الأحداث الجارية داخليا وخارجيا تدفع للتفكير فى حالة المزاج العام فى مصر والدول العربية، ومدى الاستجابة لها والتعاطى معها. تتضافر العوامل خارجيا وداخليا وحتى مناخيا وكرويًا لتعكر مزاج المصريين العام. هناك العديد من العوامل المؤثرة فى تشكيل وتوجيه المزاج العام. على رأس هذه العوامل ومقدمتها، العوامل الاقتصادية والمناخ السياسى، الدور الذى تلعبه وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى، ونمط الثقافة السياسية السائدة، ثم الحرب النفسية والشائعات وما تلعبه من دور فى استثارة وتحفيز المشاعر السلبية.
العلم النظرى يقول إن للمزاج العام فى أى مجتمع حالتان: حالة إيجابية تتمثل فى الشعور بالأمل، والسعادة، والتفاؤل، والرضا العام، والاطمئنان والقدرة على الإنجاز، وفى المقابل، هناك الحالة السلبية، حيث الشعور بالإحباط، أو عدم الرضا، أو الشعور بالحزن والقلق، أو عدم الارتياح والخوف.
هنا يجب الإقرار إن هناك حالة من المزاج العام السلبى تحيط بالمصريين وهى حالة مبررة لأسبابها المعروفة للجميع، كهرباء – تضخم.. إلى أخر هذه المشاكل والتداعيات، وهى مشاكل لا يمكن التغاضى عنها أو تجاهلها، وهنا ننتقل للعامل الثانى المؤثر فى تشكيل المزاج العام، وهو المناخ السياسى، ومدى استجابة المناخ السياسى ومكوناته (حكومة – برلمان – أحزاب سياسية – مجتمع مدنى) للمزاج العام سواء من خلال آلية الإحلال عبر تغيير السياسات القديمة بسياسات جديدة أو مسئولين جدد، أو إعادة صياغة أجندة الحكومة وقرارتها السياسية، وأن تكون الأجندة الجديدة أكثر احتواءً لحالة المزاج العام الجديد. الدكتور محمد كمال أستاذ العلوم السياسية قال فى مقال سابق جاء تحت نفس العنوان «المزاج العام»، أن السياسى الناجح هو الذى يدرك حقيقة المزاج العام، وطبيعة التغيير المستمر الذى يشهده، ويتبنى القرارات التى تتوافق معه. وأنا أتفق معه تماما فى هذا الرأى. فكيف جاءت استجابة المناخ السياسى لموجة المزاج العام السلبى الحالية؟
الحكومة وعبر رئيسها الدكتور مصطفى مدبولى وبناء على توجيهات رئاسية كالعادة، بدأت فى التعاطى والاستجابة لمزاج المصريين العام السلبى خاصة فيما يتعلق بأزمة الكهرباء وتخفيف الأحمال، من خلال عقد اجتماع وزارى موسع، وإصدار قرارات هامة تتعلق بأزمة الكهرباء الحالية مع التركيز على إنهاء الأزمة تماما فى أقرب وقت ممكن. وأعلنت عن تدابير عاجلة نأمل أن تخفف من حدة الأزمة، وهى استجابة إيجابية فى مضمونها تعنى أن الحكومة وأجهزتها قادرة على استشعار وقياس الرأى والمزاج العام. لكن يبقى تكامل وتفاعل الأدوار حكومة، وبرلمان، أحزاب سياسية، ومجتمع مدنى. كل فى دوره، وكل بأدواته وآلياته المتنوعة. ومع الأسف ألقينا جميع الأعباء على عاتق الرئيس حتى عبأ الشرح والتفسير والتوضيح فى مختلف القضايا والموضوعات.
