نشرت "واشنطن بوست" قصة عن رعاية أفيال صغيرة في محمية مبتكرة في كينيا، وكذلك حمايتها حتى يقوى عودها لتعود بعد ذلك إلى البرية لتعيش الحياة الطبيعية في الغابات والبراري بعد أن نشأت علاقة وثيقة بينها والحراس القائمين على أمرها.

كتب القصة المصورة الأميركية عامي فيتالي والكاتبة بالصحيفة رائيل أمبور المتخصصة في الاتصالات.

كاباي وقطيعها

أعيدت الفيلة "كاباي" وقطيعها هذا الشهر إلى البرية عقب سنوات قضتها في محمية كينية مبتكرة، بعد أن أعدّها حراسها للعيش بحرية.

كانت الفيلة "كاباي"، قبل أن يرصدها حراس الغابة أول مرة، تبلغ من العمر شهرا واحدا، وشوهدت تتجول في جميع أنحاء منطقة سامبورو بشمال كينيا، بدت حزينة ووحيدة. لم يتمكنوا من العثور على والدتها، ولكنهم رصدوا في مكانة قريب جثة فيل يعتقد أنه والدتها.

بعد أن أحضر رجال الإنقاذ الفيلة الصغيرة -التي سميت فيما بعد "كاباي"- إلى محمية ريتيتي للأفيال، أقامت صداقة وثيقة مع فيل صغير آخر اسمه ليموريجو انفصل عن والدته عندما أكمل شهرين فقط من عمره.

أحضرت 3 أفيال يتيمة أو مهجورة إلى ريتيتي في العامين التاليين لتشكل المجموعة قطيعا، وأصبحت "كاباي" أمهم الموثوق بها، وهو الدور الذي بدا أنه يأتي بشكل طبيعي بسبب عاطفتها وتوجيهها للآخرين. وطور الحراس ارتباطا خاصا بها.

الآن، بعد 6 سنوات، أطلق سراح "كاباي" و12 فيلا آخر في البرية.

ريتيتي التي أسست في عام 2016 هي أول محمية يملكها ويديرها أعضاء مجتمع سامبورو المحلي الذي ينقذ الأفيال الصغيرة اليتيمة والمهجورة ويعيد تأهيلها من أجل إعادتها إلى البرية، إذ تستضيفها "جمعية نامونياك للحفاظ على البيئة". تبلغ مساحة البرية البكر في نامونياك أكثر من 850 ألف هكتار.

قال ناصري لورونيوكي (28 عاما)، مدير الاتصالات في نامونياك، "للفيلة بصمات ثقافية قوية في مجتمع سامبورو، لذلك أراد قادة المجتمع مكانا آمنا للأيتام هنا".

أثبت نهج ريتيتي في رعاية الأفيال أنه مبتكر، فقد قام الحراس بتحسين صحة الحيوانات إلى حد كبير بالابتعاد عن الحليب المجفف وزيادة فرصها في البقاء على قيد الحياة في البرية عن طريق السماح لها بالنضوج لفترة أطول قبل إطلاقها.

وقالت حارسة الأفيال روسيا لينانيوكي (28 عاما) "نحن أمهاتهم وآباؤهم"، مضيفة أن "الهدف هو جعلها قوية ومستقلة حتى تتمكن من العودة إلى موائلها الطبيعية".

أفيال في حديقة سيرينجيتي بشمال تنزانيا أكبر محميات الحياة البرية في العالم (غيتي) توفير الحليب

بالمصادفة، قام الحراس في ريتيتي باكتشاف كبير قبل 4 سنوات.

عندما لا يكون لدى النساء في مجتمع السامبورو ما يكفي من الحليب بعد الولادة فإنهن تقليديا يعطين أطفالهن حليب الماعز. وكان بعض الحراس قد نشؤوا على حليب الماعز، ولذا جربوه على فيلة يتيمة اسمها سيرا، وقد ساعد في تحسن صحتها مع مرور الأيام، وكذلك صحة الأفيال الأخرى التي أعطيت لاحقا حليب الماعز.

توصلت كاتي رو التي عملت مع فريق التغذية إلى إضافات غذائية، وقالت إن معدل بقاء الأطفال قفز من 50% إلى 98%.

وقالت رو "ليس ذلك فحسب، فمئات الآلاف من الدولارات التي كانت تذهب إلى الشركات الأجنبية المتعددة الجنسيات تبقى الآن داخل المجتمع".

توفر نساء سامبورو ريتيتي ما يصل إلى 500 لتر من حليب الماعز يوميا. وقالت الحارسة هيدرينا ليتيوا (29 عاما) إنهم يريدون الأفضل للأفيال وخاصة الإناث منها، لأنه في ثقافة سامبورو تنتمي الحيوانات البرية إلى النساء.

