محمد كركوتي يكتب: التشديد النقدي البريطاني لن يتوقف
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
يتبع بنك إنجلترا المركزي سياسة واقعية وصريحة جداً حيال التعاطي مع الموجة التضخمية الراهنة.
كان حاكم هذا البنك أندرو بيلي واضحاً جداً عندما أعلن، أن الوقت مازال مبكراً لإعلان الانتصار على التضخم.
وقال بوضوح، إن «الميل الأخير سيتطلب فترة مطولة من أسعار الفائدة التقييدية». والتشديد النقدي في هذه المرحلة ليس بالطبع حكراً على المملكة المتحدة.
ما يهم المشرعين عموماً، أن تبقى الاقتصادات التي يشرفون عليها خارج نطاق الركود، وإن طالت فترة التباطؤ لسنوات.
على الساحة البريطانية، الأمر يبدو أكثر تعقيداً منه في الساحات الاقتصادية المشابهة في أوروبا وأميركا الشمالية.
لا يزال التضخم في بريطانيا الأعلى بالمقارنة مع هذه الاقتصادات، كما أن الآثار السلبية الكبيرة التي تركتها فترة حكم رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس القصيرة، أضافت مزيداً من الضغوط، خصوصاً على الجانب الخاص بالقروض السكنية، حيث يشكل القطاع العقاري محوراً رئيسياً ضمن الاقتصاد المحلي، ناهيك عن تبعات قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست»، بآثاره التراكمية منذ عام 2016، إلى أن دخل قبل عامين قيد التنفيذ النهائي.
فوفق الأرقام الرسمية، فقد أسفر «بريكست» عن رفع الأسعار في المملكة المتحدة بمعدل 4%، ما يفسر بقاء التضخم في هذا البلد عند مستويات أكبر منها في بلدان الاتحاد الأوروبي، ولاسيما الدول ضمن منطقة اليورو.
بلغ بريطانيا 8% على أساس سنوي، وسجل في منطقة اليورو 6%، في حين انخفض في الولايات المتحدة إلى 3%. وهذه النسبة الأخيرة، قريبة جداً من الحد الأعلى الرسمي للتضخم عند 2%.
لم يكن أمام بنك إنجلترا المركزي في مراجعته الأخيرة للفائدة العامة، إلا زيادتها بنسبة ربع نقطة لتصل إلى 5.25 نقطة. وبذلك بلغت أعلى مستوى لها منذ 15 عاماً، بينما كانت هذه الزيادة هي الـ 14 على التوالي.
الضغوط الآتية من التشديد النقدي، رفعت من أعباء القروض على كاهل الأسر في البر البريطاني ككل.
مع الأخذ في الاعتبار أن البلاد تستعد في العام المقبل لانتخابات عامة، ترجح كل التوقعات أن يخسرها حزب المحافظين الحاكم، لحساب حزب العمال المعارض، أو حتى لحساب ائتلاف قد يتشكل بين العمال وحزب الأحرار. ما يهم الحكومة حالياً، هو تخفيف ما أمكن من هذه الأعباء، في الوقت الذي لا يمكنها أن توقف سياسة البنك المركزي المتشدد حيال الفائدة؛ لأن قرار هذا البنك مستقل تماماً عن وزارة المالية في البلاد.
المصاعب الاقتصادية الراهنة قوية في غالبية البلدان، وليس في بريطانيا فقط، ومعالجة هذه المصاعب، لا يمكن أن تتحقق إلا عبر رفع تكاليف الاقتراض، خصوصاً عندما يصل التضخم في المملكة المتحدة إلى أربعة أضعاف الحد المستهدف عند 2%. لا شك في أن الفترة الحالية ستمر، ولكنها ستترك تكاليف باهظة على المدى البعيد، خصوصاً مع تجاوز ديون بريطانيا ناتجها المحلي الإجمالي. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: بنك إنجلترا المركزي كلام آخر
إقرأ أيضاً:
السرطان يكلف بريطانيا 14 مليار دولار سنوياً.. وفاة الشباب تهدد الإنتاجية الوطنية
تكبد الاقتصاد البريطاني خسائر ضخمة تصل إلى نحو 14 مليار دولار سنوياً بسبب الوفاة المبكرة الناتجة عن مرض السرطان، وفق تحليل حديث أجرته فرق بحثية متخصصة من مركز أبحاث السرطان في المملكة المتحدة.
وركز التحليل على حساب الأثر الاقتصادي من خلال تقدير سنوات العمل المفقودة بسبب السرطان، إلى جانب القيمة الاقتصادية التي كان من المتوقع أن يحققها الأشخاص المتوفون لولا المرض.
وأظهر البحث أن الفئة العمرية بين 25 و49 سنة هي الأكثر تأثيراً على الاقتصاد بسبب وفاة الشباب الذين يشكلون جزءاً كبيراً من القوة العاملة والإنتاجية في البلاد.
ووفق البحث، تبلغ تكلفة الوفاة المبكرة في هذه الفئة العمرية نحو 3.2 مليار جنيه استرليني سنوياً، ما يعكس الخسائر الكبيرة في الناتج الاقتصادي الوطني نتيجة لتوقف إنتاجية هؤلاء الأفراد، ويُعد هذا الرقم مؤشراً صادماً على حجم التأثير الاقتصادي للسرطان خارج نطاق الصحة المباشرة.
