استطلاع: تصورات لاجئين سودانيين عن الحرب : الاستنفار محرقة للشباب و عسكرة للحياة المدنية
تاريخ النشر: 12th, July 2024 GMT
لقد أثرت حرب ” الجنرالين ” في السودان على حياة الكثير من الشباب السودانيين لا سيما الأجيال التى كانت قد أسهمت في ثورة ديسمبر 2018 التي إطاحت بنظام البشير في أبريل من العام 2019 إلا أن الحرب الحالية التي أعقبت إنقلاب 25 أكتوبر 2021 جعلتهم في خيارات متعددة حيث اختار البعض الإنضمام للقتال في صفوف الجيش السوداني و البعض الأخر في صفوف قوات الدعم السريع بينما ظل آخرون في صف الحياد منخرطين في العمل الإنساني و رافضين لإستمرار الحرب.
التغيير – فتح الرحمن حمودة
و في هذا الإتجاه أجرت «التغيير» مقابلات مع مجموعة من الشباب اللاجئين في العاصمة الأوغندية ” كمبالا أكدوا رفضهم للحرب الحالية و أوضحوا آرائهم بشأن الإستنفار و أسباب تفضيلهم مغادرة السودان بدلا من المشاركة فيه و الوقوف بجانب احد الاطراف المتقاتلة .
خالد كوريا شاب لاجئ، وأحد الرافضين للحرب يرى أن الإستنفار مضر أكثر مما هو مفيد و يقول لـ «التغيير» لإن مهمة القتال في الحروب ليست للمواطنين و إنما الجيوش إو أضاف «إلا أن جيشنا هو السبب الرئيسي في أزمتنا الحالية و كل مستنفر يلقى ينفسه للتهلكة، لو شلت سلاح حيكون موجهه نحو الجيش قبل الدعم السريع».
أما الشاب زمرواي اللاجئ من مدينة الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور، فضل الخروج إلى مكان آمن، وأكد أنه لم يفكر يوماً أن يشارك في الحرب الحالية وقال «التغيير»: إن الإستنفار آلية من اليات الجيش و هي غير مجدية لهذا لم أفكر أن أكون واحداً من المستنفرين لأن تفسيري للحرب أنها تطرح شعارات حرب وجودية و بالنسبة لي أسلم أن أكون خارجها .
و أسفرت الحرب المستمرة حاليا بين الأطراف المتقاتلة في البلاد عن أعمال قتل وسط المدنيين الذين فر معظمهم في موجات نزوح و لجوء لم تكن مسبوقة في تاريخ السودان و لم يكن الشباب بمعزل عن ذلك حيث فر العديد منهم إلى خارج البلاد خصوصا الرافضين للنزاع الدائر ما أثر على حياتهم التعليمية و خططهم المستقبلية المرتبطة باحلامهم و وطنهم .
و أصبحت حرب الجنرالين مهددة لحياة السودانيين و السودانيات منذ اليوم الأول لإندلاعها لجهة أن حجم الموت الذي تسبب فيه هذا الصراع يتزايد بشكل مقلق و يتمدد العنف بشكل يومي بعد أن دخلت فيه أطراف جديدة بدوافع مختلفة ما أثار مخاوف أن تتحول الحرب إلى مجتمعية وقبلية طاحنة خاصة و أن المجموعات المتقاتلة تحاول جر الشباب للقتال في صفوفها .
الشاب إبراهيم المرضي الذي كان قد غادر البلاد لأسباب عديدة و من بينها رفضه للحرب و عدم الانخراط في القتال و هو لاجئ حالياً في أوغندا يرى أن الإستنفار ينصب على خطورة عسكرة الحياة المدنية و تجيش المجتمع و يقول «التغيير»: إن الإستنفار إتجاه خطير للغاية و مخالف لمسار العالم نحو الحياة المدنية و دولة المواطنة و إستخدام وسائل اللاعنف و أضاف المرضي «إن الإستنفار يسير بهم نحو تحويل الشعب كله إلى جيش ما يقود إلى حرب لا نهاية لها» .
أما الشاب عباس الخير ينظر إلى الحرب الحالية بأنها حرب بين جنرالين سافكين لدماء السودانيين خاصة و أنهما عرفا بإنتمائهم للنظام البائد الذي أسقطته ثورة ديسمبر المجيدة و قال لـ «التغيير» إنه خرج من البلاد لأن الطرفين بالنسبة له أعداء للثورة و أنه واحد من المؤمنيين بها وكان يتخوف أن يكون هدفاً لأحد أطراف القتال لذلك فضل الخروج.
ويرى الخير الرافض لعملية الإستنفار، أنه ليس هنالك مبرر للشباب ان يستنفروا مع أحد أطراف الحرب و ويرى أن الحرب بأنالدائرة حالياً في حد ذاتها ليس لديها مشروعية أخلاقية سوى أن يكون هناك دمار و خراب و مزيد من قتل المدنيين و تشريدهم قسريا و تفتيت وحدة البلاد .