نهج أكثر ذكاء

في الماضي يمكن أن تكون إعادة الأفيال إلى البرية مؤلمة، سواء للتجربة أو للمراقبة. كانوا يطلقون النار على الفيل بسهام بها مادة مهدئة للأعصاب، ثم يدفع الفيل في صندوق ينقل فيه طوال ساعات قبل إطلاقه في مكان جديد غير مألوف.

خلال إطلاق ريتيتي في السابق أفيالا يتيمة يبلغ عمرها نحو 4 سنوات أكلت الأسود اثنان منها، وتوفي آخر من الجوع.

هذه المرة، كان على ريتيتي أن تفعل ذلك بطريقة مختلفة.

تم تأجيل إعادة الإطلاق حتى نضجت الأفيال أكثر، وأصبحت أعمارها تراوح بين 7 و9 سنوات، ومن ثم أصبحت أكبر وأكثر قدرة على رعاية نفسها. ونفذ البرنامج "إطلاقا ناعما" في محمية نامونياك، بحيث يتفاعل قطيع "كاباي" مع الأفيال الأخرى في وقت مبكر ويصبح على دراية بالتضاريس وأماكن العثور على المياه.

أدت فترات الجفاف الطويلة بسبب تغير المناخ إلى ندرة المياه. لم تكن الأفيال تموت من العطش فحسب، فقد تيتّم كثير من صغار الأفيال لهذا السبب، ولكنها كانت تسقط أيضا في الآبار العميقة التي يضطر الناس إلى حفرها، عندما تكون هذه الأفيال الصغيرة منفصلة عن أمهاتها.

وطور الحراس علاقة خاصة بإطعام الأفيال على مر السنين. قالت الحارسة نعومي ليشونغورو "عندما تطعم حيوانا فإنه يبدأ في الإعجاب بك وأخيرا يشعر بالراحة إلى حد حبك، وعند تبادل الحب تصبح الحياة جميلة"، لكن هذه العلاقة يجب أن تنتهي، لذلك فطمت الأفيال تدريجيا عن حليب الماعز وأصبح الاتصال البشري محدودا.

الروابط العاطفية

كانت ليشونغورو من الحراس الأوائل الذين عملوا في ريتيتي وشاركت في رعاية "كاباي" و"ليموريجو". وكان أمناء القرية يعلمون أنها ستستخدم الوظيفة لمساعدة عائلتها الفقيرة، واختاروها حارسة عندما قرر المجتمع إنشاء ريتيتي.

قالت الحارسة إن الأفيال اليتيمة علمتها الهدوء، حتى في أسوأ لحظاتها، عندما كانت تفكر في شقيقها الذي اختفى منذ مدة طويلة. وأضافت "عوضتني الفيلة كثيرا مما فقدته، رؤيتها وهي سعيدة وحرة تجعل حياتي أفضل وتجعلني أكثر أملا بمستقبلي".

في الأيام التي سبقت الإطلاق، غنى ليشونغورو ودوروثي لواكوتوك لأفراد القطيع وربتا على ظهورها، واستمتعا باللحظات الأخيرة. وخاف الحراس على الأفيال، لكنهم أرادوا إعادتها إلى البرية حيث تنتمي.

وقال ليشونغورو "أنا أحبهم كلهم. قد يكون لدي من أفضله؛ الآباء يعرفون من يحبون أكثر، لكنهم لا يقولون. إنهم يصبحون جزءا منك عندما تنام بجانبهم، وتجهزهم للنوم وترعاهم. يبدو الأمر كأنه فراق لأطفالك".

في اليوم الأخير، مكثت ليشونغورو مع "كاباي"، ودلكت جلدها السميك.

نهاية وبداية

أخيرا، أطلق سراح "كاباي" وعشرات أخرى في قطيعها الأسبوع الماضي في 21 يونيو/حزيران المنصرم.

جاءت نساء سامبورو لحضور الحفل مرتديات الملابس التقليدية المزين بعضها بطبعات الفيل والمجوهرات المحلاة بالخرز حول أعناقهن. غنت النساء، ودعا أحد شيوخ القرية من أجل حماية الأفيال عندما غادرت المحمية. وهتف أفراد المجتمع، في انسجام تام، متضرعين لله للرد على صلواتهم.

اجتاز القطيع مسافات طويلة في الأيام التالية، مشى نحو 100 كيلومتر في اليومين الأولين، ووصل إلى غابة كبيرة بها مياه وطعام وفير واتصلت بقطيع بري آخر. راقب الحراس وأوصياء الأفيال تقدمها من كثب.