وبحسب النتائج، على صعيد أنواع السرطان، يتصدر سرطان الرئة قائمة الأمراض الأكثر كلفة للاقتصاد البريطاني، حيث يُقدّر تأثيره المالي بنحو 1.7 مليار جنيه استرليني سنوياً، مع فقدان 54 ألف سنة من سنوات الإنتاجية البشرية، يليه سرطان الأمعاء الذي يكلف الاقتصاد حوالي 1.2 مليار جنيه استرليني مع خسارة 39 ألف سنة إنتاجية، ثم سرطان الدماغ بقيمة 0.75 مليار جنيه استرليني و26 ألف سنة إنتاجية مفقودة، وأخيراً سرطان البنكرياس الذي يسبب خسائر بنحو 0.61 مليار جنيه استرليني مع 20 ألف سنة مفقودة من الإنتاجية.
وفي ظل هذه الخسائر، تدعو الجهات المختصة إلى تبني استراتيجيات وطنية شاملة تتضمن برامج توعية صحية، تعزيز أنظمة الفحص المبكر، وتوفير الدعم اللازم للمرضى وأسرهم، بهدف تقليل الأعباء الاقتصادية والاجتماعية التي يفرضها السرطان على بريطانيا.
وتأتي هذه الدراسة في وقت تواجه فيه المملكة المتحدة تحديات اقتصادية أخرى، منها تراجع إنتاج السيارات لمستويات غير مسبوقة منذ عقود، واضطرابات في الأسواق المالية والتضخم، مما يزيد من أهمية معالجة القضايا الصحية ذات الأثر الاقتصادي المباشر.
بريطانيا.. إنتاج السيارات يسجل أدنى مستوى منذ 76 عامًا وسط أزمات تجارية وضغوط جمركية
تراجعت وتيرة إنتاج السيارات في المملكة المتحدة بشكل حاد خلال مايو الماضي، مسجلة انخفاضًا للشهر الخامس على التوالي، في مؤشر واضح على التحديات المتزايدة التي تواجهها الصناعة، والتي ازدادت حدتها بفعل السياسات التجارية الأميركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب، والتي تُعد تهديدًا مباشراً لصناعة السيارات البريطانية.
وكشفت بيانات حديثة صادرة عن “جمعية مصنعي وتجار السيارات البريطانية” (SMMT) أن عدد السيارات والمركبات التجارية المنتجة في البلاد انخفض بنسبة 32.8% خلال شهر مايو، ليصل إلى 49,810 وحدة فقط، وهو أدنى مستوى يُسجل في هذا الشهر منذ عام 1949، باستثناء عام 2020 الذي شهد إغلاق المصانع بسبب جائحة كوفيد-19.
الانخفاض لم يقتصر على الإنتاج فقط، بل شمل أيضاً الشحنات إلى أكبر الأسواق الخارجية، حيث تراجعت الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 22.5%، وإلى الولايات المتحدة بنسبة 55.4% خلال نفس الفترة، ما يعكس تأثر الصناعة البريطانية بشكل كبير من الرسوم الجمركية وقيود التصدير.
وتأتي هذه التحديات في ظل فرض إدارة ترامب تعرفة جمركية بنسبة 25% على السيارات وقطع الغيار المستوردة إلى الولايات المتحدة بداية أبريل، مما دفع علامات تجارية بارزة مثل أستون مارتن وجاكوار لاند روفر إلى تعليق شحناتها مؤقتاً إلى السوق الأميركية، قبل أن يُعلن في مايو خفض هذه الرسوم إلى 10% لأول 100,000 سيارة سنوياً.
من جهته، أكد مايك هاوز، الرئيس التنفيذي لجمعية مصنعي وتجار السيارات البريطانية، أن 2025 كان عاماً مليئاً بالتحديات للقطاع، لكنه عبّر عن تفاؤله بإمكانات التعافي، معتبراً أن الاتفاقيات التجارية الجديدة، وخاصة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى جانب دعم الحكومة للصناعة، ستلعب دورًا محوريًا في دفع النمو الاقتصادي.
يُذكر أن قطاع السيارات يعد محركًا رئيسياً للتجارة الدولية في بريطانيا، حيث صدرت المملكة المتحدة العام الماضي سيارات بقيمة 9 مليارات جنيه إسترليني إلى الولايات المتحدة فقط، ما يمثل أكثر من 27% من إجمالي صادرات البلاد.
حتى الآن في 2025، انخفض إجمالي إنتاج السيارات في بريطانيا بنسبة 12.9% مقارنة بالعام السابق، مسجلاً أدنى مستوى له منذ عام 1953، وسط مخاوف من استمرار التراجع في ظل استمرار الضغوط التجارية والجمركية.
وتواجه صناعة السيارات العالمية تحديات متزايدة، تشمل اضطرابات سلاسل الإمداد، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وتراجع الطلب، غير أن الرسوم الجمركية الأميركية تُعد العامل الأكثر إلحاحًا الذي يهدد الاستقرار في القطاع البريطاني، وسط تحذيرات من أن استمرار هذه السياسات قد يؤدي إلى إغلاقات إضافية وفقدان آلاف الوظائف.
وفي هذا السياق، يواصل رئيس الوزراء كير ستارمر إطلاق مبادرات وخطط لدعم القطاع المتضرر، سعياً لتخفيف الأثر الاقتصادي السلبي، والحفاظ على مكانة بريطانيا كأحد أهم مراكز صناعة السيارات في أوروبا والعالم.