كيغالي- تمتاز رواندا، التي تعرف ببلاد الألف تلة، بغنى واضح في ثرواتها الزراعية، حيث لا يكاد يخلو معظم مساحتها التي تزيد على 26 ألف كيلومتر مربع، من غطاء أخضر أو منتج زراعي، هذا على ظاهر الأرض، أما باطنها فليس أقل ثراء.

ومع كثرة الحديث عن ثروات منطقة البحيرات الكبرى، وتوجّه أنظار الشركات العالمية إلى المعادن التي تدخل في التصنيع التكنولوجي، قامت الجزيرة نت بالتعرف على حجم إنتاج رواندا من المعادن وخاصة القصدير، من ناحية التنقيب والتكرير وحجم التجارة.

وتمتلك رواندا ثروة كبيرة من المعادن، من بينها القصدير والتنغستن والتنتالوم والليثيوم والذهب، وبعض العناصر النادرة والأحجار الكريمة، وتعد صادرات المعادن ثاني أكبر مصدر للعملة الأجنبية في البلاد بعد السياحة.

مصاهر مصفاة "لونا سميلتر" تتولى مهمة تكرير وتصفية المعادن المستخرجة (الجزيرة) منجم روتنغو

على مقربة من العاصمة كيغالي، زارت الجزيرة نت واحدا من أقدم مناجم القصدير في الدولة، والذي بدأ نشاطه قبل 100 عام مع اكتشاف الثروات في البلاد إبان الاستعمار البلجيكي. وتعاقبت على امتياز التنقيب فيه وإدارته شركات عدة، قبل أن يقوم مجموعة من المساهمين -من بينهم الحكومة الرواندية- قبل نحو عامين بإطلاق شركة "ترينتي ماتلز".

يمتد منجم روتنغو على مساحة 10 آلاف هكتار، وهي المساحة المرخّصة قانونا من قبل الدولة، إلا أن التنقيب والاستخراج يتم في موقع واحد حتى الآن. ويقول المدير العام إيفودو إيمينا في مقابلة مع الجزيرة نت، إن المساحة المستغلة من المنجم حتى الآن تتراوح بين 20 إلى 25% من المساحة الكلية، وتخطط الشركة لتوسيع عملياتها في مواقع إضافية تدريجيا.

ويعد المنجم ثالث أكبر مناجم القصدير في أفريقيا، ويشرح إيمينا الأهمية العالية لما يتم استخراجه، ويقول إن القصدير يدخل في جميع نواحي حياة الإنسان، ومع التقدم التكنولوجي بات مادة مهمة في صناعة الهواتف النقالة، وبطاريات السيارات الكهربائية، حيث لم تعد أهمية القصدير تقتصر على الصناعات البسيطة كعُلب الطعام.

وشكّلت السنوات القليلة الماضية نقلة نوعية في قطاع التعدين في رواندا، وتقدر مديرة كلية الجيولوجيا والتعدين جان مونغانيونكا، في حديث للجزيرة نت، أن يصل حجم صادرات المعادن هذا العام لنحو 1.5 مليار دولار، وهو رقم غير مسبوق في الاقتصاد المحلي، مقابل نحو مليار دولار عام 2022.

معايير السلامة والمنشأ

أشار تقرير صادر عن مجلس المعادن في رواندا في أبريل/نيسان من العام الماضي، أن قرابة 429 شخصا لقوا حتفهم في حوادث بمواقع تعدين غير مرخّصة بين عامي 2018 و2020.

وأضاف التقرير أن السلطات حددت 85 موقعا غير مرخص، وأنها تتخذ التدابير اللازمة لمحاسبة ومحاكمة المتورطين بعمليات تعدين غير قانونية، بينما تخلو المناجم المرخصة التي تخضع لرقابة الجودة الرسمية من الحوادث الكبرى مقارنة بقطاع التنقيب في القارة.

وفي هذا الصدد، يقول المدير العام إيمينا، إن الشركة المالكة لمنجم "روتنغو" تحرص على الالتزام وتطبيق أعلى معايير السلامة داخل منشآتها، وتلتزم بشكل كامل بمعايير العمل الدولية.