كذلك يرفض معاذ عز الدين الذي خرج من منطقته بسبب تعرضه للعديد من المخاطر من قبل اطراف النزاع نتيجة لموقفه الرافض للحرب و يقول لـ «التغيير» إن موقفه هذا يأتي في سياق أخلاقي لأن استمرار الحرب لديه عواقب كثيرة و لابد أن تتوقف عن طريق الأشكال السلمية التفاوضية و أكد أنه رافض للإستنفار طالما هناك جيش نظامي في الدولة مهمته حماية الوطن و المواطن.
و يعارض عمار آدم استنفار المدنيين في الصراع بين الجيش و قوات الدعم السريع و يعتبره جريمة ضد القانون الدولي الإنساني، وأشار إلى أن الطرفين استقطبا المزيد من القوات ما يزيد من تعقيد الوضع و تشكيل مليشيات جديدة.
و يعتقد عمار بحسب حديثه «التغيير» أن الحرب عبثية و تضر بالشعب السوداني مع نزوح الملايين و معاناة نصف السكان من المجاعة لهذا السبب قرر مغادرة البلاد مع عائلته رافضاً المشاركة في القتال و يعتبره بلا هدف .
و يفسر معظم الشباب اللاجيئن الذين خرجوا من البلاد للحفاظ على حياتهم و مستقبلهم أن رفضهم للحرب المستمرة حاليا يأتي في سياق أنها حرب عبثية و غير مجدية و أن عمليات الإستنفار و تسليح المدنيين من قبل الاطراف المتقاتلة لا يعبر عن حلول حقيقة للأزمة و انما يزيد من تعقيد الوضع مما يطيل أمد الحرب .
و منذ منتصف أبريل 2023 يخوض الجيش و الدعم السريع بحربا خلفت أكثر من “15” ألف قتيل و حوالي ” 10″ ملايين نازح و لاجئ وفقاً الأمم المتحدة .
و تزايدت دعوات أممية و دولية لتجنيب السودان كارثة إنسانية قد تدفع الملايين إلى المجاعة و الموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى “12” ولاية من أصل “18” في البلاد .
الوسومالاستنفار الجيش الحرب الدعم السريع الشباب العبثية كمبالاالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الاستنفار الجيش الحرب الدعم السريع الشباب العبثية كمبالا
إقرأ أيضاً:
بعد خسارة شريان النفط.. هل بات الجيش السوداني مجبرا على التفاوض؟
أعاد سقوط مدينة هجليج النفطية في غرب كردفان إلى واجهة المشهد سؤالا ملحا عن مستقبل الحرب في السودان، بعد أن فقدت الخرطوم أحد أهم مواقعها الاقتصادية، وبرزت مخاوف من تغير موازين القوة بما قد يفرض مسارا سياسيا جديدا على أطراف الصراع.
وتمثل هجليج المتاخمة لدولة جنوب السودان نقطة ارتكاز اقتصادية للجيش، إذ اعتمدت الدولة على عائداتها في تمويل العمليات العسكرية وتغطية النفقات الأساسية، ومع انتقالها إلى قوات الدعم السريع وتعليق الشركات الأجنبية نشاطها، يتخذ الضغط المالي على الخرطوم بُعدا أكثر حدة يؤثر مباشرة في قدرة الجيش السوداني على إدارة الحرب.
ويرى الدكتور لقاء مكي، الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات، أن توقف الضخ لا يحرم الخرطوم من عائداتها فقط، بل يضرب البنية الاقتصادية للدولة في لحظة تحتاج فيها الحكومة إلى موارد مضاعفة لتثبيت خطوط الإمداد.
ويعتبر، في حديثه لبرنامج "ما وراء الخبر"، أن خسارة هجليج تنقل الجيش من وضعية القتال إلى وضعية الدفاع عن بقايا موارده الأساسية.
أما على المستوى السياسي، فيمنح سقوط الحقول الدعم السريع نفوذا إضافيا، حيث يعتقد الكاتب والمحلل السياسي محمد تورشين أن السيطرة على هجليج -مثلما حدث سابقا مع مصفاة الجيلي شمال الخرطوم- ستشكل ورقة ضغط لإرباك الحكومة وإفقادها أدوات التمسك بالميدان.
ويصف تورشين هذا التحول بأنه "ضربة مركّبة" تجمع بين استنزاف الجيش اقتصاديا وتوسيع مساحة مناورة الدعم السريع سياسيا.
وتتعاظم أهمية هذا التطور لأن السيطرة على هجليج ليست حدثا معزولا، بل تأتي ضمن سلسلة تقدمات في غرب كردفان.