مع كتابة ونشر هذه السطور نستقبل حكومة جديدة بأهداف ودوافع وتطلعات جديدة، أرجو أن يكون فى مقدمة مهامها العمل على تحسين المزاج العام للمصريين فى مختلف القضايا المعيشية، وأن يكون بيان الحكومة الجديدة أمام البرلمان روشتة إصلاح تشتمل على سياسات وخطط محددة بخطوات سريعة لتعاطى فاعل مع الأزمات الضاغطة. بالتوازى مع ذلك وبينما نحتفل بالذكرى الـ 11 لثورة 30 يونيو يجب أن يستمر الالتفاف حول مشروع دولة 30 يونيو، ذلك المشروع الوطنى الجامع، نعم قد يواجه ذلك المشروع تحديات، وعثرات، لكنه أيضا قدم نجاحات ووضع أسس ودعائم لدولة حديثة، واستكمال المشوار ضرورة لمستقبل أفضل لمصر والمصريين أولا وأخيراً.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المزاج العام د وليد عتلم الدول العربية وسائل التواصل الاجتماعي المزاج العام
إقرأ أيضاً:
المزاج الانتخابي يتغير.. لماذا يخسر ترامب جزءًا من مؤيديه؟
مع انطلاق ولايته الثانية، دخل دونالد ترامب البيت الأبيض مدعومًا بزخم غير مسبوق، بعد انتخابات 2024 التي حصد فيها مستويات تاريخية من التأييد، لكن هذا المشهد لم يلبث أن تبدّل، إذ بدأت مؤشرات التراجع تظهر تباعًا، ومعها بدأ التحالف الذي حمل ترامب إلى الفوز يبدو أقل تماسكًا مما كان عليه.
اليوم، لا يقتصر التآكل على الأرقام فقط، بل يتجلى أيضًا في الانقسامات داخل فضاء المؤثرين والداعمين له عبر الإنترنت، وفي غضب ناخبين عبّروا عنه في انتخابات محلية امتدت من نيوجيرسي إلى تينيسي.
وبحسب تقرير لموقع "فوكس" الأمريكي، ثمة ثلاث نظريات رئيسية تتداولها استطلاعات الرأي والفاعلون السياسيون لتفسير هذا التراجع، تشكل إطارًا لفهم ما يجري في أوساط مؤيدي ترامب.
1. نظرية الناخبين "منخفضي الإقبال"تنطلق هذه النظرية من فرضية أن انخفاض مستويات التأييد لترامب يُعزى أساسًا إلى طبيعة الناخبين الذين استقطبهم في العام 2024: ناخبون مستقلون "منخفضو الإقبال"، أقل ارتباطًا بالسياسة، أصغر سنًا وأكثر تنوعًا عرقيًا، ويتأثرون بالظروف العامة أكثر من متابعتهم اليومية للأخبار أو الفضائح السياسية.
باتريك روفيني، الشريك المؤسس لشركة "إيشيلون إنسايتس"، والمستطلع والاستراتيجي الجمهوري، ومؤلف كتاب "حزب الشعب" الصادر عام 2023، يرفض فكرة أن حركة "ماغا" نفسها تتفكك. برأيه، الكثير من الخلافات داخل الحزب الجمهوري، بما فيها الصدامات العلنية بين ترامب وبعض الشخصيات الجمهورية، تعكس انشغالًا نخبويًا منفصلًا عن واقع الناخبين. ويؤكد أن مستوى الدعم داخل القاعدة الأساسية لترامب بقي مرتفعًا منذ يناير.
ويرى روفيني أن الانخفاض في الأرقام العامة يأتي أساسًا من مستقلين "منخفضي الإقبال" صوّتوا لترامب في 2024، لكنهم غير منخرطين سياسيًا، لا يتابعون الأخبار بانتظام، ويشعرون بتأثيرات الإدارة بشكل عابر. وبما أنهم ناخبون متأرجحون بطبيعتهم، فإن نسب التأييد العامة تتقلب معهم، على نحو مشابه لما يحدث مع فئات شابة لم تطور بعد ارتباطات حزبية راسخة.
تربط هذه المقاربة تراجع شعبية ترامب مباشرة بالاقتصاد وكلفة المعيشة، معتبرة أن الرئيس يخسر تأييد فئات وضعت "القدرة على تحمّل التكاليف" في صدارة أولوياتها، وأن التحول السياسي لديها انعكاس مباشر للضغوط الاقتصادية.