ويضيف أنه لا يمكن الاستعانة بأي عامل أو موظف دون السن القانونية، أي 18 عاما، ولا يمكن دفع رواتب العمال والموظفين إلا بالطرق القانونية عبر حسابات بنكية، وهذه من المعايير الأساسية التي تفرضها الرقابة الحكومية على القطاع.

وخلال السنوات القليلة الماضية، تبنت الحكومة خطة عمل لتحديث القطاع ورفع معدلات السلامة، هدفت إلى جذب رؤوس الأموال الأجنبية في قطاع التعدين، دون أن تنحصر الاستثمارات في عمليات الاستكشاف والاستخراج.

وتقول البروفيسورة مونغانيونكا، إن تبني التقنيات الحديثة في جميع مراحل التعدين، من الاستكشاف إلى التنقيب والاستخراج، شكّل عاملا حاسما في رفع مشاركة القطاع في واردات الخزينة. وبذلك، بدأت رواندا تتجه بخطى ثابتة نحو صناعة التعدين الحديثة، وبناء قيمة مضافة لثرواتها، بعدم الاكتفاء بتصدير المعادن بشكلها الخام، فأنشأت مصافي لتكرير المعادن المستخرجة.

مصفاة "لونا سميلتر" أنشئت كاستثمار مشترك بين الحكومة الرواندية ومساهمين أوروبيين (الجزيرة) مصفاة لونا سميلتر

وللاطلاع على المراحل التي يمر بها القصدير بعد استخراجه، توجهت الجزيرة نت إلى مصفاة "لونا سميلتر"، التي تبعد أقل من 20 كيلومترا عن منجم روتونغو، وتتعامل سنويا مع ما يقارب 40 إلى 50% من مجمل إنتاج رواندا من القصدير، والمقدر بحوالي 500 طن شهريا.

أنشئت "لونا سميلتر" كاستثمار مشترك بين الحكومة الرواندية ومساهمين أوروبيين، وبدأت العمل بإشراف مختصين أجانب، لتتحول خلال 3 سنوات إلى إدارة وطواقم محلية بحسب ما يشرح مدير المنشأة السيد جوزيف بوتيرا، في مقابلة مع الجزيرة نت.

ويقول بوتيرا إن إدارة المصفاة تخطط للتوسع، وتضع ضمن إستراتيجيتها التحول إلى مركز للتكرير في منطقة البحيرات الكبرى، بما يسمح بتكرير منتجات دول مجاورة مثل تنزانيا وبوروندي.

كما يؤكد أهمية معايير السلامة في عمل المصفاة، حيث يتم التحقق من مصدر المعدن الذي تقوم المصفاة بتكريره، ولا تقبل أي منتج يستخرج بعمليات لا تلتزم بمعايير حقوق الإنسان وعدم تشغيل الأطفال. ويقول للجزيرة نت إن الشركة تحافظ على المصدر الفعلي للمعدن الذي تكرره -أي مكان المنشأ- عند وصوله للأسواق.

مدير عام المنجم إيفودو إيمينا يقول إنهم حريصون على تطبيق أعلى معايير السلامة والعمل الدولية (الجزيرة) تنقيب طويل الأمد

وخلال الجولة في منجم روتنغو، ولدى سؤال إيفودو إيمينا عن سبب استمرار العمليات في الموقع لأكثر من 100 عام، قال "إن أجيالا ستمر على الكوكب قبل أن تنضب الاحتياطيات التقديرية للموقع".

وتقدر مونغانيونكا، مديرة كلية الجيولوجيا والتعدين، أن قطاع التعدين في رواندا لم يتخذ شكله النهائي، مع توقعات بنموه لناحية توسعة مناطق التنقيب، والقدرة الإنتاجية بشكلها الخام والمكرر، وبالتالي رفع المساهمة في واردات الخزينة، وتقول إن البلاد تتخذ الخطوات اللازمة للسير سريعا نحو تحقيق الهدف.

ويسهم قطاع التعدين بتشغيل قرابة 13% من مجمل القوة العاملة في رواندا حاليا. وتشمل خطط التحديث التركيز على بناء المهارات المحلية، وهو الدور الذي تلعبه كلية التعدين والجيولوجيا.

