعد السكان يتضورون جوعا للمرة الأولى منذ قرون، إلا أن الأهم من ذلك هو الروح الوطنية بينما شعر الشعب وأدرك دور الحكومة في تعزيز الاستقرار في البلاد، ليس فقط من أجل القضايا البعيدة وغير المفهومة لعامة الناس، وإنما لرفاهية المواطن العادي. ويتفق على ذلك أيضا أفراد القوات المسلحة حيث أن الجيش جزء لا يتجزأ من الشعب البوليفي.

وقد أظهر شعب بوليفيا موقفه تجاه الانقلابيين بزعامة زونيغا بوضوح شديد، إلا أن القصة ربما لن تنتهي عند هذا الحد. فهناك الكثير من الأثرياء الموالين للغرب داخل بوليفيا، التي تواجه انتخابات أخرى العام المقبل 2025. وحتى برغم فرص إيفو موراليس المتقدمة للفوز بهذه الانتخابات، إلا أن جانين أنيز انتزعت منه الفوز عام 2019، واتبعت سياسة مؤيدة للولايات المتحدة بشكل علني، بل واقترحت أن يطلق الجيش النار على مظاهرات خصومها السياسيين، وهو السبب في سجنها اليوم.

إقرأ المزيد إيفو موراليس: الولايات المتحدة تدبر انقلابات في دول أمريكا اللاتينية

وبرغم انتماء موراليس وآرسي لنفس الحزب "الحركة نحو الاشتراكية"، إلا أنهما اختلفا مع قرار موراليس الترشح لانتخابات 2025. وبرغم الخلاف العلني بين زونيغا وموراليس (إلى حد تهديده بالاعتقال)، إلا أن آرسي قام بتعيينه قائدا عاما للجيش.

بعد اعتقال زونيغا، زعم الأخير أن الانقلاب لم يكن أكثر من "تمثيلية" بغرض زيادة شعبية آرسي ورفع أسهمه في الانتخابات المقبلة، وقال إن الانقلاب كان "من اختراع آرسي نفسه. وهو ما التقطته وسائل الإعلام الغربية ونشرت تلك الشائعة باستخدام آراء "من الشارع البوليفي".

من الخارج، يبدو الخطر الذي ينتظر بوليفيا واضحا للعيان، فها هي الطموحات الشخصية لسياسيين ينتميان لنفس الحزب، يكرسان مجهودهما بإخلاص لشعبهما، وقد فعلا الكثير من أجله، وينتهجان نفس المسار الخارجي، يقفان في خندق روسيا والصين والدول النامية والجنوب العالمي من أجل رفض الهيمنة الأمريكية والدعوة لعالم متعدد الأقطاب. تقف بوليفيا مع جنوب إفريقيا في دعوتها ضد إسرائيل، وتقطع علاقاتها مع إٍسرائيل بسبب العدوان على غزة.

لكن موراليس وآرسي يدفعان نحو انقسام حزب "الحركة نحو الاشتراكية"، أكبر حزب في البلاد، ويروجان بانقسامهما لشائعة أن الانقلاب كان "تمثيلية"، وليس أكثر من شجار "عائلي" داخلي بين موراليس وآرسي، لتتسرب أذرع واشنطن على الفور من خلال عملاء النفوذ الموالين للولايات المتحدة ليعملوا كما كانوا يعملون من قبل، ويعاودوا تهريب ثروات البلاد إلى خارجها، ويتفقوا على عمولات الليثيوم مع الشركات الغربية العابرة للقارات، تحت شعارات "الحرية والديمقراطية والليبرالية الغربية".

تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قامت في الفترة من 1946-2000 بما لا يقل عن 81 تدخلا علنيا وسريا في الانتخابات الأجنبية. ووفقا لدراسة أخرى شاركت الولايات المتحدة في 64 محاولة سرية وست محاولات علنية لتغيير الأنظمة حول العالم خلال الحرب الباردة.

ويقول محللون إن أصدقاء روسيا اليوم يواجهون أوقاتا عصيبة، من الاغتيالات والمؤامرات حتى الثورات الملونة والانقلابات. 

المصدر: RT

المصدر: RT Arabic

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبي الاستخبارات المركزية الأمريكية البيت الأبيض الحرب على غزة الكرملين انقلاب ايفو موراليس حلف الناتو رجال المخابرات فلاديمير بوتين قطاع غزة لويس آرسي هجمات إسرائيلية الولایات المتحدة إیفو مورالیس إلا أن

إقرأ أيضاً:

بعد قطيعة على خلفية حرب غزة.. بوليفيا وإسرائيل تستأنفان العلاقات الدبلوماسية

وكانت الحكومة البوليفية اليسارية برئاسة إيفو موراليس قد قطعت العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في عام 2009 خلال الحرب التي استمرت ثلاثة أسابيع، وأُعيدت العلاقات في 2019 قبل أن تُقطع مرة أخرى بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس.