وبعد أسبوع آخر، انتقل قطيع "كاباي" إلى الجبال، بعيدا عن البشر بأمان. كان الطعام والماء وفيرا، وكان الفراق حلوا ومرا.

عندما حان الوقت لترك رعاية ريتيتي، انطلق ليموريجو ومعظم الأفيال الأخرى من الحجز دون النظر إلى الوراء. وكانت "كاباي" آخر من غادر، بقيت دقيقة تقريبا، بينما بكى الحراس من حولها. حاول الحراس دفعها إلى الخارج للانضمام إلى الآخرين، لكنها وقفت ساكنة. مدت خرطومها عاليا وأطلقت صوتا للوداع.

لوح ليشونغورو ولوكوتوك، بعيون دامعة.

وقالت ليشونغورو وهي تمسح دمعة "سوف أفتقدها. ستكون على ما يرام، أعلم أنها ستكون على ما يرام".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات إلى البریة

إقرأ أيضاً:

من الطفولة إلى النسيان.. لماذا لا نتذكر ذكرياتنا المبكرة؟

عادة ما تقتصر ذكريات الطفولة المبكرة لدى الغالبية العظمى من البشر على صور مشوشة لغرفة معيشة قديمة أو دمية ملونة أو حادث نجم عنه شعور بالألم.

ويتساءل علماء النفس عن السر وراء عدم قدرة العقل البشري، المهيئ للتعلم وجمع البيانات والمعلومات بشكل دائم، على اختزان الذكريات التي تعود إلى المراحل المبكرة من العمر.

وتشير الباحثة سارة باور، أخصائية طب النفس في مركز ماكس بلانك لأبحاث التطور البشري بألمانيا، إلى ضرورة الفصل من البداية ما بين فقدان ذاكرة الطفولة في مرحلة ما قبل ثلاث سنوات infantile amnesia، ومرحلة ما بين ثلاث إلى ست سنوات childhood amnesia.

وتقول إن القوارض يمكنها اختزان الذكريات في بداية العمر، ولكنها لا تستطيع استرجاعها بشكل إدراكي في سن النضج. وقد توصلت إلى هذه النتيجة عن طريقة رصد التغيرات في مستويات بروتينات المستقبلات داخل مخ بعض فئران التجارب، علما بأن هذه التغيرات هي التي تتيح للحيوان استرجاع الذكريات وإبداء سلوكيات متغيرة في ضوء هذه المعطيات.

وعلى عكس القوارض، من الممكن أن يتوجه الباحثون بسهولة إلى المتطوعين في التجارب لاستيضاح حجم ذكرياتهم عن مرحلة الطفولة، غير أن هذا النوع من التجارب ينطوي على نوع مختلف من التحديات، حيث قد تكون بعض هذه الذكريات زائفة في حقيقة الأمر، بمعنى أن الإنسان ينخدع بذكريات الآخرين ويعتقد أنها ذكرياته الخاصة.

وتشرح باور: "إذا ما شاهدت صورة فوتوغرافية لعيد ميلادك في عمر الثانية، أو استمعت إلى والديك وهما يتحدثان عن بعض الحوادث التي تعرضت أنت لها في تلك السن، قد تتكون لديك ذكريات غير حقيقية بشأن هذه الأحداث وتظن أنك تتذكرها بالفعل، وفي كل مرة تسترجع هذه الأحداث، فإنها تتحول إلى ذكريات راسخة في المخ".

وفي تصريحات للموقع الإلكتروني "بوبيولار ساينس" المتخصص في الأبحاث العلمية، تقول باور إنه لا توجد دراسات موثقة عن الأشخاص الذين يختزنون ذكريات الطفولة المبكرة ويستطيعون استرجاعها، وتوضح أن هذه المسألة تتطلب أنماطا معينة من تجارب طب النفس المركبة.

ومن أجل اختبار قدرة الأطفال دون الثانية على استرجاع الذكريات، قامت باور بتحويل مختبرها العلمي إلى غرفة للعب، حيث وضعت أربعة صناديق داخل الغرفة وأخفت دمية داخل أحد هذه الصناديق، واستخدمت جهاز عارض ضوئي (بروجيكتور) لعرض خلفيات مختلفة على جدران الغرفة، بحيث تبدو الغرفة كما لو كانت متنزه أو غابة كثيفة الأشجار أو جزء من قاع البحر وما إلى ذلك. وعلى حسب الخلفية المعروضة على الجدران، كان يتم وضع الدمية في صندوق معين بحيث يقترن الصندوق في ذهن الطفل بشكل الخلفية على الجدران عندما يعثر على الدمية. ويهدف هذا الاختبار إلى تحديد ما إذا كان الطفل سوف يتذكر الخلفية التي تقترن بكل صندوق عندما يقوم بتكرار التجربة في وقت لاحق.