وبحسب مديرتها مونغانيونكا، فإن الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في تحديد حجم المخزون الاحتياطي، والاستعاضة عن الأدوات التقليدية بآلات حديثة، وإدارة وسلامة العمليات بشكل كامل، يرفع من ضرورة الاهتمام بتهيئة الكوادر القادرة على العمل في قطاع التعدين كإستراتيجية خاصة بين الشباب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات معاییر السلامة قطاع التعدین الجزیرة نت فی رواندا

إقرأ أيضاً:

واشنطن تطلق تحالفا لمواجهة هيمنة الصين على المعادن والذكاء الاصطناعي

أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تشكيل تحالف دولي جديد تحت مسمى “باكس سيليكا”، في خطوة استراتيجية تهدف إلى تقليص الهيمنة الصينية على العناصر الأرضية النادرة، وتعزيز التفوق الغربي في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة وأشباه الموصلات.

ويأتي إطلاق التحالف ضمن رؤية أوسع تعتمدها إدارة ترامب تحت عنوان “السلام التكنولوجي”، والتي تسعى إلى بناء نظام اقتصادي وتكنولوجي عالمي أكثر استقلالا وأقل اعتمادا على الصين، لا سيما في القطاعات الحساسة المرتبطة بالأمن القومي والصناعات المستقبلية.

تحالف متعدد الأطراف وسلاسل توريد بديلة
وبحسب وزارة الخارجية الأمريكية، يضم تحالف “باكس سيليكا” دولا رئيسية تشكل العمود الفقري لسلاسل توريد الذكاء الاصطناعي العالمية، من بينها: اليابان، كوريا الجنوبية، سنغافورة، هولندا، المملكة المتحدة، الاحتلال الإسرائيلي، الإمارات العربية المتحدة، وأستراليا.

وأكدت الخارجية الأمريكية أن هذه الدول تحتضن كبرى الشركات والمستثمرين الذين يقودون سلاسل الإمداد العالمية في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، ما يمنح التحالف ثقلا اقتصاديا وصناعيا كبيرا.
ويهدف التحالف إلى بناء سلاسل توريد مستقلة عن الصين، خصوصا في قطاعات أشباه الموصلات والمعادن الأرضية النادرة، التي تعد مكونات أساسية للتكنولوجيا المتقدمة، سواء في الاستخدامات المدنية أو العسكرية.

“الحزام والطريق”
وقال جاكوب هيلبرغ، وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون الاقتصادية، إن الإعلان عن التحالف “يمهد الطريق أمام تعاون واسع في مجالات البحث والتطوير والتصنيع وتطوير البنية التحتية”، مشددا على أن الهدف هو منافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية.

وفي تصريح لمجلة بوليتيكو، وصف هيلبرغ التحالف بأنه “سياسة صناعية لتحالف يركز على الأمن الاقتصادي”، معتبرا إياه نقطة تحول في كيفية تعامل الولايات المتحدة وحلفائها مع اقتصاد الذكاء الاصطناعي ومواجهة الصين في هذا المجال.

وأضاف: “لا توجد اليوم مجموعة يمكن أن تجتمع لمناقشة اقتصاد الذكاء الاصطناعي وكيفية منافسة الصين، وباكس سيليكا تسد هذا الفراغ”.


السيليكون في قلب الاستراتيجية الأمريكية
وفي سياق متصل، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن “باكس سيليكا” تمثل منصة لحماية سلسلة القيمة الكاملة للسيليكون، الذي يعد مادة محورية في صناعة أشباه الموصلات، والتصنيع المتقدم، والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي.

وأوضح المسؤولون أن الهدف الأساسي للمبادرة هو تقليل الاعتماد على الدول التي تصنفها واشنطن بأنها “قسرية”، وفي مقدمتها الصين، التي فرضت خلال السنوات الأخيرة قيودا على تصدير المعادن الحيوية، بما في ذلك العناصر الأرضية النادرة.

وخلال الفعالية التمهيدية التي استضافها معهد دونالد جيه ترامب للسلام، استحضر نائب وزير الخارجية الأمريكي كريستوفر لانداو نماذج تاريخية مثل “باكس رومانا” و“باكس أمريكانا”، مشيرا إلى أن “باكس سيليكا” تسعى إلى إنشاء تحالف تقوده الولايات المتحدة لبناء نظام بيئي تكنولوجي “آمن ومرن وموجه نحو الابتكار”.