لاكشيا جاين، محلل الانتخابات ورئيس قسم البيانات في منصة ذا أرجومنت، يشير إلى أن تقلب هؤلاء الناخبين ليس عشوائيًا، بل تحركه الضغوط المعيشية. ففي استطلاعات أجراها لصالح "ذا أرجومنت"، سُجلت مكاسب للديمقراطيين مقابل خسائر لترامب بين غير البيض، ومن هم دون 45 عامًا، وغير الحاصلين على تعليم جامعي، ما يوحي بأن موجة 2026 المحتملة قد تعكس نمط انتخابات 2018.
وتظهر كلفة المعيشة هنا كعامل حاسم: ستة من كل عشرة ناخبين صنفوها ضمن أهم قضيتين في حياتهم، ومعها تتزايد مشاعر الاستياء من طريقة تعامل ترامب مع الملف. ووفق تقديرات جاين، انتقلت فئة الناخبين الذين يضعون كلفة المعيشة ضمن أولويتين من دعم ترامب بفارق ست نقاط إلى عدم الموافقة عليه بفارق 13 نقطة، وهو التحول الأكبر بين مختلف الفئات.
الاستطلاعات تكشف أيضًا أن حتى الجمهوريين غير راضين عن الوضع الاقتصادي، ومنقسمون حول تحميل ترامب المسؤولية، فيما يعبّر الناخبون عن مشاعر سلبية واسعة حيال ارتفاع أسعار الغذاء والسكن والخدمات والرعاية الصحية. هذا السياق يفسر تحولات في مواقف اللاتينيين والشباب الذين رأى بعضهم في ترامب خيارًا لمرة واحدة لتحسين أوضاعهم، قبل أن يتجهوا نحو الديمقراطيين حين لم يلمسوا تحسنًا ملموسًا.
تذهب النظرية الثالثة إلى أبعد من مسألة الانخراط السياسي أو الاقتصاد، لتفترض وجود شريحة داخل التحالف الجمهوري صوّتت لترامب في 2024، لكنها لا تشبه القاعدة التقليدية للحزب، وقد لا تبقى ضمن التحالف مستقبلًا.
تعتمد هذه القراءة على دراسة لمعهد مانهاتن المحافظ، تقسم تحالف ترامب إلى "جمهوريين أساسيين" يشكلون نحو ثلثي القاعدة، وهم محافظون ثابتون يتبنون ركائز "ماغا"، وإلى "منضمين جدد" يشكلون نحو 30%، يحملون آراء تتصادم مع الأغلبية المتشددة داخل الحزب.
بحسب جيسي آرم، مؤلف دراسة معهد مانهاتن، هؤلاء المنضمون الجدد أصغر سنًا وأكثر تنوعًا عرقيًا، وأكثر احتمالًا لأن يكونوا قد صوّتوا للديمقراطيين في مراحل قريبة. وهم أقل محافظة في ملفات عدة، إذ يؤيدون حقوق الإجهاض، ويدعمون أجندة أكثر انفتاحًا للهجرة، ويتبنون مواقف اجتماعية أكثر تقدمية، فيما تعارض غالبية منهم الرسوم الجمركية.
70% من الجمهوريين الأساسيين سيصوّتون "بالتأكيد" لمرشح جمهوري في انتخابات 2026، مقابل 56% فقط من المنضمين الجدد دراسة لمعهد مانهاتنويصف آرم هذه الفئة بأنها تضم ناخبين انتقلوا من أوباما إلى ترامب أو من بايدن إلى ترامب، وأن سياساتهم تمتد "على كامل الخريطة". كما يلفت إلى تداخلها مع الفئتين السابقتين، من حيث الاهتمام بالقدرة على تحمّل التكاليف، انخفاض الانخراط السياسي، السن الأصغر، واحتمال أعلى لأن تضم ناخبين من السود أو اللاتينيين وجمهوريين جدد.
والمؤشر الأكثر دلالة على أن هذه الشريحة أقل استعدادًا للبقاء ضمن الصف الجمهوري مستقبلًا هو ما أشرات إليه الدراسة من أرقام: 70% من الجمهوريين الأساسيين سيصوّتون "بالتأكيد" لمرشح جمهوري في انتخابات 2026، مقابل 56% فقط من المنضمين الجدد، ما يفتح الباب أمام تساؤلات أوسع حول مستقبل التحالف الذي حمل ترامب إلى السلطة.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة