يتبع بنك إنجلترا المركزي سياسة واقعية وصريحة جداً حيال التعاطي مع الموجة التضخمية الراهنة. 
كان حاكم هذا البنك أندرو بيلي واضحاً جداً عندما أعلن، أن الوقت مازال مبكراً لإعلان الانتصار على التضخم. 
وقال بوضوح، إن «الميل الأخير سيتطلب فترة مطولة من أسعار الفائدة التقييدية». والتشديد النقدي في هذه المرحلة ليس بالطبع حكراً على المملكة المتحدة.

فهو السلاح الوحيد في الساحة لمواجهة ارتفاع أسعار المستهلك هنا وهناك، بصرف النظر عن الانعكاسات السلبية له على النمو. 
ما يهم المشرعين عموماً، أن تبقى الاقتصادات التي يشرفون عليها خارج نطاق الركود، وإن طالت فترة التباطؤ لسنوات. 
على الساحة البريطانية، الأمر يبدو أكثر تعقيداً منه في الساحات الاقتصادية المشابهة في أوروبا وأميركا الشمالية. 
لا يزال التضخم في بريطانيا الأعلى بالمقارنة مع هذه الاقتصادات، كما أن الآثار السلبية الكبيرة التي تركتها فترة حكم رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس القصيرة، أضافت مزيداً من الضغوط، خصوصاً على الجانب الخاص بالقروض السكنية، حيث يشكل القطاع العقاري محوراً رئيسياً ضمن الاقتصاد المحلي، ناهيك عن تبعات قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست»، بآثاره التراكمية منذ عام 2016، إلى أن دخل قبل عامين قيد التنفيذ النهائي. 
فوفق الأرقام الرسمية، فقد أسفر «بريكست» عن رفع الأسعار في المملكة المتحدة بمعدل 4%، ما يفسر بقاء التضخم في هذا البلد عند مستويات أكبر منها في بلدان الاتحاد الأوروبي، ولاسيما الدول ضمن منطقة اليورو. 
بلغ بريطانيا 8% على أساس سنوي، وسجل في منطقة اليورو 6%، في حين انخفض في الولايات المتحدة إلى 3%. وهذه النسبة الأخيرة، قريبة جداً من الحد الأعلى الرسمي للتضخم عند 2%.
لم يكن أمام بنك إنجلترا المركزي في مراجعته الأخيرة للفائدة العامة، إلا زيادتها بنسبة ربع نقطة لتصل إلى 5.25 نقطة. وبذلك بلغت أعلى مستوى لها منذ 15 عاماً، بينما كانت هذه الزيادة هي الـ 14 على التوالي. 
الضغوط الآتية من التشديد النقدي، رفعت من أعباء القروض على كاهل الأسر في البر البريطاني ككل. 
مع الأخذ في الاعتبار أن البلاد تستعد في العام المقبل لانتخابات عامة، ترجح كل التوقعات أن يخسرها حزب المحافظين الحاكم، لحساب حزب العمال المعارض، أو حتى لحساب ائتلاف قد يتشكل بين العمال وحزب الأحرار. ما يهم الحكومة حالياً، هو تخفيف ما أمكن من هذه الأعباء، في الوقت الذي لا يمكنها أن توقف سياسة البنك المركزي المتشدد حيال الفائدة؛ لأن قرار هذا البنك مستقل تماماً عن وزارة المالية في البلاد. 
المصاعب الاقتصادية الراهنة قوية في غالبية البلدان، وليس في بريطانيا فقط، ومعالجة هذه المصاعب، لا يمكن أن تتحقق إلا عبر رفع تكاليف الاقتراض، خصوصاً عندما يصل التضخم في المملكة المتحدة إلى أربعة أضعاف الحد المستهدف عند 2%. لا شك في أن الفترة الحالية ستمر، ولكنها ستترك تكاليف باهظة على المدى البعيد، خصوصاً مع تجاوز ديون بريطانيا ناتجها المحلي الإجمالي.

أخبار ذات صلة محمد كركوتي يكتب: تشديد نقدي أوروبي لا يتوقف محمد كركوتي يكتب: ضغوط الفائدة على البلدان النامية

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: بنك إنجلترا المركزي كلام آخر

إقرأ أيضاً:

د. وليد محمد الحنفي يكتب: الزراعة النظيفة المستدامة هي الحل

تعتبر النظم الغذائية الصحية والمستدامة والشاملة أمراً بالغ الأهمية لتحقيق الأهداف الإنمائية للعالم.

والتنمية الزراعية هى واحدة من أقوى الأدوات لإنهاء الفقر المدقع، وتعزيز الرخاء لدول العالم، وإطعام 10 مليارات شخص وهو تعداد العالم المتوقع بحلول عام 2050.

والنمو فى قطاع الزراعة أكثر فاعلية بمقدار من مرتين إلى أربع مرات فى زيادة الدخول بين أفقر الناس مقارنة بالقطاعات الأخرى.

وتلعب الزراعة أيضاً دوراً حاسماً فى النمو الاقتصادى: فهى تمثل 4% من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، وفى بعض أقل البلدان نمواً، يمكن أن تمثل أكثر من 25% من الناتج المحلى الإجمالى.

ولكن النمو القائم على الزراعة، والحد من الفقر، والأمن الغذائى معرض للخطر، فالصدمات المتعددة من الاضطرابات المرتبطة بكوفيد-19 إلى الطقس المتطرف والآفات والصراعات الجيوسياسية والاقتصادية تؤثر على أنظمة الغذاء.

والهدف المتمثل فى إنهاء الجوع العالمى بحلول عام 2030 بعيد المنال حالياً.

والصراعات وتغير المناخ وارتفاع أسعار المواد الغذائية تدفع إلى انعدام الأمن الغذائى، وتدفع الملايين إلى الفقر المدقع، وتعكس مكاسب التنمية التى تحققت بشق الأنفس، ويواجه نحو ربع مليار شخص الآن انعدام الأمن الغذائى الحاد.

ومن الممكن أن يؤدى التأثير المتزايد لتغير المناخ إلى خفض إنتاجية المحاصيل بشكل أكبر، خاصة فى المناطق الأكثر معاناة من انعدام الأمن الغذائى فى العالم.

وفى الوقت نفسه، فإن أنظمتنا الغذائية مسئولة عن حوالى 30٪ من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحرارى العالمى.

كما تهدد أنظمة الغذاء الحالية صحة الناس والكوكب وتولد مستويات غير مستدامة من التلوث والنفايات، غير أن ثلث الغذاء المنتج على مستوى العالم إما يضيع أو يهدر بدون استغلاله.

وإن معالجة فقدان الغذاء وهدره أمر بالغ الأهمية لتحسين الأمن الغذائى، فضلاً عن المساعدة فى تحقيق أهداف المناخ والحد من الضغوط على البيئة.

إن المخاطر المرتبطة بالأنظمة الغذائية والاغذية السيئة الملوثة ببقايا الملوثات المستخدمة فى الزراعة التقليدية بدون ضوابط هى أيضاً السبب الرئيسى للوفاة فى جميع أنحاء العالم، فملايين الأشخاص إما لا يأكلون ما يكفى أو يأكلون أنواعاً خاطئة من الطعام، ما يؤدى إلى عبء مزدوج من سوء التغذية يمكن أن يؤدى إلى الأمراض والأزمات الصحية.

وكذلك يمكن أن يؤدى انعدام الأمن الغذائى إلى تفاقم جودة النظام الغذائى وزيادة خطر الإصابة بأشكال مختلفة من سوء التغذية، مما قد يؤدى إلى نقص التغذية وكذلك زيادة الوزن والسمنة لدى الناس، وتشير التقديرات إلى أن 3 مليارات شخص فى العالم لا يستطيعون تحمل تكاليف نظام غذائى صحى.

ففى ضوء كل ما سبق يجب أن نتوجه إلى تحسين الإنتاج الزراعى المستدام بطرق سليمة مما يوفر المحاصيل الزراعية كماً وكيفاً ويساعد فى الحد من الفجوة الغذائية عالمياً وعربياً ومصرياً وهو ما توفره الزراعة العضوية والتى لها دور كبير فى الإنتاج النظيف سوف نتناوله فى مقال لاحق إن شاء الله.

* أستاذ مساعد

بمعهد بحوث زراعة الأراضى القاحلة

مقالات مشابهة

  • ما الذي يؤدي إلى انتعاش صافي احتياطيات البنك المركزي التركي
  • معدل التضخم في روسيا يسجل أعلى مستوى منذ فبراير 2023
  • ارتفاع الاحتياطيات فى روسيا 3.4 مليار دولار خلال أسبوع
  • «QNB» يتوقع بدء البنك المركزي الأوروبي في تنفيذ دورة التيسير النقدي
  • الملك محمد السادس يرسل برقية إلى ملك بريطانيا
  • التضخم في روسيا يعاود الارتفاع إلى 8.3% في مايو
  • د. وليد محمد الحنفي يكتب: الزراعة النظيفة المستدامة هي الحل
  • أحمد ياسر يكتب: الاتفاق النووي الأمريكي السعودي: التداعيات الإقليمية
  • الذهب يتجه لأول مكسب أسبوعي في 4 أسابيع وسط تباطؤ التضخم بأمريكا
  • التوقعات بخفض أسعار الفائدة الأمريكية ترفع أسعار الذهب