وأكد لانداو أن واشنطن لا تهدف إلى الانعزال عن العالم، بل إلى إقامة سلاسل إمداد وشبكات معلومات “خالية من التأثيرات غير المشروعة والإكراه الاقتصادي”، الذي قد يحد من الابتكار والمنافسة.

مجالات تعاون واسعة
وستتعاون الدول المشاركة في التحالف في مجالات استراتيجية تشمل المعادن الحيوية، وتصميم الرقائق، وتصنيعها وتجميعها، والخدمات اللوجستية، وشبكات الطاقة، والحوسبة المتقدمة.

وخلال الفعالية، وقع جاكوب هيلبرغ والسفير الياباني لدى واشنطن يامادا شيجيو وثيقة تؤكد التعاون الثنائي بين البلدين في قطاعي المعادن الحيوية وأشباه الموصلات.

وبحسب تقرير بوليتيكو، فإن هذه الخطوة تعكس قلق إدارة ترامب من الهيمنة شبه الكاملة للصين على المعادن الأرضية النادرة، التي تعد ضرورية للتطبيقات العسكرية والمدنية، فضلا عن سيطرة بكين على أجزاء واسعة من سلاسل التوريد العالمية.

وأشار التقرير إلى أن الصين استخدمت نفوذها في هذا القطاع عبر فرض قيود على الصادرات، في محاولة للرد على سياسة إدارة ترامب التي اتسمت بفرض رسوم جمركية واسعة على الواردات الصينية.

كما لفتت المجلة إلى أن استثمارات الصين الضخمة في الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية تمنحها أفضلية تنافسية محتملة في اقتصاد القرن الحادي والعشرين، ما يثير مخاوف واشنطن وحلفائها.

“مجموعة السبع للذكاء الاصطناعي”
وفي توصيف لافت، قال هيلبرغ إن تحالف “باكس سيليكا” يمكن اعتباره “مجموعة السبع لعصر الذكاء الاصطناعي”، موضحا أن التحالف يلتزم بمواءمة ضوابط التصدير، وفحص الاستثمارات الأجنبية، ومعالجة الإغراق التجاري، إلى جانب حماية نقاط الاختناق في سلاسل التوريد العالمية.

وأضاف أن التنسيق بين الدول المشاركة قد يسهم في عرقلة مبادرة الحزام والطريق الصينية، عبر الحد من قدرة بكين على شراء الموانئ والطرق السريعة والممرات اللوجستية الاستراتيجية.

ومن المقرر تدشين التحالف رسميا عبر قمة “باكس سيليكا” التي تنظمها واشنطن ليوم واحد، بمشاركة مسؤولين من الاتحاد الأوروبي وكندا وهولندا والإمارات العربية المتحدة.

وستركز القمة على التعاون في مجالات التصنيع المتقدم، وتكرير المعادن الحيوية، والخدمات اللوجستية، في حين أكد المسؤولون أن الهدف طويل المدى يتمثل في توسيع التحالف ليشمل مزيدا من الحلفاء والشركاء الذين يمتلكون موارد استراتيجية وتكنولوجية وتصنيعية.

مقالات مشابهة

  • عمره 40 ألف سنة.. أقدم حمض نووي ريبوزي وجد بماموث صوفي
  • عصفور الكناري الياباني في منجم فحم الديون العالمية
  • أسوأ كارثة تعدين في العالم!
  • بروميثيوس.. كيف قاد خطأ علمي إلى قطع أقدم شجرة عرفها العالم؟
  • أشجار السدر المعمّرة في وادي الهلالي.. إرث طبيعي نادر شرق عرعر
  • واشنطن تطلق تحالفا لمواجهة هيمنة الصين على المعادن والذكاء الاصطناعي
  • سباق نحو ثروة السماء.. من يملك كنوز القمر في عصر التعدين الفضائي؟
  • قطاع التعدين.. فرص واعدة وخارطة طريق واضحة للاستكشاف
  • شقيق محمد صلاح يعمل موظفًا في بنك ويجذب الزوار بحبهم لـ الأسطورة
  • الذهب يستقر قرب أعلى مستوى له في 7 أسابيع