وقّع وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر ونظيره البوليفي فرناندو أرمايو الاتفاق بحضور وزير المالية والاقتصاد البوليفي خوسيه غابرييل إسبينوزا، في خطوة اعتبرها ساعر تاريخية في مسار العلاقات بين البلدين.

وقال ساعر في بيان رسمي: "اليوم ننهِي فصلاً طويلاً وغير ضروري من الانقطاع بين بلدينا، يسرني أن أعلن أن إسرائيل وبوليفيا تعيدان العلاقات الدبلوماسية".

وكانت الحكومة البوليفية اليسارية برئاسة إيفو موراليس قد قطعت العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في عام 2009 خلال الحرب التي استمرت ثلاثة أسابيع، وأُعيدت العلاقات في 2019 قبل أن تُقطع مرة أخرى بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس.

حكومة بوليفيا الجديدة تتجه نحو تعزيز العلاقات مع إسرائيل

الحكومة البوليفية الجديدة بقيادة الرئيس رودريغو باز، الذي تولى منصبه في نوفمبر، تسعى لتعزيز العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة. ويُعرف باز بانتمائه للوسط اليميني، وفوزه يمثل أول انتخاب لرئيس غير يساري في بوليفيا منذ ما يقارب عقدين.

وفاز باز، وهو سيناتور عن الحزب الديمقراطي المسيحي، بنسبة 54.5% من الأصوات متفوقاً على منافسه المحافظ خورخي "توتو" كويروغا، لكنه لا يملك الأغلبية في البرلمان، مما يتطلب تشكيل تحالفات لضمان إدارة فعالة للحكم.

Related جدعون ساعر: مهتمون بتوسيع التطبيع مع لبنان وسوريا لكن الجولان سيبقى جزءا من إسرائيلإسرائيل ترد على إعلان الاتحاد الأوروبي تعليق المدفوعات الثنائية.. ساعر: "تصرف غير مقبول بين الشركاء"وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر: اعتراف فرنسا بدولة فلسطين سيكون مكافأة للإرهاب تسهيلات جديدة للمواطنين الإسرائيليين

وأكد ساعر أنه تم الاتفاق على إلغاء متطلبات التأشيرة للمواطنين الإسرائيليين الراغبين في زيارة بوليفيا، مضيفاً: "أعلم أن آلاف الإسرائيليين سيعودون لزيارة هذا البلد الجميل كل عام".

كما أعلن عن تعيين سفير لإسرائيل لدى بوليفيا في المستقبل القريب، وكشف عن خطط للتعاون الاقتصادي بين البلدين في القطاعين العام والخاص، مشدداً على أن "تعزيز العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية يعد هدفاً رئيسياً في سياستي الخارجية لعام 2026".

اتفاق على تعزيز التعاون الثقافي والاقتصادي

وجاء في نص الاتفاق أن هذه الخطوة تأتي تحت "فرصة تاريخية للانضمام إلى جهد مشترك لتعزيز مستقبل أكثر استقراراً وأماناً وازدهاراً لصالح شعبي البلدين".

وأشار الاتفاق إلى رغبة الشعب البوليفي في استكشاف التراث الثقافي والديني لإسرائيل، في حين سيستفيد الإسرائيليون من اكتشاف جمال بوليفيا الطبيعي الخلاب، وتقاليدها الثقافية الغنية، وكرم ضيافتها.

وتضمن الاتفاق أن "دولة إسرائيل و بوليفيا ستستأنفان العلاقات الدبلوماسية الكاملة وتعيّنان سفراء بالنيابة عنهما في أقرب وقت ممكن".

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • فلوس بدون مجهود.. شهادات البنك الأهلي المصري كلمة السر
  • الولايات المتحدة ترحب بإعادة بوليفيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل
  • لغز انفجار عقار إمبابة: الأدلة الجنائية تبحث عن "كلمة السر"
  • روسيا تؤكد تمسكها باتفاقيات سلام «قوي ومستدام»
  • بوادر أزمة بين بنين وتوغو.. هل تورطت الأخيرة في الانقلاب الفاشل؟
  • بنين تطالب بتسليم تيجري.. زعيم الانقلاب الفاشل يهرب إلى توجو
  • زعيم الانقلاب الفاشل في بنين يفر إلى توغو المجاورة
  • اعتقال الرئيس البوليفي السابق في قضية فساد
  • اعتقال الرئيس البوليفي السابق لويس آرسي
  • بعد قطيعة على خلفية حرب غزة.. بوليفيا وإسرائيل تستأنفان العلاقات الدبلوماسية