وشارك في التجربة 360 طفلا تتراوح أعمارهم ما بين 18 و24 شهرا، وكان يتم تقسيم المتطوعين إلى مجموعات حسب طول الفارق الزمني ما بين الزيارة الأولى والثانية لغرفة اللعب وخوض تجربة العثور على الدمية داخل الصندوق، وذلك بقصد قياس مدى اتساع نطاق الذاكرة لدى الأطفال دون الثانية مع تقدمهم في العمر.

وتقول باور إن الهدف من هذا البحث هو تقييم الذاكرة العرضية لدى الأطفال، وهي الجزء من الذاكرة المختص بتسجيل الأحداث مثل حفلات أعياد الميلاد أو الرحلات مثلا، علما بأن فقدان الذاكرة الطفولي يؤثر فقط على هذه النوعية من الذكريات، لأن الإنسان لا يمكن أن ينسى ذكريات أخرى مثل تعلم السير والكلام على سبيل المثال، رغم أن هذه المهارات أو الخبرات يتم اكتسابها أيضا في مراحل مبكرة من العمر.

وتوصلت دراسة أخرى على الأطفال في المرحلة السنية من الثالثة إلى التاسعة إلى أن الأطفال في أعمار الخامسة والسادسة والسابعة يتذكرون نحو ستين بالمئة من الأحداث السابقة، في حين الأطفال في سن الثامنة والتاسعة يتذكرون أربعين بالمئة فقط من هذه الأحداث. وتبين أيضا أن طريقة حديث الكبار مع أطفالهم عن تلك الأحداث هي التي تحدد مدى استرجاع هذه الذكريات في مراحل لاحقة من العمر، بمعنى أنه عندما يطلب أولياء الأمور من أطفالهم سرد تفاصيل الأحداث التي تمر بهم، تترسخ تلك الذكريات لدى الأطفال بشكل أوضح.

وفي إطار التجربة استخدمت باور تقنية التخطيط الكهربائي للمخ electroencephalography لقياس الإشارات الكهربائية للمخ أثناء اختزان الذكريات. وكانت تجارب مماثلة قد استخدمت التصوير بالرنين المغناطيسي لقياس نشاط المخ بشكل غير مباشر أثناء اختزان أو استرجاع الذكريات لدى الأطفال في سن الثالثة.

واتضح من تلك التجارب أن الأطفال في الثالثة يختزنون الذكريات بالفعل، ولكنهم لا يستطيعون الإفصاح عن هذه الذكريات بسبب صغر سنهم، وهو ما يجعلهم لا يستطيعون تذكرها في الكبر.

وتتطرق باور إلى إحدى النظريات التي تشير إلى أنه نظرا لضرورة انتقال الانسان من مرحلة الاعتماد على الغير إلى مرحلة الاعتماد على النفس، فإن فقدان ذاكرة الطفولة يساعد في إحداث ما يعرف باسم "العودة إلى نقطة البداية" بحيث يتهيأ الشخص للدخول في مرحلة النضج. ورغم أنها قد لا تستطيع الوصول إلى إجابة حاسمة بشان أسباب فقدان ذاكرة الطفولة، تأمل باور أن يساعد هذا البحث في معرفة حدود ذكرياتنا المشوشة لفترة الطفولة بشكل أفضل.

مقالات مشابهة

  • احتفالات عاشوراء تحول ساحات وشوارع سلا والدار البيضاء إلى مظاهر فوضى واشتباكات مع الأمن(فيديو)
  • خافت تعمل عملية.. المطربة أمينة تكشف سر وفاة شقيقتها بعد 6 سنوات فراق
  • كيميتش: وفاة جوتا تؤثر على بايرن ميونخ أيضا
  • كيميتش: وفاة جوتا تؤثر على البايرن أيضاً!
  • العيدروس: الهلال غادر البطولة لكنه لم يغادر قلوب الجماهير
  • تقرير: وحش اليتم .. ينهش طفولة غزة تحت الأنقاض
  • مقتل 31 عسكريا إسرائيليا بـ"نيران صديقة" في الحرب البرية على غزة
  • خبير يدعو لإنقاذ الحيوانات البرية ونقلها من بركة العرايس إلى السدود
  • لماذا ننسى ذكريات الطفولة المبكرة؟
  • من الطفولة إلى النسيان.. لماذا لا نتذكر ذكرياتنا المبكرة؟