محاور ضغط متزامنةووفق تورشين، يتحرك الدعم السريع ضمن تصور يهدف إلى خلق محاور ضغط متزامنة على الأُبيّض والدلنج وكادقلي بكردفان، بحيث يجد الجيش نفسه أمام جبهات متوازية تستنزف قدراته في وقت واحد، مع ما يرافق ذلك من اهتزاز معنوي داخل المؤسسة العسكرية.
إعلانهذه التطورات الميدانية ترفع درجة القلق الأميركي، فالدكتور كاميرون هدسون، مستشار المبعوث الأميركي السابق للسودان، يرى أن سيطرة الدعم السريع على مواقع اقتصادية كبرى تدفع واشنطن إلى إعادة النظر في مقاربتها، لأن ميزان القوة يتغير بوتيرة أسرع مما تسمح به التحركات الدبلوماسية.
ويشير إلى أن تقدم الدعم السريع نحو مناطق مأهولة وثقلية مثل الأُبيّض أو أطراف العاصمة الخرطوم، يعني اقتراب الحرب من "منطقة اللاحسم" التي تخشاها الولايات المتحدة.
ويضيف هدسون أن واشنطن تخشى سيناريو يصبح فيه الدعم السريع القوة المهيمنة فعليا على معظم غرب وجنوب السودان، ما يحدّ من فرص فرض تسوية متوازنة، ويعتبر أن هذا المسار يجعل الولايات المتحدة مضطرة للتدخل السياسي بوتيرة أعلى، حتى وإن كانت رؤيتها للحل لا تزال غير مكتملة.
لكن هذا التدخل نفسه يعاني ارتباكا، كما يوضح هدسون، إذ تتباين مواقف البيت الأبيض ووزارة الخارجية والمبعوث الخاص، في مشهد يعكس غياب إستراتيجية موحدة.
ويرى مستشار المبعوث الأميركي السابق للسودان أن الإدارة الأميركية تتصرف وفق منطق "منع الأسوأ" أكثر من سعيها لتحقيق نتائج فعلية، وهو ما يجعل أي مبادرة أميركية عرضة للتراجع أمام سرعة التطورات على الأرض.
على الجانب السوداني، تتعمّق الأزمة مع غياب أدوات بديلة تعوّض خسارة العوائد النفطية، وفي هذا يرى لقاء مكي أن انهيار الإيرادات يضع الجيش أمام اختبار قاسٍ، لأن الحرب لا يمكن إدارتها بلا موارد ثابتة، بينما تزداد كلفة العمليات كلما توسعت رقعة سيطرة الدعم السريع.
ويؤكد أن هذا الخنق المالي يختصر زمن الحرب مهما حاول الجيش تأجيل لحظة التفاوض.
موقف أضعف إقليمياويشير محللون دوليون إلى أن السيطرة على هجليج تقوّض أيضا قدرة الخرطوم على إدارة علاقاتها الإقليمية، خاصة مع دولة جنوب السودان، التي تعتمد على خطوط الأنابيب العابرة لهجليج، فغياب تدفق النفط يخلق توترا جديدا مع جوبا، ويضع الحكومة السودانية في موقف أضعف أمام أي مفاوضات إقليمية مقبلة.
ويؤكد تورشين أن قدرة الجيش على استعادة زمام المبادرة باتت محدودة، لأن الدعم السريع استثمر التفوق في المسيّرات والتقنيات الحديثة لتعطيل السلاح الجوي السوداني وإرباك منظومة الدفاع.
ويرى أن الجيش يواجه اليوم حربا تُدار بأدوات لا يمتلكها، ما يضعه في موقع المتلقي أكثر من موقع الفاعل.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، تبدو فرضية أن يضطر الجيش إلى التفاوض أقرب إلى الواقع، فمعادلة "القتال حتى الحسم" تفقد وجاهتها مع تراجع الموارد، واتساع رقعة السيطرة المضادة، وثبات المجتمع الدولي على مقاربة تسعى لإدارة الأزمة لا حسمها.
ويشير مكي إلى أن الخرطوم، رغم رفضها المتكرر لأي صيغة تضم الدعم السريع، تُدفع تدريجيا نحو الاعتراف بأن استبعاد خصم يسيطر على نصف البلاد ليس خيارا قابلا للتطبيق.
ورغم ذلك، تبقى التسوية بعيدة عن الصياغة النهائية، فالقوى الإقليمية والدولية لم تتفق بعد على شكل النظام السياسي المقبل، والدعم السريع نفسه لا يمتلك أدوات حكم مستقرة، والجيش يرفض منح خصمه شرعية سياسية.
إعلانلكن المؤكد أن سقوط هجليج أزاح ورقة اقتصادية كبرى كانت الخرطوم تعوّل عليها، وأدخل الحرب في مرحلة جديدة تُكتب قواعدها تحت ضغط الوقائع لا تحت سقف البيانات.